لوموند تكشف خفايا "ثورة القصر" في الغابون
تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT
بعد ساعات قليلة من الإطاحة بعلي بونغو أونديمبا، الذي حكمت عائلته الغابون لمدة خمسة وخمسين عاماً، عين الجيش، يوم الأربعاء 30 أغسطس(آب)، رجلاً من الدائرة الداخلية لتولي مسؤولية الفترة الانتقالية. وقال جندي لقناة غابون 24 بحضور عشرات الضباط والجنرالات، إن "مبرايس عين بالإجماع رئيساً للمرحلة الانتقالية"
ليس وارداً بالنسبة إليه أن يطلب من الفرنسيين المغادرة
وعلى عكس الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، تقول صحيفة "لوموند" إن مبرر الانقلاي لا يمكن أن يكون أمنياً، في هذا البلد الغني بالنفط والمعادن والذي لم يشهد حرباً قط.
وعند وصوله إلى السلطة في عام 2009، بعد أربعة أشهر من وفاة والده عمر بونغو أونديمبا، الذي كان شخصية محورية في العلاقات الفرنسية الأفريقية لأكثر من ثلاثين عاماً، لم يتمكن علي بونغو قط من المطالبة بإجراء انتخابات منتظمة. ولكي يفوز في عام 2009 على أندريه مبا أوبام، وفي عام 2016 ضد جان بينغ، كان عليه أن يلجأ إلى التلاعب، وهو ما تم توثيقه على نطاق واسع منذ ذلك الحين، وإلى القمع.
Quelques heures après avoir renversé Ali Bongo Ondimba, dont la famille dirigeait depuis plus de cinquante ans le Gabon, les militaires ont nommé le général Oligui Nguema pour prendre la tête de la transition. https://t.co/FuxHhqIGPw
— Le Monde (@lemondefr) August 31, 2023
ولكن بعد التصويت الذي جرى يوم السبت، والذي كانت الغابون خلاله معزولة عن العالم، من دون شبكة إنترنت، ومن دون مراقبين أو صحافيين أجانب، بدا انقلاب النتائج لصالحها واضحاً للغاية. وأكدت المعارضة وكذلك جميع المراقبين المستقلين الذين تم الاتصال بهم حدوث "موجة عارمة" لصالح ألبرت أوندو أوسا، الذي حصل رسميًا على 30.77% من الأصوات، لكن نتيجته الحقيقية، وفقًا لمحاورينا، هي أقرب إلى 70%. ومنذ ذلك الحين، بدا الانقلاب العسكري في أعين الكثير من الشعب الغابوني بمثابة تحرير.
وفي ليبرفيل، العاصمة، كما هو الحال في العديد من البلدات، خرج الآلاف من الغابونيين إلى الشوارع، ولف بعضهم جسمه بالعلم الوطني، بينما غنى آخرون النشيد الوطني الغابوني، للتعبير عن فرحتهم لسقوط السلطة القائمة.
وقال أحد سكان منطقة بلين أوريتي، حيث بدا السكان غير مهتمين كثيراً بحظر التجول الذي تم تخفيضه من السابعة مساء إلى السادسة مساء: "يقولون إننا تحررنا أخيراً من هذا النظام الذي يخنقنا منذ خمسة وخمسين عاماً".
ووفقا لعدة مصادر، حاول الجنرال أوليغي نغيما، حتى قبل تنصيبه في مهامه الجديدة، طمأنة العديد من زعماء أفريقيا الوسطى والسفير الفرنسي في ليبرفيل إلى نواياه.
ونقلت "لوموند" عن مصدر مطلع قوله: "إنه رجل متزن ورصين. أخبرني أن الجيش لم يعد يريد أن يُستخدم لقتل الشعب الغابوني بعد كل انتخابات. وانقلاباته لا تتبع نفس المنطق الذي اتبعته الانقلابات في منطقة الساحل. ليس وارداً بالنسبة إليه أن يطلب من الفرنسيين المغادرة".
Au Gabon, le général Oligui Nguema prend la tête d’une « révolution de palais » https://t.co/aqXmqiCvuP
— Le Monde Afrique (@LeMonde_Afrique) August 31, 2023
وأضاف المصدر أنه يمكن أن يكون للجذور العرقية دور في الانقلاب. كان الضابط البالغ من العمر 48 عاماً والذي يتحدر من إتينة فانغ لناحية والده وتكه لجهة والدته، وهي قريبة الرئيس الراحل علي بونغو، قد أوضح أن "الجيش لم يعد قادراً على استبعاد الغالبية السيوسيولوجية للغابون".
ويشار إلى أن أندريه مبا أوبام، المرشح الذي لم ينجح في انتخابات عام 2009، وألبرت أوندو أوسا، الذي ترشح هذا العام، ينتميان إلى إتنية فانغ.
لكن العديد من المصادر الأخرى كانت بحسب "لوموند" أكثر حذراً بشأن دوافع المجلس العسكري الجديد، مشيرة إلى أن نغيما أقيل المرة الأولى على يد علي بونغو ، ثم عاد إلى منصبه في القصر عام 2019، حيث تم تعيينه لأول مرة رئيساً للمديرية العامة للخدمات الخاصة، وهي استخبارات الحرس الجمهوري، ليحل محل فريديريك بونغو، الأخ غير الشقيق للرئيس.
ولفت دبلوماسي من أفريقيا الوسطى إلى أن الضابط المتدرب خصوصاً في الأكاديمية العسكرية الملكية في مكناس بالمغرب هو "أحد أبناء النظام". ويواصل المصدر نفسه أن "الهدف من هذا الانقلاب هو حصر الأضرار ومواكبة وتيرة السكان". ولو خرج الناس إلى الشوارع، لاضطر الجنرال نغيما وجميع مسؤولي النظام إلى المغادرة.
وتنقل "لوموند" عن أحد المطلعين على أسرار السلطة الغابونية قوله إن هذا الانقلاب له طابع انتفاضة القصر"، موضحاً أن نغيما كان منذ أشهر في صراع مع زوجة رئيس الدولة المخلوع، سيلفيا، وابنهما نور الدين بونغو فالنتين الذي يكتسب قوة منذ إصابة علي بونغو أونديمبا بسكتة دماغية. وقال: "لقد اعتبر (نغيما) نفسه دائماً مخلصاً للرئيس، لا لزوجته وابنه اللذين حكما الغابون بالوكالة"، مضيفاً أن الولاية الثالثة التي سعى إليها علي بونغو لم يكن لها أي غرض آخر سوى إعداد ابنه لخلافته.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني
إقرأ أيضاً:
عامان من القتال.. كيف استعاد الجيش السوداني السيطرة على الخرطوم؟
قسمت استعادة الجيش السوداني غالب أجزاء العاصمة الخرطوم ظهر قوات الدعم السريع بعد أن كانت تتمدد في مفاصل العاصمة ومواقعها الإستراتيجية قرابة العامين. وكان وجودها في مواقع حساسة -بينها القصر الرئاسي ومباني الإذاعة والتلفزيون- بحكم المشاركة في تأمينها، قد أتاح لها الفرصة لتستولي عليها فور بدء القتال العنيف منتصف أبريل/نيسان 2023.
ويتفق خبراء عسكريون على أن استعادة الجيش القصر الرئاسي يوم 21 مارس/آذار الماضي مثلت الضربة الأقوى لقوات الدعم السريع، خاصة أن ذلك تحقق بعد نحو ستة أيام من إعلان قائد تلك القوات محمد حمدان دقلو "حميدتي" يوم 15 مارس/آذار الماضي أنهم لن يغادروا القصر، وستبقى قواته في المقرن وفي الخرطوم.
وظهر حميدتي وقتها لأول مرة مرتديًا الكدمول -غطاء الرأس- مع الزي العسكري، متحدثًا عن أن الدعم السريع قد تغير تمامًا وأصبح لديه تحالفات سياسية وعسكرية، مهددًا بأن القتال في الفترة المقبلة سيكون مختلفًا "ومن كل فج عميق". لكن الوقائع أثبتت أن قوات حميدتي لم تصمد أمام هجمات الجيش وحلفائه.
كثف الجيش السوداني والقوات المساندة له الحصار على الدعم السريع في الخرطوم منذ إطلاق الهجوم البري الواسع يوم 26 سبتمبر/أيلول 2024، وتمكن خلاله من الاستحواذ على رؤوس الجسور الرئيسية في شمال وغرب العاصمة، وهي جسر الحلفايا وجسر الفتيحاب وجسر النيل الأبيض الرابط بين أم درمان والخرطوم والموصل إلى منطقة المقرن القريبة من وسط الخرطوم، حيث دارت مواجهات شرسة امتدت لأسابيع طويلة.
إعلانبالتوازي مع ذلك، كان الجيش يحقق انتصارات متوالية في ولايات السودان الوسطى التي كانت خاضعة لقوات الدعم السريع، حيث تمكن من تحرير جبل موية بولاية سنار في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ليشكل هذا التقدم علامة فارقة في مسارح العمليات العسكرية المباشرة، تفككت بعدها قدرات الدعم السريع وقوته الصلبة، مع استعادة الجيش مدن الدندر والسوكي وسنجة عاصمة ولاية سنار وغيرها من المناطق، لتتراجع قوات الدعم السريع جنوبًا حتى حدود دولة جنوب السودان، وشمالًا نحو ولاية الجزيرة.
وبعد تحرير الجزء الأكبر من ولاية سنار، واصل الجيش تقدمه حتى تمكن من استعادة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، في يناير/كانون الثاني الماضي، وأعقب ذلك إبعاد قوات الدعم السريع من مدن وقرى الولاية، وصولًا إلى جسر سوبا شرقي الخرطوم.
ويقول قائد قوات العمل الخاص بمحور سنار فتح العليم الشوبلي للجزيرة نت إن اكتمال عملية تحرير الجزيرة أسهم في فرض حصار على الدعم السريع داخل الخرطوم، وكانت إحدى مفاتيح تحريرها.
ويضيف "القوات التي حررت الجزيرة هي التي أحكمت الخناق على الدعم السريع داخل الخرطوم ورفعت من وتيرة تحركات الجيش وتحرير مواقع كانت تحت سيطرة المليشيا، حيث تم تطويق الدعم السريع من ثلاثة محاور، وهي: شرق النيل (سوبا شرق)، وجنوب الخرطوم (الباقير)، ومحور جبل أولياء".
تضييق الخناق
بالتزامن مع تلك التحركات، ظلت قوات الجيش القادمة من أم درمان غربًا تتقدم ببطء بهجمات برية مسنودة بالطيران والمسيرات والقصف، حتى تمكنت من إنهاء قبضة الدعم السريع على الخرطوم بحري، وربط القوات مع سلاح الإشارة، ثم التقدم صوب مقر القيادة العامة بالخرطوم.
ومع تمكن الجيش من فك الحصار عن القيادة العامة، بدأ التحضير سريعًا لخطة تحرير القصر الرئاسي والوزارات المهمة التي تحيط به، وعلى رأسها الخارجية ومجلس الوزراء.
إعلانوبحسب مصدر عسكري من القوات المساندة للجيش تحدث للجزيرة نت، فإن قادة الجيش وضعوا خطة محكمة للسيطرة على وسط الخرطوم، الذي كان يتسم بخطورة كبيرة بحكم انتشار قناصة الدعم السريع في مبانيه العالية المحيطة بالقصر وحتى البعيدة نسبيًا عنه كقاعة الصداقة وبرج الفاتح، لافتًا إلى أن القناصة كانوا مزودين بأسلحة متطورة وصواريخ موجهة.
ويشير المصدر العسكري إلى أن القوات القادمة من أم درمان واجهت مقاومة شرسة في منطقة المقرن، وهي من المواقع الحاكمة في التوجه صوب القصر.
ويؤكد أن الجيش ومسانديه من القوات الأخرى فقدوا أعدادًا كبيرة من المقاتلين في هذه الجبهة، حيث تم استهدافهم على يد عناصر الدعم السريع بأسلحة القنص، ومع ذلك كان الإصرار متعاظمًا وسط قوات الجيش للتقدم، مسنودًا بقصف المسيرات والمدفعية، وفقما يقول.
المعركة الفاصلة
بعد الحصار المطبق على عناصر الدعم السريع وسط الخرطوم والقصر الرئاسي، لم تستسلم قوات الدعم السريع بسهولة، بل دفعت بقوات كبيرة من جنوب الخرطوم حاولت فتح الطريق لخروج القوة المحاصرة في القصر وسحبها باتجاه الجنوب.
وبالفعل دارت معارك عنيفة يومي 18 و19 مارس/آذار الماضي في شارع القصر، لكن موقف الجيش تعزز وقتها بالتقاء جنود سلاح المدرعات بالقيادة العامة، مما قاد لترجيح كفة الجيش بقوة ليستمر في التقدم باتجاه القصر.
يقول المصدر العسكري إن هذه المواجهة الشرسة كسرت شوكة قوات الدعم السريع، وتلقت خلالها ضربات قوية، حيث تم تدمير ما لا يقل عن 100 عربة وقتل حوالي 600 من عناصر الدعم، بعد أن لعب الطيران المسيّر دورًا محوريا في الحسم، واستهداف القوة الصلبة والدفاعات المتقدمة للدعم السريع وسط الخرطوم.
الانهيار الكامل
مهدت هذه المعركة الحاسمة لتمكين الجيش من استلام القصر الرئاسي يوم 21 مارس/آذار الماضي، وانهارت بعدها دفاعات قوات الدعم السريع، وبدأت تلك القوات في الانسحاب تباعًا من المواقع الحيوية في شرق الخرطوم وجنوبها.
إعلانولم تشهد المقار التي كانت تحتلها وتتخذ منها مراكز للقيادة والسيطرة في ضاحية الرياض، والمدينة الرياضية، وحي المطار، وجامعة أفريقيا العالمية، أي قتال بعد أن اختارت ما تبقى من قوات الدعم السريع الانسحاب جنوبًا ومغادرة الخرطوم.
يُشار إلى أن الجيش لم يعلن حتى الآن رسميًا تحرير الخرطوم، حيث لا تزال المواجهات العسكرية محتدمة في غرب أم درمان، مع تقدم ملحوظ للجيش الذي أعلن المتحدث باسمه اليوم الثلاثاء عن التمكن من "سحق وتدمير شراذم مليشيا آل دقلو" -في إشارة للدعم السريع- في مناطق الصفوة والحلة الجديدة وقرية الصفيراء ومعسكر الكونان، مشيرًا إلى "استمرار ملاحقة وتصفية ما تبقى من جيوب محدودة" في المنطقة.