تعيد الذكرى السنوية الثانية لرحيل آخر جندي أمريكي من أفغانستان، إلى الأذهان النهاية الفوضوية لحرب دامت نحو 20 عاماً، حيث أن الانسحاب كان كارثياً، على حد تعبير مسؤولين أمريكيين وغربيين.

وبعد عامين على صعود طالبان إلى السلطة في أفغانستان، لا يزال الانسحاب الفوضوي الأمريكي، يشكّل أحد أبرز إخفاقات بايدن، بعدما فشل في استثمار الحدث الذي مهّد له سلفه الجمهوري دونالد ترامب، لصالح الديمقراطيين.

وأشارت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير لها عن الذكرى الثانية للانسحاب الأمريكي "الفوضوي" من أفغانستان، إلى تحذيرات  المراقبين الدوليين من انتهاكات حقوق الإنسان في أفغانستان، بعد سيطرة طالبان على مقاليد الحكم في  أغسطس (آب) 2021، بما في ذلك التراجع الكبير في حقوق المرأة والفتيات، والأعمال الانتقامية التي تستهدف المعارضين والمنتقدين، والاعتداءات على الأقليات وتضييق الخناق على وسائل الإعلام،

وانتهت الحرب التي تعد الأطول في تاريخ الولايات المتحدة، في الـ30 من أغسطس (آب) 2021، مع إقلاع آخر طائرة نقل عسكرية أمريكية من مطار كابول الدولي، في حين لاتزال  أفغانستان تعاني من الفوضى  وتتخبط في مشاكل إنسانية واقتصادية خانقة. 

وفي ظل عدم الاعتراف الدولي بحركة طالبان كحكام شرعيين، حذر خبراء الأمم المتحدة من أزمة حقوق الإنسان المتفاقمة التي تواجهها أفغانستان تحت قيادة  "طالبان" والتي تنذر بالتحول إلى حالة الاستبداد.

وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى تقارير خبراء من الأمم المتحدة، تفيد بأن الحركة انخرطت في انتهاكات صادمة لحقوق الإنسان بالبلاد، في مجالات عدة أبرزها التعليم والعمل وحرية التعبير.

ونتيجة لذلك، استبعد مسؤولون في إدارة بايدن احتمال موافقتهم على مطالب طالبان بالاعتراف الدولي وتخفيف العقوبات والوصول إلى مليارات الدولارات من الأصول المجمدة في الولايات المتحدة.

وبالرغم من ذلك، فإن بعض المحللين والمسؤولين الأمريكيين، لا يزال لديهم الأمل في أن تكون حركة طالبان قد غيرت من نهجها السابق، أو أنها على الأقل ستقدم تنازلات للمطالب الغربية بشأن حقوق الإنسان لكسب الاعتراف الدبلوماسي أو المساعدات الاقتصادية في ظل معاناة البلاد من أزمة إنسانية متفاقمة، بحسب "نيويورك تايمز".

وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة الأفغانية المؤقتة التابعة لحركة طالبان، رفضت تقارير الأمم المتحدة التي تقول إن "كابول قتلت وعذبت مئات الأشخاص منذ استلامها السلطة".

Two Years After Afghanistan Exit, Biden Resists Calls for More Taliban Contact https://t.co/deSHP1nRas

— Jeffrey Levin ???????? (@jilevin) August 31, 2023

وبحسب الصحيفة، فاجأت بعض الجوانب الإيجابية في حكم طالبان لأفغانستان، المسؤولين الأمريكيين، حيث أنه لم تتحقق مخاوفهم من نشوب حرب أهلية، حيث اتخذت الحركة إجراءات صارمة ضد الفساد وحظرت زراعة الحشيش المخدر، بالرغم من أنه لم يتضح بعد مدى صرامة تطبيق هذا الحظر.

ويقول محللون سياسيون أمريكيون إن شعبية الرئيس بايدن تراجعت بعد الانسحاب الفوضوي من أفغانستان،  مما يهدد فرصه بالفوز في السباق الانتخابي 2024.

