يستخدم العدو الملف الإنساني كأهم الأوراق المتبقية لديه وربما هي الورقة الوحيدة المتبقية والتي لن يتنازل عنها ولن يفرط بها بعد أن خسر الورقة العسكرية وورقة الأدوات والعملاء الكبار من وزن عفاش التي كان يمكن أن تحدث فارقاً كبيراً في عدوانه على اليمن وتحقيق الأهداف.
وللملف الإنساني أو الورقة الإنسانية كما ينظر العدو لها عدة أوجه يستخدمها العدو، أهمها المطار وموانئ الحديدة وهي مجمدة في الوقت الراهن بفعل الهدنة لكن لا تزال بيد العدو وهي التي أتاحت للعدو الضغط على صنعاء للقبول بالهدنة وتجميد العمليات العسكرية، حيث أن إغلاق موانئ الحديدة أو التضييق على حركة السفن النفطية والتجارية ومنع دخولها إلى ميناء الحديدة واحتجازها لمدة قصيرة أو طويلة يؤدي إلى أزمات نفطية وغذائية ويخلق طوابير وأزمات ومعاناة إنسانية ويرفع من حجم التكلفة وزيادة في الأسعار وإلى انقطاع الكهرباء ورفع رسوم المواصلات والنقل مما ينعكس سلبا على كافة القطاعات وأوجه ونواحي الحياة، وهو ما لا يمكن لصنعاء القبول به أو الصبر عليه كونها تضر بالمواطن بشكل مباشر.
أما الوجه الآخر فهو سيطرة العدو على منابع النفط والغاز أهم المصادر لدفع رواتب موظفي الدولة مع أن صنعاء قد استطاعت منع نهب وتصدير النفط اليمني إلا أن هناك أحاديث عن أن عملية التصدير والتهريب قد عادت لكن بكميات صغيرة، بالإضافة إلى احتجاز العدو لعائدات بيع النفط اليمني في السنوات الماضية في البنك الأهلي السعودي والتي يمكن لها تغطية رواتب موظفي الدولة، إلا أن صرف الرواتب سوف يحرق ورقة مهمة للعدو والتي يستخدمها لابتزاز صنعاء والضغط عليها للذهاب نحو مفاوضات بشروط العدو كما أن العدو يستخدم الراتب كوسيلة لتجويع الشعب اليمني وخلق حالة من الاحتقان والغضب الشعبي على صنعاء بعد أن استطاع تشويه وتحريف الحقائق والتهرب من مسؤولية العدو والمرتزقة المباشرة عن انقطاع الراتب وتحميل صنعاء مسؤولية ذلك عبر الطابور الخامس، ولا أعتقد أن العدو سوف يتخلى عن ورقة الراتب كونها مهمة للغاية بالنسبة له ولن يكون بمقدور صنعاء التخلص من الابتزاز وورقة الراتب إلا بإيجاد موارد مالية ثابتة لصرف الرواتب وبما أن صنعاء ليست لديها موارد طبيعية من نفط ومعادن وغيرها من الموارد التي يمكن الاستفادة من عائداتها لصرف الرواتب فليس أمام صنعاء من موارد لصرف الرواتب سوى من عائدات الضرائب والجمارك إلا أن ذلك لن يخفف من معاناة الناس بل سوف يرفع من حجم المعاناة الإنسانية بشكل أكبر حيث سوف يكون على صنعاء رفع نسبة الضرائب والجمارك بشكل كبير وبنسبة قد تصل إلى 500 % لتغطية عائدات كافية لصرف الرواتب وهذا سوف يؤدي إلى رفع الأسعار بنسب عالية جدا وبدلاً من أن يكون ضرر انقطاع الراتب كان يؤثر على شريحة بسيطة من الناس سوف يؤدي رفع نسبة الضرائب والجمارك إلى تضرر كافة أبناء الشعب اليمني وهذا أمر لن يقبل به أحد ولن يكون حلاً ناجعاً.
وبما أن صنعاء ليس بيدها إيجاد حلول ولن تخضع للابتزاز ومن المستحيل المساومة والتفريط بالثوابت الوطنية، فأعتقد أن لا حل سوى العودة إلى المواجهات العسكرية كون العدو لم يترك لنا خياراً إلا الموت جوعاً وفقدان الحاضنة الشعبية أو الركوع والتنازل عن الأرض والسيادة الوطنية وهذا لن يكون.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
لبنان لن يكون “إسرائيليًا”…
ليلى عماشا
أشهر طويلة مرّت، وسماء لبنان كما أرضه، تنتهكها الطائرات الحربية المعادية: قصف وغارات وترويع عبر خرق جدار الصوت فوق مختلف المناطق اللبنانية …هذا فضلًا عن طائرات الاستطلاع المعادية التي قلّ ما تغادر سماءنا.. كلّها لم تحرّك ساكنًا في لغة “السياديين”؛ ولم يبلغ صوتها مسامعهم المرتهنة للإشارات العوكرية، لكن أرّقتهم طائرة مدنية تقلّ زوّارًا لبنانيين من الجمهورية الإسلامية في إيران وإيرانيين يستعجلون الحضور إلى بيروت ليكونوا في عداد مشيّعي ومودّعي الأمينين العامين لحزب الله، سيّد شهداء الأمّة السّيّد حسن نصرالله والسيّد الهاشميّ هاشم صفيّ الدّين..
