نور على نور
د. #هاشم_غرايبه
#الخير و #الشر هما تعبيران متقابلان يدلان على أمر فيه نفع أو يلحق ضررا، وهما منتجان مباشران لأعمال #الإنسان، فكل ما عداه في الأرض من كائنات حية أو جمادات، لا تعمل إلا ما هي خلقت لأجله، ولا تحيد عنه قيد أنملة.
فحتى #الكوارث الطبيعية، لا تحدث جزافا، فهي مقدرة ومنضبطة بقوانين قد يفهم الإنسان بعضها، وقد لا يعلم عن كنهها الا القليل، وعدم معرفته هذه لا تعني أنها تحدث عشوائية.
أما الحيوانات فهي منضبطة بالفطرة التي خلقت عليها، فلا يمكن أن تجد حيوانا آكل عشب يأكل حيوانا آخر، وحتى المفترسات، كل محدد بطرائد محددة، ولا يمكن أن تجد مثلا أسدا شريرا وآخر خيّرا، فكلها رغم قدرتها على قتل أي حيوان آخر، لا تقتل لأجل القتل، بل لسد الجوع فقط.
إذا فأعمال الخير أو الشر تطلق على أعمال البشر، لأن لديهم القدرة على الإختيار، لذلك جعل الله أعمالهم مراقبة من قبله، وجعل اليوم الآخر للمحاسبة والجزاء واستعادة الحقوق.
أخوف ما يخافه الإنسان، أن يأتي يوم القيامة ورصيد حسابه خاسر، لأن أعماله الشريرة زادت عن الخيّرة، فعندها تكون الندامة حين لات مندم.
لقد جاء الدين لينجي الإنسان من هذا المصير، فعرّف الشرور وفصّل فيها، فقسم أعمال الإنسان بحسب ما يكسبه من أجر عليها، وسماها الحسنات، وأما ما يكتسبه من عقاب عليها فسماها السيئات.
واجتهد الفقهاء في تقسيم السيئات الى درجات بحسب ما فهموه من كتاب الله، فقالوا إن الفرق بين الذنب والإثم: أن الذنب مطلق الجرم -عمداً أو سهواً- بخلاف الإثم، فهو اكتساب مقصود.
وأما الفرق بين الإثم والوزر فهو وصفي، إذ أن الوزر وضع للقوة، لأنه من الإزار وهو ما يقوي الإنسان ومنه الوزير، ووضع الإثم للذة، لأن ارتكاب المعصية التي نهى الله عنها، لا تكون إلا استجابة لمغريات الشهوات اللذيذة.
وأما المعصية والذنب فهما بذات الدلالة، لأنهما اسم لفعل محرم يقصد المرء بفعل الحرام الوقوع فيه.
وبالنسبة للخطيئة، فإذا كانت عمداً، فإنها تطابق الإثم لأنه لا يكون إلا عن عمد.
وأما الفاحشة فهي ما عظم فيه من الأقوال والأفعال، وتطلق الفاحشة على الزنا كناية وليس قصرا وتحديدا، لقوله تعالى: “وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ” [].
الكبائر هي ما عظم من الذنوب، وقد حددها الفقهاء أنها كل ذنب يستوجب إقامة الحد مثل الزنا والسرقة وخيانة الأوطان.
والموبقات تعني المهلكات، وهي الأعظم من بينها، وحددها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإسم لخطورتها فقال: “اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: “الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات”.
خطورة الإثم واسعة، لأنه في كثير من الأحيان لا يقتصر ضرره على من اكتسبه، بل على غيره، فإن اقتدى بفعلته غيره، فالوزر يقع على الاثنين، وإن أذاع به من علمه فهو غيبة لأخيه العاصي، وإن زاد عليه فقد بهته، وإن زين فعلته أو دافع عنه فقد اكتسب نصيبا من الإثم ولو لم يفعله بذاته.
لذلك فانتشار المعاصي في مجتمع ينذر بهلاكه، ولا منجى إلا بفعل مضاد هو الإصلاح، فوجود المصلحين أنفع للمجتمع من الصالحين ولو كثروا، لأن الصالح قد ينجو بشخصه من غضب الله، ولا يناله إثم غيره إن أنكره وتبرأ ممن فعله، لكن المصلح ينجو بنفسه وينجي غيره ممن انتفع منه.
في مجتمعاتنا المعاصرة التي تنكبت منهج الله وحكّمت في ديار الإسلام منهج أعدائه، عظمت الفتن وتعددت سبل الفساد، فمن يحرص على أن يلاقي الله بقلب سليم، عليه أن يضمن أمرين:
1 – أن يحرص على أن ينجي نفسه من آثام لم يعملها، لكنه استحقها بتأييده لها، مثل من يسكتون عن قول الحق، أو يؤيدون الطغاة الذين أجرموا بحق المسلمين، بغض النظر عن الذريعة التي تذرعوا بها.
2 – أن يكون المؤمن مصلحا في المجال المتاح له مهما صغر، من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
هذه هي عناصر الاستقامة التي نصح الله عباده المؤمنين بها، لذلك فهذا النصح لا ينفع إلا من خشي ربه. مقالات ذات صلة
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الخير الشر الإنسان الكوارث
إقرأ أيضاً:
شيخ الأزهر: حفظ الله يشمل كل الناس المطيعون منهم والعصاة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، إن حفظ الله لعباده، المستمد من اسمه "الحفيظ"، يشمل كل الناس، مطيعون لله كانوا أو عصاة، فالإنسان وهو يعصي الله محفوظ، وعادة ما تجد أن العصاة أو الخارجين على حدود الله لديهم نعم أكثر، مما يدل على أن هذه النعم ليست شيئا في الحسبان الإلهي، وأن الدنيا للمطيع وللعاصي، فالله تعالى يمهل العاصي، ليس تربصًا به ولكن لعله يتوب أو يرجع، وفي كل شيء تجد تطبيقًا عمليًا لقوله تعالى في الحديث القدسي: " إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبي".
وبيِن الإمام الطيب، خلال حديثه اليوم بثامن حلقات برنامجه الرمضاني «الإمام الطيب» لعام 2025، أن لاسم الله "الحفيظ" معنيان، الأول هو الضبط، ومعناه ضد النسيان أو السهو، فيقال "فلان حافظ للقرآن عن ظهر قلب"، أي لا يمكن أن يخطئ في كلمة من كلماته، والمعنى الثاني هو "الحراسة"، من الضياع، ولا يكون ذلك إلا بحفظ من الله، لافتًا أن حفظ الله للأرض والسماء يعني الإمساك والتسخير، فهو تعالى يمسك السماء أن تقع على الأرض رحمة بعباده وحتى يتحقق لهم التسخير بالصورة الكاملة التي تفيد الإنسان وتعينه على أداء رسالته في هذه الحياة.
وأضاف شيخ الأزهر، أن حفظ الله تعالى يشمل كذلك القرآن الكريم، فهو سبحانه وتعالى الحافظ للقرآن الكريم من التحريف والتبديل والضياع، مصداقًا لقوله تعالى: " إنّا نَحْنُ نَزّلْنا الذّكْرَ وهو القرآن وإنّا لَهُ لحَافِظُونَ "، وهذا هو التأكيد الأكبر بأن القرآن لم يعبث به في حرف واحد، فقد وصلنا كما بلغه النبي "صلى الله عليه وسلم"، وهو بين يدينا كما قرئ بين يديه "صلى الله عليه وسلم" دون أي تحريف أو تغيير.
واختتم، أن الإنسان مطالب، بجانب حفظ الله تعالى له، أن يعمل هو على حفظ نفسه وعقله، فهما أهم ما لديه من نعم الله تعالى، فهو مطالب بحفظ نفسه من المعاصي ومن تصلب الشهوات، ومطالب أيضا بحفظ عقله من المعلومات والمحتويات الضارة، والتي منها على سبيل المثال، ما قد ينتج عنه التشكيك في الدين أو العقيدة، وبهذا يكون بإمكان الإنسان أن يحفظ نفسه وعقله.