وفي ذكرى السنوية الثانية على الانسحاب، تعهد بايدن مساء أمس الأربعاء، بمواصلة حماية الولايات المتحدة من "التهديدات الإرهابية" في أفغانستان وجميع أنحاء العالم، دون "وجود دائم للقوات على الأرض".

وبهذا الخصوص، قالت الصحيفة الأمريكية إن "قادة طالبان يحظون الآن بدعم من واشنطن، لأن الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها كان يتمثل بعودة علاقات قوية بين طالبان وتنظيم القاعدة الإرهابي".

وقال بايدن في بيان نشره البيت الأبيض، أمس: "قبل عامين، أنهت الولايات المتحدة قرابة عقدين من الحرب في أفغانستان، وهي أطول حرب في التاريخ الأمريكي"، مضيفاً "لقد برهنا أننا لا نحتاج إلى وجود دائم للقوات على الأرض يتعرضون للخطر، حتى نتمكن من اتخاذ إجراءات ضد الإرهابيين، وأولئك الذين يرغبون في إلحاق الضرر بنا".

وأشار إلى أن الحلفاء الأفغان "كما ساهموا في مهمتنا في أفغانستان لمدة 20 عاماً، فإنهم يقدمون الآن إسهامات ضخمة في جميع أنحاء بلادنا. وكما وقفوا إلى جانبنا، فإنني أظل ملتزماً بالوقوف إلى جانبهم، بما في ذلك حض الكونغرس على إقرار مشروع قانون التكيف الأفغاني حتى يمكننا توفير مسار لإضفاء وضع قانوني دائم لأصدقائنا وجيراننا الأفغان".

ويقول المحلل لدى مجموعة الأزمات الدولية  والمختص بالشأن الأفغاني غرايم سميث، بحسب الصحيفة:  "يحتاج العالم إلى التفكير ملياً فيما يحاول تحقيقه في أفغانستان هذه الأيام، ومعظم الأشياء التي نريد القيام بها تتطلب العمل مع طالبان".

وكان المحلل  السياسي، شدد في  مقال لمجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، على ضرورة أن تعمل الأطراف الإقليمية وكذا الحكومات والمؤسسات الغربية على إقامة علاقات "عمليّة" أكثر مع طالبان، وذلك من أجل ملايين الأفغان.

وتطرق المقال إلى مجالات التعاون العديدة التي تتيح للعالم التعامل مع حكومة طالبان دون الحاجة للاعتراف الدبلوماسي الرسمي بها، مثل مشروعات تشييد الطرق السريعة والسكك الحديدية للتواصل التجاري مع دول جنوب آسيا. وهناك أيضا مشاريع المياه، حيث دمرت عقود من الحرب البنية التحتية للبلاد، وأعاقت التنمية.

ودعا المختص في الشأن الأفغاني، بايدن حال فوزه في الانتخابات الأمريكية المقبلة إلى العمل على حلول عملية بشأن الوضع المتأزم في أفغانستان.

وخلص المقال إلى أن الحلول الإقليمية الجزئية قد توفر نموذجاً للأطراف الدولية الفاعلة لكيفية التعامل مع حركة طالبان على المدى القصير.

ويقول قادة طالبان: إن "السياسات الأمريكية تؤدي إلى تفاقم المعاناة في أفغانستان، لأن العقوبات الأمريكية طويلة الأمد ضد قادة طالبان تقلل من فرص الاستثمار الأجنبي والتجارة في البلاد، كما أنهم ما زالوا يصرون على أن الولايات المتحدة ليس لها الحق في الاحتفاظ بأصول بقيمة 7 مليارات دولار أودعها أسلافهم في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك.

وفي العام الماضي، وجه بايدن إلى تحويل نصف هذه الأموال إلى صندوق لتلبية الاحتياجات الإنسانية لشعب أفغانستان.

وعلى مدى العاميين الماضيين، تجري إدارة بايدن بعض الاتصالات مع ممثلي طالبان،  ففي أواخر الشهر الماضي، سافر الممثل الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية  لأفغانستان، توماس ويست ، إلى العاصمة القطرية الدوحة، لحضور عدة اجتماعات مع مسؤولي طالبان.

وآنذاك، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية،  بياناً بشأن تلك الاجتماعات، منتقدةً حركة طالبان و"تدهور وضع حقوق الإنسان في أفغانستان، خاصة بالنسبة للنساء والفتيات والجماعات الدينية والأقليات"، وقال البيان إن "المسؤولين الأمريكيين أعربوا عن قلقهم البالغ بشأن الاعتقالات وقمع وسائل الإعلام والقيود المفروضة على الممارسات الدينية". 

ولكن بيان الخارجية الأمريكية، أشار أيضاً إلى الجوانب الإيجابية في حكم الحركة للبلاد، حيث عملت طالبان على انخفاض إنتاج خشخاش الأفيون، فيما كانت المؤشرات الاقتصادية وجهود مكافحة الإرهاب واعدة، لافتاً  أيضاً إلى احتمالية تحقيق المزيد من التعاون.

وفي اجتماع مع المسؤولين الماليين والمصرفيين في الحكومة الأفغانية، أعرب توماس ويست وفريقه "عن انفتاحهم على حوار فني بشأن قضايا الاستقرار الاقتصادي في أفغانستان قريباً".

مسؤولان أمريكيان يلتقيان وفداً من #طالبان في الدوحة https://t.co/y7UgHhesrB

— 24.ae (@20fourMedia) July 26, 2023

وتعليقاً على بيان الخارجية الأمريكية أمس، قالت الصحيفة إنه "عندما يتعلق الأمر بالتعاون ضد الإرهاب، فإن بعض المسؤولين والمحللين ما زالوا يشعرون بعدم الثقة في طالبان إلى حد كبير، حيث أنهم يشعرون بالقلق من أن الحركة عملت على احتواء خطر تنظيم القاعدة فقط على المدى القصير لتتجنب استفزاز الولايات المتحدة."

وتقاتل حركة طالبان أيضاً تنظيم داعش، لكن بعض المحللين أعربوا عن عدم قلقهم من تحالف الطرفين،  مؤكدين أن "داعش يتحدى طالبان علناً، مما يجعل من الواضح أن القضاء على إرهابيي داعش يخدم مصلحة الحركة".

وفي يوليو (تموز)، صرحت ليزا كورتيس المستشارة السابقة للبيت الأبيض المكلفة بشؤون وسط وجنوب آسيا في عهد دونالد ترامب، بهذا الشأن، أن السعي لإشراك طالبان في القضاء على الإرهاب مع تجاهل ما يفعلونه بالنساء هو "خطأ".

ومنذ عودة طالبان إلى الحكم، عاودت الحركة تطبيق تفسيرها الصارم للشريعة الإسلامية، ومنعت النساء من الذهاب إلى المدارس الثانوية والجامعات كما حظّرت عليهنّ العمل في المؤسسات الحكومية ومع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية.

وفي إبريل (نيسان)، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل إن "أي نوع من الاعتراف بطالبان ليس مطروحاً على الطاولة إطلاقاً".

وبدوره، دعا زلماي خليل زاده، الذي شغل منصب مبعوث الرئيس الأمريكي السابق ترامب إلى طالبان، كما كان مفاوضاً على خطة سحب القوات الأمريكية التي ورثها بايدن، إلى تغيير سياسة الولايات المتحدة، مضيفاً "كنا نتمنى أن تنتهي المشكلة".

وخليل زاده، هو من بين الذين يقولون إن "حركة طالبان أظهرت بعض ضبط النفس، مقارنة بأسوأ التوقعات"، لافتاً إلى أن الكثيرين كانوا يعتقدون بأن   الأمور في أفغانستان كانت ستكون أسوأ بكثير مما هي عليه الآن، وأنه سيكون هناك المزيد من الإرهاب، والمزيد من اللاجئين، وأنه سيكون هناك إراقة دماء على نطاق أوسع بكثير".

وفي الشهر الماضي، نشر رئيس لجنة الدفاع في مجلس العموم البريطاني، ووزير شؤون الدفاع السابق، توبياس إلوود، مقطع فيديو له من أفغانستان  دعا فيه  المملكة المتحدة إلى إعادة التواصل مع طالبان وإعادة فتح سفارتها في كابول، بحجة أن أمن البلاد "تحسن بشكل كبير" منذ عودة طالبان إلى السلطة،  وقال: "هذا بلد مختلف تمامًا بالفعل - إنه شعور مختلف الآن منذ عودة طالبان إلى السلطة".

كما وجه إلوود، الذي خدم سابقًا في الجيش، انتقادات عندما قال: "الصراخ من بعيد لن يحسن حقوق المرأة"، مضيفاً "استراتيجيتنا الحالية في الصراخ من بعيد، بعد التخلي المفاجئ عن أفغانستان في عام 2021، لا تنجح".

وأردف: "كانت دعوتي البسيطة للعمل هي إعادة فتح سفارتنا مرة أخرى واتباع استراتيجية أكثر مباشرة لمساعدة 40 مليون شخص تركناهم".


ولكن بعد إدانته على نطاق واسع، قام بحذف الفيديو  من على منصة "إكس (تويتر سابقاً) ويواجه الآن تصويتًا بحجب الثقة عن رئاسته للجنة الدفاع في مجلس العموم.

Tory MP Tobias Ellwood has again urged the Government to rethink its strategy on #Afghanistan two years on from the Taliban takeover.

He said the UK should not abandon the people of Afghanistan, as he reiterated his call for ministers to reconsider engagement with the regime. pic.twitter.com/IUtmiDFZ27

— London Live (@LondonLive) August 16, 2023

ويظل منح الولايات المتحدة، أي ضمان  باعتراف شرعي لحكم طالبان في أفغانستان، إلى الآن من أبرز القضايا المثيرة للجدل بشكل كبير، وفق الصحيفة.

كيف أصبحت #أفغانستان بعد عامين على عودة #طالبان؟#تقارير24 https://t.co/r3xrNFYfyI pic.twitter.com/jVljgSMQex

— 24.ae (@20fourMedia) August 28, 2023

 

 

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني طالبان أفغانستان الانسحاب الأمريكي من أفغانستان واشنطن الخارجیة الأمریکیة الولایات المتحدة الأمم المتحدة فی أفغانستان حقوق الإنسان من أفغانستان حرکة طالبان طالبان إلى إلى أن

إقرأ أيضاً:

العرب في مصيدة الانتخابات الأمريكية

تقوم الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط على ثلاث ركائز: الالتزام المطلق بدعم إسرائيل في كل الظروف والمواقف، والتحالف مع صناعة النفط في الخليج، والعداء المزمن لإيران. أُضيف لهذه العوامل في وقت لاحق غير بعيد موضوع الجماعات الجهادية وانتشارها في المنطقة وزعمها تهديد الوجود الأمريكي. ورغم الاستثمار الكبير، من حيث الموارد والتجنيد والدعاية، لم يرقَ موضوع الإرهاب والجهاديين إلى أن يصبح ركيزة رابعة ثابتة للهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط.

تتداخل هذه الركائز فتعزز إحداهما الأخرى لتُبقي الولايات المتحدة حبيسة مأزق عسكري واستراتيجي دائم في المنطقة بشكل يجعل الوجود الأمريكي فيها عامل توتر وتأزم أكثر منه عامل أمن وطمأنة.

في وقت من الأوقات قد يتراجع حضور إحدى الركائز الثلاث مقارنة بالاثنتين الأخريين، لكن لا يمكن أن يأفل حضور كل الركائز في وقت واحد بحيث يعطي الانطباع بأن الفراغ غالب وبأن الولايات المتحدة باتت غائبة أو بلا تأثير.

حتى مع الانسحاب من العراق في عهد الرئيس باراك أوباما ومن أفغانستان في عهد بايدن، وبينهما سعي ترامب لسحب بلاده من التزاماتها الدولية، القانونية والسياسية، عجزت الولايات المتحدة عن التواري كليا. كل ما حدث كان مجرد إعادة انتشار تكتيكي وظرفي.

تدفع مجمعات الصناعة الحربية الأمريكية السياسيين والمشرِّعين في واشنطن إلى إبقاء جذوة الحضور مشتعلة، ونُذر التوتر قائمة بشكل يجعل الولايات المتحدة ضرورة لا غنى عنها.

هناك طرف آخر لا يقل حرصه على الوجود الأمريكي، ومن ورائه إبقاء جذوة التوتر مشتعلة ونُذر الحرب قائمة، عن حرص مجمعات التصنيع الحربي: إسرائيل واللوبيات الداعمة لها.
تدفع إسرائيل في كثير من الأحيان نحو صراع أمريكي مع إيران بأي شكل من الأشكال
تدفع إسرائيل في كثير من الأحيان نحو صراع أمريكي مع إيران بأي شكل من الأشكال.. سياسي، دبلوماسي، عسكري، استراتيجي، ولو اجتمعت كل هذه الأشكال في وقت واحد سيكون ذلك بمثابة الجائزة الكبرى. أكثر ما تخشاه إسرائيل أنه في غياب عداوة تقترب من المواجهة المسلحة بين الولايات المتحدة وإيران، قد يبدأ الأمريكيون في التساؤل عما إذا كانت بلادهم في حاجة فعلا إلى تحالف مع إسرائيل.

حضر الشرق الأوسط في المناظرة الرئاسية بين المرشحين دونالد ترامب وكمالا هاريس الأسبوع الماضي. لكنه حضور بريكزتين فقط، إسرائيل وإيران وتغييب واضح لركيزة الصناعة النفطية الخليجية. بينما اختفى موضوع الإرهاب والجهاديين تماما، كما كان منتظرا.

لا يعني هذا «التغييب» أيّ تغيير استراتيجي في المقاربة الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط والخليج بعد الانتخابات المقبلة، أيًّا كان الفائز فيها.

بالعكس، ستكون الاستمرارية هي المحرّك الأساسي. لقد حاول الرئيس بايدن البناء على «الاتفاقيات الإبراهيمية» التي ورثها عن سلفه ترامب بجر السعودية إليها، لكنه فشل لأسباب أقوى منه.

وستواصل هاريس المحاولة بكل قواها على الرغم من أن ترامب هو صاحب الاتفاقيات المذكورة. ومن نافلة القول إن ترامب نفسه سيجعل منها ورقته الأساسية في التعاطي مع الشرق الأوسط وأزماته.

طبيعة السياسة الأمريكية، التي منحت بموجبها واشنطن لنفسها صفة شرطي العالم، وتداخل مصالحها في كل زاوية من زوايا الكرة الأرضية، ثم بروز المنافسة الصينية والإزعاج الروسي، كلها عوامل تجعل واشنطن في حاجة للجميع وتستعمل الجميع لخدمة مصالحها.

وعلى الرغم من أن المنطقة مقسَّمة تلقائيا إلى مجموعات أو فضاءات متجانسة إلى حد كبير، إلا أن المخططين في واشنطن متمسكون بالتعامل معها فرادى ووحدات.

ضمن هذا المنطق تعمل واشنطن على الحفاظ على علاقات طيبة مع السعودية بحكم التحالف الاستراتيجي الذي عمره أكثر من سبعة عقود، وبحكم أن المملكة منبع النفط العالمي.

