بعد الانقلاب العسكري.. ما هو وضع الجالية اللبنانية في الغابون؟
تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT
ساعات عصيبة عاشتها عائلات لبنانية، خوفا على أفرادها وأقاربها في الغابون، بعد الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد، فرغم التطمينات التي تصل من القارة السمراء، فإن حالة من الترقب لا تزال سائدة في انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع هناك.
واستيقظ العالم، صباح الأربعاء، على خبر إعلان مجموعة من العسكريين عبر التلفزيون الحكومي، السيطرة على السلطة في الغابون، والإطاحة بالرئيس علي بونغو، الذي كان قد أعلن فوزه في الانتخابات الرئاسية لولاية ثالثة، وتعيين قائد الحرس الجمهوري، بريس أوليغي نغيما، "رئيسا للمرحلة الانتقالية".
وقال الانقلابيون إن تحركهم جاء "في ظل سيطرة أسرة بونغو على مقاليد الحكم في البلاد على مدار 55 عاما، وفي ظل مرض الرئيس"، الذي أصيب بجلطة دماغية عام 2018، أبعدته عن ممارسة مهامه لفترة.
وفي ظل ما يدور في الغابون، دعت وزارة الخارجية والمغتربين في لبنان، كافة اللبنانيين المقيمين هناك إلى "اتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر والبقاء في منازلهم بانتظار جلاء التطورات"، معلنة في بيان أنها "تتابع باهتمام كبير تطور الأوضاع".
كما نشرت رقم السفارة اللبنانية في ليبرفيل، للحالات الطارئة.
تطمينات.. وحذروللاطلاع على أوضاع اللبنانيين في الغابون، تواصل موقع "الحرة" مع أمين سر الهيئة الإدارية للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم فرع الغابون، رامي كشيش، الذي أكد أن "جميع أفراد الجالية اللبنانية، البالغ عددهم نحو 5 آلاف شخص، بخير".
وقال: "لم يطل أحدا منهم مكروه حيث التزموا منازلهم"، مشيرا إلى أنه "عند إعلان الانقلاب سُمع إطلاق نار لساعات محدودة، قبل أن يستقر الوضع عقب تعيين رئيس انتقالي".
"ضربة" جديدة لمصالح فرنسا.. أسباب انقلاب الغابون والتداعيات المحتملة بينما كان جيران النيجر يدرسون كيفية التدخل لاستعادة الحكم الديمقراطي في البلاد في أعقاب انقلاب يوليو الماضي، فوجئ العالم، الأربعاء، بانقلاب جديد بعد أسابيع قليلة، وعلى بعد نحو 800 كيلومتر فقط من النيجروأضاف: "صدر قرار يدعو الجميع للعودة إلى عمله، مع الإبقاء على حظر التجول بين الساعة السادسة مساء والسادسة صباحا، وحتى الآن تجرّأ حوالي 60 في المئة من اللبنانيين على فتح أبواب رزقهم".
واستطرد معربا عن اعتقاده بأنه "من الأفضل الانتظار قليلا لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور"، لافتا في الوقت نفسه إلى أن "الوضع آمن جدا".
وكان الانقلابيون قد أعلنوا في بيان متلفز، مساء الأربعاء، أن "قرار حظر التجوّل الليلي الذي فرضه قبل أيام الرئيس علي بونغو، سيظلّ ساريا حتى إشعار آخر، بهدف الحفاظ على الهدوء"، بحسب فرانس برس.
وقال أحد الضباط: "اعتبارا من يوم الخميس، سيتمكّن الغابونيون مرة أخرى من ممارسة أعمالهم بحريّة".
بدوره، رئيس موقع "الجالية أونلاين"، علي كاتور، أكد لموقع "الحرة"، أن "كل الجاليات في الغابون بخير".
وتابع: "لم نشهد أي إشكال حتى الآن في الشوارع"، مشددا على أن "استلام الجيش لزمام الأمور ساهم في ضبط الوضع وحفظ الأمن والأمان، ونحمد الله أن الانقسام لم يكن بين المعارضة والموالاة إذ حينها كنا سنشهد أعمال شغب".
