المسلة:
2025-03-10@22:40:32 GMT

الرقابة الذاتية والفساد

تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT

الرقابة الذاتية والفساد

31 أغسطس، 2023

بغداد/المسلة الحدث:

محمد رضا الساعدي

من أهم الاشكاليات التي تواجه حاضر ومستقبل العالم اشكالية القضاء على الفساد وإرساء معالم النزاهة والعدالة بين البشرية.

لذا سنت القوانين ووضعت التشريعات ونفذت العقوبات لأجل التخلص من هذه الافة القاتلة.

وكتب في ذلك التنظيرات في كتب وبحوث ومجلات،وبحثت نفسيا واجتماعيا وقانونيا ،ولا شك اننا بحاجة لمثل هكذا دراسات على مر الزمن لأنها تعالج اشكالية محورية في حياة الأمم .


وكذلك انشات اجهزة ومؤسسات تنفذ تلك القوانين وتقبض على الفاسدين .

وكل هذه الحلول وان نجحت ولكن نجاحها ليس كليا او غالبيا بل يمكن أن يقال انه محدود لعدة اسباب اهمها ضعف التقنين او ضعف الجهاز التنفيذي او ضعف القانون في الدولة او فساد من يقوم بمكافحة الفساد او غيرها وكل ذلك عانى منه العراق ويعاني.

والخصيصة في تلك الحلول انها جاءت لمعالجة المسببات بمعنى تعالج المشكلة والفساد بعد وقوعه وبعد أن يسري اثره في المجتمع ويؤدي إلى تدمير بناه الاقتصادية او السياسية او الاخلاقية او غيرها.

ولكن هناك علاج اهم وانجع لم يسلط عليه الضوء كثيرا في تلك الدراسات ،وهو خلق الارادة النفسية والذاتية لرفض الفساد او الأقدام عليه او تبنية وذلك من خلال صناعة شخصية تؤمن بقيم واخلاقيات تعصمها عن الفساد والافساد .

وهذه المنظومة نجدها واضحة في تشريعات السماء ،فالذي يلاحظ القرآن الكريم وأحاديث النبي وأهل البيت عليهم السلام يجد منظومة أخلاقية وتربوية تعصم صاحبها من الفساد او الافساد بشرط تطبيقها.

وما تتميز به تلك المنظومة عدة نقاط :

اولا انها منظومة شاملة وعامة لكل انواع الفساد .

ثانيا انها منظومة تجعل الرقابة ذاتية بلا حاجة لجهة تشريعية او تنفيذية تراقب الفساد .

ثالثا انها تعالج الفساد قبل وقوعة اي انها تمنع وقوع الفساد وتحصن الناس عن ارتكابه وتستاصل وجوده في النفس والقلب فلا تتحرك الجوارح لفعله.

وبذلك لا يحتاج لتصادم في مكافحته لانه لم يقع بعد بمعنى انها تعالج الاسباب التي تدعو لوقوعه بخلاف الحلول الآخرى التي تعالج المسببات.
رابعا انه لا يحتاج إلى مؤنة وصرف في المكافحة لذلك الفساد.
وغيرها .
فما علينا لأجل ذلك الا صناعة انسان نزيه لا يفسد ولا يسعى للافساد.

وذلك من خلال بناء منظومته الدينية بشكل رصين واشعاره بالرقابة الإلهية والغيبية وان كل ما يغعله بمراى ومسمع من الله تعالى كما قال تعالى : (وَقُلِ ٱعۡمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ).

واشعاره بمعية الله لنا في كل حال قال تعالى ( وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ )
فإذا استشعرت المعية الإلهية فهل تراك تفسد في الأرض.

وكذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه، فإنه يراك .

وعن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): (ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله وبعده ومعه).

فإذا كان الله حاضرا في كل اوقاتك وحياتك لا تفسد ابدا .

وغيرها من الآيات والروايات الدالة على هذا المعنى في صنع رقابة ذاتية غيبية وواعظ من النفس لا من الغير .

وبذلك يتميز صنفان :اما امين لا يخون ولو امنته على مليارات وأما خائن يخون ولو امنته على دنانير . قال تعالى  (وَمِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مَنۡ إِن تَأۡمَنۡهُ بِقِنطَارٖ يُؤَدِّهِۦٓ إِلَيۡكَ وَمِنۡهُم مَّنۡ إِن تَأۡمَنۡهُ بِدِينَارٖ لَّا يُؤَدِّهِۦٓ إِلَيۡكَ إِلَّا مَا دُمۡتَ عَلَيۡهِ قائما).

والانتماء الديني -كما عبرت الآية- لوحده لايخلق تلك الارادة مالم تدعمها بتطبيق والا فكثير من المسلمين او اليهود او المسيح فاسدون مع انهم اهل كتب سماوية فضلا عن غيرهم ممن لادين لهم او ملاحدة او غيرهم ، فالخلل في التطبيق .

فالكلام في خلق تلك الارادة وهذا دور العائلة التي تتمسك بقيمها ودور المعلم ودور الدولة ودور الموسسات الدينية.

