بعد إسقاط رموز الأسد.. هل أغرقت السويداء سفن العودة؟
تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT
لم تقتصر احتجاجات السويداء السورية على مدى الأسبوعين الماضيين على إطلاق الهتافات والشعارات المناهضة للنظام السوري، بل تطورت لأكثر من مرة لتصل إلى حد إقدام محتجين على نزع صور بشار الأسد من الساحات العامة وحرقها وإغلاق مقار "حزب البعث"، في حوادث تطلق تساؤلات تتعلق بشكل العلاقة المستقبلية التي ستحكم المحافظة ذات الغالبية الدرزية بـ"السلطة في دمشق".
ويواصل المحتجون من كافة الفئات المجتمعية المسار الذي بدأوه، منذ الأسبوع الماضي، واللافت خلافا للمسار السابق للمظاهرات أنهم يرفعون الصوت ضد الأسد جهارا وأمام الكاميرات في منطقة تحسب على المناطق الخاضعة لسيطرته، والتي تخنقها منذ سنوات قبضة أفرع أمنية متعددة (المخابرات الجوية، الأمن العسكري، أمن الدولة، الأمن السياسي).
ويشي إعلاء الصوت ضد النظام السوري والهتاف ضده بالوجوه المكشوفة بأن "الشارع أغرق سفن العودة مع الأخير"، حسب مراقبين تحدثوا لموقع "الحرة"، لكنهم في المقابل أشاروا إلى أن هذه الفكرة لا يمكن أن تنعكس على المشهد الكلي للمحافظة، كونها توصف بـ"المعزولة"، لاعتبار يتعلق بالشريان الوحيد الذي يربطها مع دمشق.
في #السويداء.. متظاهرون مزقوا صور #بشار_الأسد، وأحرقوا مكاتب #حزب_البعث بالتزامن مع توسع رقعة الاحتجاجات ودخولها أسبوعها الثاني في مناطق سورية عدة.
برأيك، هل ستتحقق المطالب؟#الحرة #الحقيقة_أولا #شاهد_الحرة pic.twitter.com/ukxhSxkwET
وحتى الآن لم يدل النظام السوري بأي تعليق رسمي إزاء ما تشهده المحافظة من حراك شعبي ضده، لكن وسائل إعلام مقربة منه ومحللون ظهروا على قنواته الرسمية تحدثوا في الأيام الماضية عن "سياسة تتبعها دمشق وتقوم على التعامل بهدوء وبرودة أعصاب".
وتحدث أحد الضباط المتقاعدين لـ"التلفزيون السوري"، ليلة الخميس، لمذيعة الأخبار الرئيسية أليسار معلا أن النظام السوري "لديه سلسلة تجارب متراكمة في التعامل مع احتجاجات السويداء المتكررة"، ولذلك يلتزم بـ"الطريق التعامل الهادئ بعيدا عن أي تصعيد".
هل أغرقت "سفن العودة"؟ورغم أن السويداء تقع في أقصى الجنوب السوري المحاذي للأردن، لا ترتبط بأي معبر حدودي كما هو الحال بالنسبة لجارتها الواقعة إلى الغرب محافظة درعا.
وبقيت مطالبات الأهالي وأعضاء "مجلس الشعب" في المحافظة قبل سنوات دون أي استجابة، ليأتي بيان "دار طائفة الموحدين الدروز"، الأسبوع الماضي، ويعيد قصة فتح المعبر الحدودي، كطلب من بين 6 مطالب موجهة إلى النظام السوري، من أجل تهدئة الشارع.
وتعتبر المحافظة فقيرة وغير قادرة على إقامة مشاريع مستقلة، حسب ما يقول سكان فيها، وكانت تعتمد في السابق على أموال المغتربين والمواسم، في حين أسهمت القروض الصغيرة في تأسيس مشاريع صغيرة خاصة قبل الحرب.
وبعد 2011 تغير الوضع الاقتصادي في المدينة إذ عانت من غلاء الأسعار ونقص المواد الأساسية وغلائها بسبب احتكارها من تجار الحرب، وصولا إلى الحد المتفاقم الذي وصلت إليه الأوضاع المعيشية، في أعقاب القرارات الحكومية الأخيرة.
ولم يرد النظام السوري على أي مطلب من المطالب الستة حتى الآن وبعد مرور أكثر من عشرة أيام على الاحتجاجات، وعلى العكس بقي المسار الذي يسلكه قائما، بعدم التعليق و"المضي بسياسة الهدوء".
في غضون ذلك واصل المحتجون من بينهم نساء ورجال دين وسياسيين معارضين وطلاب جامعات الهتاف بإسقاط النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، وتطبيق القرارات الأممية الخاصة بالحل في سوريا.
ويعتقد الصحفي ريان معروف، وهو مدير "شبكة السويداء 24" الإخبارية المحلية، أن السويداء "ذاهبة إلى مرحلة جديدة"، "لكن شكل العلاقة المستقبلية مع النظام السوري يبقى غير واضح المعالم".
ومن الصعب استشراف شكل هذه العلاقة، لأنها في السابق والوقت الحالي ما تزال "قائمة ولم تنقطع"، ولاسيما بين جزء كبير من المرجعيات الدينية والمسؤولين في دمشق.
"هناك قنوات والقادة الدينيون والمجتمعيون لم يقطعوا حبل التواصل مع النظام بشكل نهائي".
ومع ذلك يوضح معروف لموقع "الحرة" أن "الشارع هو الذي وصل إلى حالة القطيعة"، ويشير بالقول: "الناس التي تكسر صور بشار وتزيل لوحاته وتهتف ضده على الإعلام والكاميرات وتصور نفسها دون أي خوف أو توجس يمكن القول إنها أغرقت كامل سفن العودة".
لكن في المقابل يضيف أنه "من الصعب التنبؤ بالمرحلة القادمة، كون السويداء تفتقد لجسم بديل عن الدولة من الناحية السياسية أو التنظيمية".
وترى الصحفية السورية، رشا النداف أن "النظام السوري لا يهتم بإحراق أو تمزيق صورة لرئيسه في ظل الأزمات الكبيرة التي يعيشها".
وتقول النداف لموقع "الحرة": "ما يخيف هو وضع الناس التي تخرج بصورها وأصواتها على العلن أمام الكاميرات. السويداء كلها منتفضة لكن ذلك لا يعني أنه لا يوجد مخبرين".
"النظام يلعب لعبة التخويف الفردي. هناك مقربون وتابعون له يحاولون الوصول إلى أشخاص في المحافظة لنصحهم في دفع مبالغ مالية مقابل إزالة أسمائهم من الفيش الأمني".
وتضيف الصحفية السورية: "يوجد طلاب جامعات في دمشق وأناس يريدون إخراج أوراق رسمية. الأهالي في المحافظة غير قادرين على قطع الحركة عن دمشق بشكل مباشر وكامل".
"إسقاط مشهد الرعب"و"لا شك بأن الاحتجاجات لديها هدف، وهي السلطة التي تحكم البلاد وممثلة ببشار الأسد بالإضافة إلى حزب البعث الذي أوصل البلاد لما وصلت إليه، حسب تعبير الكاتب والناشط السياسي السوري، حافظ قرقوط.
ويعتقد قرقوط في حديث لموقع "الحرة" أن "إغلاق مراكز حزب البعث هي بمثابة الإعلان عن الهدف الذي يتناسب مع المظاهرات".
"مقار الحزب استخدمت كمراكز للمخابرات وكتابة التقارير والتجسس على الناس. صور الأسد وقبله والده. كل ما سبق شكّل مشهد من الرعب وارتهان كرامة الإنسان والبلاد".
ويضيف قرقوط: "ما حصل هو تحطيم الهيبة التي أراد أن يزرعها النظام في عقول الجميع. هي إعلان بأن الصور التي تحتل قرانا ومدننا ومؤسساتنا يجب أن تخرج وأن تعود المؤسسات للناس".
ويشير ما سبق، وفق الكاتب السوري "بوضوح إلى أن المحافظة تسير إلى قطيعة مع الماضي، ومع إرث النظام السوري على الأجيال، التي تتالت على حكم البعث".
لكن مازال النظام السوري يعول على نقطة "تصب في صالحه"، وفق ما يقول الصحفي السوري ريان معروف، مضيفا أنها "تدفع الأهالي للمطالبة بفتح معبر، كون السويداء ترتبط بشريان وحيد مع دمشق".
"الطريق الذي يربطها مع العاصمة وفي حال انقطع ستموت الناس جوعا".
ويوضح الصحفي السوري أنه "لا يوجد صوامع للحبوب في المحافظة"، وأن "جميع مخصصات الطحين تأتي بشكل يومي من دمشق".
"نحن نتحدث عن مادة أساسية يحتاجها المواطنون، ولذلك ندرك أن الطلاق الكامل بين السويداء والنظام سيدفع الأخير لأن يستخدم تكتيكات الحرب من حصار ومنع وصول المواد الغذائية".
ويشير معروف إلى أن المحافظة التي يقيم فيها وذات الغالبية الدرزية "من السهل حصارها بسبب ارتباطها بطريق وحيد مع دمشق التي يسيطر عليها النظام السوري في الأساس".
وتقول الصحفية النداف أن "السويداء يمكن أن تأخذ فترة طويلة قبل أن يجوع السكان فيها، مع وجود مصادر غذاء داخلية من زراعة وغيرها". لكنها تضيف مستدركة: "مع ذلك لا يمكنها أن تنقطع نهائيا عن دمشق".
ماذا عن المعبر الحدودي؟وكان بند "إعداد دراسة تشغيل معبر حدودي لمحافظة السويداء لإنعاشها اقتصاديا" أحد المطالب الستة التي وردت في بيان "دار طائفة الموحدين الدروز"، الأسبوع الماضي.
وقرأ البيان شيخ عقل الطائفة يوسف الجربوع، مطالبا من جانب آخر بـ"إجراء تغيير حكومي وتشكيل حكومة جديدة قادرة على إدارة الأزمة وتحسين الواقع وإيجاد الحلول وعدم ترحيل المسؤوليات".
وطالب البيان أيضا بـ"التراجع عن كل القرارات الاقتصادية الأخيرة، التي لم تبق ولا تذر، والعمل على تحسين الواقع المعيشي للمواطنين"، و"محاربة الفساد والضرب على أيدي المفسدين بكل مصداقية وتقديمهم للعدالة".
وبعدما أثارت مشاركة شيوخ طائفة العقل ودعمهم للحراك السلمي في الشارع خلال الأيام الماضية اهتمام مراقبين، خرج الشيخ الجربوع في تسجيل مصور، يوم الثلاثاء، معلنا عن موقف يتناغم مع النظام السوري ورئيسه بشار الأسد وجيشه.
لكن ما اتبعه هذا الشيخ يخالف الموقف الذي التزم به شيخ الطائفة الثاني، حكمت الهجري والثالث حمود الحناوي.
وترى الصحفية رشا النداف أن "الخوف اللاحق لدى الشارع في المحافظة يتعلق بالتجاهل الحاصل للحراك والإقدام على خطوة الحصار الاقتصادي من جانب النظام السوري".
وتضيف أن "التبادل بين السويداء والجارة درعا قد يكون مستمرا، لكن ليس الحال كما هو بالنسبة للعاصمة دمشق".
وإلى الآن تشير المطالب والأصوات التي يؤكد عليها الشارع إلى أن "السويداء لا تريد العودة لحكم الديكتاتورية، وتبحث عن مآل جديد مرجعيته الدولة السورية الواحدة والموحدة"، بحسب قرقوط.
ومع ذلك يرى الناشط السياسي أن "النظام السوري يمكن أن يخنق المحافظة بسهولة لاعتبار يتعلق بموقعها الجغرافي، إذ لا يوجد أي معبر حدودي يربطها مع المحيط، ويقتصر الأمر على الطريق الواصل إلى دمشق".
ويضيف أن "المعبر الحدودي قد يحيي المنطقة اقتصاديا ويخفف من تحكم النظام"، وأنه "يمكن للأمم أن تدخل مساعدات من خلاله وتفتح الباب أمام عمل المنظمات الدولية".
ومن الجانب الخدمي والاقتصادي إلى العسكري والأمني يوضح الصحفي ريان معروف أن "المفارز الأمنية للنظام السوري ما تزال موجودة في السويداء"، وكذلك الأمر بالنسبة لقواته العسكرية التي تقدر أعدادها بنحو 2500 عنصر.
ويقول معروف إن "إغلاق مقر حزب البعث وإزالة صور الأسد لا يغير شيء من المعادلة"، موضحا أن "الحراك السلمي لا يمكن أن يلغي النظام بوجوده الأمني والعسكري وحتى الخدمي، لأن شكله الحالي يتخذ مسار العصيان المدني".
من جانبه يشير قرقوط إلى أن "الخطوات المتعلقة بالحراك تسير إلى الأمام"، وأن "هناك إعلان صريح أن الماضي لن تقبله المحافظة مهما تقدمت لها وعود اقتصادية وغير ذلك"، ويقول إن "كل المغريات التي قدمت للتهدئة فشلت، في وقت ازداد عدد المحتجين في الشارع، مع وجود جهود للتنظيم في المرحلة المقبلة".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: النظام السوری فی المحافظة بشار الأسد حزب البعث یمکن أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
نعتوه بـ النعناع والأخضر.. كيف أخفى السوريون تعاملاتهم بالدولار في عهد الأسد؟
اعتاد السوريون خلال السنوات الماضية على إخفاء تعاملاتهم بالدولار والعملات الأجنبية بحذر شديد خشية أن ينتهي بهم أي تداول لتلك العملات في سجون النظام المخلوع.
ورغم حرمانهم من نطق كلمة دولار إلا أن السوريين، الذي قبعوا تحت ضغوط النظام المخلوع لسنوات في مناطق سيطرته، ابتكروا العديد من الطرق للإشارة إليه دون لفظ هذه الكلمة المحظورة.
وبحسب حديث ميساء الدالاتي مع موفد "عربي21"، فإن أهالي دمشق استعاضوا عن كلمة دولار خلال أحاديثهم اليومية بالعديد من الكلمات التي من شأنها أن تلقي بظلال التكتم على معاملاتهم اليومية.
واستخدم السوريون كلمات مثل "النعناع" و"الأخضر" و"شو إسمو" من أجل الإشارة إلى الدولار خلال أحاديثهم أو معاملاتهم التجارية بين بعضهم البعض.
وفي حين كان من غير الممكن أن يلمح أحد لافتة "صراف" على أي من محلات دمشق، فإن هذه اللافتات أصبحت معتادة وواضحة للجميع بعد سقوط النظام في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الجاري إثر دخول فصائل المعارضة المسلحة إلى العاصمة دمشق.
ومع هذا الانفتاح، تحول السوريون إلى التعامل بالدولار بشكل علني ودون خوف من أن يتم اعتقالهم والحكم عليهم بالسجن لمدة 7 سنوات، وفقا لياسر زيدان الذي يعمل على تصريف العملات في محله الواقع في ريف دمشق.
وكان النظام يحظر على السوريين التعامل بغير الليرة السورية إلا من البنوك والصرافات التي تقدم سعرا رسميا لا يعكس الواقع الحقيقي للاقتصاد السوري المتردي، الأمر الذي دفع السوريين إلى التوجه نحو السوق السوداء أو الأسواق الموازية.
وبعد سقوط النظام وانتشار الصرافين في الطرقات بشكل علني، فإنه من الممكن تصريف الدولار بأسعار متفاوتة بين منطقة وأخرى، تقترب من 14 ألف ليرة سورية مقابل الدولار.
وشهدت الليرة السورية تحسنا ملحوظا مقابل الدولار خلال الأيام التي تلت سقوط النظام إثر دخول فصائل المعارضة المسلحة إلى العاصمة دمشق بعد معارك خاطفة في شمال البلاد وجنوبها.
ويأمل السوريون بعد سقوط النظام في تحسن الأوضاع الاقتصادية المتردية وارتفاع قيمة الليرة وانخفاض أسعار المواد الغذائية، وذلك وسط دعوات لرفع العقوبات الغربية عن البلاد عقب سقوط النظام من أجل تسهيل عملية التعافي وإعادة الإعمار ودفع العجلة الاقتصادية إلى الأمام.