هل ينحصر فهم الآية في سبب نزولها ولماذا؟ سؤال بينه الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء، من خلال حديثه عن أسباب نزول الآيات، لافتًا إلى أن معرفة سبب النزول تفيد في الوقوف على المعنى كاملا وتعين على فهم النص القرآني فهما صحيحا.

هل ينحصر فهم الآية في سبب نزولها ولماذا؟

وأوضح علي جمعة من خلال صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”: أن مثال ذلك قوله تعالى: (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة:195] فإنا نقف على بيان معنى التهلكة إذا رجعنا إلى حديث أبي عمران التجيبي أنه قال: كنا بمدينة الروم فأخرجوا إلينا صفا عظيما من الروم فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر, وعلى أهل مصر عقبة بن عامر, وعلى الجماعة فضالة بن عبيد فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم فصاح الناس وقالوا: سبحان الله, يلقي بنفسه إلى التهلكة؟! فقام أبو أيوب الأنصاري فقال: أيها الناس إنكم لتؤولون هذه الآية هذا التأويل, وإنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه, فقال بعضنا لبعض سرا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أموالنا قد ضاعت, وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه, فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم يرد علينا ما قلناه (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو.

(أبو داود 3/12)أي الغزو المراد منه الدعوة إلى الخير وصد العدوان.

سبب نزول آية "إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ" ومعناها.. مجمع البحوث يوضح آيات تقرأ على الماء لفك السحر ..اتبع هذه الخطوات للشفاء العاجل

وتابع أنه من فوائد معرفة سبب النزول أيضا: أنه يزيل الإشكال الذي يمكن أن يحدثه ظاهر النص القرآني, ومن ذلك ما جاء عن مروان بن الحكم انه قال لبوابه: اذهب إلى ابن عباس فقل له: لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون.

ويقصد مروان قوله تعالى: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ) [آل عمران:188] فقال ابن عباس: مالكم ولهذه الآية, إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود وسألهم عن شيء فكتموه إياه واخبروه بغيره فأروه أن قد استحمدوا إليه بما اخبروه عنه فيما سألهم وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم. (البخاري).

وأكمل من فوائده كذلك: أنه يدفع توهم أن يكون النص قد حصر الحكم في الإفراد التي ذكرها, فقوله تعالى: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ) [الأنعام:145] ظاهره يفيد حصر المحرمات من الأطعمة في هذه الأصناف الأربعة, ولكن بالعودة إلى سبب نزول هذه الآية تبين أن الحصر متوهم, فقد ذكر الشافعي أن الآية نزلت لترد على المشركين حين أحلوا ما حرم الله وحرموا ما أحل الله فناقضوا الشريعة, فأراد البيان الإلهي أن يرد عليهم مناقضتهم فنزلت الآية, وكأنه يقول فيها: لا حلال إلا ما حرمتموه ولا حرام إلا ما أحللتموه والغرض من ذلك المضادة لا النفي ولا الإثبات على الحقيقة. (البرهان).

وشدد علي جمعة أن الحاصل أن قواعد الفهم السليم اقتضت أن يستعان بسبب النزول -الذي هو من السنة- في بيان النص القرآني المعجز والوقوف على المعنى الكامل والصحيح للآيات.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: سبب نزول الدكتور علي جمعة هيئة كبار العلماء علی جمعة

إقرأ أيضاً:

حكم من طلق زوجته ثلاث مرات في زواج عرفي.. عطية لاشين يوضح التصرف الشرعي

ورد سؤال إلى الدكتور عطية لاشين، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون وعضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، عبر صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك"، يقول صاحبه: "تزوجت عرفيًا عن طريق الإنترنت ودخلت بها، ثم طلقتها ثلاثًا متفرقات، وبعد أن علم أهلها بذلك أجبروني على الزواج بها رسميًا، فهل الطلقات الثلاث لا تُحسب لأنها وقعت في زواج عرفي؟"

وأجاب الدكتور عطية لاشين قائلًا: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى في كتابه الكريم: "فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره"، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، الذي قال فيما روت عنه كتب السنة: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به".

وأوضح لاشين أن إسلام المرء لا يكتمل إلا إذا نفّذ حقًّا وصدقًا كل ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، سواء وافق هواه أو خالفه، مبينًا أن من يختار من الشرع ما يعجبه ويترك ما لا يريده، فقد آمن بالهوى لا بالإسلام الحق. 

وأضاف قائلًا: إن الله تعالى ذمّ من يتعامل مع الدين بهذه الطريقة، فقال سبحانه: "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟ فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يُردّون إلى أشد العذاب".

خالد الجندي يكشف عن عبادة فضلها عظيم وتجعلك من القانتينخالد الجندي يكشف عن فئة من الناس يباهي الله بهم الملائكة.. من هم؟عالم أزهري عن طلاق المشاهير: خطر يهدد استقرار البيوت المصريةهل يجوز للمرأة الاشتراط أن تكون العصمة في يدها؟.. الإفتاء توضح الشروط والضوابط

وأضاف عضو لجنة الفتوى أن السائل في واقعة سؤاله آمن بالزواج العرفي حين وافق هواه، فاعتبره زواجًا شرعيًا ومارس حقوق الزوجية بناءً عليه، ثم لما طلّق زوجته ثلاثًا في هذا الزواج أراد أن يتجاهل ما صدر منه بدعوى أن الزواج عرفي، وأن الطلقات لا تُحسب.

وقال لاشين موجهًا الحديث للسائل: "لقد صدق فيك قول الله تعالى: وإذا دُعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريقٌ منهم معرضون، وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين، فأنت حين وافق الزواج العرفي رغبتك تمسكت به، وحين خالف رغبتك أنكرت شرعيته. وهكذا من يتعامل مع شرع الله بانتقائية لا يكون مؤمنًا كامل الإيمان، لأن الدين كلٌّ لا يتجزأ."

وبيّن الدكتور عطية لاشين أن السائل استخدم الزواج العرفي ليحلّ لنفسه المعاشرة الزوجية، ثم لما طلق ثلاثًا في هذا الإطار أنكر وقوع الطلاق بحجة أن العقد غير رسمي، متسائلًا: "كيف قبلت الزواج العرفي حين كان يخدم رغبتك، ثم رفضته عندما أصبح ضد هواك؟"، معتبرًا أن ذلك تناقض واضح يخالف روح الإسلام.

وأكد لاشين أن الزواج العرفي الذي استوفى أركانه وشروطه، من الإيجاب والقبول والشهود والمهر، هو زواج شرعي صحيح تترتب عليه جميع الآثار المترتبة على الزواج الرسمي، بما في ذلك وقوع الطلاق متى صدر من الزوج.

وأضاف موضحًا: "بما أن السائل قد أوقع ثلاث طلقات متفرقات على زوجته في هذا الزواج العرفي، فإنها قد بانت منه بينونة كبرى، ولا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره زواج رغبة لا زواج تحليل، كما قال الله تعالى: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره."

وشدّد العالم الأزهري على أن العقد الرسمي لا يُبطل ما سبق من طلقات صحيحة وقعت في زواج شرعي عرفي، موضحًا أن محاولة التحايل على أحكام الله لا تُسقط أثر الطلاق ولا تُغيّر من حقيقته الشرعية. 

وأكد أن من أراد أن يعيش على منهج الإسلام فعليه أن يلتزم بما أمر الله به في كل الأحوال، لا أن يتبع هواه في الحلال والحرام.

واختتم الدكتور عطية لاشين فتواه بقوله: "لا يجوز لهذا الرجل أن يعقد على هذه المرأة عقدًا رسميًا بعد أن طلّقها ثلاثًا في زواج عرفي، لأنها أصبحت بائنة منه بينونة كبرى، ولا تحل له حتى تتزوج غيره زواجًا صحيحًا ثم يفارقها ذلك الزوج بعد دخولٍ حقيقي بها."
 

طباعة شارك عطية لاشين الزواج العرفي الطلاق الثلاث الأزهر الفقه المقارن لجنة الفتوى

مقالات مشابهة

  • الغنيمة الباردة.. علي جمعة فضل هذه العبادة في فصل الشتاء
  • 4 أعداء يعوقون سير الإنسان إلى ربِّه.. تعرف عليهم وجاهدهم
  • علي جمعة يكشف عن سبب شيوع الفساد والفتن بين الناس
  • من كتب لزوجته أنت طالق عبر الواتس أب وقع.. أزهري يوضح
  • عبد الله رشدي يوضح ضوابط كتابة قائمة المنقولات الزوجية
  • آداب دخول المسجد لأداء صلاة الجمعة.. الأزهر يوضح
  • علي جمعة: علينا أن نراقب أبنائنا ونتدخَّل في حُسْنِ الصحبة
  • حكم من طلق زوجته ثلاث مرات في زواج عرفي.. عطية لاشين يوضح التصرف الشرعي
  • علي جمعة: البدعة ليست كلها ضلالة.. وهكذا فرّق العلماء بين أقسامها
  • هل يجوز الإنابة في العمرة؟ .. أمين الفتوى يوضح الضوابط الشرعية