وصف أهل الغفلة في القرآن.. علاماتهم ولماذا شبهوا بالأنعام؟ احذر أن تكون منهم
تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT
حذر القرآن الكريم في مواضع عدة من الغفلة، وبين علامات الغافلين في نحو 35 موضعًا، فما هو وصف أهل الغفلة، ولماذا شبهوا بالأنعام؟، وما المقصود بالتشبيه في الآية؟
وصف أهل الغفلة.. علاماتهم ولماذا شبهوا بالأنعام؟الغفلة لغة «الغين والفاء واللام، أصل صحيح يدل على ترك الشيء سهوًا، وربما كان عن عمد»، وعلى هذا فإن الغفلة تعني في اللغة: الترك والسهو، فيقال: «غَفَلَ عَنْهُ يَغْفُلُ غُفولًا وغَفْلَةً، وأَغْفَلَهُ عَنْهُ غَيْرُهُ وأَغْفَلَهُ: تركه وسها عنه»، وقال الراغب الأصفهاني: «وأرض غفلٌ: لا منار بها، ورجل غفلٌ: لم تسمه التجارب، وإغفال الكتاب تركه غير معجم».
وتدور معاني مادة غفل حول : ترك الشيء سهوًا، وإذا أضيفت إليها الهمزة لتصبح أغفل، فإنها تكون بمعنى ترك الشيء عمدًا، والغفلة في الاصطلاح كما عرفها الراغب الأصفهاني بأنها: «سهو يعتري الإنسان من قلة التحفظ والتيقظ»، وعرفها الجرجاني بأنها: «متابعة النفس على ما تشتهيه»، ثم ذكر تعريفًا ثانيًا لأحد السلف الصالح، بقوله: «الغفلة: إبطال الوقت بالبطالة»، وعرفها المناوي بأنها: «فقد الشعور بما حقه أن يشعر به»، أما عن الغفلة في الاستعمال القرآني، فقد وردت مادة غفل في القرآن الكريم 35 مرة.
كشف الدكتور على جمعة عضو هيئة كبار العلماء، عن وصف أهل الغفلة، في بيانه آية قرآنية عن الغفلة: حيث يقول ربنا سبحانه وتعالى في وصف أهل الغفلة ممن ذرأهم وخلقهم للنار من الجن والإنس: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}، موضحًا أنه سبحانه وتعالى شبّه أهل الغفلة بالأنعام، في أي شيء؟ في أنهم لا يستعملون حواسهم التي منحهم الله إياها، وأنعم بها عليهم من السمع، والبصر، والقلب لا يستعملونها في تحصيل العلم الموصل إلى الله سبحانه وتعالى.
وتابع علي جمعة أن الأنعام تعبد الله سبحانه وتعالى بالحال، ولا تعبده بالقال؛ لأنها لم تُعط ذلك العقل المدبر، الحكيم، المتراكب، المتراكم الذي أعطاه الله للإنسان؛ ولذلك ما رأينا حيوان قط بنى حضارة، فالتشبيه هنا بين أهل الغفلة والأنعام جاء من عدم ربط المعلومات، لكن هم لهم آذان، ولهم أسماع، ولهم دماغ ؛ والدماغ فيه مخ، لكن سبحان الله، ليس عنده قدرة الربط بين المعلومات، والتوصل منها إلى مجهول، وليس عنده الذاكرة التي تسمح له أن يسترجع ويبني، لكن الإنسان عنده؛ فعندما لا يستعمل قلبه وعينه وأذنه، ولم يربط المعلومات ربطًا صحيحًا ممكنًا خلقه الله فيه، شابه الأنعام في عدم الربط، ولم يشابه الأنعام في عبادة الله {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ} ولكن الأنعام تعبد الله تعالى، {بَلْ هُمْ أَضَلُّ} هذا تشبيه في جهة وحيدة وهى عدم القدرة على ربط المعلومات، هذا هو الشبه ما بين أهل الغفلة وما بين الأنعام، لكن الأنعام يتميزون عليهم ويفوقوهم في أنهم يعبدون الله سبحانه وتعالى.
يقول الشيخ بندر بليلة، إمام وخطيب المسجد الحرام، إن الغَفْلةَ عن ذِكر اللهِ تعالى تعد مِنْ أَعظَمِ أنواعِ الغَفَلاتِ، فهي الجالبةُ لغيرها من الغَفَلاتِ، المحيطةُ بألوانٍ من التِّيهِ والضَّياعِ والشَّتَاتِ، مبينًا أنه لذلك قال-تعالى ذِكرُه- آمرًا نبيَّه بالذِّكْر وناهيًا إيَّاهُ عن الغَفْلةِ: «وَاذكُر رَبَّكَ في نَفسِكَ تَضَرُّعًا وَخيفَةً وَدونَ الجَهرِ مِنَ القَولِ بِالغُدُوِّ وَالآصالِ وَلا تَكُن مِنَ الغافِلينَ»، فجعل سبحانه تاركَ الذِّكرِ غافلًا.
وفي بيان أنواع الغفلة، فمنها: الغفلةُ عن التفكُّرِ في الآياتِ الكونيَّةِ والشَّرعيَّةِ، فتأتيْ واحدةً بعد واحدةٍ، والقلوبُ لاهيةٌ سَامِدَةٌ، لا تنبَعِثُ إلى تصديق وإيمانٍ، ولا تَنجَفِلُ إلى خوفٍ وخضوعٍ وتضرُّعٍ وإذعانٍ: «وَما تَأتيهِم مِن آيَةٍ مِن آياتِ رَبِّهِم إِلّا كانوا عَنها مُعرِضينَ»، وذلك الشَّأنُ إذا وردتِ الآياتُ على محلٍّ غافلٍ، غيرِ قابلٍ للتَّذكِرةِ، فكأنَّما هي غيثٌ يَنْزِلُ على أرضٍ ليُحْيِيَها، لكنها قِيعانٌ، لا تُمسِكُ ماءً، ولا تُنبِتُ كَلَأً.
ومنها أيضا: الغَفْلةُ عن الدَّار الآخرةِ، وما تستحقُّه من السَّعي لها حقَّ سَعْيِها، وإعدادِ الحَرْثِ لها قبلَ أنْ يأتيَ يومُ الحَسرَةِ للغافلين، قال سبحانه: «وَلكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ، يَعلَمونَ ظاهِرًا مِنَ الحَياةِ الدُّنيا وَهُم عَنِ الآخِرَةِ هُم غافِلونَ»، منوهًا بأن فحظُّ هؤلاءِ الغافلين: أنَّهم مُنْقَطِعون إلى الدُّنيا، لا يتجاوزُ علمُهم هذه الدَّارَ إلى غيرها، وهم مع ذلك إنَّما يعلمون ظاهرَها البرَّاقَ، دونَ حقيقتِها وسِرِّها، فيعرِفون مَلاذَّها ومَلاعِبَها وشهواتِها، ويجهَلُون مَضارَّها ومَتاعِبَها وآلامَها، يعلمونَ أنَّها خُلقتْ لهم، ولا يعلمونَ أنَّهم لم يُخلَقُوا لها، يشغلُهم حالُ الإخلادِ إليها، والاطمئنانِ بها، ويغفُلُون عن فَنائِها وزوالِها، فهي قصيرةٌ وإن طالتْ، دَميمةٌ وإن تزيَّنتْ.
علاج نبوي لمن أصابته الغفلةوأشار إلى أن سبيلُ العلاجِ من هذه الغَفْلةِ: هو دوامُ الذِّكر، ومجاهدتُه؛ وذلكَ «أنَّ الذِّكرَ يُنَبِّهُ القلبَ من نَوْمَتِه، ويُوقِظُه من سِنَتِه، والقلبُ إذا كان نائمًا، فاتَتْه الأرباحُ، وكان الغالبُ عليه الخُسرانَ، فإذا استيقظَ وعلِمَ ما فاتَه في نَوْمَتِه، شَدَّ المئزرَ، وأحيا بقيَّةَ عُمُرِه، واستدرَكَ ما فاتَه، ولا تحصُلُ يقظَتُه إلا بالذِّكرِ؛ فإنَّ الغفلةَ نومٌ ثقيلٌ».
وممَّا يؤمِّن من الغفلة، ويَعْصِمُ منها: ذلكم العلاجُ النبويُّ الشَّريفُ الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «مَنْ قَامَ بعَشْرِ آياتٍ لم يُكتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ، ومَنْ قامَ بمِئَةِ آيةٍ، كُتِبَ من القَانِتِينَ، ومَنْ قَامَ بألْفِ آيةٍ، كُتِبَ من المُقَنْطِرينَ» أخرجه أبو داود بسند صحيح.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الغفلة القران الكريم سبحانه وتعالى
إقرأ أيضاً:
هل تجوز قراءة القرآن في الركوع والسجود؟.. الإفتاء تجيب
كشفت دار الإفتاء المصرية، عن حكم الشرع في قراءة القرآن في الركوع والسجود، مشيرة إلى أن الركوع والسجود من أفضل أركان الصلاة، مستشهدة بما أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" عن عَبْد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّه قال: «إِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ».
ونتعرف في السطور التالية على حكم الشرع في قراءة القرآن في الركوع والسجود..
وقالت دار الإفتاء المصرية، عبر موقعها الإلكتروني، إنه من المقرر شرعًا أنَّ الركوع والسجود محلّان لتعظيم الرب سبحانه وتعالى بالتسبيح والذكر والدعاء، وأنهما ليسا محلًّا لقراءة القرآن، وعلى ذلك: أجمع العلماء على أن ذلك لا يجوز.
وذكرت الإفتاء رأي عدد من الفقهاء في بيان حكم من قام بـ قراءة القرآن في الركوع والسجود ومنها:
أخرج الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" (1/ 431، ط. دار الكتب العلمية): [أما قراءة القرآن في الركوع فجميع العلماء على أن ذلك لا يجوز.. وأجمعوا أن الركوع موضع لتعظيم الله بالتسبيح وأنواع الذكر] اهـ.
وقال الشيخ ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (23/ 58، ط. مجمع الملك فهد): [وقد اتفق العلماء على كراهة القراءة في الركوع والسجود] اهـ.
والأصل في هذا الإجماع ما ثبت من النهي عنهما فيما أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كشف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر رضي الله عنه، فقال: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ؛ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ، أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ».
وما أخرجه أيضًا من حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: "نَهَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَأَنَا رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ".
فالحديثان يُقرّران النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، ويدلّان على أنَّ وظيفة الركوع؛ التسبيح، ووظيفة السجود؛ التسبيح والدعاء. انظر: "شرح النووي على مسلم" (4/ 197، ط. المطبعة المصرية بالأزهر).
أقوال المذاهب الفقهية في قراءة القرآن في الركوع والسجودكما ذكرت الإفتاء أقوال المذاهب الفقهية في قراءة القرآن في الركوع والسجود ومنها ما جاء في نصوص الفقهاء من المذاهب الأربعة المتبوعة من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (1/ 523، ط. دار الفكر): [وفي "المعراج" أول الباب: وتُكره قراءة القرآن في الرّكوع والسّجود والتشهد بإجماع الأئمة الأربعة] اهـ.
وقال العلامة الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (1/ 291، ط. دار الفكر): [وكذا تُكره القراءة في الركوع أو التشهد أو السجود] اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 157، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(وتُكره القراءة فيه)؛ أي: في الركوع (وفي السجود)، بل وفي سائر أفعال الصلاة غير القيام كما قاله في "المجموع"؛ لأنَّها ليست محل القراءة] اهـ.
وقال العلامة شمس الدين ابن قدامة الحنبلي في "الشرح الكبير على المقنع" (3/ 484، ط. هجر): [يُكره أن يَقرأ في الركوع والسجود] اهـ.
الحكمة من النهي عن قراءة القرآن أثناء الركوع والسجودوبيّن العلماء الحكمة من النهي عن قراءة القرآن حال الركوع والسجود؛ حيث ذكروا أن القرآن الكريم أعظم الذكر وأجله، وموضعه حال القيام لا محل الخفض من الركوع والسجود؛ تعظيمًا للقرآن، وتكريمًا لقارئه، ولأنَّ الركوع والسجود حالان دالان على الذل والانكسار، ويناسبهما التعظيم والتسبيح والدعاء.
وقال الشيخ ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (5/ 338، ط. دار الكتب العلمية): [وفي نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن قراءة القرآن في الركوع والسجود دليلٌ على أن القرآن أشرف الكلام؛ إذ هو كلام الله، وحالة الركوع والسجود ذلٌ وانخفاضٌ من العبد، فمن الأدب منع كلام الله أن لا يُقرأ في هاتين الحالتين، والانتظار أولى] اهـ.
وقال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (2/ 711، ط. دار الفكر): [إن الركوع والسجود حالان دالان على الذل ويناسبهما الدعاء والتسبيح، فنهي عن القراءة فيهما تعظيمًا للقرآن الكريم، وتكريمًا لقارئه القائم مقام الكليم، والله بكل شيء عليم] اهـ.