يتفاقم القلق في إفريقيا من تفشي عدوى الانقلابات بعد النيجر والغابون، حيث تسلط مجلة "فورين بولسي" الضوء على أزمة قد تكون سبباً من أسباب انتشار الانقلابات، ألا وهي الدور الذي تلعبه قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في القارة السمراء.

في 26 يوليو (تموز)، اعتقل الجنرال عبد الرحمن تشياني رئيس النيجر المنتخب ديمقراطياً، محمد بازوم، ونصب نفسه رئيساً لما يسمى بالمجلس الوطني لحماية الوطن، وهو مجلس عسكري.

وبعد أقل من أسبوع، أصدرت الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) إنذاراً نهائياً للمجلس العسكري: إعادة الرئيس السابق إلى السلطة في غضون أسبوع، أو مواجهة عقوبات إضافية وقوة عسكرية.

وتشير المجلة إلى أن المنطقة شهدت موجة من الانقلابات في السنوات الأخيرة، والجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا قلقة بحق بشأن انتشارها.

ومع انتهاء مدة إنذار "إيكواس"، وبقاء تشياني صامداً، بدأت أزمة الكتلة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا تتفاقم حيث وضعت قواتها في حالة تأهب، وتعهدت الدول الأعضاء نيجيريا والسنغال وبنين وساحل العاج بالمساهمة بقوات لاستعادة الديمقراطية في النيجر.. وفي الوقت نفسه، أرسلت بوركينا فاسو ومالي، ويدير كلاً منهما مجلس عسكري، بعثات "تضامنية" إلى النيجر، ما جعل المنطقة على شفا الحرب.

من هو تشياني؟

وتقول المجلة إنه لا يُعرف الكثير عن تشياني نفسه، حتى إن المجلس العسكري بقي صامتاً، ما أدى إلى تكهنات مكثفة حول دوافع الانقلاب.. إذ كتب الكثير عن دور تشياني كرئيس للحرس الرئاسي المكلف بحماية بازوم، ودوره المزعوم في محاولة انقلاب سابقة تم إحباطها.

كما كانت الشائعات تدور حول أن بازوم كان يخطط لإزالة تشياني، ولكن لم يتم إيلاء اهتمام كبير لدوره السابق كحارس سلام تابع للأمم المتحدة.

وشهدت مسيرة تشياني العسكرية خدمته في بعثات الأمم المتحدة في ساحل العاج وجمهورية الكونغو الديمقراطية والسودان، بالإضافة إلى العديد من البعثات الإقليمية متعددة الأطراف.. فحياته المهنية هي رمز لمحصول جديد من المهنيين العسكريين الذين يحملون سجلات الخدمة الدولية الهامة، لذا فإن النظر في التطور التاريخي لقوات حفظ السلام يسمح بوضع هؤلاء المتآمرين من ذوي الخوذ الزرق مثل تشياني، في سياق هذا التطور. 

Niger's coup leader General Tchiani: The ex-UN peacekeeper who seized power https://t.co/aTH9RNfn5e

— BBC News (World) (@BBCWorld) August 10, 2023 تطور قوات حفظ السلام

منذ نهاية الحرب الباردة، يقول التقرير، ما فتأ المجتمع الدولي والأمم المتحدة يمولان بشكل متزايد جيوش البلدان غير الديمقراطية أو الضعيفة ديمقراطياً، لتلبية الطلب المتزايد على قوات حفظ السلام.. وكانت دول مثل النيجر حريصة على التقاط هذه العباءة.

وفي السنوات الخمس التي تلت نهاية الحرب الباردة، أذنت الأمم المتحدة بـ 20 مهمة جديدة لحفظ السلام، تتطلب نمواً يقارب سبعة أضعاف في عدد القوات، من 11000 إلى 75000.. واليوم، يتصدر هذا العدد 90,000 من قوات حفظ السلام المنتشرة في جميع أنحاء العالم.

في الوقت نفسه، تراجعت الديمقراطيات الغنية عن حفظ السلام، ما زاد من الاعتماد على دول مثل النيجر.. وحيثما كانت البعثات السابقة تتضمن إلى حد كبير المراقبة على طول خطوط وقف إطلاق النار المحددة بوضوح، كانت بعثات ما بعد الحرب الباردة، التي يشار إليها أحياناً باسم الجيل الثاني من عمليات حفظ السلام أكثر تطلباً وأكثر دموية في العادة.. ويتم الآن تكليف القوات بانتظام بتأمين وقف إطلاق النار بين الأطراف المتحاربة في الحروب الأهلية المستمرة.

وعاد تقرير "فورين بوليسي" إلى عام 1990، حيث كانت أكبر المساهمين في قوات حفظ السلام هي كندا وفنلندا والنمسا والنرويج وإيرلندا والمملكة المتحدة والسويد، وكلها ديمقراطيات ليبرالية.

لكن بحلول عام 2015، تم استبدالها ببنغلاديش وباكستان وإثيوبيا ورواندا ونيجيريا وغيرها، وكلها دول أقل ديمقراطية لها تاريخ من عدم استقرار النظام.

6 مليارات دولار

وفي حين أن آثار حفظ السلام على البلدان التي يتم فيها نشر قوات حفظ السلام إيجابية وراسخة، فإن الآثار على الدول التي ترسل قوات مثل النيجر موضع خلاف شديد.. ويشير بعض المحللين إلى أن حفظ السلام لها آثار مفيدة لإرساء الديمقراطية بين الدول المرسلة، وإضفاء الطابع الاجتماعي عليها وفقاً لمعايير حقوق الإنسان وتحفيزها على اتباع سيادة القانون لأن "العصيان" من شأنه أن يعرض للخطر البعثات المستقبلية والحوافز المربحة.

تنفق الأمم المتحدة أكثر من 6 مليارات دولار على حفظ السلام سنوياً، ويذهب جزء كبير منه إلى سداد تكاليف القوات والتكاليف المادية.. يمكن أن تشكل أجور حفظ السلام نسبة كبيرة من الميزانيات العسكرية للدول المرسلة وكذلك رواتب الجنود الفردية، لا سيما في البلدان الأقل نمواً.. في الواقع، يزعم اليوم أن بعض البلدان تحافظ على السلام من أجل الربح.

لكن آخرين يحذرون من أن عملية حفظ السلام لها آثار أكثر تبايناً، ويحتمل أن ترسخ الحكم الاستبدادي وتساهم في ميل الانقلاب في الديمقراطيات الهشة مثل النيجر.

وفي حين أن قوات حفظ السلام قد تؤدي إلى إشراك الدول المرسلة في القيم العالمية المرتبطة بالأمم المتحدة، إلا أن هناك أمثلة كثيرة جداً حيث يتم التسامح مع الانتهاكات ويتم تعزيز المعايير غير الليبرالية بدلاً من ذلك.

معاقبة حفظ السلام

وفي الواقع، أصبح المجتمع الدولي يعتمد بشكل مفرط على هذه البلدان في حفظ السلام، وبالتالي كان متردداً في معاقبتها، حتى عندما ينحرف سلوكها إلى حد كبير عن المعايير الليبرالية.. والواقع أن بعض الدول استخدمت حفظ السلام لبناء قوات مسلحة أكثر قوة، وغالباً ما تكون النتيجة جيشاً أكثر تمكيناً، ما يؤدي إلى التخلص من التوازن مع السلطات المدنية، بشكل أكبر في البلدان ذات التاريخ السابق للانقلابات.

شهدت النيجر نمواً هائلاً في دورها في حفظ السلام، حيث ساهمت اليوم بحوالي 1000 جندي وأفراد أمن (ارتفاعاً من ثمانية في عام 2000).. وخلال ذلك الوقت، أنفق المجتمع الدولي أموالاً على النيجر، حيث أرسلت الولايات المتحدة وحدها ما يقرب من 500 مليون دولار في العقد الماضي، بالإضافة إلى التدريب والدعم لتحسين أمنها وتعزيز جيشها.. وأثنت الأمم المتحدة على النيجر وشكرتها على مساهماتها في حفظ السلام.

صمت وتردد دولي

ومع ذلك، فقد تردد المجتمع الدولي أيضاً في انتقاد حفظة السلام مثل النيجر، وغالباً ما ظل صامتاً في مواجهة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أو التراجع الديمقراطي.. وقد منح حفظة السلام ترخيصاً لتجاهل المشروطية، مثل ممارسة ربط المساعدات بالديمقراطية.

وقد ظهر هذا التردد في أعقاب الانقلاب، إذ عبر متحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة آنت إرمنيو عن "قلقه العميق" بشأن الأحداث في النيجر، لكن المنظمة لم تصل إلى حد إصدار عقوبات أو وقف المساعدات في أعقاب الانقلاب.. وبينما قطعت الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا العلاقات مع البلاد، فإنها امتنعت عن ممارسة إجراءات أكثر قوة، ما سمح بانتهاء مهلة إنذارها من دون عواقب.

وفي حين أن الأسباب المحتملة للانقلابات من الصعب تحديدها، فإن الدول التي ترسل حفظة سلام يتمتعون بقدر أكبر من التدريب والخبرة الأجنبية من المرجح أن تتعرض للانقلابات، وغالباً ما يكون حفظة السلام أنفسهم، مثل تشياني، مسؤولين عنها.. وبالنظر إلى تاريخ قوات حفظ السلام في السلوك المتوحش في الداخل، فإن الفكرة القائلة بأن المعايير الليبرالية تتلاشى بطريقة ما في عملية حفظ السلام هي "خرافة"، كما يقول التقرير.

