وصية قادته لأن يصبح شيخًا للعمائم.. لماذا اختار الشيخ محمد الفحام الدراسة بالأزهر؟
تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT
تحل اليوم الخميس، ذكرى وفاة الشيخ محمد محمد الفحام شيخ الأزهر الشريف، والذي رحل عن عالمنا في يوم الـ 31 من شهر أغسطس عام 1980.
لماذا اختار الشيخ محمد الفحام الدراسة بالأزهر؟كان التحاق الشيخ محمد الفحام بالأزهر الشريف، راغبة تخالف قناعته الشخصية وميله لأن يكون ابنًا من أبناء كلية دار العلوم، حيث استجاب لوصية أمه في الالتحاق بالأزهر الشريف، بعدما استشار والديه، فقال له والده: «إنني واثق بجودة رأيك، وحسن اختيارك، فاتَّجه إلى ما تراه صوابًا والله معك»، أما والدته فأوصته بأن يظل متمسكًا بالأزهر وألا يتركه أبدا، وبالفعل نفذ وصية أمه، حيث واصل الدراسة بالقسم العالي بمشيخة علماء الإسكندرية، ونال شهادة العَالِمية النظامية بتفوق في امتحان أدَّاه بالأزهر سنة 1922.
وبعد عودته للتدريس في الأزهر، نقل الشيخ محمد الفحام، إلى كلية الشريعة لتدريس المنطق وعلم المعاني عام 1935، ليسافر بعدها إلى فرنسا في العام التالي في بعثة تعليمية ورغم نشوب الحرب العالمية إلا أنه استمر في بعثته رفقة زوجته وبعض أبنائه، ثم عاد عام 1946، وعمل حينها مدرسا في كلية الشريعة، قبل أن يتم نقله إلى كلية اللغة العربية مدرسًا للأدب المقارن وللنحو والصرف، حتى تم ترقيته إلى درجة أستاذ ثم إلى عميد الكلية، ومن أشهر رسائله «المنطق».
من هو الشيخ محمد الفحام؟- ولد في محافظة الإسكندرية في 18 ربيع الأول سنة 1321 هـ، الموافق 18 سبتمبر سنة 1894م.
- حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، ثم التحق بمعهد الإسكندرية الأزهري فحصل فيها على الشهادتين: الابتدائية والثانوية، ثم درس بالجامع الأزهر، ونال شهادته العالمية سنة 1922 م.
- حصل على الليسانس من جامعة السوربون، ثم على الدكتوراه في الآداب بدرجة الشرف الممتازة من جامعة باريس سنة 1946 م.
اُختير شيخًا للأزهر الشريف، بتاريخ 5 رجب سنة 1389 هـ، الموافق 16 سبتمبر سنة 1969 م، فنهض بمهمته الدينية والوطنية في ظل ظروف صعبة كانت تمر بها البلاد.
- أثرى المكتبة الإسلامية بالكثير من المؤلفات التي تضمنت أفكاره وآراءه، أبرزها:
- المسلمون واسترداد بيت المقدس.
- مذكرات في النحو والأدب المقارن.
- رسالة في الموجهات.
- سيبويه وآراؤه النحوية.
ظل الشيخ محمد الفحام يتدرج في وظائف التدريس حتى صار عميدًا لكلية اللغة العربية سنة 1959م، إلى أن أحيل إلى التقاعد، وحينئذ لم يركن إلى ما يركن إليه بعض المتقاعدين، بل انكبَّ على البحث والدرس في مكتبته الخاصة نحو عشر سنوات، إلى أن اختير شيخًا للأزهر الشريف بتاريخ 5 من رجب سنة 1389هـ، الموافق 16 من سبتمبر سنة 1969م، ثم انتخبه مجمع اللغة العربية عضوًا به، واحتفل باستقباله في 12 من صفر سنة 1392هـ ، الموافق 27 من مارس سنة 1972م.
محمد الفحام شيخ الأزهركان الشيخ الفحام في مدة مشيخته للأزهر الشريف مثالًا للرزانة والحكمة والوقار، وشهد أحداثًا وطنية كان رأيه فيها حكيمًا يرجع على البلاد والعباد بالأمان.
وظل في مشيخة الأزهر إلى مارس سنة 1973م؛ حيث ألحَّ في طلب إعفائه من منصبه لظروفه الصحية؛ فاستجيب له، وخلفه في مشيخة الأزهر الشيخ الإمام عبد الحليم محمود، وعكف هو في بيته بالإسكندرية ملازمًا للمصحف الشريف، مواظبًا على فرائضه وصلواته.
رحلات محمد الفحام في العالم العربيارتبط الشيخ الفحام بالعالم العربي والإسلامي ارتباطًا فكريًّا وعمليًّا؛ فقام برحلات متعددة إلى كثير من الأقطار؛ فمثَّل الأزهر في مؤتمر ثقافي في لبنان سنة 1947م، وسافر إلى نيجيريا موفدًا من الأزهر لدراسة أحوال المسلمين بها واقتراح حلول لمشكلاتهم، وقضى هناك خمسة أشهر، ولم يُثْنِه عن السفر ما زعمه له بعض المبشرين المسيحيين الذين زاروا نيجيريا من قبل بأنها مقبرة الرجل الأبيض، بل خرج من داره يتلو قول الله تعالى: «وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيماً»، وكانت رحلته ذات آثار طيبة؛ إذ اختار بعض أبناء نيجيريا ليتعلموا بالأزهر، وتخيَّر طائفة من علماء الأزهر ليدرسوا هناك، ولم تلبث نيجيريا أن حفلت بعدة مدارس وبكثير من المعلمين العرب والقضاة العرب.
وبعد ذلك سافر إلى باكستان ثلاث مرات اتصل فيها بكثير من علمائها، وزار كثيرًا من مدارسها ومعاهدها ومكتباتها، ثم اتجه إلى موريتانيا، وأسهم في إنشاء مكتبة إسلامية كبيرة بها، وشارك في مناقشات إسلامية، منحوه بعدها وثيقة مواطن موريتاني، كذلك سافر إلى إندونيسيا ثلاث مرات ممثلاً للأزهر، وسافر إلى إسبانيا والسودان والجزائر وإيران وليبيا.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: شيخ الأزهر الفحام شیخ الأزهر
إقرأ أيضاً:
قيثارة السماء في شهر رمضان «الشيخ محمد رفعت»
يعتبر الشيخ محمد رفعت المولود بحي المغربلين بالقاهرة في التاسع من مايو 1882 من أحد أهم القراء البارزين في مصر والعالم العربي والإسلامي والملقب بالقارئ المعجزة أو بقيثارة السماء، حفظ القرآن صغيرا رغم إعاقته في بصره مبكرا، ودرس التجويد والقراءات وغيرها من علوم القرآن وحفظه بطرق مختلفة، ثم درس علم المقامات الموسيقية وعلوم التفسير في مسجد فاضل باشا بدرب الجماميز بالسيدة زينب بالقاهرة، ويعتبر أول من أقام مدرسة للتجويد القرآني في مصر وتميزت طريقته في الأداء عن غيره من مقرئي القرآن بقدرته على إظهار الصوت الخاشع أثناء التجويد وقدرته على تجسيد المعاني وإظهارها بالآيات وبخاصة في الآيات المتعلقة بقصص الأنبياء والأقوام السابقة كتجويده لسورة يوسف وسورة مريم التي عشق سماعها أقباط مصر قبل مسلميها ناهيك عن جماليات الأداء الجميل الروحاني الذي يحمل للمستمع الروائح الذكية لأجمل عطور الأرض، أو لجمال وروع خشخشة صوته التي تعطي الإيحاء لصدى المعادن النفيسة عند اصطدامها لدرجة أن سماه أحد المستمعين قديما وهو الحاج سليم إبراهيم رخا بقرية بني قريش بمحافظة الشرقية بالذهب المسموع وهو ما اشتهر به، وكان أداؤه ينقل خلاله كل جوارحه إلي المستمع فينفذ إلى وجدانه ويتملكه وينفذ لأعماقه فيعطيه من حلاوة القرآن والإيمان حتى يشعر الناس بأن هذا الصوت قادم من الجنة، كان يعطي كل حرف حقه وينتقل من آية لآية حسب المواقف معتمدا على المقامات الموسيقية المختلفة دون أن يشعر المستمع بذلك.
وقد تجلى ذلك في أدائه لصورة الرحمن، لقد كان رجلا خاشعا ويشع من قراءاته للقرآن النور الرباني وكأن الملائكة محاطة به أثناء حفلاته القرآنية فتعطيه القوة والبهاء وأذكى النفحات وعندما كان يقول صدق الله العظيم كانت الناس تتمنى لو ظل مستمرا في تلك القراءة. وعندما افتتحت الإذاعة المصرية كان هو أول من ساهم بقراءاته بسورة إنا فتحنا لك فتحا مبينا، وكان يقرأ لها على الهواء مباشرة القرآن الكريم وإقامة الآذان مما أثرى معه أرشيف الإذاعة المصرية التي أصبح رمزا لها ومتربعا عليها، حتى ذاع صيته ونفذ صوته واشتهر في جميع بلاد العالم وجاءته العروض المختلفة ولكنه كان يأبى بتواضع وكبرياء فجاء صوته للإذاعة المصرية نديا خاشعا وعشقته الجماهير وبخاصة في شهر رمضان وأنه كان خشوعا إلى الله في قراءته يلتمس الصدق في أدائه وكان يقرأ مرتين أسبوعيا يوم الثلاثاء ويوم الجمعة لمدة 45 دقيقة وكانت الدموع تنهمر من عينيه، وعند وفاته يوم 9 مايو نفس يوم مولده ولكن عام 1950 فقدت الأمة المصرية والإسلامية عمودا هاما من أعمدة مقرئي القرآن وتراثه الأدائي والفني الجميل حتى نقلت الإذاعة المصرية خبر وفاته بقولها وحسب موسوعة الويكيبديا " أيها المسلمون فقدنا اليوم عالما من أعلام الإسلام وقالت الإذاعة السورية في نعيها على لسان المفتي " مات المقرئ الذي وهب صوته للإسلام، وقال عنه الشيخ الشعراوي رحمه الله " إذا أردت أحكام التلاوة فعليك بالشيخ الحصري، وإذا أردت حلاوة الصوت فعليك بالشيخ عبد الباسط، وإذا أردت النفس الطويل فعليك بالشيخ مصطفى إسماعيل، وإذا أردتهم جمعيا فعليك بالشيخ محمد رفعت " وكان محل أحاديث وملتقى الشعراء والأدباء والفنانين والسياسيين والموسيقيين وأهل العلم والدين في مصر فقد قال عنه الموسيقار محمد عبد الوهاب بأن صوته ملائكي لأنه يأتي من السماء. ورغم مرور هذا الوقت الطويل على رحيله إلا أنه يظل عند المصريين مرتبط بالمظاهر والملامح الروحانية لشهر رمضان الكريم وتجلياته في التلاوة، وارتباط المستمعين بقراءاته لمدة أربعين دقيقة قبل المغرب عبر الإذاعة المصرية مع آذانه المحبب إلى الصائمين حتى ارتبط صوته عبر الأجيال بهذا الشهر ومازال سماع صوته محبب إلى الأجيال الشابة التي لم تعاصره وتشاهده، فتلك الأصوات المميزة لم تستطع السنوات الماضية أن تمحها لأن عند سماعها في مناسبات معينة تنتاب الذاكرة مشاعر دينية وروحانية معينة إضافة إلى توارد الخواطر الإيمانية والإنسانية والحياتية لذكريات عائلية واجتماعية مضت، ليظل هذا الشيخ الجليل متجليا ومتربعا على قلوب وعقول المصريين،
وليظل عبر الأزمنة العبقري الأول في الأداء، وكمظهر احتفاليا وشذا موسيقيا وسماعيا ودينيا لشهر رمضان الكريم، ومفخرة للمسلمين ودارسي علم الأداء والأصوات بعد أن أصبح من أكثر تلك المظاهر الفلكلورية للمصريين واحتفالهم بالشهر الكريم وغيرها من المناسبات الدينية واليومية لمواقيت العبادات وسماع القرآن.