بوابة الوفد:
2024-12-23@04:13:11 GMT

حديقة الخالدين

تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT

تمزق الحسرةُ قلوبَ المصريين، ويسحقها الألم والحزن لما تتعرض له منطقة مقابر القاهرة الأثرية.

إن رؤية الأوناش تزيل مقابر رموز مصر وتدمر شواهدها، وتحطم مبانيها التاريخية صار من المشاهد المتكررة! حدث هذا لقبر عميد الأدب العربى طه حسين وأمير الشعراء أحمد شوقى والشاعر محمود سامى البارودى - رب السيف والقلم- والأديب الكبير يحيى حقى والشيخ محمد رفعت وغيرهم من عباقرة مصر، والظاهر أن مسلسل الهدم لن يتوقف حتى تصبح المنطقة برمتها أثرًا وذكرى بعد أن كانت رمزًا من رموز الفخار والزهو!

لهذا أقدم إلى الدولة المصرية (وزارتَى الثقافة والأوقاف المصرية وهيئة الآثار) اقتراحين:

الأول يخص العميد طه حسين وأمير الشعراء؛ أن ننقل الضريحين إلى متحفيهما، رامتان وكرمة ابن هانئ، فذلك أشرف لهما ولنا كمصريين.

المتحفان أولى برفاتهما؛ ويليقان بقيمتهما الثقافية والأدبية وتاريخهما العظيم، كذلك قيمة مصر وتاريخها.

ربما العميد نستطيع نقل رفاته إلى ڤيلا «رامتان» فى الهرم، بيته الذى عاش فيه زمنًا طويلًا، أو إلى بيته فى قرية عزبة الكيلو (مركز مغاغة - محافظة المنيا) البيت الذى استقبل أبطال فيلم دعاء الكروان، أو اقتراح ثالث بنقله إلى جامعة القاهرة أمام مبنى كلية الآداب، وعلاقة العميد بها يعلمها الجميع، فهو أحد أركانها، وكلية الآداب اعتمدت لسنوات على أفكاره ونبوغه وإسهاماته التى لا حصر لها.

الاقتراح الثانى هو «حديقة الخالدين» أو «أرض الخالدين» أوجهه إلى الحكومة المصرية.

وهو نقل رفات كل عباقرة مصر، والأفذاذ من أبنائها، إلى موقع جديد يليق بهم/بهن، فلا تندثر قبور، ولا يضيع مع كر السنين أثر هؤلاء أبدًا، وتظل شاهدًا على خلودهم/ هن أمام الأجيال القادمة.

أقترح أن يكون موقع «حديقة الخالدين» على امتداد «المتحف الكبير» خلف منطقة الأهرامات، مع الظهير الصحراوى.

لن تتكلف الدولة لإقامة هذه الحديقة سوى التبرع بالأرض -خلف المتحف الكبير- أما السور والمقابر فسوف يدفع المصريون تكلفتها بحر مالهم، تخليدًا لأبناء وبنات من فلذات أكبادهم/ هن، أبناء وبنات تميزوا وأبدعوا وسجل التاريخ أسماءهم/هن بأحرف من نور.

الحديقة قطعة أرض كبيرة تتسع لما لهذه الأمة من كنز بشرى فذ، محاطة بسور وأشجار من الكافور والكازورينا.

من خلال اكتتاب؛ مثل الذى فعلناه من قبل لأجل تمثال نهضة مصر، فحول المصريون فكرتهم إلى حقيقة، واستطاع النحات المصرى العظيم محمود مختار (١٠ مايو١٨٩١- ٢٨ مارس ١٩٣٤) تنفيذ عمل صار رمزًا لمصر الحديثة.

الحديقة سوف تكون على شكل زهرتى لوتس، إحداهما لمن لقى ربه فى السنوات الماضية، والثانية تكون للقادم من الأيام، مستقبلًا، لكل الذين يتوفاهم الله من عباقرة مصر وأفذاذ العرب، إذا رغب/رغبت فى أن يحتضن تراب مصر رفاته/رفاتها.

