على ضوء انحسار مؤشرات الصراع في اليمن الذي يشهد حربا منذ تسع سنوات، يكثف المجتمع الدولي تحركاته مع أطراف الصراع في البلاد، على أمل التوصل لحل نهائي لتلك الحرب التي أنهكت اليمنيين.

 

والأربعاء وصل السفير الأمريكي لدى اليمن "ستيفن فاجن" إلى مدينة سيئون في زيارة هي الأولى للمدينة، والثالثة لمحافظة حضرموت، وسط ارتفاع وتيرة التحركات العسكرية الأمريكية والبريطانية شرق وجنوبي اليمن بشكل ملحوظ خلال أغسطس الجاري.

 

وبالتزامن وصل المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ إلى محافظة مأرب كأول زيارة له منذ تعينه مبعوثا أمميا، بعد زيارته للعاصمة المؤقتة عدن ولقائه برئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي ورئيس الحكومة معين عبدالملك وعيدروس الزبيدي عضو مجلس القيادة الرئاسي ورئيس ما يعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا.

 

واليوم الخميس وصل أمين عام مجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي، إلى عدن، في أول زيارة له إلى اليمن منذ تعيينه في منصبه مطلع عام 2023، كما بحث مع الرئيس رشاد العليمي "إطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن".

 

وتتكثف منذ مدة مساعٍ إقليمية ودولية لإيجاد حل سياسي شامل للأزمة في اليمن، شملت زيارات لوفدين سعودي وعماني إلى صنعاء، وجولات خليجية للمبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ والأممي هانس غروندبرغ.

 

وتتصاعد بين اليمنيين آمال بإحلال السلام منذ أن وقَّعت السعودية وإيران، بوساطة الصين في 10 مارس/ آذار الماضي، اتفاقا لاستئناف علاقتهما الدبلوماسية، ما ينهي قطيعة استمرت 7 سنوات بين البلدين.

 

يرى خبراء وسياسيون استطلع رأيهم "الموقع بوست" أن تكثيف مثل هذه التحرّكات والزيارات واللقاءات الأمريكية والبريطانية والإقليمية ترتيب لتقسيم اليمن إلى كانتونات بالتزامن مع الإعلان عن توجّه جديد في كيفية إدارة المحافظات لذاتها، والذي يُوحي بوجود مشروع غربي في المنطقة، خصوصا في محافظة حضرموت.

 

مراسم تقسيم اليمن إلى كانتونات

 

وفي الشأن ذاته يقول المحلل السياسي، سيف الحاضري، إن "زيارة السفير الأمريكي لحضرموت والمبعوث الأممي لمدينة مأرب باعتقادي ووفقا للمعطيات الراهنة تأتي في سياق إتمام مراسم تقاسم عائدات النفط بين المليشيات المسلحة والأطراف الراعية لتلك المليشيا، سواء كانت في جنوب اليمن أو شماله".

 

في حديثه لـ "الموقع بوست" يرى الحاضري أن "التواجد الأمريكي والزيارات المتكررة لحضرموت في الأساس تأتي لتعزيز فرضية هذا التقاسم وتقسيم جغرافيا الجمهورية اليمنية إلى كانتونات مسلحة، تتقاسم حكم هذا البلد، بينما تعود الخطط والمشاريع التي تنفذها هذه الكانتونات هي لصالح الدول النافذة أو المحيطة باليمن وفي مقدمتها دول مجلس الأمن، لولايات المتحدة، بريطانيا، والدول التي لها تأثير على المستوى الدولي، لكن الدول الأكثر تقاسما للنفوذ في اليمن هي السعودية والإمارات وسلطنة عمان".

 

وأضاف "الوضع الآن أصبح مسألة تقاسم نفوذ، لم يعد هناك اهتمام في مستقبل إعادة الشرعية اليمنية أو إعادة الدولة اليمنية واستعادة مؤسساتها أو تحريرها، الآن يتم تطبيع هذا التقاسم على تلك النفوذ من خلال المليشيات المسلحة التي انشأتها وتبنة وجودها في اليمن تلك الدول الإقليمية والدولية".

 

وتابع الحاضري بالقول "إيران لها حصة، السعودية لها حصة، الإمارات لها حصة، سلطنة عمان لها حصة، كل دول الخليج باستثناء دولة الكويت، مشيرا إلى أن هذا الوضع سيدفع اليمنيين إلى مخاطر جماء، ولن يقف عند مستوى تقاسم ثروات هذا البلد ومصالحه لهذه الدول، وسيكون هناك منافسات بين هذه الكانتونات المسلحة في انتهاكات حقوق الإنسان وممارسة أبشع الجرائم، لبسط نفوذها وتوسيع رقعته على الجغرافيا والضحية بالأكيد هو المواطن اليمني وهذا الشعب ومستقبله.