لقد أرّقتهم إلى حدّ منع منحها إذن الهبوط في مطار بيروت! للحظة، يتلّفت سامع الخبر حوله ليتبيّن موقعه الجغرافي: هل نعيش في الأراضي المحتلّة؟ هل المطار الذي منع إذن الهبوط للطائرة الإيرانية هو حقًّا مطار بيروت؟.. هل هو هجوم سيبراني إذًا ما سبّب هذا الخلل الفاضح؟! لا. إنّه مجرّد قرار أميركي تسابق “لبنانيون” لتنفيذه على رجاء رضا عوكر! يا للعار!.
في ساعة انتشار الخبر، حلّ ما يشبه الصّدمة على أهل المقاومة في لبنان، فهم وإن لا يتوقعون أي بادرة وفاء وتقدير من “السيادة اللبنانية” للجمهورية الصديقة والمساندة التي لا تكفّ عن منح لبنان كلّ عون ممكن، فإنّهم أيضًا لم يتوّقعوا أن تبلغ الوقاحة هذا الدرك من عدم احترام القوانين والأنظمة من جهة، ومن المجاهرة بمعاداة كلّ ما يمتّ إليهم بصلة، وإن كانت طائرة ركَاب مدنية تلتزم جميع المعايير الدولية للطيران وتقلّ مواطنين مدنيين عائدين إلى بلدهم وضيوفًا من إيران يريدون المشاركة في التشييع المهيب يوم الأحد في ٢٣ شباط/فبراير. الصّدمة لم تطل، فالغضب الناتج عن هذه الإهانة الوقحة، والتي يريد منها مرتكبوها القول لأهل المقاومة أنّهم غرباء في بلدهم ومستضعفون، تُرجم إلى تحرّك شعبي عفويّ مباشر على طريق المطار، وإلى حملة إلكترونية مندّدة بالقرار الجائر والوقح تحت وسم “لبنان لن يكون إسرائيليًا”.
لم تعد كلمة “المعيب” تكفي لتوصيف هذا النوع من القرارات التي تلتزم حذافير الرغبة الأميركية، فالأمر تخطّى درجات العيب المتمثّل بالانصياع التّام والمشهود للأوامر التي تصدرها الإدارة الأميركية. وإن كان الصهاينة علانية قد هدّدوا في أثناء الحرب بقصف أي طائرة مدنية إيرانية أو عراقية حال هبوطها مطار بيروت، وإن كانت قناة الحدث الصهيونية في الشهر الفائت قد أذاعت إخبارًا كاذبة تقول إن طائرة مدنية إيرانية تحمل على متنها “أموال إعادة الإعمار” ما دفع بالقرار “السيادي” في المطار إلى تفتيش ركابها طوال ساعات.. فحادثة اليوم أكثر خطورة وأكثر انتهاكًا لأبسط المفاهيم الحقوقية والقانونية والسيادية: ما حدث هو حرفيًا عدوان صهيوني “ناعم” على مطار بيروت وعلى فئة من اللبنانيين، باستخدام فئة لبنانية “رسمية” ارتضت على نفسها عار الارتهان الكامل للعدوّ.
على سبيل إيجاد تخريجة قامت “السيادة” بإرسال طائرة تابعة لشركة الميدل ايست لنقل اللبنانيين العالقين في مطار طهران، على أساس أن الأزمة هي أزمة نقل وليست أزمة شرف، على وقع تهليل الفريق العوكري بالخطوة العظيمة التي تقوم بها دولتهم، فعبّروا لا عن ارتهانهم وانبطاحهم للقرار الأميركي وحقدهم الأسود على أهل المقاومة في لبنان فحسب، بل عن ضحالة أخلاقية مريعة وتورّط مشهود بتشويه مفاهيم الشرف الوطني والكرامة الإنسانية..
لقد بدا هؤلاء حرفيًا كسرب يهلّل لمن ينتهك شرفه ويفرح بكونه من فئة لو وُجدت في بلد يحترم ذاته الوطنية لحُوكمت بتهمة الخيانة وعُوقبت وفقًا لما تنصّ عليه القوانين المرعية الإجراء. يهلّل هؤلاء لاجراء ينتهك حقًّا مدنيًا ومواثيق دولية فقط لكونه يتماهى مع أوامر مشغّلتهم في عوكر، ثمّ يخرجون إلى الشاشات ليتحدثوا عن السيادة ودولة القانون.. هزُلت!