وإذا أُضيف لهذين العاملين موضوع التطبيع المحتمل بين السعودية وإسرائيل، يصبح من ضروب المستحيل تقريبا أن تتخلى واشنطن عن الرياض.

وتحتاج الولايات المتحدة لدولة الإمارات كقوة إقليمية مؤثرة استراتيجيا واقتصاديا تُحقق لها بطرقها الخاصة ما لا تستطيع تحقيقه بالطرق التقليدية. إضافة إلى أن أبوظبي أحد أكبر زبائن السلاح بطموح كبير وموارد هائلة تتفوق بكثير على بقية الزبائن.

وتحتاج الولايات المتحدة للحفاظ على علاقات مع قطر بسبب قاعدة «العديد» العسكرية والحاجة إليها في موضوع الوساطات إقليميا ودوليا.

والحال نفسه يتكرر تقريبا في العلاقة مع عُمان التي تلعب أدوارا دبلوماسية فعَّالة بقدر ما هي هادئة، وتروق لصانع القرار في واشنطن. كما تحتاج الولايات المتحدة لعلاقات قوية مع الأردن رغم صغر حجمه وتأثيره في المنطقة الذي يبدو للبعيد ثانويا، مع مصر هناك حاجة لواشنطن لتأمين علاقات طبيعية في حدها الأدنى لأن العلاقات المصرية الأمريكية تعجز عن أن ترتقي إلى درجة التميّز، وفي الوقت نفسه لا يجب أن تتدهور أو تنقطع.

رغم أن انتخابات 2024 ستجري في سياق شرق أوسطي مختلف تماما عنوانه حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على سكان غزة، واحتمالات اشتعال المنطقة برمتها، كانت المناظرة بين ترامب وهاريس فرصة للمرشحَين لتأكيد تشابه سياساتهما (وسياسات جميع المرشحين، سابقا ولاحقا) بشكل كبير عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط وإسرائيل والحاجة الملحة للحفاظ على الوضع القائم.

كرَّست المناظرة الأخيرة المعروف في المقاربة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. كل ما يستطيعه بعض المرشحين، وفي حالات محددة، طرح سردية تعطي الانطباع بالتمرد عن المألوف، ثم تتوقف عند سقف معيّن. النموذج عن ذلك في انتخابات 2024 المرشحة كمالا هاريس وحديثها عن معاناة المدنيين في غزة وضرورة أن تتوقف الحرب فورا.

هذا أقصى ما تستطيعه. وقبلها باراك أوباما وبدرجة أقل بيل كلينتون. لكن بعد الكلام نصف المعسول تتواصل شحنات السلاح لإسرائيل من قنابل خارقة للتحصينات وصواريخ موجهة وغير ذلك. وتتواصل المساعدة الاستخبارية التي تجعل الولايات المتحدة شريكة رئيسية في حرب الإبادة على غزة.

القدس العربي

مقالات مشابهة

  • زيلينسكي في واشنطن الأسبوع المقبل.. محادثات مع بايدن الكونجرس حول الحرب
  • ماذا سيبحث مع بايدن؟.. بن زايد في أول زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة منذ توليه رئاسة الإمارات
  • الولايات المتحدة تنفي مشاركتها بتفجيرات لبنان.. لن نقدم تفاصيل أكثر
  • البيت الأبيض: الولايات المتحدة لم تشارك في الهجمات التي شهدها لبنان أمس واليوم
  • الخارجية الأمريكية: الولايات المتحدة لم تنسق مع إسرائيل لتنفيذ تفجيرات لبنان
  • ثورة بنغلادش تلجأ إلى الولايات المتحدة لـإعادة بناء البلاد
  • ترامب: سنستعيد كل ما تركه بايدن في أفغانستان خلال الانسحاب
  • الولايات المتحدة تعلن اكتمال انسحابها من النيجر
  • العرب في مصيدة الانتخابات الأمريكية
  • واشنطن: الولايات المتحدة ليست مستعدة لرفع القيود المفروضة على أوكرانيا