 

وقال إن "الوضع كارثي وسيناريو أكثر كارثية، وهناك جمود وعدم مسؤولية من قيادة الدولة الراهنة بالمطلق، وعدم مسؤولية أيضا من القوى الوطنية التي يجب عليها أن تتحرك لإيقاف هذه المهازل".

 

أمريكا ومبررات التواجد العسكري

 

الأكاديمي والخبير في الشؤون العسكرية، الدكتور علي الذهب قال إن "وجود الأمريكيين لن يكون الأول ولن يكون الأخير، فهذه زيارات متكررة اعتقد أنها رقم سبعة خلال فترة الهدنة الزيارة السابعة أو التحرك السابع الأمريكي في حضرموت.

 

في حديثه لـ "الموقع بوست" يرى الذهب إن "مسألة الإرهاب ومكافحته هو مدخل للتواجد والتدخل الأمريكي في شئون اليمن وعلى وجه الخصوص في الوقت الراهن الذي تمر به الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي في ظروف صعبة، فالكل يعمل ضد الكل، الأمر الذي وجدت فيه أمريكا وبريطانيا مداخل لها لفرض إرادتها السياسية بطرق مختلفة".

 

ولفت إلى أن واشنطن تبرر تواجدها العسكري تحت مزاعم مكافحة الإرهاب والتهريب خاصة في حضرموت التي لها أهمية جيوسياسية واستراتيجية بالغة، لامتلاكها حقول النفط، (المسيلة) ومحطة تصدير النفط ميناء (الضبة)، في الشحر والقريبة من منشأة بلحاف الغازية بشبوة، وأيضا لمجاورتها دول ذات مصالح للنفط أو التطلعات عن النفط أو مخاوفها من وجود منافسين اقليميين لهذه المنطقة وأعني بهذه الدول عمان والسعودية.

 

يشير الذهب إلى أن الاهتمام الأمريكي بحضرموت يرجع إلى الاطلالة البحرية وتدفق حركة التجارة البحرية وسلس الامداد، وأيضا محاصرة إيران في بحر العرب.

 

بشأن زيارة المبعوث الأممي إلى مأرب يقول الخبير العسكري إن تلك الزيارة تأتي "في سياق العملية السياسية وهذا الوضع يختلف تماما عن حضرموت، لأن هناك عودة أيضا لمحافظ مأرب اللواء سلطان العرادة، فوجود غروندبرع في مأرب يتعلق بطرح رؤية المحافظة في إطار عملية السلام مع مختلف الأطراف، حد قوله.

 

وقال إن مأرب لها التزامات تجاه الحكومة وتجاه عملية السلام، وأيضا الحوثيين فيما يتعلق بالمرتبات وأعني بذلك عائدات النفط ولنقول الغاز بشكل كبير يبدو أن الأمر يتعلق بهذا الجانب وكل ذلك يدفع بعملية السلام التي يحاول المبعوث الأممي أن يقطع فيها خطوات متقدمة بعد تعثر منذ أكتوبر الماضي".

 

ترسيخ خارطة السيطرة الجغرافية

 

الصحفي محمد السامعي هو الآخر يتفق مع ما طرحه الحاضري بداية لتقسيم اليمن إلى كانتونات حسب السيطرة والنفوذ على الأرض.

 

وقال السامعي "وصول السفير الأمريكي إلى سيئون، والمبعوث الأممي إلى مأرب، وأمين عام مجلس التعاون الخليجي إلى عدن، هذه الزيارات المتزامنة تأتي فيما يبدو ضمن توجه دولي لإنهاء الحرب، وترسيخ خارطة السيطرة الجغرافية الحالية في البلاد".

 


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن حضرموت المبعوث الأممي السفير الأمريكي مأرب السفیر الأمریکی فی الیمن

إقرأ أيضاً:

التصعيد الأمريكي في اليمن بين عمليتي بايدن وترامب

التصعيد الأمريكي في اليمن يمثل تحديًا لاستقرار المنطقة، وخاصة في حال توسعت أهدافه وتصاعدت خسائره البشرية يمنيًا؛ إذ لن تكون المنطقة بمنأى عن الاكتواء بنار هذا التصعيد.

 

ما بين عملية «يوسيدون أرتشر»، وهو الاسم الذي أطلقته إدارة الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن على حملته مع بريطانيا على الحوثيين في اليمن منذ 12كانون الثاني/يناير 2024، وانتهت في الشهر نفسه من العام التالي، وعملية «رايدر الخشن»، وهو الاسم الذي اعتمده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحملته على الحوثيين في اليمن منذ 15 أذار/مارس الماضي..لا يتجلى ما يمكن اعتباره نصرًا وتحقيق أهداف العمليتين، بما فيها العملية الجارية حاليًا؛ التي لم تعلن عما حققته من خلال الأرقام والوقائع، بينما عمليات «أنصار الله» ضد السفن الحربية الأمريكية وفي عمق الكيان الإسرائيلي مستمرة؛ واستمرارها يعني فشل تلك الغارات.

 

بلاشك إن التصعيد الأمريكي في اليمن يمثل تحديًا لاستقرار المنطقة، وخاصة في حال توسعت أهدافه وتصاعدت خسائره البشرية يمنيًا؛ إذ لن تكون المنطقة بمنأى عن الاكتواء بنار هذا التصعيد، علاوة على تأثيره المباشر على حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر، بما فيه التأثير الذي سيطال سلاسل التوريد العالمية بعد أن كانت قد بدأت بتنفس الصعداء تدريجيا؛ لاسيما وأن التصعيد الأمريكي في العملية الأخيرة مختلف عما كانت عليه العملية السابقة، لكن واشنطن ربما لن تستطيع الاستمرار به على المدى الزمني الذي استمرت به عملية بايدن؛ لأنها ستواجه مشكلة تغطية النفقات؛ لاسيما في ظل تقارير تشير إلى أن ذخائر عملية ترامب في اليمن خلال أربعة أسابيع ستصل إلى مليار دولار.

 

وبينما يذهب خبراء إلى وصف العملية السابقة بـ«الدفاعية» والعملية الراهنة بـ«الهجومية»؛ فإن كلا من العمليتين كانتا هجوميتين، واستهدفت فيما استهدفته مدنيين وأعيانا مدنية، وهي تبحث عن أسلحة الحوثيين، وفشلت في ذلك غارات كلتا العمليتين بما فيها العملية الراهنة حتى الآن بالنظر للأهداف المعلنة؛ وهي إعاقة قدرات الحوثيين عن شن عمليات هجومية.

 

اشتركت في العملية السابقة إسرائيل من خلال قصف مباشر شمل خمس موجات منذ 20 تموز/يوليو 2024 حتى كانون الثاني/يناير 2025، بينما العملية الراهنة تقوم بها واشنطن منفردة؛ وسبق وأعلن مسؤولون إسرائيليون عن وجود تنسيق بين الجانبين بخصوص هذه الغارات، ومؤخرًا زار قائد المنطقة العسكرية الأمريكية الوسطى تل أبيب، ولن تكون الغارات الأمريكية على اليمن بعيدة عن مناقشاته مع الإسرائيليين.

 

900 غارة

 

على الرغم من العدد الكبير لغارات عملية «يوسيدون آرتشر»، والتي تجاوزت 900 غارة وقصف بحري أمريكي بريطاني، إلا أنها فشلت على مدى عام كامل في تحقيق أهدافها؛ وهو القضاء على قدرات الحوثيين العسكرية، وعلى الرغم من استخدام مقاتلات بي 2 الشبحية، فقد فشلت جميع الغارات في الوصول إلى أهداف حساسة لـ«أنصار الله» بسبب قصور المعلومات الاستخباراتية، لكنها خلفت خلال عام، وفق خطاب لزعيم الحوثيين في الثاني من كانون الثاني/يناير الماضي، 106 شهداء و314 جريحا.

 

خلال ثلاثة أسابيع من عملية «رايدر الخشن» المستمرة حاليًا؛ تجاوز عدد الغارات المئتي غارة؛ وهو عدد كبير يتجاوز ما كانت عليه العملية السابقة؛ وتسببت العملية الحالية حتى الأربعاء الماضي، وفق معطيات وزارة الصحة في حكومة «أنصار الله» في استشهاد 61 شخصًا وإصابة 139 منذ 15 أذار/مارس الماضي، جميعهم مدنيون.

 

عن العملية عينها؛ قال تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز»، الجمعة: «لم توضح إدارة ترامب سبب اعتقادها أن حملتها ضد الحوثيين ستنجح بعد أن فشلت جهود إدارة بايدن لمدة عام في ردع الهجمات الحوثية، التي استهدفت أيضًا إسرائيل. يجب على الإدارة أيضًا أن تشرح للكونغرس والشعب الأمريكي مسارها المتوقع في ظل فشل الجهود السابقة»، وكتب السيناتور جيف ميركلي، الديمقراطي من أوريغون، والسيناتور راند بول، الجمهوري من كنتاكي، في رسالة إلى ترامب هذا الأسبوع، «لم تقدم وزارة الدفاع تفاصيل عن الهجمات منذ 17 اذار/مارس، عندما قالت إنه تم ضرب أكثر من 30 هدفًا حوثيًا في اليوم الأول».

 

وأشارت إلى أنه «في غضون ثلاثة أسابيع فقط، استهلكت وزارة الدفاع ذخائر بقيمة 200 مليون دولار، بالإضافة إلى التكاليف التشغيلية الهائلة وتكاليف الأفراد لنشر حاملتي طائرات، وقاذفات B-2 إضافية، ومقاتلات، بالإضافة إلى أنظمة الدفاع الجوي باتريوت وثاد في الشرق الأوسط، وفقًا للمسؤولين. قد تتجاوز التكلفة الإجمالية مليار دولار بحلول الأسبوع المقبل، وقد تضطر وزارة الدفاع قريبًا إلى طلب تمويل إضافي من الكونغرس، حسبما قال أحد المسؤولين الأمريكيين».

 

وقالت الصحيفة: «في إحاطات مغلقة خلال الأيام الأخيرة، اعترف مسؤولو البنتاغون بأن النجاح في تدمير الترسانة الهائلة، والتي تقع إلى حد كبير تحت الأرض، من الصواريخ والطائرات المسيرة ومنصات الإطلاق الخاصة بالحوثيين كان محدودًا، وفقًا لمساعدين في الكونغرس وحلفاء. يقول المسؤولون الذين تم إطلاعهم على تقييمات الأضرار السرية إن القصف كان أثقل بشكل مستمر مقارنةً بالضربات التي نفذتها إدارة بايدن، وأكبر بكثير مما وصفته وزارة الدفاع علنًا. لكن المقاتلين الحوثيين، المعروفين بمرونتهم، عززوا العديد من مخابئهم والمواقع المستهدفة الأخرى، ما أدى إلى إحباط قدرة الأمريكيين على تعطيل هجمات الحوثيين الصاروخية ضد السفن التجارية في البحر الأحمر، وفقًا لثلاثة مسؤولين في الكونغرس وحلفاء تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة الأمور العملياتية».

 

مستوى التصعيد

 

أستاذ علم الاجتماع السياسي في مركز الدراسات والبحوث اليمني بصنعاء، عبدالكريم غانم، يقول لـ«القدس العربي» في قراءته للتصعيد الأمريكي في العملتين إن «كلا من الإدارتين في واشنطن سلكتا نهج التصعيد العسكري تجاه الحوثيين، مع الاختلاف في الأهداف وفي مستوى التصعيد».

 

وأضاف:»إدارة بايدن قيدت العملية العسكرية ضد الحوثيين، واكتفت بقصف الأهداف التي كانت ترى أنها تشكل تهديدات وشيكة على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وفضلت القيام بذلك عبر تحالف مع بريطانيا، حيث قيدت إدارة بايدن المستوى العسكري بهامش محدود من القدرة على اتخاذ قرار التعامل مع التهديدات الحوثية، انطلاقًا من حرص الإدارة الديمقراطية على ترك الباب مفتوحا أمام الحوار السياسي والتفاوض مع الحوثيين، خلافًا لنهج إدارة ترامب، الساعية لاستعراض القوة العسكرية، باعتبار أن استعراض عينة من الأسلحة الحديثة للجيش الأمريكي يعتبر مدخلا مناسبا لفرض السلام وإبرام الصفقات مع العديد من الأطراف في المنطقة، وفي مقدمتهم إيران».


مقالات مشابهة

  • قوة الردع الأمريكي.. مجرد فزاعة كشف حقيقتها اليمن
  • تقرير: استعدادات لهجوم بري منسق ضد الحوثيين في اليمن
  • العدوان الأمريكي على اليمن.. بين فشل الهجمات وتزايد التكاليف
  • منظمة دولية تتحدث عن أبرز تحدي يواجه محافظة مأرب التي تضم أكبر تجمع للنازحين في اليمن
  • التصعيد الأمريكي في اليمن بين عمليتي بايدن وترامب
  • اللواء سلامي: اليمن لايزال صامداً رغم القصف الأمريكي المستمر
  • الكشف عن الدولة العربية التي قدمت دعما لحملة القصف على اليمن
  • اليمن يُعرّي زيف وعود ترامب للشعب الأمريكي
  • خلال 8 سنوات.. تقرير حقوقي يوثق مقتل واصابة أكثر من 6 آلاف مدني جراء الالغام الحوثية في اليمن
  • تقرير أممي: هذه المحافظة تسجل أعلى معدل تقزم في اليمن