الإمارات في "بريكس": نحو تعاون ثقافي أوسع
تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT
بعد أن أعلنت قمة بريكس الأخيرة في جوهانسبيرغ دعوة دول جديدة للانضمام إلى المجموعة العالمية المؤثرة، خرج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليعلن عن قلقه من هذا التوسع الذي اعتبره بمثابة مؤشر على وجود نية لبناء "نظام عالمي جديد"، معترفاً بأن النظام الحالي لم يعد يتمتع بالقوة التي كان يتمتع بها سابقاً، وداعياً في خطاب إلى الدبلوماسيين الفرنسيين إلى مزيد من التعاون والانخراط في هذا العالم الجديد الآخذ في التشكّل.
استنتاجات ماكرون تعني أنه لا ينبغي "التقليل من شأن" هذه التغيرات، ويعني بذلك تحديداً توجيه بريكس الدعوة إلى ست دول جديدة، هي الإمارات والسعودية ومصر وإيران والأرجنتين وأثيوبيا، لكل منها ثقله الاقتصادي والسياسي والجغرافي وإرثه الثقافي والحضاري، للانضمام إلى المجموعة الأساسية: روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا. وقد اعترف ماكرون ضمنياً "بأن النظام العالمي القائم حتى الآن "غربي تماماً". فبعد أن ظل التحكم في العالم محصوراً في مجموعة واحدة تجمع بين أوروبا وأمريكا، وبين مجموعة الدول الصناعية السبع وأدواتها من صندوق النقد إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة، أصبح بإمكان عرقيات وثقافات أخرى واقتصادات أخرى أن ترفع صوتها للخروج من الهيمنة الأمريكية والنظام الأحادي القطبية الذي يمارس الاستعلاء السياسي والاقتصادي على مصائر بقية الأمم.
هذه القلق الغربي يطرح أكثر من تساؤل، حول ما الذي يمكن أن تقدمه دول مجموعة بريكس للعالم من جهة، ومدى خطورتها على النظام العالمي القائم الذي أصبح واضحاً أنه يعاني من الهشاشة السياسية. صعود متسارع لقد أصبح واضحاً للجميع الصعود الاقتصادي المتسارع لدول بريكس، باعتبارها تمثل مجتمعة أكثر من 42% من سكان العالم بحسب بيانات الأمم المتحدة، وأكثر من 23% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وفق بيانات البنك الدولي، فالصين تغزو العالم باقتصادها الضخم، والبرازيل عملاق أمريكا اللاتينية من أكثر الدول المزودة للمواد الخام، وروسيا مصدر عالمي للطاقة الكامنة والغاز، والهند هي مصدر مهم لتكنولوجيا المعلومات، وجنوب أفريقيا منطقة تعدين وموقع استراتيجي عالمي مهم جداً بإشرافها على المحيطين الهندي والأطلسي.
كما أن الدول التي ستنضم بداية العام 2024 لا سيما الإمارات ذات الاقتصاد المتنوع، تلعب دوراً كبيراً في تحريك الاقتصاد العالمي والتأثير فيه، وقبل يومين قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي: "واصلت صادراتنا غير النفطية نموها بشكل كبير حيث تجاوزت خلال 6 أشهر ما كنا نحققه في عام كامل قبل خمس سنوات فقط، وارتفعت صادرات الدولة غير النفطية مع أهم 10 شركاء تجاريين عالميين بنسبة 22٪ هذا العام، مما يؤشر لصحة سياساتنا الخارجية المتوازنة والنشطة والإيجابية التي يقودها رئيس الدولة حفظه الله، وستتجاوز تجارتنا الخارجية غير النفطية 2.5 تريليون هذا العام بإذن الله.. وسنحقق الهدف الذي أعلناه بالوصول لرقم 4 تريليون درهم في 2031".
