ما زلنا مع الفنان العروبى فريد الأطرش الذى سيطرت فكرة القومية العربية على وجدانه، ووجد فى شخص عبد الناصر ضالته التى قدمها فى أوبريت «بساط الريح»، وبدأ فى ضخ الكثير من الأغنيات التى روجت لفكر الزعيم عن القومية العربية والأفكار التى ألهبت العرب جميعًا ووجدوا فيها ضالتهم فى مقاومة الاستعمار باتحادهم جميعًا.
وكان من أولى أغنياته عقب الثورة مباشرة أغنية «نشيد البعث»، وتأتى أغنيته «المارد العربى»، لتجسد كلماتها فكرة المارد الذى لا يهزم، والذى يمتطى صهوة جواده منطلقًا بين أرجاء الوطن العربى، وطنه فى كل مكان، فى دجلة، فى عمان، فى مصر، فى لبنان، والمغرب العربى. وبدأ اللحن بإيقاعات سريعة تشبه إيقاعات الخيل المتلاحقة، كما لو كان جوادًا عربيًا يركض بصورة متصلة، وفى نهاية الأغنية يبين أن المارد العربى يكمن فى شخص جمال الذى صنع المارد العربى.
ولم ينس «الأطرش» عبد الناصر ذاته فغنى له «حبيب حياتنا كلنا»، «حيوا البطل»، «حبيبنا يا ناصر»، «يا حبيب الشعب العربى». أما «نشيد الفداء» فمن أجمل ما غنى للعروبة والذى يقول فيه: إن للباطل جولة، قل لهم أين المفر، فلهم يوم أمر، قد تآخينا هلالًا وصليبًا.
وكان لوحدة مصر وسوريا نصيب فى أغنيته «مبروك ع الأمة العربية»، وهناك الكثير مما يمكن قوله حول فكرة القومية التى أطلقها ناصر وتناولها فريد الأطرش فى فنه ليؤصلها فى نفوس محبيه من المحيط إلى الخليج، ونجح الأطرش من خلال إيمانه بفكرة القومية العربية، فى توحيد العرب وجمعهم على فنه من المحيط إلى الخليج.
و«عبد الناصر» كان معروفًا عنه أنه دائما ما يسعى لتكريم الفنانين، وخاصة فى المناسبات القومية، وكان من ضمن الفنانين الذين جمعتهم صداقة قوية بالزعيم هو بالطبع فريد الأطرش، فقد منحه عبدالناصر وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى، تقديرا لخدماته للموسيقى العربية، ووصف فريد هذا التكريم بأنه كان أجمل لحظات حياته، وأنه«فرحة العمر».
ولا ينسى فريد لحظة أن رن جرس الهاتف فى شقته المطلة على النيل ليجد على الطرف الآخر من الهاتف مكتب السيد صلاح الشاهد، كبير الأمناء برئاسة الجمهورية، يبلغه أن الرئيس قرر تكريمه، ويقول فريد بعد ذلك فى حواراته: «كانت المفاجأة أكبر من أن يتحملها قلبى فبكيت من الفرحة، وتم تحديد موعد لاستلام براءة وسام الاستحقاق من صلاح الشاهد كبير الأمناء».
ولم يستطع فريد الأطرش أن ينام ليلة سماعه الخبر، قبل أن يذهب لاستلام الوسام فى اليوم التالى، فكانت فرحته وامتنانه بلا حدود لهذا التقدير، ولم يعبر عن هذه المشاعر أى شيء غير البكاء.
وعندما ذهب فريد إلى القصر الجمهورى لاستلام الوسام من صلاح الشاهد تدفقت مشاعره وهو يقرأ نصه:
«من جمال عبد الناصر، رئيس الجمهورية العربية المتحدة إلى الموسيقار فريد الأطرش، تقديرا لحميد صفاتكم، وجليل خدماتكم للموسيقى، قد منحناكم وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى».
أمسك فريد بالقلم وحاول التعبير عما يدور فى قلبه والمشاعر التى تعتمل فى أعماقه، ليكتب فى سجل التشريفات ما يلى:
«سيدى الرئيس.. إن تقديركم النبيل قد جعلنى أشعر بأننى قد ولدت من جديد، وأن هذا اليوم المشهود الذى نلت فيه شرف تقديركم وتقدير وطنى، لهو يوم خالد فى حياتى سوف أعتز وأفخر به ما بقى لى من عمر فى هذه الحياة، فلكم كل شكرى وامتنانى ولوطنى الغالى مصر حياتى وكل قطرة فى دمى، ووفقكم الله لنصرة وطننا العزيز لترتفع دائما راية العروبة شامخة عالية».
وقال وقتها: «لا أدرى ما أقول فى هذا الموقف المشهود فى حياتى، فإننى مهما بذلت من جهد ومهما قدمت من عمل بعد ذلك لن أستطيع التعبير عن امتنانى وحبى ومشاعرى تجاه الرئيس جمال عبد الناصر، الإنسان العظيم والقائد الحق، وراعى الفنون والثقافة العربية».
حفظ الله مصر وأهلها.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: كثيرة العشاق ندى القومية العربية الأغنيات فرید الأطرش عبد الناصر
إقرأ أيضاً:
الزناتى: جمال سليمان علامة مضيئة فى الفن العربى ونموذج مشرف للفنان المثقف الواعى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أعرب حسين الزناتى وكيل نقابة الصحفيين رئيس لجنة الشئون العربية والخارجية بالنقابة عن تقديره الشديد للتاريخ الفنى للفنان جمال سليمان، والذى يعد نموذجاً مشرفاً للفنان العربى المثقف الواعى الذى لايعمل إلا فى إطار رسالة تمنح المتلقى نموذجاً إيجابياً عن دور الفن والفنان المحترف القادر على أداء الأدوار مهما تنوعت بأداء عال، ومقدرة مميزة .
وأشار الزناتى فى بداية اللقاء الذى أعدته لجنة الشئون العربية للفنان جمال سليمان ، اليوم السبت بنقابة الصحفيين فى حوار مفتوح معه إلى أن هذه التجربة الحيايتة لسليمان، جعلته يمتلك أدوات الكثير من الشخصيات الحية، الموجود على الأرض ، التى عاش بينها، فلم تكن حياته مرفهة، بل عايش أبناء الشعب من الطبقة المتوسطة، والأقل حيث ولد في حي باب سريجة بالعاصمة دمشق لعائلة مكونة من تسعة أشقاء، وعمل في طفولته بأكثر من مهنة من بينها الحدادة والنجارة والديكور والطباعة وهو في سن صغير بناءاً على طلب والده، اعتقاداً منه بأن العمل سيجعله رجلاً، وفي سن الرابعة عشرة اتجهت ميوله نحو المسرح ومارس العمل فيه كممثل هاوٍ، ثم انتسب إلى نقابة الفنانيين السوريين عام 1981.
وأكد الزناتى أن هذه التجربة أثرت فى شخصية وحياة جمال سليمان فيما بعد ليكون أكثر اقتراباً من الجمهور، منذ أن بدأ مشواره عام 1974 واشترك مع فرقة من الممثلين الهواة التى تدعى (فرقة شباب القنيطرة) وعمل بها وشارك في مهرجان مسرح الهواة المسرحية ثلاث دورات في مهرجان مسرح الهواة الذي كانت تقيمه وزارة الثقافة السورية في السبعينات، ودخل المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق وتخرج من المعهد وفى عام 1985 بدأ أولى تجاربه على خشبة المسرح في مسرحية (عزيزى مارات المسكين)
وبسبب تفوقه الدراسي أرسل في منحة دراسية إلى بريطانيا لمتابعة دراسة هناك نال على الماجستير في الدراسات المسرحية قسم الإخراج المسرحي من جامعة ليدز عام 1988، ثم عاد للعمل كأستاذ لمادة التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية وكممثل محترف في السينما والتلفزيون ولعب الشخصية الرئيسية في عدد كبير من الأعمال التلفزيونية، التي شكل بعض منها علامات فارقة في رحلة الدراما السورية، غير أفلامه السينمائية، حتى بعد قدومه إلى مصر التى مثلت محطة جديدة مهمة فى تاريخه التمثيلى تألق فيها بشكل غير عادى.
وكانت له أنشطته الانسانية التى جعلته سفيراً لصندوق الأمم المتحدة للسكان، وبعدها كانت له آراءه السياسية، التى دفع ثمنها لكنه بقى مصراً عليها ، إيماناً بفكرته واعتقاده.