قد دلت الوقائع والأحداث أن السعودية لا تريد خيرا لليمن مطلقا، ولكنها تضمر الشر كله ، ولولا الجيش واللجان الشعبية – وهم يسطرون الملاحم الكبرى ويرسمون بدم أحمر قان البطولات على صخور الجبال، فبطولاتهم تحولت إلى لوحات أذهلت شرفاء العالم فوقفوا أمامها بقدر كبير من الإجلال والدهشة والذهول، فصغرت أمام هيبتهم وعلو شأنهم بارجات عدوهم وطائراته ومجنزراته – لكان للسعودية صولات وجولات على تراب اليمن لا يردعها دين ولا أخلاق، ومن يخامره الشك عليه العودة إلى تأريخ آل سعود أيام اجتياحهم لتهامة حتى بلغوا الحديدة في عقد الثلاثينات من القرن العشرين وهي فترة زمنية قريبة، فثم كتاب مخطوط تحدث عن أخلاق آل سعود وأهل نجد مع أهل اليمن في تهامة، وما تزال الذاكرة تحتفظ بروايات وأحداث يشيب لها الولدان، الكثير منها موثق في نصوص شعرية، ومثل تلك الأخلاق القديمة رأيناها في قصف الأسواق والصالات وفي النيل من عزة وكرامة أهل اليمن عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وفي مختلف وسائل الإعلام، ولم يحد من تلك الظواهر إلا تقهقرهم وتراجعهم في الجبهات، فقد أصبحت عبارة ” سلم نفسك يا سعودي أنت محاصر “، أيقونة عالمية يقولها الأجنبي قبل العربي وأخص من العرب الأحرار فقط .
ولا يظن ظان أن الصراع اليمني السعودي – منذ نشأت الدولة السعودية في عقد الثلاثينات من القرن العشرين وامتد نفوذها إلى أجزاء كبيرة من جغرافيا اليمن الطبيعية بعد الحجاز- صراع ثقافي أو حضاري أو سياسي، الموضوع أكبر من ذلك وما كان لبدو الصحراء أن يكونوا رقما إلا بغيرهم، لذلك فالصراع الحقيقي لم يكن بين اليمن والسعودية في القرن العشرين بل كان بين اليمن والقوة الاستعمارية البريطانية ولم تكن السعودية فيه إلا أداة كشأنها اليوم، ويمكن الرجوع إلى مذكرات المخابرات البريطانية وضباطها، فهي منشورة وتقول الحقيقة التي ظلت غائبة عن الناس على مدى قرن من الزمان .
لا يمكن لنظام فاشي أسري ومستبد أن يشكل حضورا وأن يصنع من نفسه محورا تدور من حوله مصالح الإقليم كالنظام السعودي دون أن تكون بريطانيا هي من تقف من ورائه وتدعمه وذلك ثابت في جل الوثائق التاريخية التي تتحدث عن النصف الأول من القرن العشرين، وها هي بريطانيا اليوم بالمهرة جنبا إلى جنب مع السعودية، وإسرائيل في سقطرى جنبا مع جنب مع الإمارات .
الصورة التي يفصح عنها واقع الحال في سقطرى وفي المهرة هي الصورة الحقيقية للإمارات والصورة الحقيقية للسعودية، بريطانيا تكثف حضورها وتستعمر السعودية باطنا واسرائيل تضع يدها على الإمارات وتديرها باطنا قبل أن تكشف عن ساقيها في حركة التطبيع الأخيرة وتعلن دون مواراة عن سفيرها الذي لم يستنكف من أخذ بركات كبير كهنة التوراة بإسرائيل .
تلك الإشارات دالة على أن المستعمر الذي ظننا التخلص منه في زمن الثورات وزمن التحرر وزمن المد القومي لم نتحرر منه بل ظل يعيش ويتحكم في مصيرنا ويتمدد، فبعد نكسة ( 5 حزيران) التي تمدد فيها العدو الصهيوني في صحراء سيناء والعريش وضع يده على صحراء الخليج ونشأت دولة الإمارات عام 1971م، وقد حاول العدو تغريبها حتى ما تكاد تستبين فيها لسانا عربيا واحدا في مطاراتها وأسواقها وشركاتها التجارية، وفرض شركات أمنية لحماية الحكام والشركات وهي شركة “بلاك ووتر” الأمنية والعسكرية، وقد شاركت هذه الشركة في العدوان على اليمن ولكنها غادرت بعد أن رأت بأسا شديدا لا يتسق مع طبيعتها اليهودية التي تحدث عنها القرآن وهي القتال من حصون مشيدة أو من وراء جدر .
كانت دبي مشروعا اقتصاديا صهيونيا بامتياز، والصهيونية هي من تديره وتبتكر آلياته وتدير صراعاته في العالم، فالمترف البدوي الصحراوي لا يبتكر مشروعا اقتصاديا كبيرا فقضيته لا تتجاوز سباق الهجن والتطاول في البنيان، وماعدا ذلك خارج قدراته الذهنية بل وخارج ثقافته التي لا تتجاوز القنص وتربية كلاب الصيد والصقور، ولعلك إذا تحدثت إلى حكام الخليج لا تجد حديثا أو معرفة أو اهتماما بالقضايا العامة، وقد روى محمد حسنين هيكل أنه زار الملك عبدالله ملك السعودية فسأله سؤالا واحدا في لقاء امتد لثلاث ساعات، وهو كيف أنت والنساء وقد بلغت الثمانين ؟.
كل الدلائل تقول إن دبي وأبو ظبي كانتا مشروعا اقتصاديا يهوديا ومازالتا وربما الحقائق بدأت تكشف عن نفسها اليوم بشكل متدرج، فالإمارات تنوب عن إسرائيل في العدوان على اليمن وقد دل الوفد الاستخباري اليهودي الذي زار سقطرى على حقيقة الإمارات، فإذا نزعت الشماغ العربي الذي يظهر على الكائنات التي تتحرك في قصور الحكم في دبي لوجدت “الكيباه” (قبعة يرتديها اليهود على رؤوسهم )، وإذا زرت دبي- وهي حسب ما نعرف بلد عربي- لشعرت أنك كعربي غريب اليد واللسان، كما أن التفاعلات الحياتية هناك تمثل ثقافات وحضارات لا صلة للعرب وحضارتهم وثقافتهم بها .
أمريكا منذ خمسينيات القرن العشرين وضعت يدها على السعودية – الدولة الناشئة التي تحتل الحجاز والجغرافيا الطبيعية لليمن – بدل بريطانيا لكن حنين العودة البريطانية نجده اليوم في المهرة وتكاد المصالح أن تنطق هناك، وثمة تناغم بين بريطانيا وأمريكا اليوم وهو الأمر الذي جعلها تخرج من الاتحاد الأوربي .
ما يحدث اليوم هو حركة استعمارية متطورة عن ماضيها فهي تستعمر الأوطان من خلال أبنائها وتدير حربها بدماء البلدان المستعمرة، وقد آن لنا اليقظة ومواجهة المستعمر، فالعدوان على اليمن فرض واقعا جديدا ألقى بظلاله على تيار المقاومة الذي أصبح رقما صعبا اليوم بفضل بأس وصمود أهل اليمن ومثل ذلك لم يتوقعه العدو ولم يدر في خلده .
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً: