عربي21:
2025-02-02@02:32:43 GMT

انقلاب الغابون وازدواجية المعايير الغربية

تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT

بعد انقلاب النيجر تحركت فرنسا بكل قواها وجرت معها الاتحاد الأوروبي، ومجموعة الإيكواس من أجل الضغط على قادة الانقلاب لإعادة الحكم إلى الرئيس السابق محمد بازوم واستعادة الوضع الدستوري، وقامت فرنسا بكل ما تستطيع من وسع للضغط على حلفائها لتوحيد اللغة تجاه الانقلاب، واستصدار إدانة في حقه والتهديد بالتدخل العسكري.



الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب المغرب، كانت لهما لغة خاصة، بعيدا عن التغريدة الفرنسية، تتفق على مفهوم استعادة الوضع الدستوري، ولكنها لا تدين الانقلاب، ولا تجعل ضمن موقفها الدبلوماسي استعادة الرئيس محمد بازوم للحكم، ولا حتى الحديث عن التدخل العسكري.

الاتحاد الأوروبي، كان موقفه صارما من هذا الانقلاب، إذ قدم دعما كبيرا للموقف الفرنسي، سواء من خلال التأكيد على ضرورة استعادة الرئيس محمد بازوم لحكمه، أو الدعوة إلى اتخاذ رد صارم تجاه قادة الانقلاب، أو توقيف التعاون الأمني مع النيجر، أو التحضير لفرض عقوبات رادعة ضدهم، أو دعم السفير الفرنسي بنيامي الذي طالبته سلطات الانقلاب بمغادرة النيجر في ظرف 48 ساعة، وأصرت فرنسا على بقائه هناك، حتى اضطرت سلطات النيجر إلى نزع الصفة الدبلوماسية عنه.

في انقلاب الغابون، اختلفت الأمور كثيرا، فمع أن المستهدف الأول من هذا الانقلاب هو المصالح الفرنسية، إلا أن الموقف الفرنسي عرف تحولات غير مفهومة بالنظر إلى نسق الموقف الذي تم اتخاذه من انقلاب النيجر.

في البدء، أعلن الناطق باسم الحكومة الفرنسية أوليفييه فيران إدانة باريس الانقلاب العسكري الجاري في الغابون، ومراقبة باريس لتطورات الوضع، محاولا تقديم إسناد للرئيس الغابوني علي بونغو من خلال الحديث عن ضرورة احترام نتائج الانتخابات حينما تعرف.

موقف فرنسا من انقلاب النيجر بدا مختلفا عن موقفها من انقلاب الغابون، فلم تتضمن تصريحات المتحدث باسم الرئاسة أو الخارجية الفرنسية أي إشارة إلى التدخل العسكري لاستعادة بونغو لحكمه، بل بقيت منفتحة على التطورات، ولم تستتبع الإشارة إلى ضرورة الحفاظ على نتائج الانتخابات بأي مواقف أخرى تؤكد إصرار باريس على عودة الرئيس علي بونغو.

فرنسا، التي تحتفظ بعلاقات قوية مع عائلة بونغو، وتتمتع بمصالح قوية في قطاع النفط والتعدين، وتستحوذ على صادرات الغابون، امتنعت عن الإشارة إلى أي تصعيد تجاه قادة الانقلاب، وظلت تراقب مواقفهم تجاه المصالح الفرنسية.

الخلفية الثقافية والسياسية التي يتمتع بها قادة الانقلاب، سمحت لهم بالتحرك بذكاء، وتلافي التصعيد الفرنسي والأوروبي والإفريقي ضد انقلابهم، فقد منح قائد الانقلاب أول حوار له إلى جريدة لوموند الفرنسية، وهو ما تمت قراءته على أساس طمأنة للمصالح الفرنسية، وعدم رغبة في تكرار النموذج المالي والبوكينابي والنيجري، وأرسل إشارة مهمة من خلال طمأنة شركة التعدين الفرنسية «إيراميت» التي تملك وحدة «كوميلوغ» لإنتاج المنغنيز في الغابون، وإقناعها بضرورة استئناف عملها في الغابون، وهو ما يؤشر على وجود تفاوض ما بين باريس وبين قادة الانقلاب، أو مقايضة بين تأمين حد معتبر من المصالح الفرنسية بالغابون مقابل القبول بالوضع وجعل عائلة علي بونغو في سجل النسيان.

الأكثر من ذلك أن الرغبة في تلافي أخطاء قادة الانقلاب في النيجر، دفعت قادة الانقلاب في الغابون إلى التعامل بشكل مرن وإيجابي مع الرئيس علي بونغو، وذلك من خلال إحالته على التقاعد بدل احتجازه، كما تم إعلان الجنرال بريس أوليغي نغيما رئيسا للمرحلة الانتقالية دون تحديد مدتها، وذلك حتى يبقي قادة الانقلاب هذه الورقة سلاحا قويا في التفاوض مع الاتحاد الإفريقي ومجموعة الإيكواس وفرسا وواشنطن والاتحاد الأوروبي.

الموقف الأوروبي كان أكثر إثارة، فقد أخذ مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، يفلسف الفرق بين انقلاب الغابون وانقلاب النيجر، مدعيا أنه لا مقارنة بينهما، محاولا تبرير الانقلاب بتدخل الرئيس علي بونغو في الانتخابات وتزويرها لصالحه (سرقة الانتخابات). ولأن هذا التصريح يمكن أن يجلب عليه انتقادات كبيرة، لأنه يندرج ضمن الحفز على الانقلابات العسكرية في منطقة هشة لا تقوم فيها العملية الديمقراطية على أساس متين، حاول بوريل أن يستدرك الأمر، بالقول بأن الانقلابات العسكرية ليست هي الحل، وأن تزوير الانتخابات يعتبر في الجوهر انقلابا مؤسساتيا.

الخطير في كلام بوريل الذي يبرر فيه انقلاب الغابون، أنه بدأ يؤسس لمفهوم جديد، ستكون له تداعيات خطيرة على الفكرة الديمقراطية، فواضح أن الرجل يدعم فكرة الانقلاب العسكري في مواجهة الانقلاب المؤسساتي، وهو سابقة خطيرة من مسؤول أوروبي كبير، يمكن أن تلهم ضباط الجيش في عدد من الدول الإفريقية للتدخل للسيطرة على السلطة بنفس المبرر.

واضح من لغة جوزيف بوريل أن الاتحاد الأوروبي، يسير وراء مصالح فرنسا، وأنه بدل أن يتخذ موقفا صارما تجاه انقلاب الغابون، فضل أن ينهج نهج الوساطة لحل الأزمة في الغابون، وأنه ليس له أي خطط لإجلاء مواطنيه كما حدث في النيجر، وذلك في إشارة منه إلى أن قادة الانقلاب في الغابون، يسيرون لحد الآن في منحى لا يعارض المصالح الفرنسية والأوروبية، وأن الموقف ينبغي أن يساير التطورات، حتى تبرز المؤشرات التي تبين العكس.

تفسير هذا التناقض في الموقف بين الحال النيجرية والحالة الغابونية، أن تقدير الموقف الفرنسي والأوروبي، أن روسيا، عبر شركاتها الأمنية (فاغنر) أو علاقاتها الدبلوماسية، لا تقف وراء الانقلاب، وأن سبب الانقلاب على الأقل كما حاول قادة الانقلاب أن يصوروا الأمر، هو جواب عن حالة أزمة مؤسساتية، وإفلاس اقتصادي وعجز سياسي، وفقر اجتماعي، وفساد رئاسي وحكومي فضلا عن عدم أهلية الرئيس للحكم بسبب حالته الصحية، وأن الأمر لا يتعلق بأي حال من الأحوال بوجود نزوع مستقل يحاول التحرر من النفوذ الفرنسي.

الازدواجية الغربية في التعامل مع انقلاب الغابون يفسرها شيء واحد هو تقييم الانقلابات، وما إذا كانت خادمة للمصالح الأوروبية أو مهددة لها، وما إذا كانت تتمتع بالقاعدة الاجتماعية التي تسعفها في حفظ الاستقرار والأمن بما يبعد التهديدات الأمنية وعن المصالح الغربية الاستراتيجية، أو لا يتوفر على هذه القاعدة الشعبية.

في الحالة النيجرية، تأكد لفرنسا والاتحاد الأوروبي، أن الدور الروسي قوي، وأن هذا الانقلاب يندرج ضمن حلقات فك الارتهان بباريس والتحرر من نفوذها في المنطقة، ولذلك جاء الرد صارما من قبل فرنسا والاتحاد الأوروبي، إذ أصر ماكرون في حديثه إلى السفراء على مطلب إعادة الرئيس محمد بازوم إلى الحكم، لكن في الحالة الغابونية كان الأمر مختلفا، ففرنسا، والاتحاد الأوروبي، لا يزالان يعتبران أن التفاوض والحوار مع قادة الحوار سيؤمن المصالح الأوروبية، وأن المنطقة خلو من النفوذ الروسي، في حين تراهن واشنطن على توسيع نفوذها الضعيف في الغابون، واستغلال الانقلاب للتقليص من النفوذ الصيني المتنامي بالغابون.
(القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الغابون الإنقلاب أفريقيا الغابون مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة والاتحاد الأوروبی الاتحاد الأوروبی انقلاب الغابون انقلاب النیجر قادة الانقلاب محمد بازوم فی الغابون علی بونغو من خلال

إقرأ أيضاً:

وفد من المكتبة الوطنية الفرنسية يزور «بيت الحكمة»

الشارقة (الاتحاد)
بتنسيق من دائرة العلاقات الحكومية بإمارة الشارقة، وبحضور الشيخة رأد بنت فاهم القاسمي، تنفيذي العلاقات الفرنكوفونية بالدائرة، استقبلت مروة العقروبي، المديرة التنفيذية لبيت الحكمة في الشارقة، جيل بيكو، رئيس المكتبة الوطنية الفرنسية، والوفد المرافق له، ضمن جولته في الإمارة على هامش المشاركة في احتفالية مئوية المكتبات العامة التي نظمتها مكتبات الشارقة في حصن الشارقة بمنطقة قلب الشارقة.
جاءت هذه الزيارة في إطار تعزيز التعاون الثقافي بين بيت الحكمة والمكتبة الوطنية الفرنسية، وفتح آفاق جديدة لتبادل المعرفة والخبرات بين المؤسستين، كما شكلت فرصة لاستكشاف بيت الحكمة باعتباره نموذجاً عصرياً لمكتبات المستقبل، يدمج بأسلوب مبتكر بين مفهومي المكتبة والملتقى الاجتماعي والثقافي.
واصطحبت مروة العقروبي الوفد الفرنسي في جولة تعريفية شملت الأقسام والمرافق المتنوعة لبيت الحكمة، مقدمة لهم شرحاً وافياً عن أهداف بيت الحكمة، وأدواره والغايات التي تأسس لأجلها، حيث تضمّنت الجولة زيارة لـ«خزانة الحكمة» التي تضم آلاف العناوين القديمة والنادرة من بينها 646 مؤلفاً تاريخياً نادراً باللغة الفرنسية، حصل عليها بيت الحكمة كإهداء كريم من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.

وقالت العقروبي: «تأتي مشاركة كبرى المكتبات التاريخية والمؤسسات الثقافية العريقة من جميع أنحاء العالم في احتفالات الشارقة بمئوية مكتباتها، لتعكس مكانة الإمارة كمركز رئيسي للمعرفة، وتؤكد على دورها في تعزيز أثر المكتبات في التنمية المستدامة. في هذا السياق، فإن زيارة جيل بيكوت، الذي يرأس واحدة من أعرق المكتبات على مستوى العالم، تشكّل فرصة مهمة لبحث آفاق التعاون وتعزيز دور المؤسسات الثقافية في ترسيخ الحوار الثقافي والتبادل المعرفي».
خلال الزيارة، تجوّل الوفد في أروقة معرض جلال الدين الرومي، الذي يستضيفه بيت الحكمة خلال الفترة الحالية، حيث تفقّد أقسامه الثلاثة وما يحتويه من روائع المقتنيات المتحفية النادرة، التي تحكي فصولاً من حياة الرومي وإرثه الخالد. 

أخبار ذات صلة سارة حواس: 20 شاعراً أميركياً «ولاؤهم للروح»

والتقى جيل بيكو كذلك بوفد طلابي من أطفال المدرسة الفرنسية الدولية في الشارقة أثناء زيارتهم لبيت الحكمة، حيث قدم لهم لمحة عن المكتبة الوطنية الفرنسية وتاريخ تأسيسها وما تتضمنه من مقتنيات ومحتويات تاريخية.
من جانبه، قال جيل بيكو: «سعدتُ بزيارة بيت الحكمة والتعرف على هذا الصرح الثقافي المتميز، الذي يجسّد مفهوماً عصرياً للمكتبات، ويقدم للجمهور أحدث المصادر المعرفية وفق أحدث التقنيات المبتكرة. كما كانت جولتي في معرض جلال الدين الرومي تجربة استثنائية، فهو يمثل إضافة قيّمة للمشهد الثقافي في الشارقة، من خلال استعراض المسيرة والإرث الخالد لهذا الشاعر والفيلسوف، الذي ترك بصمة كبيرة في تاريخ الفكر والحكمة».
وأضاف: «هذه الزيارة تفتح آفاقاً جديدة للتعاون بين المكتبة الوطنية الفرنسية والمكتبات العريقة في إمارة الشارقة، وبخاصة في مجالات التبادل الثقافي والعلمي والمعرفي». 

مقالات مشابهة

  • رسميا.. إلغاء اتفاقيات التجارة والصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب في الصحراء الغربية
  • وفد من المكتبة الوطنية الفرنسية يزور «بيت الحكمة»
  • وزير التعليم يبحث مع عضو بالبرلمان الألماني إنشاء 100 مدرسة وفق المعايير العالمية
  • الاتحاد الأوروبي يرحب بخطاب الرئيس الشرع: يخدم تطلعات الشعب السوري
  • أهالى الغربية ينتفضون لتأيييد الرئيس السيسى ودعم القضية الفلسطينية
  • ذياب بن محمد بن زايد يهنئ النيجر لقضائها على داء العمى النهري
  • الحكومة أسيرة المعايير.. هل تقصّد سلام طمأنة داعميه؟!
  • الرئيس عون عرض الاوضاع مع سفيرة لبنان في الغابون والنائب الدويهي
  • إصابة جنديين إسرائيليين بجروح خطيرة شرق الضفة الغربية
  • منخفض جوي يدفع السلطات الفرنسية إلى رفع تحذير أحمر من الفيضانات