وسيسهم انضمام الإمارات إلى مجموعة بريكس في تعزيز قوة المجموعة، باعتبارها إحدى القوى الاقتصادية الرائدة على مستوى المنطقة والعالم، ولما تتمتع به من تنوع وقدرة تنافسية، فضلاً عن شراكاتها مع كثير من دول العالم، ودورها في التنمية الاقتصادية والاستقرار الإقليمي والعالمي. نظام بديل؟ ربما يكون من المبكر الحديث عن نظام عالمي جديد أو بديل أو أكثر توازناً وعدلاً، لكن بريكس لا تخفي نيتها فعل هذا، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال في كلمته خلال القمة: "مجموعة بريكس تؤيد تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب يعتمد على القانون الدولي، بما في ذلك حق الشعوب في التنمية"، وهو بكلمته هذه أشار إلى أهمية وجود أنظمة متعددة، يمكنها أن تساعد في تنمية الشعوب الفقيرة ومساعدتها في الخروج من قبضة صندوق النقد وشروطه التعجيزية، وأيضاً الانعتاق من نظرة الدول العظمى الفوقية وتحكمها في مقدرات شعوب العالم الثالث وقضاياهم.
ويمكن القول إن هذا الدور رافق بريكس منذ نشأتها، ففي أول قمة عقدت بين رؤساء الدول الأربع المؤسسة للمجموعة (البرازيل وروسيا والهند والصين) في يكاترينبورغ بروسيا في 2009 تم الإعلان عن تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية، يضع في حسبانه قضايا التنمية المستدامة.
ومن المهم هنا الإشارة إلى أن مصلحة الشعوب تحديداً، هي ما أكد عليه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة في تغريدته على منصة التواصل الاجتماعي "إكس"، حين رحب بالإعلان عن انضمام الإمارات إلى البريكس قائلاً: "نقدر موافقة قادة مجموعة بريكس على ضم دولة الإمارات العربية المتحدة إلى هذه المجموعة المهمة. ونتطلع إلى العمل معاً من أجل رخاء ومنفعة جميع دول وشعوب العالم". وإذا كانت الإمارات تقوم بهذا الدور ـ دور مساعدة الشعوب ـ منذ زمن طويل وبجهد فردي، فإنها من خلال الانضمام لبريكس ستتمكن من أن تفعل ذلك بشكل أكبر وأن توسع دورها التنموي بما فيه الخير للعالم كله. بريكس والقوة الناعمة ومن المعروف أن التبادل التجاري يحمل أهمية استثنائية في تقوية اقتصادات دول بريكس لنهضة شعوبها، لكنني أرى من الضروري تدعيم هذه الروابط الاقتصادية بين الدول، عبر الثقافة بتجلياتها المختلفة، وعبر القوة الناعمة لكل دولة من دول المجموعة بما تمتلكه من إرث حضاري وثقافي وفني مختلف يضيف للدول الأخرى.
إذا كان التعاون والتبادل التجاري والاقتصادي هو البداية للبريكس، فإن ما نعول عليه خلال الفترة المقبلة لمزيد من الاستمرارية والصعود والقوة، هو التعاون الثقافي واللغوي والتعليمي، فالولايات المتحدة الأمريكية لم تكتف بقوتها العسكرية والاقتصادية، وإنما استطاعت أن تتحكم في العالم من خلال قوتها الناعمة من أفلام ومسلسلات وكتب لرسم صورة ذهنية عنها حولتها إلى حلم في عقول ملايين الشباب في العالم.
ولخلق صورة بديلة لا بد من الاهتمام بالتواصل الثقافي بين أمم بريكس العريقة، والتي يمتلك معظمها ثقافات تمتد لآلاف السنين، ويتم ذلك عبر تبادل الخبرات والمعارف بين الدول الأعضاء في مجالات مثل العلوم والتكنولوجيا والتعليم والثقافة والآثار والفنون، مما يساهم في تطوير قدراتها وتحقيق التقدم العلمي والتكنولوجي والثقافي. التعاون اللغوي ومن الضروري التركيز على الاستفادة من التنوع اللغوي لدول مجموعة بريكس، وما يستدعيه ذلك من جهد ضروري يتمثل في خلق جسر من الترجمات ونقل الثقافات والفنون بين الدول، وإذا كان طريق الحرير يمر ببعض دول بريكس، فإن الإمارات في قلب هذا الطريق وبإمكانها أن تؤدي دوراً حيوياً، يوازي دورها الاقتصادي المحوري.
ويعد البعد اللغوي أحد الجوانب الرئيسية للتعاون بين الدول الأعضاء، وتملك اللغة العربية فرصة كبيرة لأداء دور في هذا المجال، لما تملكه من رصيد كبير وتأثير ضخم وتنامي شعبيتها في العالم، لا سيما وأنها واحدة من أكبر اللغات المنطوقة على مستوى العالم، ولها تأثير كبير على السياسة والاقتصاد والثقافة العالمية.
وتوفر بريكس فرصاً فريدة لتعزيز تعلم اللغة العربية وتبادل المعرفة اللغوية بين الدول الأعضاء، وذلك عبر تنظيم برامج تعليمية مشتركة وورش عمل وفعاليات ثقافية تعزز فهم اللغة العربية، مع إقامة مراكز لتعليم اللغة العربية في الدول الأعضاء، ما قد يفتح آفاقًا للتبادل التجاري والاستثمار بين بقية دول بريكس والعالم العربي.
كما أن هناك فرصاً كبيرة للاستفادة من تعلم اللغة في مجالات مثل الأعمال التجارية والسياحة والدبلوماسية، ويمكن أن يتم ذلك عن طريق تطوير موارد تعليمية مشتركة، وتبادل البرامج التعليمية واللغوية، وتشجيع الطلاب والمعلمين على تعلم اللغة العربية واستخدامها كوسيلة للتواصل. تبادل ثقافي ويمكن للتبادل الثقافي بين دول المجموعة أن يغني تجربة بريكس، ويحضرني هنا على سبيل المثال متحف هيرميتاج في مدينة سان بطرسبرغ، والذي زرته أخيراً ولفت انتباهي غناه الفريد بأكثر من ثلاثة ملايين تحفة فنية. إن إقامة فرع لهذا المتحف في أبوظبي ـ على سبيل المثال ـ على غرار "اللوفر أبوظبي"، لكفيل بعمل حركة مهمة من التبادل الثقافي والمعرفي، وبالمثل فإن إقامة فرع لمتحف الحضارة المصري في الهند ـ على سبيل المثال ـ لكفيل بالقيام بالدور نفسه.
وتمتلك كل دولة من دول بريكس ثقافة وحضارة غنية، سواء الحضارة العربية أو الفرعونية أو الفارسية أو الثقافات اللاتينية، أو الهندية والصينية والروسية والإفريقية، ولا بد أن التبادل هنا، لن يقتصر على نقل المعارف، بل سيزيد الروابط بين شعوب هذه الدول والتعاون والتفاهم ومن ثم البناء المشترك لخلق عالم أكثر تعاوناً وتفاهماً.
إن السعي نحو مزيد من التعددية والتعاون الدولي، أصبح ذا أهمية متزايدة، والإمارات كانت ولا تزال رائدة في الدعوة إلى مثل هذا التعاون منذ فجر تأسيسها، وما انضمامها إلى بريكس اليوم سوى دليل إضافي على صوابية سياساتها القائمة على مدّ الجسور بين الأمم والشعوب.
إن التعاون الثقافي بين دول بريكس، والدعوة إلى وجود عالم أكثر تعددية وتعاوناً، لا يعني القطيعة مع أحد، ولا مقاطعة ثقافة أحد، إنما يعني إعطاء الفرصة لثقافات أخرى في العالم أن تتجاور معها، وهذا هو جوهر ثقافة التسامح والتعايش التي تدعو لها الإمارات في كل محفل، والتي إذا طبقها العالم لعاش الجميع في وئام وسلام وازدهار.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني الدول الأعضاء اللغة العربیة مجموعة بریکس نظام عالمی فی العالم دول بریکس بین الدول أکثر من
إقرأ أيضاً:
جامعة مصر للمعلوماتية توقع اتفاقيتي تعاون لمدة 5 سنوات مع "سيزي وإيزار ديجيتال" الفرنسيتين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أكدت الدكتورة ريم بهجت رئيس جامعة مصر للمعلوماتية، أن توقيع الجامعة اتفاقيتي تعاون لمدة خمس سنوات مع جامعتين فرنسيتين هما "سيزي" رقم 54 على مستوي جامعات العالم و"إيزار ديجيتل" ثاني أفضل جامعة على مستوي العالم في مجال ألعاب الفيديو، تستكمل شبكة الاتفاقيات الدولية التي نجحت مصر للمعلوماتية في تكوينها بما يتيح لطلابنا الحصول على شهادات مزدوجة الاولي شهادة مصر للمعلوماتية والشهادة الثانية من جامعة سيزي الفرنسية لتنضم لأبرز الجامعات الامريكية والكندية.
وقالت إن أهمية الاتفاقيتين مع فرنسا انها تأتي مع اهم الجامعات الفرنسية في تخصصات الامن السيبراني والذكاء الاصطناعي والهندسة وعلوم الحاسب والمعلومات، والابتكار والتكنولوجيا وتطوير وتصميم الألعاب الالكترونية؛ وهي اهم المجالات التي يتنافس عليها العالم حاليا لأنها تعيد تشكيل الاقتصاد والاهم انها السبيل الأفضل للاقتصاديات الصاعدة للحاق بالاقتصاديات الكبرى وسد الفجوة التكنولوجية بينهما.
وأوضحت أن الاتفاق مع جامعة "سيزي" يتيح لطلابنا الدراسة لأربع سنوات بمصر والحصول على شهادة البكالوريوس، ثم استكمال الدراسة عام اخر في فرنسا للحصول على درجة الماجستير، وهو ما يؤهلهم للعمل في أي شركة بالاتحاد الأوروبي بالإضافة الي ان مكان داخل مصر او خارجها.
وأكد الدكتور أحمد حمد نائب رئيس جامعة مصر للمعلوماتية، أن الاتفاق مع جامعة "سيزي" يشمل التعاون المشترك في مجالات التعليم والبحث العلمي وانشطة خدمة المجتمع، بجانب انه يمهد الطريق لتوقيع اتفاقيات للتعاون في عدة مجالات هي تطوير مشاريع درجة البكالوريوس – الماجستير المزدوجة، وتنفيذ مشاريع بحثية مشتركة ونشر علمي مشترك واشراف مشترك على الرسائل العلمية وتبادل الطلاب وأعضاء هيئات التدريس لأغراض التدريس والبحث العلمي وتبادل أفضل الممارسات في أساليب التدريس والروابط مع الشركات وتطوير التقنيات الجديدة في كلا البلدين.
وحول مجالات التعاون مع جامعة "إيزار ديجيتل"، أوضح انها تشمل التدريب في مجال اللعاب الفيديو والرسوم المتحركة ثلاثية الابعاد والبحث والتطوير في مجالات بيانات اللعبة والذكاء الاصطناعي والتأثير الاجتماعي للعبات الالكترونية والابتكار والتكنولوجيا، وتبادل الطلاب وأعضاء هيئة التدريس لأغراض التدريس والبحث العلمي وتبادل أفضل الممارسات في أساليب التدريس والروابط مع الشركات، وتطوير التقنيات الجديدة بكلا البلدين، مشيرا الي ان الدكتورة امل الجمال رئيس قسم هندسة البرمجيات بكلية علوم الحاسب والمعلومات رئيس العلاقات الدولية بالجامعة ستكون المنسق من الجانب المصري في تنفيذ الاتفاقيتين.
وقال إن هذه الاتفاقيات مع الجانب الفرنسي تتوج سنوات من التعاون مع العديد من الجامعات والمؤسسات الفرنسية، فيوجد حاليا بالفعل تعاون في أكثر من بحث علمي وتبادل للباحثين وأعضاء هيئة التدريس، حيث تعد الجامعات الفرنسية من مراكز الدراسات الاكاديمية والبحث العلمي المرموقة على مستوي العالم، وبالتالي فان الشراكة معها تمثل فرصة مهمة لجامعاتنا المصرية.
والجدير بالذكر ان الاتفاقيتين وقعهما الأستاذ الدكتور أحمد حمد نائب رئيس جامعة مصر للمعلوماتية في اثناء زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الحالية للقاهرة، وشهد التوقيع الاستاذة الدكتورة هدى مختار عميد كلية علوم الحاسب والمعلومات والدكتورة امل الجمال رئيس العلاقات الدولية بجامعة مصر للمعلوماتية.