حذر رئيس مجلس السيادة السوداني القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان، الخميس، من تفتت السودان نتيجة المعارك المستمرة منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي، متعهداً بالتصدي لهذه "المؤامرة".

وقال البرهان خلال مخاطبته حشداً من قوات الشرطة بولاية البحر الأحمر، إن "السودان يتعرض لمؤامرة كبرى تهدف لتفتيت وحدة البلاد وخرابها، وإن كل الأجهزة الأمنية والعسكرية ستعمل على التصدي لهذه المؤامرة وحسمها قريباً".

وأضاف "يجب محاسبة مرتكبي جرائم الحرب التي وقعت في الخرطوم ودارفور"، مشيراً إلى أن ضباطاً من الشرطة يقاتلون في صفوف القوات المسلحة، بحسب موقع "سودان تربيون".

#السودان.. #البرهان يكشف حقيقة تحركاته الأخيرة https://t.co/mneWNqCv3K

— 24.ae (@20fourMedia) August 28, 2023

ووجه الشرطة للبدء في التحضير والإعداد لمرحلة ما بعد الحرب، لبسط الأمن ومحاربة الجريمة ومحاسبة كل الجناة.

وكانت قوات الشرطة انسحبت من كل مواقعها داخل ولاية الخرطوم فور بدء القتال بين الجيش والدعم السريع، ما أدى إلى حدوث فراغ أمني كبير وانتشار للعصابات المسلحة.

وقال وزير الصحة السوداني هيثم محمد إبراهيم، إن 1500 شخص مدني قتلوا جراء الحرب، فيما تتزايد المخاوف من تردي الأوضاع البيئية مع بدء الأمطار، في ظل تناثر الجثث جراء المعارك المحتدمة في الخرطوم ومدن أخرى.

وأضاف "وزارة الصحة أحصت مقتل 1500 مدني وإصابة أكثر من 6 آلاف فرد جراء القتال"، وتوقع أن يكون العدد الحقيقي للقتلى والمصابين أكثر من المرصود، في ظل صعوبة وصول كل الحالات للمستشفيات أو المشارح.

تحذير أممي.. الجوع والحرب سيدمران #السودان https://t.co/YNvdE5RZr8

— 24.ae (@20fourMedia) August 25, 2023 وفي سياق منفصل، قالت مصادر سودانية إن البرهان، سيزور جوبا عاصمة جنوب السودان، الإثنين المقبل، في ثاني زيارة خارجية له منذ بدء الاقتتال.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني أحداث السودان البرهان

إقرأ أيضاً:

ذاكرة الخيانة: حين يصير الحلم العسكري موتًا مؤجلاً

"قراءة في بنية الانقلابات في السودان من عبود إلى البرهان وحميدتي"

إهداء

إلى الذين لم يكفوا عن الإيمان بأن الحلم أكبر من البندقية،
وأن الوطن لا يُؤخذ بيانًا، بل يُصنع صبرًا.

…………………………….

مفتتح

ثمة خيبات لا تسقط فجأة، بل تنمو، مثل داء خفي، في بطانة البزة العسكرية، قبل أن تنفجر بيانًا يبتلع ما تبقى من الحلم.

………………………….

في أعماق كل ضابط جيش سوداني، ترقد بذرة صامتة:
أن يقود انقلابًا، ويُصبح الحاكم الذي كتب له التاريخ مكانه بين أضرحة الخراب.

وكما نبّهت حنة أرندت، فإن “غواية السلطة المطلقة ليست امتياز الطغاة وحدهم، بل لعنة كامنة في كل بنية سلطوية غير خاضعة للمساءلة”.
وفي السودان، حيث اختلطت البنادق بالأوهام، صار الحلم بالاستيلاء على الوطن نزعة تتخلق باكرًا في مؤسسات أُقيمت لا لصناعة المواطنين، بل لصناعة الحكام.

منذ انقلاب الفريق عبود (1958)، مرورًا بنميري (1969)، وصولًا إلى انقلاب البشير (1989)، كانت الدبابة تكتب التاريخ بالحبر الأسود قبل أن تسطره الشعوب بدمائها.
لم يكن الوطن ساحةً للحرية، بل ساحةً للمناورات؛ تُمحى خرائطه مع كل بيان أول، ويُعاد رسمه كغنيمة معلقة على كتف جنرال.

لم تكن الانقلابات عارضًا، بل سلوكًا بنيويًا، تجد جذوره في الخيال السياسي المشبع بثقافة “الزعامة” لا ثقافة “الشراكة”.
شعارات مثل “الإنقاذ”، و”تصحيح المسار”، و”الثورة”، كانت مجرد أقنعة فضفاضة لغريزة التملك: غريزة تختصر الوطن في رقعة يسودها البيان العسكري لا العقد الاجتماعي.

ولو تعمقنا أكثر، لاكتشفنا أن هذه الغواية العسكرية ليست ابنة اليوم،
بل ابنة مجتمع رعوي تاريخي رفع من شأن السيطرة على القطيع أكثر من شأن بناء المؤسسات.
فالبنية الاقتصادية الاجتماعية، حيث يُنظر إلى الزعامة باعتبارها غنيمة، تقاطعت مع العقلية العسكرية التي ترى الحسم فوق التعاقد، والولاء الشخصي فوق الشرعية الدستورية.

جاء انقلاب البرهان، في 2021، كتجلٍ فج لهذا المسار الكارثي.
لم يكن انقلابًا ضد فساد سابق، بل كان نزاعًا مكشوفًا بين مشروعين صغيرين يتنازعان على جسد وطنٍ جريح.
البرهان الذي سُيّرته عقدة تحقيق “حلم الأب”، لا حلم الوطن،
و من خلفه الجبهة الإسلامية و حلمها ايضاً بالعودة إلي المشهد، وحميتي الذي ورث أدوات القوة دون أن يمتلك مشروعًا وطنيًا،
كلاهما كان وجهين لعملة اغتيال آخر لأمل الانتقال المدني.

كما وصف غوستاف لوبون: “الجماهير لا تطلب الحرية، بل مخلصًا”،
وقد ظلت الجماهير في السودان، تحت وطأة الدبابة، تختار سجانيها الجدد،
ربما تحت إكراه، وربما تحت إرث نفسي أعمق من أن يمحوه بيان ثورة عابر.

ما يجعل المؤسسة العسكرية أكثر خطورة ليس فقط امتلاكها للبندقية،
بل قناعتها الداخلية أن الوطن مشروع امتياز شخصي، لا فضاءً مشتركًا.
المدنيون في هذا المخيال، مجرد "مَلَكِية" يفتقرون للصرامة؛
أما الضابط فهو، في أسوأ تجلياته، المنقذ الذي لا يعرف سوى لغة النار.

ليس غريبًا إذًا أن يخرج الضباط من ثكناتهم حاملين هذا الحلم الدفين:
أن يُصبح البيان الأول طريقًا معبدًا نحو القصر، لا نحو الشعب.

وكما قال نيتشه: “من يحارب طويلاً من أجل الغلبة قد يصير الغلبة نفسها”،
فقد تحولت المؤسسة العسكرية السودانية، عبر الأجيال، إلى جهاز يعيد إنتاج نزعته الخاصة في التشبث بالغلبة، حتى لو كان الثمن وطنًا آخر يُضاف إلى خرائط الخراب.

والحق أن فترات الحكم المدني في السودان، مهما تألقت ومضت ساطعة لحظات،
كانت دومًا استثناءات هشة، محاطة بثكنات تنتظر فرصة الانقضاض.

من عبود إلى البرهان، ليس مسارًا سياسيًا فقط، بل مسارًا نفسيًا أيضًا:
خيبات متكررة، كأن الوطن لا يُكتب له إلا أن يكون صدى لحلم البزة لا حلم الجماعة.

وفي كل مرة، كانت الحرية تُدهس تحت جنازير الدبابات،
وكان الأمل يقتل برصاصة صادرة من حلمٍ فردي قصير النظر و الأفق.

وحين أشعل البرهان حربه مع مليشيا الدعم السريع، لم يكن يدافع عن وطن،
بل عن موقع في سُلم الغنائم.
وكذلك فعل حميدتي: صعد على جماجم الأبرياء ليعقد صفقاته باسم “الهامش” و”التحرير”.

واليوم، يتسكع الوطن بين أنقاضه كطفل يتيم، لا يجد حتى ظله.
وفي الأفق، لا تزال البزات مكوية، تنتظر من يحلم من جديد بالانقلاب الموعود.

ليس السؤال كيف نوقف البيان الأول،
بل كيف نوقف الحلم به قبل أن يُكتب.
وليس العدو بندقية،
بل الخيال المريض الذي يُقدّسها.

في انتظار معجزة من معجزات الوعي،
سيبقى السودان معلقًا بين فوهتين:
فوهة الحلم المعطوب، وفوهة الخيانة المؤجلة.

zoolsaay@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • إبراهيم شقلاوي يكتب: قَدَر البرهان وعفوية حماد عبد الله
  • البرهان واثقون من النصر وقريباً لن تسمعوا بمسيرات تضرب المرافق المدنية
  • ذاكرة الخيانة: حين يصير الحلم العسكري موتًا مؤجلاً
  • الاقتصاد السوداني بين دمار الحرب وخرافة الإنتاج
  • اتفاق المنامة السوداني الذي يتجاهله الجميع
  • رئيس أفريقية النواب يكشف موعد انتهاء الحرب بالسودان بعد استعادة الخرطوم
  • الإعلام السوداني والتحديات التي تواجهه في ظل النزاع .. خسائر المؤسسات الاعلامية البشرية والمادية
  • رئيس المفاوضين اليابانيين يزور واشنطن لإجراء جولة ثانية من محادثات التعريفات الجمركية
  • رئيس اتحاد الصناعات السوداني للجزيرة نت: القطاع الخاص يقود التعافي
  • الخارجية السودانية تبلغ البعثات الدبلوماسية بإجراءات استلام مقارها في الخرطوم