لم يكن انضمام مصر للبريكس هو وليد الصدفة، وإنما هو نتاج جهود كبيرة بذلتها الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى على مدار السنوات العشر الماضية، من خلال تطبيق مبدأ عدم الانحياز، ودعم السلام والاستقرار فى المحيط الإقليمى والدولى، ودعم مبدأ الاحترام المتبادل بين الدول والتمسك بمبادئ القانون الدولى واحترام العهود والمواثيق وتعزيز التضامن بين الدول، مع مراعاة البعد الاقتصادى للعلاقات الدولية وتعزيز التكامل بين الدول، والالتزام بسياسة خارجية متزنة محركها الأساسى المصالح الاستراتيجية فى إطار استقلال القرار المصرى.
وعملت الدولة المصرية على مدار السنوات الماضية على بناء شراكات استراتيجية مع دول البريكس، من أجل تعزيز فرص مصر بالانضمام إلى هذا التكتل لتحقيق عدد من المكاسب الاقتصاية، فالتحالف الذى يضم حاليا 11 دولة، تشكل 46% من سكان العالم، وبعد أن كان حجم اقتصاد مجموعة «بريكس» حوالى 26 تريليون دولار، بما يمثل حوالى 25.6 % من حجم الاقتصاد العالمى فى 2022، يصبح الآن بعد انضمام الدول الست الجديدة (السعودية والإمارات ومصر وإيران وإثيوبيا والأرجنتين) حوالى 29 تريليون دولار، بما يمثل حوالى 29 % من حجم الاقتصاد العالمى، كما تظهر الإحصاءات تفوق البريكس لأول مرة على دول مجموعة السبع، بعد أن وصلت مساهمة المجموعة فى الاقتصاد العالمى إلى 31.5%، بينما توقفت مساهمة مجموعة السبع عند 30.7%.
ويأتى انضمام مصر إلى تجمع دول بريكس «البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب إفريقيا» خطوة هامة لكسر هيمنة الدولار على الاقتصاد المصرى، من خلال التعامل مع تلك الدول بعملتها المحلية، سواء بالروبل الروسى أو اليوان الصينى، أو بقية العملات الخاصة بدول البريكس، ما يخفف الطلب على الدولار، وبالتالى ارتفاع قيمة الجنيه تدريجيا أمام الدولار، وهو ما سيؤدى إلى تحسن تدريجى فى قيمة الجنيه المصرى، خاصة فى حال العمل على زيادة الإنتاج والتوسع فى التصدير بنظام الصفقات المتبادلة أو بنظام العملات المحلية المتبادلة مع تجمع بريكس.
وبلا شك ستستفيد مصر من زيادة الصادرات المصرية إلى أسواق دول البريكس وخاصة الصادرات الزراعية، وبعض الصادرات الأخرى المتعلقة بالأسمدة والكيماويات والصناعات الهندسية، علاوة على استيراد الخامات من تلك الدول لدعم الصناعة والتوسع فيها، وفضلا عن الاستفادة من الخبرات الكبيرة من تلك الدول لتوطين بعض الصناعات ذات الأولوية للدولة المصرية، لذلك يعد انضمام مصر لهذا التجمع ضربة قاسية لأعداء الدولة المصرية الذين عملوا على مدار الشهور الماضية على نشر حالة من الإحباط واليأس بين المواطنين، زاعمين أن الاقتصاد المصرى فى حالة انهيار، لتأتى هذه الضربة لتعكس ثقة العالم فى الاقتصاد المصرى.
والحقيقة التى لا يمكن أن ينكرها عاقل أن تجمع البريكس أيضا يطمح فى الاستفادة من قوة مصر الإقليمية والدولية، خاصة أنها تمتلك فرصًا استثمارية استثنائية، يمكن للدول الأعضاء الاستفادة منها من خلال ضخ استثمارات مباشرة والتوسع فيها، فى مجال الطاقة المتجددة، ومشروعات الأمونيا والهيدروجين الأخضر، وتموين السفن بالوقود الأخضر، تزامنا مع عمليات التطوير الواسعة التى تشهدها الموانئ المصرية، ومحور قناة السويس والمنطقة الاقتصادية فى إقليم قناة السويس.
ويمكن للتجمع أيضا الاستفادة من مشروع الحزام والطريق، وربط الصين بإفريقيا ومختلف دول العالم بطريق برى يصل بين القاهرة وكيب تاون، لربط مصر بجنوب إفريقيا، فضلا عن إمكانية النفاذ إلى مختلف الأسواق الأوروبية والأفريقية من خلال الاستفادة من الاتفاقيات التجارية التى تملكها القاهرة، كما يتيح التجمع زيادة بنود المنح والقروض بفائدة مخفضة لدعم الاقتصاد المصرى خلال الفترة المقبلة، لكى يتمكن من تخطى التحديات التى تواجهه بسبب تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية وما أخلفته من تداعيات سلبية على الكثير من الاقتصاديات فى العالم.
