نصر البوسعيدي يكتب عبر “أثير” عن مقاومة ظفار التي أنجدت مكة والقاهرة من الحصار
تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT
أثير – نصر البوسعيدي
لم يكن الاستعمار البرتغالي لسواحل سلطنة عُمان منذ عام 1507م وبعده الاستعمار الإسباني عام 1580م وحتى نهايته عام 1650م إلا استعمارًا مقرونًا بالكراهية الشديدة المحملة بأهداف الحروب الصليبية، لذا كانت هجماتهم عنيفة تحمل في طياتها أبشع الجرائم والمخططات لنهب ثروات الشعوب التي يحتلونها بالإضافة إلى قتل الأبرياء وبالأخص قوافل الحجاج التي عانت كثيرًا من هجماتهم أيام ذلك الاستعمار الغاشم في المنطقة.
ورغم ضبابية تلك المرحلة لمن يود الرجوع لأي مصدر عماني تاريخي عايش تلك الحقبة سيجدها شبه معدومة، ولا أعلم لماذا لم يدون المؤرخين العمانيين حينها تفاصيل هذا الاستعمار طوال أكثر من 147 سنة!!! إلا أن الوثائق البرتغالية التي كانت بين الملك وأعوانه في هذه المستعمرات، تشهد على تفاصيل وجودهم وكيف كانوا يديرونها من خلال الأهداف الاقتصادية والدينية والعسكرية.
وخلال تتبعنا لموسوعة الوثائق البرتغالية ببحر عُمان والصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية العُمانية وتحديدا من عام 1507م إلى عام 1622م، لم أجد فيها أي إشارة لظفار إلا في عام 1623م في مراسلة تمت بين أحد رهبان الملك فليب الرابع ملك إسبانيا والبرتغال يشير فيها إلى أهمية احتلال ظفار، كونها البوابة الرئيسة، من وجهة نظره، لخنق مكة وتجارتها، تمهيدًا للسيطرة والهجوم عليها والقضاء على الرسالة المحمدية، مع سهولة ضرب القاهرة والديار المقدسة وسوريا وشمال أفريقيا بشكل عام، فقد كان الراهب يشكو للملك المقاومة الظفارية، التي اتحدت مع ملك الشحر والدولة العثمانية ضد هذا الاستعمار وحليفه ملك قشن في تلك الفترة.
وهذه الوثيقة تبين جليًا كيف أن مقاومة أهل ظفار للاستعمار البرتغالي والإسباني على السواء كانت مقاومة باسلة منذ بدايات وجودهم بالمنطقة واستطاعت كسر مخططاتهم التي كشف عنها الراهب في مجمل رسالته، وهذا ما يدعو إلى أن نتخيل سويا كيف كانت تلك المقاومة العمانية من قِبل الأهالي الذين نظموا مقاومتهم العنيفة طوال سنوات، في اتجاه من يريد أن يسلب حريتهم، في الوقت الذي كانت فيه أغلب المدن تعاني من الانقسام نتيجة عدم وجود حكومة مركزية توحد جهود المقاومة على كلمة سواء، إلا ما ندر، كمقاومة القائد العماني قحطان الذي يذكروه في وثائقهم عام 1590م.
ولنتمعن هذه الرسالة لنعلم تماما كيف أن المقاومة في ظفار ومعها عدن كانت الشوكة التي أفشلت مخططاتهم. يقول الراهب في رسالته:
“سيدي، يقول الراهب فرنسيشكو دي إنكارينجو إن ملك قشن وسقطرى فوضه وعينه سفيرًا لدى جلالتكم المسيحية كما تؤكد تلك الوثائق التي تقدم بها، وتوجد مملكة قشن بساحل بلاد العرب فيما بين البحر الأحمر ومضيق هرمز على بعد 400 فرسخ من المحيط الأطلسي. وهي محاذية برًا لمملكة شحر التي تحيط بها من جميع الجهات والتي يدين ملكها بالولاء لسلطان الأتراك، ويخوض ملك قشن حروبا مع ملك شحر، وخلال إقامة الراهب المذكور في مملكة قشن، استولى ملكها على 13 مدينة من مدن عدوه، وشيد قلعة جديدة في ممر يمنع تزويد ظفار بالإمدادات التي قد يبعثها إليها ملك الشحر أو السلطان التركي، وتعد ظفار أجود موانئ الساحل العربي على الإطلاق وتبعد عن قلعة هرمز الخاضعة لكم 150 فرسخًا، وتصدر من ذلك الميناء أجود البخور التي ينتج في بلاد العرب، ويرغب ملك قشن في احتلالها وتسليمها لأحد قباطنة جلالتكم، ليتسنى لسفن أسطول جلالتكم التحرك بأمان بمحاذاة ساحل بلاد العرب والدخول إلى البحر الأحمر وبحر فارس وعدن والخروج منهما بسهولة بعد أن يصبح ذلك الساحل كله خاضعا لكم.
وبفضل قلعتي ظفار وشحر، سيتسنى لكم التحكم بتجارة مسقط وعدن وبتجارة مكة برًا وبحرًا، ولأن ملك قشن يحب البرتغاليين جدا، وفارسٌ مقدام ورزين في الآن نفسه، فمن الممكن أن نتحكم بقلعة عدن المهمة جدا بمصاريف قليلة… ويسمح هذا التحكم بفتح باب واسع في وجهنا يوصلنا إلى القاهرة الكبرى وكل الأراضي المقدسة وإلى سوريا وشمال أفريقيا.
يعتقد الراهب المذكور أن القدرة الإلهية ساقته إلى تلك الجهة بعد غرق مركبه ليتسنى لنا جني هذه الفوائد الجمة، ولكي تصبحوا يا جلالة الملك متحكمين في بلاد الإسلام وتتمكنوا من القضاء على تلك الملة المحمدية التي ملأت الدنيا.
ويلتمس ملك قشن المذكور أن تقبلوه حليفا… إنه يرجوكم أن تأمروا نائبكم بالهند بمده بأسطول حربي وببعض الضباط ليشرفوا على تدريب جيشه الذي يفتقر إلى الخبرة، سيكون بإمكان ذلك الأسطول الحصول على غنائم مهمة في مضيق مكة”!
ولاحظ عزيزي القارئ في هذه الرسالة كيف أن انتشار الإسلام بشكل كبير كان يفقد البرتغاليين والإسبان التعاطف، ويضعف من وجودهم ويخيفهم، بعدما عانى الأهالي كثيرًا من ويلات سيطرتهم قرابة قرن ونصف، وتمعنوا جيدا في محاولتهم قدر الإمكان خنق مكة وتجارتها من خلال احتلال ظفار وعدن، والقضاء على أي مقاومة فيها لتحقيق أهدافهم التي يفصحون عنها في كل حين، ولكن المقاومة كانت مستمرة للخلاص منهم رغم كل الظروف القاسية التي كان يعاني منها أجدادنا.
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
«حي الشروق» في صلالة .. نقلة نوعية لتنشيط القطاع السياحي
شهدت محافظة ظفار مؤخرا إطلاق مشروع «حي الشروق» في منطقة صحنوت بصلالة الذي يعد خطوة رائدة في مجال التنمية العمرانية، حيث يضم أول حي سكني متكامل الخدمات في المحافظة، بتنفيذ شركة الذهب للتطوير العقاري، وباستثمار يقدر بـ 35 مليون ريال عماني.
وقال علي بن محمد مقيبل، مدير مركز المبيعات والتسويق في «حي الشروق»: إن فكرة إقامة مشاريع سكنية متكاملة في مختلف الولايات جاءت لتلبية احتياجات المواطنين بما يتماشى مع الرؤية العمرانية للسلطنة.
وأضاف أن هذه المشاريع تهدف إلى تحقيق الشراكة الفاعلة مع المطورين العقاريين المحليين، مما يسهم في تطوير القطاع العقاري وتعزيز التنمية المستدامة في السلطنة.
يتميز «حي الشروق» بموقعه الاستراتيجي وتصميمه العصري الذي يجمع بين الراحة والرفاهية. يضم المشروع أكثر من 558 وحدة سكنية مصممة وفق أعلى المعايير، ويشمل 40% من المساحة العامة للمشروع مسطحات خضراء، مما يساهم في تحسين جودة الحياة للسكان. كما يحتوي الحي على 3 أنواع من الفلل التي تلبي احتياجات مختلف الأذواق، إضافة إلى مراكز خدمية وترفيهية، مثل المول التجاري، والمركز الثقافي، والمسجد، ومحطة الوقود، فضلا عن الشوارع المرصوفة والإنارات الحديثة.
أوضح مقيبل أن تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع سيبدأ قريبا، حيث يتم الانتهاء من 140 وحدة سكنية بحلول نهاية عام 2026، على أن يتم تقسيم المشروع إلى ثلاث مراحل على مدار ست سنوات. وقد تم بيع أكثر من 75% من الوحدات في المرحلة الأولى، وستكون الأولوية للمستحقين من أبناء محافظة ظفار الذين لم يحصلوا على أراضٍ سكنية من وزارة الإسكان والتخطيط العمراني، مع تقديم التسهيلات البنكية من الجهات المعنية.
وأشار مقيبل إلى أن مشروع «حي الشروق» يمثل إضافة نوعية لمحافظة ظفار من الناحية السياحية والاستثمارية. فقد حرصت الوزارة على استقطاب الزوار والمستثمرين خلال موسم الخريف لهذا العام من خلال مركز المبيعات بحي الشروق، لتعريفهم بالمشروع وإبراز أهميته في تعزيز القطاع السياحي.
وأعرب سالم أحمد آل إبراهيم، أحد المستحقين لشراء وحدة سكنية في «حي الشروق»، عن تفاؤله بالمشروع قائلا: «إن محافظة ظفار ستكون خلال السنوات القادمة من أبرز المناطق السياحية في الخليج والعالم، وهذا المشروع سيحقق المزيد من التنمية العمرانية التي تخدم جميع أفراد المجتمع». وأضاف أن التسهيلات المقدمة من وزارة الإسكان لامتلاك وحدة سكنية تساعد الشباب العماني على الاستقرار النفسي والاجتماعي.
من جانبها، قالت عهود البرعمية، إحدى المستفيدات من المشروع: «ما جذبني في "حي الشروق" هو التصميم الحديث والموقع المتميز الذي يتوفر فيه، إضافة إلى الخدمات المتكاملة التي يقدمها المشروع». وأكدت أن هذا المشروع يعد فرصة سكنية واستثمارية للمواطنين، حيث يساهم في سرعة الاستقرار الأسري وتنشيط النشاط العقاري في محافظة ظفار.