كل المقابر ستكون ذات شكل ثابت، موحد، تصميم فرعونى الطراز، شواهدها من جرانيت أسوانى، ينقش عليه باللغتين العربية والإنجليزية، سيرة ذاتية مصغرة. تاريخ ميلاده، مدينته، دراسته، تجلياته، تفرده، نبوغه، ما ناله من أوسمة ونياشين، تاريخ التكريم، أسماء المؤسسات التى منحته الأوسمة.

بين هذه القبور مسافات ثابتة مغطاة بالعشب الأخضر أو الزلط المعروف جيولوجيًا بالشيرت/فلينت.

تحدد الدولة ممثلة فى وزارة الثقافة موعدًا لإجراء اكتتاب عام؛ يتم دعوة المثقفين المصريين والعرب، رجال الأعمال، البنوك المصرية والعربية، جامعة الدول العربية، مجامع اللغة العربية للمساهمة فى هذا المشروع العظيم.

المصريون والعرب الذين توفاهم/هن الله، ومقابرهم فى مصر، تُنقَل رفاتهم فى توابيت، ثم تُوضع فى الحديقة تبعًا لتواريخ وفاتهم/هن.

أما الذين يتوفاهم /هن الله بعد الإنشاء، يتم دفنهم/هن فى زهرة اللوتس الثانية، تبعًا لنظام صارم، مع قوانين حاكمة، منظمة لهذا الشأن، بقرار رئاسى، قرار بالإجماع من مجلس النواب، الحاصلين على قلادة النيل، قلادة الجمهورية، جائزة نوبل، أو توصية من المجلس الأعلى للثقافة تُرفَع لرئيس الجمهورية.

تمنح مصر هذا الشرف للمتميزين من العرب فى مجال الأدب والفنون والثقافة، والحاصلين على جائزة نوبل، إذا تقدم بطلب إليها.

لن نكون بهذا أصحاب سابقة فريدة فى عالمنا؛ لأن الكثير من دول أوروبا سبقتنا بالتنفيذ والاهتمام بأفذاذها، مثل «متحف الخالدين» فى برلين، لكننا بإنشاء حديقة الخالدين على الطراز الفرعونى نكون قد تميزنا وارتبطنا بتاريخنا الخالد. أذكر القارئ أن لدينا فى متحف برلين تمثالًا للموسيقار الخالد فريد الأطرش، العربى الوحيد الذى شُيد له تمثال هناك!

فى حديقة الخالدين نستطيع وضع تمثال لكل عبقرى من عباقرة مصر أمام قبره من الجرانيت؛ نعقد من أجله مسابقة مصرية، عربية، عالمية. نحشد لها ونعلن عنها ونجعلها احتفالية تليق بالأمة المصرية وبأفذاذها.

يتقدم للمسابقة طلاب كليات الفنون الجميلة فى كل أنحاء الوطن العربى، وتصدر أسماء لجنة التحكيم بتوصية من كبار النحاتين المصريين، عمداء كليات الفنون الجميلة، الفنون التطبيقية، نقابة التشكيليين، كبار الفنانين، خاصة من إيطاليا وفرنسا، لما لدى الدولتين من خبرات فى هذا المجال، وما يربطهما بمصر من علاقات تاريخية وثقافية، ليس فن النحت وتصميم الميادين والمبانى إلا فروعًا من علاقات متعددة وتاريخية.

أتمنى أن تجد الفكرة دعمًا يليق بالأمة المصرية؛ وتجاوبًا يليق بأبناء مصر من وزارتى الثقافة والأوقاف وهيئة الآثار والشعب المصرى العظيم.

كاتب وروائى مصرى

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: على حسن قلوب المصريين مصر

إقرأ أيضاً:

بوب ديلان: الصوت الذى شكّل ثقافة الستينيات

أثناء دراستى للأدب فى كندا، قدّم لى زملائى أغانى بوب ديلان. فى البداية، كانت موسيقى وكلمات ديلان بعيدة عن ذهنى، ولكن بعد سنوات من الاستماع والتأمل، بدأت أستمتع بالرسائل الاجتماعية والسياسية التى كانت تلتف حول أغانيه، فتبين لى أنها كانت أكثر من مجرد موسيقى؛ كانت أشكالًا من الاحتجاج والأمل والتغيير.