دور حفظ السلام

وتشير الأدلة من النيجر إلى أن حفظ السلام ربما لعب دوراً في الأحداث الأخيرة، حيث زود المجلس العسكري بوسائل أكبر بما في ذلك جيش أكثر قوة وجرأة للتدخل في الشؤون السياسية للبلاد.

كما تشير الأدلة إلى أن حفظ السلام يشكل شرطاً متساهلاً للتدخل العسكري في السياسة، فهو يزيد من مخاطر الانقلابات، ولكن لا يمكن القول بالتأكيد إنه سببها الوحيد.. وهذا يشكل تحدياً لصانعي السياسات.

وقد تنظر الأمم المتحدة في اتخاذ إجراءات لمنع تسرب الأموال أو المواد المخصصة حصراً لحفظ السلام، من خلال مزيد من التمحيص والرقابة أو فرض جزاءات على حفظة السلام الذين ينتهكون قواعد المنظمة، بحسب المجلة.

كما يجب على الأمم المتحدة أن تعمل على مقاطعة تلك الجيوش التي تشارك في الانقلابات، كما هددت (لكنها فشلت) في القيام بذلك في الماضي.. من جانبها، قد تساعد الديمقراطيات الغنية تعويض النقص في حفظ السلام، من خلال المساهمة بأعداد أكبر من قواتها بدلاً من دفع الآخرين للقيام بذلك.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني الاقتصادیة لدول غرب إفریقیا قوات حفظ السلام المجتمع الدولی الأمم المتحدة فی حفظ السلام إلى أن

إقرأ أيضاً:

الخارجية اللبنانية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب وتستهدف السلام الإقليمي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أصدرت وزارة الخارجية والمغتربين في لبنان، اليوم الخميس، بيانًا شديد اللهجة تندد فيه بهجوم إسرائيلي استهدف مركبة مدنية قرب حاجز للجيش اللبناني عند مدخل مدينة صيدا. 

وأسفر الهجوم عن سقوط ثلاثة شهداء من المدنيين، إضافة إلى إصابة خمسة عناصر من الكتيبة الماليزية التابعة لقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) وثلاثة جنود لبنانيين.

وأشارت الوزارة إلى أن هذا الهجوم يُظهر استمرار إسرائيل في استهداف المدنيين، والعسكريين من الجيش اللبناني، بالإضافة إلى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

واعتبرت الوزارة أن هذا العمل يمثل انتهاكًا صارخًا للقوانين الإنسانية الدولية، ويرقى إلى جرائم حرب.

وأكدت الوزارة على أهمية الدور الذي تضطلع به قوات اليونيفيل بالتعاون مع الجيش اللبناني لتعزيز الأمن والاستقرار في المناطق الحدودية.

وشددت على ضرورة استمرار التنسيق بين الطرفين لضمان حماية الحدود اللبنانية المعترف بها دوليًا، خاصة في ظل التصعيد المستمر من الجانب الإسرائيلي، والذي يعرض السلام الإقليمي للخطر.

وطالبت الخارجية اللبنانية المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته، من خلال إدانة هذه الهجمات ومساءلة إسرائيل عن أفعالها.

كما أكدت الوزارة على التزام لبنان بتنفيذ القرار الدولي رقم 1701 الصادر عام 2006، داعية إلى ضرورة تطبيقه بصورة شاملة وعادلة لضمان حماية القوات الأممية، والعسكريين اللبنانيين، والمدنيين، وتحقيق الأمن الدائم في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • جيش الاحتلال يواصل عمليات نسف المربعات السكنية في المناطق الشمالية لقطاع غزة
  • لبنان.. استشهاد 3 مواطنين وإصابة 3 عسكريين في غارة إسرائيلية
  • الخارجية اللبنانية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب وتستهدف السلام الإقليمي
  • يونيفيل: نعرب عن قلقنا من أي استهداف ضد قوات حفظ السلام في لبنان
  • إيرلندا تنوي الانضمام إلى دعوى جنوب إفريقيا على الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية
  • مقتل 3 لبنانيين وإصابة 3 جنود و5 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في غارة إسرائيلية
  • 110 غارات وتوسيع عمليات.. جيش الاحتلال يواصل ارتكاب جرائمهم
  • فيديو.. قتلى وجرحى بغارة إسرائيلية على صيدا
  • قوات الاحتلال تقتحم سلفيت والزاوية.. وتنفذ عمليات اعتداء ودهم واسعة
  • منتخب السودان يعسكر بالمغرب استعداداً لمواجهة النيجر في أمم إفريقيا