وفيما إن كان يتخوف من تعرّض أفراد من الجالية اللبنانية لأي مكروه في الأيام المقبلة، أجاب كاتور: "من الطبيعي أن يكون لأي نظام أشخاص قريبون منه من مختلف الجنسيات، هؤلاء من يُخشى إصابتهم بمكروه، وحتى الآن الأوضاع مستقرة جدا، واليوم هو يوم عمل عادي".
واشنطن تتابع الوضع "المثير جدا للقلق" في الغابون أكد البيت الأبيض، الأربعاء، أن الإدارة الأميركية تتابع الوضع "المثير جدا للقلق" في الغابون، وأن واشنطن "تدعم" الشعب الغابوني.وشهد غرب ووسط أفريقيا سلسلة من الانقلابات العسكرية في السنوات الماضية، بما في ذلك الانقلاب في النيجر، الذي أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطيا، محمد بازوم، الشهر الماضي.
وفيما يتعلق بالغابون، تصاعدت التوترات والمخاوف من وقوع اضطرابات فيها، بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي أجريت السبت الماضي، بسبب شكوك حول نتيجة الانتخابات.
متابعة.. وترقبرغم أن الحياة شبه طبيعية في الغابون، فإن جميع اللبنانيين الذي يتواصل معهم، علي فران، وهو لبناني يقيم في الدولة الأفريقية منذ عام 1991، "يلتزمون منازلهم"، حسبما ذكر لموقع "الحرة".
وأضاف: "نترقب ما سيحصل في اليومين المقبلين، وإن كنت أعتقد أن الأمور انتهت عند هذا الحد، وبأن الإثنين القادم سيعود الجميع إلى أعمالهم".
وكان رئيس الجالية اللبنانية في الغابون، حسن مزهر، قد أشار إلى أن "الجالية اللبنانية بكاملها بخير والأوضاع شبه عادية، واللبنانيون في منازلهم يتابعون التطورات، وهم بخير وممتلكاتهم وأعمالهم أيضا بخير".
وخلال اتصال هاتفي مع "الوكالة الوطنية للإعلام"، قال: "نحن وفريق عملنا على تنسيق ومتابعة تامة مع السفيرة اللبنانية ألين يونس، التي لا تألو جهدا لتلبية متطلبات اللبنانيين هنا والاطمئنان عليهم".
وأشار إلى "عودة الاتصالات إلى البلاد بعد عزلة 3 أيام"، مضيفا: "هذا أمر إيجابي يعطي المزيد من الاطمئنان بين اللبنانيين في الغابون وأسرهم في لبنان".
من جانبه، تابع رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، أوضاع الجالية اللبنانية في الغابون من خلال اتصال أجراه مع رجل الأعمال المقيم هناك، محمد أبو الخدود، بحسب ما يقول كاتور، مشيرا إلى "متابعة عضو كتلة التنمية والتحرير، النائب هاني قبيسي، ورئيس الهيئة العليا للإغاثة، اللواء محمد خير، تطورات الوضع".
من جانبه، أوضح اللواء خير لموقع "الحرة"، أنه على عكس ما تداولت بعض وسائل الإعلام، فإن "الحكومة اللبنانية لم تكلفه حتى اللحظة بمتابعة أوضاع الجالية اللبنانية في الغابون".
المصدر: الحرة
إقرأ أيضاً:
كوريا الجنوبية وكيف تُفشل انقلابا عسكريا في خمس ساعات؟
قبل أسبوعين، حاول الرئيس يون سوك يول فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية. ارتعب الكوريون، لكنهم خلال ساعات قليلة كانوا قد استطاعوا إلغاء قرار الرئيس، وخلال عشرة أيام كانوا قد أجبروه على إعلان التنحي، بعد أن حاول وزير دفاعه الانتحار في محبسه، وبعد أن اتفق كافة الكوريين على رفض الأوضاع الاستثنائية، بما فيهم حزب الرئيس نفسه. لم يستغرق حراك الكوريين طويلًا، لكن دراسة الأسباب التي أدت إلى إفشال محاولة الرئيس الكوري النكوص عن الديمقراطية، حق لها أن تستغرق وقتا أطول كثيرا من ذلك الوقت الذي امتد لقرابة خمس ساعات وأفشل فيه الكوريون هذه المحاولة.
وعلى الرغم من أن الأمر يبدو نادر الحدوث، تخبرنا التجربة التاريخية أن تقريبا نصف محاولات الانقلاب العسكري تفشل في الإطاحة بالنظام أو في ترسيخ دعائم نظام جديد. وقبل أن ندلف إلى الحالة الكورية، فمن نافلة القول أنه كلما زادت الثقة في المؤسسات الديمقراطية، مثل الانتخابات والبرلمان، كلما كان من الأصعب تنفيذ محاولة الانقلاب. وفي أغلب المحاولات الفاشلة للانقلاب على الديمقراطية والدستور، كان المواطنون هم حائط الصد أمام المتآمرين، ينطبق هذا على الكثير من محاولات الانقلاب، مثل تلك التي فشلت في ألمانيا عام 1920، بعد عامين فقط من الهزيمة في الحرب العالمية الأولى، وليس انتهاء بمحاولة الانقلاب الفاشلة التي نفذها عسكريون ومدنيون أتراك في يوليو/تموز 2016 على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2سلجوق بَيْرَقْدار مهندس المُسيَّرات الطامح لتغيير العالمlist 2 of 2كيف يقتل جنود جيش الاحتلال بدمٍ بارد؟end of list إعلاناللحظات الأولى للانقلابات العسكرية تبدو أخطر لحظات البلاد على الإطلاق في البلاد المستقرة، إذ حينها يقرر المواطنون إذا ما كانوا مستعدين لدفع ثمن الديمقراطية الحقة، وإيقاف محاولة سرقة إرادتهم، إنها اللحظة التي يتحول فيها عوام الناس إلى أبطال لبلادهم، وهو ما حدث بالضبط في كوريا الجنوبية.
ما الذي حدث؟في الساعة الحادية عشرة مساء بالتوقيت المحلي يوم الثلاثاء 3 ديسمبر/كانون الثاني، أعلن رئيس كوريا الجنوبية "يون سوك يول" في خطاب متلفز مفاجئ تطبيق الأحكام العرفية في البلاد. اتهم الرئيس الذي انتُخب قبل سنتين الحزب الديمقراطي المعارض، والذي يسيطر على ما يقرب الثلثين من مقاعد البرلمان بالتعاون مع بعض الأحزاب الصغيرة، اتهمه بالتعاطف مع كوريا الشمالية والانخراط في أنشطة معادية للدولة.
ورغم محاولة الجيش والشرطة السيطرة على مبنى البرلمان، دعا زعيم المعارضة نواب الحزب الديمقراطي إلى الالتحاق بالبرلمان للتصويت لرفض القرار الرئاسي. تمكن النواب من اجتياز الحواجز بمساعدة آلاف المحتجين الذين واجهوا قوات الجيش والشرطة بلا عنف، والوصول إلى قبة البرلمان.
وخلال ساعة واحدة، كانت أسعار المواد الغذائية قد ارتفعت بشكل كبير، وانخفضت أسعار الأسهم، لكن الأهم أن المحتجين الذين نزلوا إلى الشوارع كانوا قد استطاعوا تأمين البرلمان الذي صوّت بالإجماع لحجب المرسوم في جلسة طارئة، بحضور 190 من الأعضاء البالغ عددهم 300.
وبعد 5 ساعات ونصف الساعة (أي أقل من المدة التي استغرقها هذا المقال بحثا وكتابة)، وتحديدا في الرابعة والنصف صباحا بالتوقيت المحلي، أعلن الرئيس "يون" أنه سيتراجع عن قراره بفرض الأحكام العرفية، وأن قوات الجيش ستنسحب إلى ثكناتها.
بالنسبة لمواطن كوري خلد إلى النوم في العاشرة مساء واستيقظ في السادسة صباحا، فلن يكون بإمكانه الشعور بما شعر به المحتجون حينها، لكن معرفته بتاريخ كوريا الجنوبية القريب سيمكّنه من استيعاب ما حدث بكل تأكيد.
إعلان كوريا الجنوبية.. الشعب يتذكر إسقاط النظامبدأ عهد الانقلابات العسكرية في كوريا الجنوبية قبل 63 عاما عندما أطاح انقلاب عسكري عام 1961 بالحكومة المنتخبة ديمقراطيا. سيطر الجيش على البلاد لـ18 عاما، إلى أن اغتيل قائد الانقلاب والرئيس "بارك شونغ هي" في أكتوبر/تشرين الأول عام 1979. كان "شونغ هي" قد أحكم السيطرة على السلطة، لذلك ترك مقتله المفاجئ فراغا كبيرا أدى لصعود عدد من الحركات الداعية للديمقراطية والتي كان "شونغ هي" قد ضيّق عليها الخناق.
تولى رئيس الوزراء حينها حكم البلاد مؤقتا. وبعد شهرين لم يستطع فيهما أن يبسط سيطرته على الحكومة، أطاح به انقلاب عسكري جديد عُرف بانقلاب الثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول 1979، وهذا هو الانقلاب الذي يتذكره الكوريون جيدا، فقد كانت آخر مرة يتم فيها فرض الأحكام العرفية في البلاد.
كعادة قادة الانقلابات العسكرية، نفى قائد الانقلاب "شون دو هوان" أن يكون لحركته العسكرية أي بُعد سياسي، ونفى اهتمامه بالحكم والسياسات المحلية. لكن خلال أشهر قليلة، ومع عودة الطلاب للدراسة في المدارس والجامعات، أخذت المظاهرات الرافضة للانقلاب العسكري وحكم "دو هوان" في الاتساع إلى أن عطلت كثيرا من نواحي الحياة في العاصمة سيول وبقية مدن كوريا الجنوبية. وفي 17 مايو/أيار 1980، أعلن "دو هوان" تمديد العمل بالأحكام العرفية وتوسيع نطاقها لتشمل كامل البلاد، وحظر بث أو إذاعة أو نشر أي انتقاد علني للحكومة، وكذلك منع أي تجمعات سياسية، وإغلاق الجامعات، وتجريم الإضرابات العمالية، وإنهاء المظاهرات المطالبة بالديمقراطية.
يصنف الكوريون ما حدث في مايو/أيار باعتباره انقلابا جديدا، لكن ربما يكون من الدقة وصفه بخطوة تعزيز الجنرال "دو هوان" لسلطته التي بدأت مع انقلاب ديسمبر/كانون الثاني قبل ذلك بـ6 أشهر.
لم يرضَ الكوريون بذلك، خاصة الطلاب في جامعة شونام الوطنية العريقة، في مدينة غوانجو. تظاهر الطلاب والأساتذة والسكان، وساعدهم مواطنون رأوا التعامل الوحشي من الشرطة والجيش مع المتظاهرين. سيطر المدنيون على المدينة، واستطاعوا إبعاد الجيش، وحاولوا التفاوض معه، لكن على مدار الأيام التالية وصلت تعزيزات الجيش إلى القوات التي كانت قد انسحبت إلى تخوم المدينة وضواحيها، ليحاصروا جميع الطرق المؤدية إلى غوانجو.
إعلانعندما قرر الجيش اقتحام غوانجو في السابع والعشرين من مايو/أيار، استطاع هزيمة المدنيين في 90 دقيقة وصل فيها إلى قلب المدينة. لكن الجرائم التي ارتكبها الجيش عاش الكثيرون آثارها لسنوات طويلة، فقد أطلق الجيش النار على الطلاب، واغتصب جنوده المتظاهرات، وعذبوا الطلاب، وقتلوا خلال هذه المواجهات ما يصل إلى 2,300 مواطن كوري، في مذبحة يعرفها الكوريون جيدا، وتُخلدها الأفلام الدرامية والنصب التذكارية.
ما يفعله التعليم في وطن ضائعظلت كوريا الجنوبية تحت حكم العسكر 8 سنوات، عانى خلالها الكوريون من ديكتاتورية عسكرية مقيتة، تميزت بقمع الحريات السياسية، والقضاء على أي معارضة في مهدها. كذلك لم يستطع النظام الحفاظ على شرعيته طويلا بعد مذبحة غوانجو، والتي أكدت مطالب المتظاهرين بالحرية والعدالة، حتى لو لم تكن الأمور سانحة في ذلك الوقت.
لكن الديكتاتوريات العسكرية تختلف، ففي حالة كوريا الجنوبية، وهو كذلك ما جرى في تركيا إلى حد بعيد بعد انقلاب عام 1980، بدأت البلاد في التعافي اقتصاديا بدرجة كبيرة، وهو ما قاد إلى تغيرات اجتماعية هائلة، برزت في صعود طبقة وسطى أكثر تعليما وأرقى ثقافة وأشد وعيا بالسياسة وبتأثير الحكم السلطوي على حياة الناس.
وصعود الطبقة الوسطى يرتبط دوما بظهور المطالب بالمزيد من الحرية السياسية والاجتماعية، وهو ما حدث في كوريا. ففي يونيو/حزيران عام 1987، وبعد 7 أعوام من حكم "دو هوان" العسكري، قُتل الطالب الجامعي "بارك يونغ شول" على يد محققين من الشرطة أثناء التحقيق معه. ورغم أن آلاف الطلاب كانوا قد قُتلوا بطرق أكثر وحشية قبل ذلك بـ8 سنوات، أثار مقتل "شول" مظاهرات عارمة، قبل أن يزداد أوار هذه المظاهرات عقب مقتل ناشط آخر نتيجة عنف الشرطة مع المتظاهرين.
البرلمان الكوري الجنوبي أقر عزل الرئيس بعد محاولته فرض الأحكام العرفية (الأوروبية)اتسع نطاق المظاهرات ليشمل كوريا الجنوبية كلها، فقد شارك الملايين من العمال والموظفين والطلاب في المطالبات بالإصلاح السياسي والديمقراطي. وكان أهم ما ميز هذه المظاهرات هو جَلَد المتظاهرين واستمرارهم لفترات طويلة في الشوارع، ما جعل السلطة تستشعر الخطر، وليعلن نائب الرئيس "روو تاي وو" في 29 يونيو/حزيران عن قرارات مفاجئة بسلسلة من الإصلاحات الدستورية التي تستجيب لمطالب المتظاهرين.
إعلانفقد أعلن "تاي وو" عن السماح بانتخابات رئاسية بالتصويت الحر والمباشر، وعن عودة الحقوق المدنية، والسماح بالحريات الصحفية، وتمرير إصلاحات تضمن نزاهة الانتخابات.
وفي ديسمبر/كانون الأول 1987، شهدت كوريا الجنوبية أول انتخابات تعددية بعد عقود من الحكم العسكري، ليفوز فيها "تاي وو" نفسه، صديق الديكتاتور ونائبه، لأسباب من بينها انقسام المعارضة. لكن على الرغم من كونه جزءا من نظام "دو هوان"، وعلى الرغم من فساده وانخراطه في الحكم العسكري سابقا، كان "تاي وو" مضطرا للرضوخ لمطالب الناس واتخاذ إجراءات تضمن الانتقال الديمقراطي، وهو ما تعزز خلال التسعينات بشكل كبير.
لم ينسَ الكوريون ما حدث في غوانجو، ولم يغفروا لـ"دو هوان" ما فعل. لذلك، في عام 1996، حُكم على "دو هوان" بالإعدام جزاء تدبيره الانقلاب العسكري ولجرائم نظامه في غوانجو، وكذلك حُكم على "تاي وو"، الذي خرج من السلطة في فبراير/شباط عام 1993، بالسجن 17 عاما. لكن في العام التالي، أعلن الرئيس الكوري "كيم يونغ سام" عن العفو عن الرئيسين السابقين، بناء على نصيحة الرئيس المنتخب الجديد "كيم داي يونغ"، والذي تولى السلطة في فبراير/شباط 1998. المفارقة أن "داي يونغ"، الرئيس الثامن لكوريا الجنوبية، والذي أعطى النصيحة بالعفو عن "تاي وو" و"دو هوان"، كان معارضا حكم عليه نظام "دو هوان" بالسجن 20 عاما!
كيف يفشل الانقلاب العسكري؟يعتقد الأكاديميون والمحللون أن بداية الحكم الديكتاتوري تتنوع، لكن أغلب الديكتاتوريات لا تبدأ بالانقلاب الكامل عن نظم ديمقراطية قائمة، بل على العكس، تتطور من داخل بنى سياسية قائمة بالفعل. وبهذا التصنيف، يمكن القول إن محاولة الرئيس الكوري "يون سوك يول" فرض الأحكام العرفية تمثل الخطوة الأولى من الانقلاب العسكري.
لكن ما أضعف محاولة "يول" لم يكن الوعي الشعبي حديث التجربة بالحكم العسكري فحسب، بل وجود مؤسسات قوية وحس وطني عالٍ جعل النواب المنتمين إلى حزب الرئيس يصوتون لرفض الأحكام العرفية التي أعلنها. كذلك يمكن القول إن التراجع السريع عن القرار بفرض الأحكام العرفية يشير إلى أن الإعداد لهذه الخطوة لم يكن قد تم بكفاءة، فلم يكن الرئيس الكوري قد أمّن دعما لقراراته من داخل الحكومة أو حتى الجيش، إلا في نطاق محدود للغاية، وهو ما أدى بوزير الدفاع الكوري للاستقالة خلال أقل من 36 ساعة بعد العودة عن القرارات.
إعلاناعتُقل وزير الدفاع المستقيل بعد أيام، ويوم الأربعاء 11 ديسمبر/كانون الأول أعلنت السلطات عن إنقاذه من محاولة قتل نفسه في زنزانته في الليلة السابقة.
وبالتزامن، اقتحمت قوات الشرطة مقر إقامة الرئيس لتفتيشه وسط مقاومة منه. ويوم السبت، الرابع عشر من ديسمبر/كانون الأول، أعلن يون سوك يول أنه سيتنحى عن منصبه كرئيس للبلاد بعد عزله من قبل البرلمان في وقت سابق اليوم، معربا عن شعوره بـ"إحباط شديد"، ودعا إلى إنهاء "سياسة المواجهة".
يخبرنا السيناريو الكوري أنه كان على الرئيس أن يضمن ولاء عدد مؤثر من أفراد النخبة العسكرية والسياسية في البلاد، فلم يكن بإمكان الرئيس إقناع مؤيديه بأن منفعتهم المباشرة ستتحقق بفرض الأحكام العرفية. فالرئيس هو الخاسر الأكبر من التململ الشعبي، وحتى حزبه لم يرَ مصلحة في الحفاظ على قراره، ولم يكن ممكنا حشد المزيد من الدعم في الوقت الذي يلام فيه الرئيس على التسبب بما يعاني منه الكوريون من مصاعب اقتصادية وإضرابات طويلة شملت قطاعات مختلفة أهمها القطاع الطبي.
فكما تقول أدبيات العلاقات المدنية العسكرية، لا يمكن لانقلاب عسكري أن ينجح من غير تأييد من الجيش أو قطاع معتبر منه، وهو ما لم يتحقق في حالة كوريا الجنوبية. وكوريا الجنوبية ليست استثناء، فقد أفشل الأرجنتيون محاولة مماثلة في الثمانينيات، وأفشل الروس انقلابا آخر كان يحاول بث نفخة أخيرة من الحياة في الاتحاد السوفياتي، ونتذكر جميعًا كيف أفشل الأتراك محاولة انقلاب عسكري في يوليو/تموز 2016.
ورغم الاختلافات الكثيرة والفوارق الزمنية والمكانية بين محاولات الانقلاب الفاشلة تلك، تظل العديد من العوامل مشتركة بين التجارب، بما يشير إلى الطريقة الناجعة في مواجهة الانقلابات العسكرية، خاصة لوأدها في مهدها إن صح التعبير.
في الأرجنتين، عام 1987 حاول ضابط في سلاح الجو الانقلاب على الحكومة المنتخبة التي سعت إلى إخضاع العسكر للإدارة المدنية ومحاكمة الضباط الذين تسببوا في انتهاكات بالغة خلال فترة الديكتاتورية العسكرية. لكن الرفض الشعبي، والذي بدأ فقط بتظاهر 500 مدني تحركوا إلى القاعدة العسكرية التي أدار منها الضابط محاولة الانقلاب، أدى في النهاية لإفشال المحاولة. اقتحم المدنيون القاعدة العسكرية هاتفين للديمقراطية، وهو ما شجع الأرجنتينيين على الخروج دعمًا للحكومة المدنية التي كانت تفاوض على الرحيل.
إعلانخلال وقت قصير، خرج أكثر من 400 ألف أرجنتيني إلى شوارع بيونس آيرس، وتعاضدت جهود المجتمع المدني والكنيسة الكاثوليكية ومؤسسات الدولة، ليصل الأمر إلى أن يحاصر عسكريون مؤيدون للديمقراطية القاعدة العسكرية، من غير أن تشتبك أو تطلق النار على منفذي محاولة الانقلاب. انتهى الأمر باستسلام المنقلبين وإعادة الديمقراطية إلى مسارها في البلاد.
وهذا ما حدث في روسيا أيضا، ففي محاولة أخيرة من الشيوعيين السوفيات لإنقاذ الاتحاد السوفياتي من التفكك تحت قيادة ميخائيل غورباتشوف، نفذ ضباط محاولة انقلاب في أغسطس/آب عام 1981، حينها وضع الضباط الرئيس قيد الإقامة الجبرية وحاولوا السيطرة على موسكو، لكن بسبب الحراك الشعبي الرافض للانقلاب أُفشلت المحاولة بعد 3 أيام فحسب، بمقتل 3 أشخاص فقط.
مواطن تركي يسير مع طفله للمشاركة في الاحتفال في الذكرى الأولى لإفشال محاولة الانقلاب العسكري (الأناضول)
فعلى سبيل المثال، في عام 2016 شهدت تركيا محاولة انقلاب قادها ضباط وعسكريون وشارك فيها مدنيون تابعون لحركة الداعية التركي فتح الله غولن. وعلى الرغم من وجود دوافع مصلحية وسياسية وفكرية وراء محاولة الانقلاب، لم تنجح لأسباب تشبه كثيرا أسباب كوريا الجنوبية. إذ يذكر هذا الجيل من الأتراك كيف أنه في عام 1980 شهدت تركيا انقلابا عسكريا دمويا تسبب في مقتل الآلاف وإعدام المئات وسجن عشرات الآلاف وإغلاق المجال العام في تركيا لفترة طويلة. لم ينس الأتراك، إلى حد أنه في عام 2014، صدر حكم بالسجن المؤبد على زعيم الانقلاب والرئيس لـ3 سنوات بعده، كنعان إيفرين، والذي كان يبلغ 96 عاما حينها. لم ينس الأتراك، وتعلموا أن الانقلابات العسكرية التي أطاحت بـ4 حكومات منتخبة ديمقراطيا في تركيا بين عامي 1960 و1997 لم تأتِ إلا بالضرر الكبير على البلاد.
إعلانلذلك، استطاع المواطنون الأتراك أن يجدوا في أنفسهم الشجاعة الكافية للتصدي لمحاولة الانقلاب والتي أدت لمقتل قرابة 250 مواطنا بين عسكري ومدني دفاعا عن حق الشعب التركي في الحرية والديمقراطية. إن إفشال الانقلابات العسكرية ممكن، والتجربة التاريخية لسوء الأحوال، من تدهور اقتصادي وفساد اجتماعي وتكلس سياسي وضعف على الساحة الدولية نتيجة سيطرة العسكريين على مقاليد الأمور، تعزز من الرغبة الشعبية في تغيير أوضاع بلادهم نحو الأفضل.
إذا كان هناك عامل مشترك رئيس في التجارب الثلاثة، وفي تجربة كوريا الجنوبية بالطبع، فهو الشعب الذي تفاعل مع الحدث بما يليق باللحظة التاريخية، ثم تلعب عوامل أخرى أدوارا، مثل غياب قيادة واضحة للانقلاب، أو قوة مؤسسات الدولة. لكن يبقى البطل الحقيقي في كل هذه القصص هو المواطن والمواطنة اللذان وقفا أمام الدبابة مستعدين للتضحية بحياتهم من أجل ألا تُسلب منهم الحرية.