بدأت مسيرة بوب ديلان الفنية فى أوائل الستينيات، حيث كانت أغانيه بمثابة صرخة ضد الظلم، وشهدت انطلاقته تزامنًا مع الحركات المناهضة لحرب فيتنام، إلى جانب مطالبات الحقوق المدنية فى أمريكا. كانت أغانيه نافذة نحو قضايا معقدة، يبرز فيها الصراع بين الأمل والواقع، بين الشباب والسلطة، مما جعلها لغة لاحتجاجات الجيل الجديد فى تلك الحقبة. ولم يكن ديلان مجرد مغنٍ، بل كان صوتًا يرفع راية التمرد، ويحمل فى طيّاته شعارات التغيير، مما أكسبه تقديرًا عالميًا، كان آخرها فوزه بجائزة نوبل فى الأدب عام 2016، بالإضافة إلى جوائز أخرى مرموقة مثل الأوسكار وجوائز جرامى.

وفى عام 1964، شهدت مسيرته تحولًا جذريًا، إذ بدأ فى استخدام القيثارة الكهربائية، مما دفعه للانتقال من موسيقى الفولك إلى الروك التى أصبحت تعبيرًا مباشرًا عن مشاعر الشباب الأمريكى وأحلامهم فى ذلك الوقت. هذه النقلة جعلت موسيقاه تنبض بالحياة، وتزيد من تأثيرها على الشارع الأمريكى والعالمى.

اليوم، وفى 25 ديسمبر الحالى، يعرض فى الولايات المتحدة فيلم «مجهول تمامًا» للمخرج جيمس مانغولد، الذى يتناول قصة بوب ديلان استنادًا إلى كتاب «قيثارة ديلان الكهربائية والليلة التى غيرت تاريخ الستينيات» للمؤلف إى. والد. يعرض الفيلم حياة ديلان منذ وصوله إلى نيويورك عام 1961 حتى العرض الشهير فى مهرجان نيو بورت الشعبى عام 1965.

ربما يكون من الصعب تجسيد شخصية مثل ديلان، الذى ظلت طوال مسيرته تتحدّى التعريف والتصنيف والتحديد، وهذا ما أكده ريتشارد ف. توماس، أستاذ الكلاسيكيات فى حديثه مع مجلة «هارفارد غازيت»: «من الصعب تقييم صوت ديلان بشكل دقيق، فموسيقاه تتغير فى كل عرض، وهو يهتم بتقديم الأغنية بشكل حى وجديد، مما يبدد توقعات الجمهور». وأضاف: «ما يميز ديلان هو استمراريته وتجدده، فهو لا يتوقف عن إبداع أعمال جديدة، ومهما مضت الأعوام، تبقى موسيقاه حية وقادرة على لمس أعماق الناس».

أعتقد أنّ قيمة أغانى بوب ديلان تكمن فى أن كلماته صرخة فى وجه الظلم، وألحانه رسائل من مناهضة الحروب والكفاح من أجل تحقيق الحرية والعدالة. كانت موسيقاه ولا تزال مرشدًا للأجيال فى فترات الاضطراب، ويظل تأثيره حيويًا فى توجيه الفنانين نحو التعبير الصادق والحر. وبالنظر إلى إرثه، يمكننا القول إن بوب ديلان سيظل جزءًا من الروح الثقافية الأمريكية التى ما زالت حية فى وجدان كل من يسعى للتغيير.

 

مقالات مشابهة

  • محافظ بورسعيد يعلن عودة تمثال دليسيبس إلى المدينة
  • محافظ بورسعيد: عودة تمثال ديليسبس إلى المدينة الباسلة
  • سيرة أمير العمرى المُدهشة (1-3)
  • بوب ديلان: الصوت الذى شكّل ثقافة الستينيات
  • الراهبات الانطونيات استلمن دير مار اسطفان في حديقة البطاركة - الديمان
  • أم بريطانية تترك طفلها في حديقة مع الحيوانات.. «تحول لونه إلى الأزرق»
  • فرضية حديقة الحيوان.. لماذا لم نجد حياة عاقلة في الكون إلى الآن؟
  • القانون للضعفاء
  • كأسك يا وطن
  • أطفال المحافظات الحدودية في ضيافة متحف شرم الشيخ ضمن مشروع أهل مصر