ورغم المكاسب المتبادلة بين مصر ودول البريكس، إلا أن مصر تواجه تحديات كبيرة من أجل تحقيق أقصى استفادة من هذا التجمع، لذلك لابد من وجود رؤية شاملة لدفع عجلة التنمية الصناعية والزراعية على وجه التحديد، والإدراك أن حل مشاكلنا الاقتصادية يكمن فى العمل والإنتاج والنهوض بالصناعة والزراعة وزيادة الصادرات والحد من الاستيراد، فالانضمام للبريكس خطوة مهمة تحرك المياه الراكدة ودفعة للاقتصاد الوطنى تتزامن مع جهود حثيثة تبذلها الدولة المصرية لإزالة معوقات الاستثمار وتوطين الصناعة وتشجيع مشاركة القطاع الخاص.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: النائب المهندس حازم الجندي البريكس الدولة المصرية الرئيس عبدالفتاح السيسي الاقتصاد المصرى الدولة المصریة الاستفادة من دول البریکس من خلال
إقرأ أيضاً:
السياحة والاستثمار.. آمال وتحديات
في معرض تفعيل الدور الحيوي لقطاع السياحة وتمكينه من الإسهام في دفع عجلتي الاقتصاد والتنمية معا نظمت محافظة البريمي «الملتقى العربي الأول للسياحة والاستثمار» بالتعاون مع فرع غرفة تجارة وصناعة عمان بالمحافظة، تناولت جلسات اليوم الأول من الملتقى - الذي رعاه معالي الدكتور عبدالله بن ناصر الحراصي وزير الإعلام - تطوير وإدارة الوجهات السياحية مع التركيز على سلطنة عمان وجهة سياحية محتملة، ومحافظة البريمي تحديدا مع ما تتمتع به من مقومات جغرافية وحضارية ممكنة تجعلها بوابة سياحية فاعلة، كما ناقشت الجلسات دور التكامل الإقليمي في تكامل السياحة، تناول الطرح والنقاشات واقع القطاع السياحي عالميا وعربيا، كما تناول أبرز التحديات المشتركة التي يمكن أن تقف عقبة في سبيل تفعيل وتطوير السياحة العربية وسبل تذليل وتخطي هذه التحديات الممكنة.
أثار الملتقى كثيرا من الشجون كما حفّز الكثير من الطموحات والآمال المتعلقة بالسياحة المحلية والخليجية والعربية، فمع كل المشتركات والشراكات البينية التي تصل بين مجموعة الدول العربية إلا أنها لم تحسن بعد استثمار قطاع السياحة رافدا رئيسا للاقتصاد العربي وعاملا لتنمية الشعوب، رغم نجاحات فردية لدول عربية أبت إلا أن تضع بصمتها في سجّل السياحة العالمية اليوم، بين سياحة اقتصادية أو تعليمية أو ثقافية أو علاجية، مع الممكن من شراكات محلية أو إقليمية لإحياء وبعث مناطق وأحياء شعبية تراثية قادرة على جذب السيّاح تماما كقدرتها على خلق فرص العمل للشباب، والمتاح من تسهيلات وممكنات دعما لأهم المبادرات الشخصية والأهلية نهوضا بتراث المكان وبصمة الإنسان، كما أيقظ الملتقى تساؤلات عديدة عن التأشيرة الموحدة الخليجية التي أقرت منذ 2023 ويفترض بداية العمل بها هذا العام، عن أختها التأشيرة العربية «شنغن» ومعوقات عملها أسوة بالتأشيرة الأوروبية التي وفرت على مواطني الاتحاد الأوروبي الكثير من الجهد والمال ومنحتهم الكثير من التسهيلات والامتيازات، عن أهمية تجاوز تحديات المراحل السابقة تاريخيا و جغرافيا وسياسيا والتفكير بمعطيات هذه المرحلة المعاصرة من دبلوماسية وقوة ناعمة لخلق شراكات مستدامة وتكتلات نوعية فاعلة، عن تفعيل التقانة والذكاء الاصطناعي ورقمنة البيانات والمؤسسات والمحتوى والخدمات، وليس ذلك بالمستحيل أو حتى الصعب مع ما هو كائن أصلا من مشتركات لغة وتاريخ وجغرافيا وتراث مادي ومعنوي.
محافظة البريمي جمعت كثيرا من الباحثين والمهتمين العرب بالسياحة والاستثمار، مثلما اعتادت على ذلك دورا تاريخيا مكّنها من أن تكون محل مقيظ رائع قديما لكثير من المحيطين بها إخوة وأشقاء، كما أنها محل شتاء أروع تحمل دفئه قلوب أهليها كما تحمله مواقد الجمر وسمر الأحبة، آمال المجتمعين في ملتقاها لم تقف عند سقف محلي يكتفي بالقليل بل حلّقت لآفاق تتلمس تنويعا في الأسواق المستهدفة سياحيا بعد السوق الأوروبي العتيق إلى أسواق آسيا خصوصا؛ إذ ليس من الحكمة تجاوز مستهدفات أثبتت نفسها للعالم كفاءة وتحققا وقد يكون استهدافها سهل المنال (إذا ما تذللت بعض العقبات) مقارنة بالسوق الأوروبي.
ترقب صادق لواقع يحمل كثيرا من آمال الحاضرين ممثلين لشعوب عربية تتوق لتجاوزها قلق هذه المرحلة من الصراعات والقلاقل والفتن، كما تتوق لتطويق بؤر التطرف والإرهاب سواء كانت منتجا عربيا شاذا أو وهما غربيا مصنوعا متلبسا ثوب فزاعات سياسية واقتصادية، من هوّة رفض الآخر المختلف إلى فضاء رحب لتكامل الأفكار واتحاد الرؤى وسلام الشعوب، فسحةً جديرةً بالعمل المخلص والجهد الدؤوب وأمنيات الجميع في سياحة تَصْدرُ من أمن المكان إلى أمانِ المكين، لعل «الملتقى العربي الأول للسياحة والاستثمار» والحاضرين به يحملون بشرى الغد المتحقق كما حملوا أحلام الأمس واليوم الممكنة رغم التحديات، لننعم جميعا بسياحة آمنة مستقرة وتنمية مستدامة مُستحقة.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية