الأردن وأضرار الإغراق في التوقعات
تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT
الأردن وأضرار الإغراق في التوقعات
في تصريح لأحد أركان الحكومة قال إن المواطن الأردني قد يلمس آثار الرؤية التحديثية الثلاثية لكن خلال عشر سنوات.
استمرار ترديد كليشيهات قديمة عن الإصلاحات ودورها التنموي بالمجال الاقتصادي والإداري ليست أكثر من ذر للرماد في العيون.
كل الخطابات واللجان الاستشارية ومخرجاتها والوثائق كانت تعد الأردنيين بسياسات تنتهي بأن يتلمسوا مباشرة آثار التحديث.
استخدام نفس التعبيرات بعد 20 عاما يعني استرسالا في تكوين أطنان من الورق يتضمن عبارات وفقرات منمقة ومليئة بالطموح المبالغ فيه في المسألة الاقتصادية.
يجب أن تعد الحكومة الأردنيين حصرا بما تستطيعه وفقا للوقائع، لأن الحديث عن آمال قد لا تحصل لا يشكل إدارة حكيمة ورشيدة والاستمرار بتوقع نتائج مذهلة بعد إنجاز عادي روتيني لا بد أن يتوقف.
* * *
ردود فعل غالبية الأردنيين في القاعدة الشعبية وحتى في بعض النخب السياسية على ما سمعوه بمناسبة عام على الرؤية التحديثية في المجالين الاقتصادي والإداري، تحتاج إلى تأمل عميق لأنها تشكل مفتاحا لحل الأزمة التي يشكو منها اليوم كبار المسؤولين عند حديثهم عن مصداقية خطاب الإصلاح بمساراته الثلاثة.
بعض ردود الفعل تلك وفي حال رصدها، تبلغك ضمنا باللجوء إلى مقاربات السخرية اللاذعة في بعض التعليقات، خصوصا على منصات التواصل الاجتماعي.
ردود فعل أخرى من الناس العاديين تثبت بأن الشارع له ذاكرة وأي سياسي يجازف بتجميد أو وفاة تلك الذاكرة يقع في إطار الرهان الخاسر.
أحدهم نشر تعليقا استذكر فيه أن الشارع سمع نفس الخطابات ونفس الكلام قبل عشر سنوات، ومن جهة وزراء في الطاقم الاقتصادي أيام مؤتمر دافوس الاقتصادي الذي انعقد في البحر الميت.
سياسي من طراز رفيع أرسل لي نسخة من رد حكومة الرئيس علي أبو الراغب قبل نحو 20 عاما على توجيه مرجعي وملكي بخصوص تشكيل لجنة الأردن أولا وفي المضامين في رد الحكومة آنذاك بعض الكلمات والعبارات والأفكار التي وردت بعد 20 عاما في لغة وأدبيات ونصوص اجتماع البحر الميت. ما الذي يثبته ذلك بصورة محددة؟
هذا سؤال قد لا نميل كأردنيين ومن باب تقاليد احترامنا لمؤسساتنا إلى طرحه بصورة علنية.
لكن المواطن الأردني وفي العقل الاجتماعي الجامع الأفقي يطرح مثل هذا السؤال، لأن استخدام نفس التعبيرات وبعد 20 عاما تقريبا يعني الاسترسال في تكوين أطنان من الورق الذي يتضمن عبارات وفقرات منمقة ومليئة بالطموح المبالغ فيه، خصوصا في المسألة الاقتصادية.
ويعني أيضا وقد يكون ذلك الأهم أن هذا الورق لم ينعكس خلال عقدين على الأقل على حياة المواطنين.
ثمة ما يدفع للتأمل في تصريح لأحد أركان الحكومة قال فيه بأن المواطن الأردني قد يلمس آثار الرؤية التحديثية الثلاثية لكن خلال عشر سنوات.
المسؤول يقرر الحفاظ على مصداقية الخطاب وعدم رفع التوقعات، والمصيبة هنا أن مثل هذه المصارحة للناس تأتي في وقت صعب وعصيب، فالمواطن الأردني في الأزمة المعيشية يحتاج الى إجراء سريع أمس الأول وليس غدا أو اليوم، وفي الأزمة المعيشية يتعامل الناس مع مقتضياتها اليوم بالقطعة، فيما تقول لهم الحكومة للمواطن إنه يمكن خلال عشر سنوات أن يلمس آثار الرؤية التحديثية التي تقدمت بها الحكومة تنفيذيا وإجرائيا مؤخرا.
لا نذيع سرا إذا قلنا إن مثل هذا الكلام تكرر على لسان غالبية رؤساء الوزارات في ربع القرن الأخير، وإن كل الخطابات واللجان الاستشارية ومخرجاتها والوثائق كانت تعد الأردنيين بسياسات تنتهي بأن يتلمسوا مباشرة آثار التحديث. لكن تلك الآثار تتحول وتتسلل ولا تلمس فيما غير المنصف تحميل الحكومة الحالية مسؤولية التراكم والركام.
الاستمرار في ترديد كليشيهات قديمة عن الإصلاحات ودورها التنموي على الأقل في المجالين الاقتصادي والإداري ليست أكثر من ذر للرماد في العيون، وبالنسبة لبعض الحكومات قد لا تساوي الأوراق التي يقال فيها الآن ثمنها وكلفتها المادية.
طبعا عمليا من حق الحكومة ـ أي حكومة ـ أن تقول ما تريده وأن تعد المواطنين بما تستطيع فعله وما لا تستطيع فعله.
لكن مجددا ندخل كأردنيين هنا في مفارقة أزمة المصداقية في الخطاب وفي الوعد والالتزام، وندخل وقد يكون هذا الأكثر حساسية في أزمة حرجة عنوانها الاستمرار في علك الكلام وتقديم تقييمات وتقديرات تثبت الحكومات المتعاقبة بأنها إما عاجزة عن تنفيذها والالتزام بها.
وبالتالي تستمر عملية تغليف الغبار أو إعادة تعبئة الهواء، بما تنطوي عليها الآن من مخاطر في ظل استمرار سيناريو تضليل القيادة والناس معا.
وبالتالي السحب من رصيد الدولة وبالتدريج وبعملية يبدو أن بعض صناع القرار لا يجدون فيها إلا المعادل الموضوعي بدلا من الإنتاجية والعمل الحقيقي.
سمعت شخصيا نخبة من كبار المسؤولين في الحكومة وهم يتحدثون وجها لوجه أمامي عن تقديراتهم الحقيقية، سواء في التمكين الاقتصادي او في الإصلاح الإداري على الأقل وما سمعته كان موضوعيا ومهنيا ويعبر عن الآمال فقط ولكنه يقرأ الوقائع.
وما سمعته من هؤلاء علنا وأمام الإعلام، إغراق في التوقعات بدون مبرر، يخالف مضامين ما نسمعه في لقاءات وجاهية وثنائية.
هذا النمط من الفصام ضار جدا وينبغي أن يتوقف ويمكن للحكومة ومعها الدولة أن تتحدثا بلغة أبسط بدون استعراضات، ولا اجتماعات عريضة في صالات وقصور مؤتمرات، وأن تعد الأردنيين حصرا بما تستطيع تنفيذه وفقا للوقائع، لأن الحديث عن آمال قد لا تحصل لا يمكنه أن يشكل إدارة حكيمة ورشيدة.
ولأن الاستمرار بتوقع نتائج مذهلة بعد إنجاز عادي روتيني يتوجب أن يتوقف.
*بسام البدارين كاتب صحفي وإعلامي أردني
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الأردن حكومة توقعات المجال الاقتصادي عشر سنوات
إقرأ أيضاً:
عاجل - البنك المركزي يثبت سعر الفائدة في آخر اجتماعات 2024
قررت لجنة السياسة النقديـة للبنك المركزي المصري في اجتماعهـا يـوم الخميس الموافـق 26 ديسمبر 2024 الإبقاء على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند 27.25% و28.25% و27.75%، على الترتيب. كما قررت الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند 27.75%. كما تقرر خلال الاجتماع تمديد الأفق الزمني لمعدلات التضخم المستهدفة إلى الربع الرابع من عام 2026 والربع الرابع من عام 2028 عند 7% (± 2 نقطة مئوية) و5% (± 2 نقطة مئوية) في المتوسط على الترتيب، وذلك اتساقا مع التقدم التدريجي للبنك المركزي نحو اعتماد إطار متكامل لاستهداف التضخم.
على الصعيد العالمي، واصلت البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة والناشئة خفض أسعار العائد تدريجيا في ضوء استمرار تراجع معدلات التضخم، مع الإبقاء على سياسات التشديد النقدي، إذ إن معدلات التضخم المحققة لا تزال تتجاوز المستويات المستهدفة. ويتسم معدل النمو الاقتصادي باستقراره إلى حد كبير وتشير التوقعات إلى أنه سوف يستمر عند مستوياته الحالية، وإن كان لا يزال أقل من مستويات ما قبل جائحة كورونا. ومع ذلك، تظل توقعات النمو عُرضة لبعض المخاطر ومنها التأثير السلبي للتشديد النقدي على النشاط الاقتصادي، والتوترات الجيوسياسية، واحتمالية عودة السياسات التجارية الحمائية. وبالنسبة للأسعار العالمية للسلع الأساسية، فقد شهدت تقلبات طفيفة في الآونة الأخيرة، وتشير التوقعات بانخفاض محتمل في أسعارها، وخاصة منتجات الطاقة. ومع ذلك، لا تزال المخاطر الصعودية تحيط بمسار التضخم، بما في ذلك اضطرابات التجارة العالمية والتأثير السلبي لأحوال الطقس على الإنتاج الزراعي.
وعلى الجانب المحلي، تفيد المؤشرات الأولية للربعين الثالث والرابع من عام 2024 باستمرارية تعافي النشاط الاقتصادي، مع تسارع وتيرة نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي مقارنة بالربع الثاني من عام 2024. ومع ذلك، يظل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي أقل من طاقته القصوى، مما يدعم الانخفاض المتوقع في التضخم خلال عام 2025، ومن المتوقع أن يحقق طاقته القصوى بنهاية السنة المالية 2025/2026. وفيما يتعلق بالأجور، لا تزال الضغوط التضخمية الناجمة عنها محدودة في ظل ضعف معدل النمو الحقيقي للأجور.
وعلى الرغم من أن المعدل السنوي للتضخم العام شهد استقرارا خلال الثلاثة أشهر الماضية، فقد تراجع في نوفمبر 2024 إلى 25.5٪ نتيجة انخفاض أسعار المواد الغذائية، إذ سجلت أسعار المواد الغذائية الأساسية والخضروات الطازجة أدنى معدل تضخم سنوي لها فيما يقرب من عامين عند 24.6٪ خلال نوفمبر 2024. بينما ارتفعت الأسعار المحددة إداريا للسلع غير الغذائية، بما في ذلك منتجات الوقود والنقل البري ومنتجات التبغ، بما يتسق مع إستراتيجية زيادة الإيرادات الرامية إلى الحد من العجز المالي. وعليه، انخفض المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 23.7٪ في نوفمبر 2024 مقابل 24.4٪ في أكتوبر 2024. وتشير هذه النتائج، جنبا إلى جنب مع تحسن توقعات التضخم وعودة معدلات التضخم الشهرية إلى نمطها المعتاد، إلى أن التضخم سوف يواصل مساره النزولي.
وبعد عامين من الارتفاع الحاد في معدلات التضخم عالميا، بدأ التضخم في الاقتصادات المتقدمة والناشئة في التراجع، وإن كان لا يزال أعلى من معدلاته المستهدفة. وبالمثل، بدأ معدل التضخم العام في مصر في التراجع خلال الآونة الأخيرة، ومن المتوقع أن يسجل نحو 26% في الربع الرابع من عام 2024 في المتوسط، متخطيا بذلك المعدل المستهدف للبنك المركزي البالغ 7% (± 2 نقطة مئوية). ويرجع ذلك إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية المحلية والعالمية خلال الفترة 2022-2024، من أهمها: (1) تراكم الاختلالات الخارجية نتيجة ارتفاع الأسعار العالمية للمواد الغذائية خلال عام 2021، والتضخم المستورد، وتخارج استثمارات حافظة الأوراق المالية عقب اندلاع الصراع الروسي الأوكراني، (2) وصدمات العرض المحلية وعدم ترسيخ توقعات التضخم، وأخيرا (3) إجراءات ضبط أوضاع المالية العامة بهدف التشديد المالي ووضع الدين على مسار نزولي. وقد أدت هذه التطورات مع تحركات سعر الصرف إلى تخطي التضخم معدله المستهدف، إذ بلغ المعدل السنوي للتضخم العام ذروته عند 38.0% في سبتمبر 2023 قبل انخفاضه إلى 25.5% في نوفمبر 2024.
وبدءا من مارس 2024، اتخذ البنك المركزي المصري عددا من الإجراءات التصحيحية بهدف استعادة استقرار الاقتصاد الكلي، مما أدى إلى احتواء الضغوط التضخمية وخفض التضخم العام. ومن أبرز هذه الإجراءات السياسة النقدية التقييدية التي اتبعها البنك المركزي، وتوحيد سوق الصرف الأجنبي مما ساعد على ترسيخ توقعات التضخم، وجذب المزيد من تدفقات النقد الأجنبي. ورغم ذلك، تتضمن المخاطر المحيطة بالتضخم احتمالات تفاقم التوترات الجيوسياسية وعودة السياسات الحمائية وزيادة تأثير إجراءات ضبط المالية العامة. وتشير التوقعات إلى أن التضخم سيتراجع بشكل ملحوظ بدءا من الربع الأول من عام 2025 مع تحقق الأثر التراكمي لقرارات التشديد النقدي والأثر الإيجابي لفترة الأساس، وسوف يقترب من تسجيل أرقام أحادية بحلول النصف الثاني من عام 2026.
وبالنظر إلى توقعات التضخم وتطوراته الشهرية، ارتأت لجنة السياسة النقدية أنه من المناسب تمديد الأفق الزمني لمستهدفات التضخم إلى الربع الرابع من عام 2026 والربع الرابع من عام 2028 عند 7% (± 2 نقطة مئوية) و5% (± 2 نقطة مئوية) في المتوسط، على الترتيب، ومن ثم إتاحة مجال لاستيعاب صدمات الأسعار دون الحاجة للمزيد من التشديد النقدي، وبالتالي تجنب حدوث تباطؤ حاد في النشاط الاقتصادي.
وفي ضوء ما تقدم، ترى اللجنة أن الإبقاء على أسعار العائد الأساسية للبنك المركزي دون تغيير يعد ملائما حتى يتحقق انخفاض ملحوظ ومستدام في معدل التضخم، بما يؤدي إلى ترسيخ التوقعات وتحقيق معدلات التضخم المستهدفة. وسوف تتخذ اللجنة قراراتها بشأن مدة التشديد النقدي ومدى حدته على أساس كل اجتماع على حدة، مع التأكيد على أن هذه القرارات تعتمد على التوقعات والمخاطر المحيطة بها وما يستجد من بيانات. وسوف تواصل اللجنة مراقبة التطورات الاقتصادية والمالية عن كثب وتقييم آثارها المحتملة على المؤشرات الاقتصادية، ولن تتردد في استخدام كل الأدوات المتاحة للوصول بالتضخم إلى معدلاته المستهدفة من خلال الحد من الضغوط التضخمية من جانب الطلب واحتواء الآثار الثانوية لصدمات العرض.