ولا شك أن التنظير لها لا يكفي بل لابد من إبراز قدوات يقتدى بها في هذا الجانب وتكون منارا صالحا كما كان عليه الانبياء والاوصياء واذا لم نقدر فلا اقل نتمسك بما قاله الامير عليه السلام (ألا وإن لكل مأموم إمام يُقتدى به، ويستضيء بنور علمه؛ ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طُعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد).

وهذا ما نحتاجه اليوم في بلدنا بعد ان ظهر الفساد في البر والبحر .

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

ميثاق غليظ

 

 

 

أنيسة الهوتية

"ميثاق غليظ" مصطلح ورد في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع وقد ورد في سورة الأحزاب في الآية 7؛ حيث يقول الله تعالى: "وإذ أَخَذْنَا من النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا". 

ويشار بهذا الميثاق الغليظ الأول إلى العهد العظيم الذي أخذه الله على الأنبياء الكرام صلوات الله وسلامه عليهم بتبليغ رسالاته إلى البشرية ببالغ المسؤولية التي تتطلب القوة والعزيمة والإخلاص، وأيضًا يتعين عليهم تحمل المشاق والصعاب، ومواجهة التحديات، والصبر على الأذى في سبيل إيصال الحق.

وورد في سورة النساء الآية 21: "وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا". ويشار بهذا الميثاق الغليظ الثاني إلى عقد الزواج، وما يتضمنه من حقوق وواجبات بين الزوجين، وبأنَّه عهد قوي متين يصعب نقضه، ومهم الالتزام بمواثيقه.

وورد في سورة النساء الآية 154: "وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا". ويشار بهذا الميثاق الغليظ الثالث إلى العهد الذي أخذه الله تعالى من بني إسرائيل بالعمل بأحكام التوراة، وعدم تجاوز حدود الله.

أما الأول، فقد أتم الأنبياء والمرسلون ميثاقهم الغليظ مع الله على أكمل وجه، وقد ذكر القرآن الكريم ذلك في عدة مواضع. وفي الثالث، فإن بني إسرائيل لم يتموا ميثاقهم الغليظ مع الله تعالى، بل نقضوه مرارًا وتكرارًا. وقد ورد ذكر ذلك في القرآن الكريم في عدة مواضع.

أما الثاني، فهناك من التزم به، ومن لم يلتزم لأسباب! وبما أن الطلاق حلال وإن كان أبغضه، فإنه جائز، ولكن ليس بأن يتم الحكم على نقض الميثاق الغليظ نهائياً من أول "فلعة" تقع على رأس الزوجين. ولأنه ميثاق غليظ، فهو من غلظته غير قابل للنقض إلا بعد "فلعتين"، كما ذكر القرآن الكريم، بصريح العبارة وشدة الوضوح: "الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ" سورة البقرة الآية 229

وهنا الآية الكريمة تتحدث عن الطلاق الرجعي الذي يظهر فيه مبدأ رحمة الإسلام بإعطاء الزوجين فرصتين للمراجعة بعد إجراء كل عملية طلاق صحيحة الأركان لم تمر بالمنقضات. ولأهمية رابط الزواج في دين الإسلام تم وضع منقضات للطلاق، أربعة تخص المرأة وأربعة تخص الرجل.

ويستطيع الزوج استخدام الفرصتين لمراجعة زوجته خلال فترة العدة مرتين، في الطلقة الأولى والثانية، ولازال يستطيع إرجاعها بعد فترة العدة بعقد جديد إن رضيت، وهاتان الفرصتان للإرجاع عدل إلهي مطلق يُبين قيمة الرابط المقدس للحفاظ على اللبنة الأساسية للمجتمع وهي الأسرة.

والثالثة ثابتة بتحريم الرجوع إلا إذا تزوجت زوجاً غيره بنية الزواج دون التُحايل للتحليل، وانفصلت عنه أو توفي عنها.

وكما قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن النَّاس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم" صحيح مسلم. ويُعتبر القرآن الكريم المصدر الأول للتشريع في الإسلام، وتليه السنة النبوية الشريفة. والأحاديث المروية من "حبر الأمة" و"ترجمان القرآن" موثوقة.

لذلك أعتقد أنه آن الأوان أن يتم الاتفاق في أحكام الطلاق بين المذاهب كلها كما أمر الله تعالى سبحانه في محكم كتابه العزيز كمثل الاتفاق على أصول الدين الأساسية، وإعطاء كل زوجين فرصتهم المستحقة، خاصة في ظل الزواج من المذاهب المختلفة، وأيضًا منعًا لاستغلال فرصة تحليل المرأة.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • مفتي الجمهورية: الله منح الإنسان العقل وأنزل إليه الرسل حتى تقوم عليه الحجة
  • سُنَن الفطرة
  • للصائم دعوة لا ترد
  • هل يُقبل صيام المرأة غير المحجبة؟.. دار الإفتاء تجيب
  • بالفيديو.. إبراهيم الهدهد: الكبر هو أصل الفساد في الأرض
  • ميثاق غليظ
  • الإيمان والإستقامة
  • إبراهيم الهدهد: أخطر أشكال الفساد في الأرض هو استغلال النعم
  • إبراهيم عليه السلام رمزٌ وقدوةٌ في البراءة من أعداء الله، لا التطبيع معهم!
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم