كاتب فورين بوليسي يرد على اتهامه بالعمالة للإخوان: السيسي يحكم بالخوف
تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT
سلط الزميل في "إيني أنريكو ماتي" لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في "مجلس العلاقات الخارجية"، ستيفن كوك، الضوء على واقع الحالة المصرية ردا اتهامه من الإعلامي الموالي للنظام، نشأت الديهي، بالعمالة لصالح جماعة الإخوان المسلمين، بعد مقاله الأخير عن تدمير الرئيس، عبدالفتاح السيسي، لمقدرات مصر.
وذكر كوك، في مقال نشره بموقع مجلة "فورن بوليسي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن الديهي، مقدم برنامج "بالورقة والقلم" في التلفزيون المصري، يتهمه بأنه يتقاضى أجراً من جماعة الإخوان، ولم يكن الوحيد الغاضب من مقالته الأخيرة، إذ نشر أنصار السيسي سيلا من الإهانات الشخصية له عبر منصة "إكس".
واعتبر كوك أن ردود أفعال أنصار السيسي تعكس أن كل أمل في إجراء نقاش مدروس على وسائل التواصل الاجتماعي قد ضاع منذ فترة طويلة، واصفا اتهامه بتلقي أموالا من الإخوان بأنه "ادعاء سخيف"، موضحا: "من غير الممكن أن يدفع لي الإخوان المسلمون مقابل أي شيء بناءً على هويتي وما كتبته عنهم. أنا لا أصدق خداع الجماعة، ولم أفعل ذلك أبدًا".
ويضيف: "الإخوان، مثل الآخرين في مصر، بارعون في الاستفادة من خطاب الإصلاح السياسي في السعي لتحقيق أجندة مناهضة للديمقراطية"، مبديا تشككه في الأسطورة التي خلقها الإخوان في فترة ما بعد الرئيس المصري الراحل، حسني مبارك، مباشرة.
واعتبر كوك أن الإخوان مارسوا الخداع الانتخابي والترهيب أثناء انتخاب مرشحهم، محمد مرسي، للرئاسة في عام 2012 مضيفا: "حتى لو كان الإخوان أقل كفاءة في محاولتهم للسيطرة على الدولة، أشك في أن مصر كانت ستكون قصة نجاح في الربيع العربي".
مشكلتان لأنصار السيسي
ويتابع كوك: "بعد أن كتبت عن مصر لسنوات، اعتدت على هذا النوع من الأشياء الآن، وممارستي عادة هي تجاهل مثل هذه المرارة. لكن تعليق الديهي لفت انتباهي"، معتبرا أن الاتهام بأن منتقدي السيسي موظفون في جماعة الإخوان "هو مؤشر على مشكلتين مترابطتين يعاني منهما الزعيم المصري وأنصاره، ولا يملكون أي إجابات لهما".
وتتمثل المشكلة الأولى في "تباين كبير ومتزايد بين ما تعد به الحكومة المصريين وبين الواقع الذي يعيشونه في حياتهم اليومية"، عندما يكون لدى الناس الجرأة للإشارة إلى ذلك، يتم وصفهم بأنهم مؤيدون للإخوان المسلمين أو، في حالة عدد كبير من المصريين، يتعرضون للسجن والاعتداء الجسدي.
وهذا الرد الشرس هو مقياس لمدى معرفة السيسي وأنصاره بالأزمة، إذ يخشون من إدراك العديد من المصريين لهذه الفجوة وطبيعتها التي يحتمل أن تزعزع الاستقرار.
اقرأ أيضاً
نيويورك تايمز: السيسي يحدث القاهرة بتكلفة ثقافية باهظة
أما المشكلة الثانية، فتتمثل في عدم قدرة السيسي على التخلص من الظل الطويل الذي يواصل الإخوان المسلمون إلقاءه على السياسة والمجتمع المصريين، رغم بذله قصاره جهده في سبيل ذلك.
فحتى قبل عهد السيسي بفترة طويلة، كان من الشائع أن تقمع الأنظمة المصرية المتعاقبة الإخوان مقابل فترات هدنة بين الجماعة وبعض الأنظمة الأخرى.
وفي أوائل الأربعينيات من القرن الماضي، استسلم رئيس الوزراء، مصطفى النحاس، للضغوط السياسية التي مارستها جماعة الإخوان المسلمين، وقام باتخاذ إجراءات صارمة ضد الكحول والدعارة، بينما سمح للجماعة بنشر صحفها.
وبعد بضع سنوات، قامت حكومة جديدة بقمع جماعة الإخوان المسلمين، قبل أن تستأنف حكومة أخرى استرضاء الجماعة.
وقام الرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر، بسجن الآلاف من قيادات وأعضاء الإخوان، وأطلق سراح بعضهم، ثم أعاد سجنهم مرة أخرى، ثم أطلقهم خليفته، أنور السادات، وأعطاهم الفرصة للنشر والوعظ.
ومع ذلك، فقد اختلف السادات معهم مجددا حول السلام الذي عقده السادات مع إسرائيل، وامتلأت السجون المصرية بالإخوان مرة أخرى.
وبعد اغتيال السادات في عام 1981، منح مبارك الجماعة الفرصة لاستئناف أنشطتها، معتقداً أن ظهور الإخوان بشكل أكبر في مجالات النشر والتعليم والمجتمع المدني من شأنه أن يجذب الدعم بعيداً عن المتطرفين الذين اغتالوا السادات.
وبعد حوالي عقد من الزمن، قرر مبارك التوقف عن ذلك، وأمر الأجهزة الأمنية بإخضاع الجماعة، وطوال هذا النمط من التسوية والمواجهة، ظل الإخوان لاعباً سياسياً واجتماعياً وثقافياً مهماً في مصر.
صياغة القومية المصرية
وفي السنوات الأخيرة، أصبح قمع جماعة الإخوان المسلمين والادعاء بأن منتقدي الحكومة أعضاء في الجماعة (أو يتلقون أموالاً منها)، أكثر وضوحاً وخطورة، وذلك "لأن السيسي سعى إلى إعادة صياغة القومية المصرية من خلال استبعاد جماعة الإخوان المسلمين منها" بحسب كوك.
لكن الروح القومية "لا تحدث بشكل عفوي، بل هي نتيجة لمشاريع سياسية متضافرة، ومن ثم فهي تخضع بشكل دوري لإعادة التفسير ليناسب احتياجات القادة السياسيين"، بحسب كوك، مشيرا إلى أن "هذا بالضبط ما فعله السيسي بتصوير جماعة الإخوان– التي تضرب أصولها ومكانتها ونظرتها للعالم بجذور راسخة في التجربة المصرية – على أنها عنيفة وغريبة عن المجتمع الذي ولدت فيه".
وبعد الانقلاب الذي أوصل السيسي إلى السلطة، بالتوازي مع الحملة الإعلامية التي قادتها الدولة والتي سعت إلى الحفاظ على مخزون من الدعم لما يسمى "الثورة الثانية" في مصر، جرى تصوير الإخوان بشكل روتيني على أنهم عملاء للقطريين و/أو الأتراك.
وفي الوقت نفسه، برر السيسي العنف الذي استخدمه لقمع الإخوان على أساس أن الجماعة منظمة إرهابية، وعندما شكك المحللون في خطاب الحكومة واستخدامها للعنف، تم تصويرهم في الصحافة المصرية على أنهم أدوات في أيدي الإخوان.
اقرأ أيضاً
تصريحات السيسي حول الأزمة الاقتصادية والكهرباء تثير غضب المصريين.. ماذا قال؟
ويرى كوك أن محاولة السيسي لكتابة سردية جديدة للقومية المصرية ستبوء بالفشل، لأن الإخوان لعبوا دورًا مهمًا في بعض أهم الأحداث القومية في القرن العشرين، ومنها الثورة ضد الاحتلال البريطاني.
ورغم أنهم كانوا في البداية يميلون بشكل إيجابي تجاه النظام الملكي المصري، إلا أنهم عارضوا الملك فاروق في الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن الماضي.
وكانت جماعة الإخوان المسلمين من أوائل الجماعات التي دقت ناقوس الخطر بشأن الصهيونية والهجرة اليهودية إلى فلسطين.
وفي حرب عام 1948 بين دولة إسرائيل الجديدة وجيرانها، حارب الإخوان ضد الإسرائيليين بالقرب من بئر السبع وبيت لحم والقدس، على الرغم من أنهم ميزوا أنفسهم بمساعدة الآلاف من الجنود والضباط المصريين الذين تقطعت بهم السبل في جيب الفالوجا، بالقرب من قطاع غزة، في المراحل الأخيرة من الصراع.
وبقدر ما اعتبروا هم وكثيرون غيرهم أن الصهيونية أداة للاستعمار الأوروبي، كان يُنظر إلى النضال الفلسطيني ضد الإسرائيليين على أنه نفس النضال القومي الذي كان المصريون يشنونه ضد البريطانيين.
ولذا يرى كوك أنه "لا يمكنك إنكار الدور الذي تلعبه جماعة الإخوان المسلمين في القضايا التي كانت ولا تزال حاسمة بالنسبة للسرد القومي في مصر"، غير أن قادة البلاد يعتمدون في الغالب على الخوف والإكراه للحفاظ على سيطرتهم السياسية.
ويضيف: "يمكن للسيسي أن يستخدم الكثير من القوة والعنف، ولهذا السبب فإن الاتهامات الموجهة إلى شخص ما بأنه عضو في جماعة الإخوان المسلمين أو يتقاضى أجراً من المنظمة قوية للغاية، ونتيجة لذلك، تم اقتياد المعارضين المصريين غير الإسلاميين إلى السجون، الأمر الذي يزيد من صعوبة وخطورة سعي الناشطين إلى تحقيق أجنداتهم".
ويخلص مقال كوك إلى أن الاتهام الدائم من أنصار السيسي لمنتقديه بأنهم "إخوان" فارغ، بل طائش، وهو رد روتيني على أي انتقاد موجه للزعيم ومؤيديه، الذين لا يستطيعون استحضار رد متماسك، كما أنه نفس نوع الرد الذي يستخدمه القادة السياسيون عندما يشعرون بالخوف، "فالسيسي يحكم مصر بالخوف ولكنه يُحكم به أيضا".
اقرأ أيضاً
الجارديان: مذبحة رابعة نموذج لعهد السيسي.. ولابد لبريطانيا أن تصدح بالحق
المصدر | ستيفن كوك/فورين بوليسي - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: مصر عبدالفتاح السيسي الإخوان المسلمين محمد مرسي جماعة الإخوان المسلمین فی مصر
إقرأ أيضاً:
الإخوان "مكملين" في التآمر.. ماذا يريد التنظيم الإرهابي؟
منذ تأسيسه، واجه تنظيم الإخوان الإرهابي في مصر والأردن ودول أخرى، اتهامات عديدة بالتورط في مؤامرات تستهدف زعزعة استقرار الدول العربية، والتغلغل في مؤسسات الدولة، والتعاون مع جهات خارجية لتحقيق أهدافه، والتعامل مع الأوطان كساحات لتحقيق مكاسب سياسية وشخصية.
في مصر، اتُهم التنظيم منذ عقود بتشكيل تنظيمات سرية، مثل "النظام الخاص"، الذي تورط في اغتيالات سياسية بارزة، فضلا عن الصدامات العنيفة بعد محاولة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر في حادثة المنشية عام 1954، والتي أدت إلى حظر التنظيم وسجن قياداته.
كما تورط التنظيم بالتخطيط لإسقاط الدولة، من خلال اختراق مؤسساتها الأمنية والاقتصادية، والتحريض على أعمال العنف خلال أحداث 2011 وما بعدها. وواجه اتهامات بالتعاون مع جهات أجنبية لزعزعة استقرار البلاد، وتشكيل خلايا إرهابية مسؤولة عن تفجيرات وعمليات اغتيال.
أما في الأردن، فقد اتُهم التنظيم الإرهابي بالسعي للتأثير في القرار السياسي من خلال النقابات المهنية ومجلس النواب، فضلاً عن اتهامات بالتنسيق مع حركة حماس، والتدخل في الشؤون المحلية للدولة، ومحاولة تأجيج الشارع ضد السلطات.
إضافة لذلك واجه الإخوان اتهامات بتشكيل "تنظيم سري" يوجه قراراته، وهي معلومات كشفها منشقون بارزون.
بعد الضربة القاصمة التي تلقاها الإخوان في مصر عام 2013، والتي امتدت آثارها إلى الأردن، أصبحت مساحة "التآمر" ضيقة أمام التنظيم، مما دفعه إلى محاولة إيجاد مكان في الخارج لمواصلة بث خطابات ودعايات، تهدف إلى التأثير على استقرار الدول العربية، بحسب محللين سياسيين.
ولجأ الإخوان إلى تأسيس فضائيات وقنوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي منها قناة الشرق، التي أغلقتها السلطات التركية، مما دفع بالعاملين فيها إلى تأسيس قنوات على منصات مثل يوتيوب، إضافة إلى قناة مكملين، التي طردت من تركيا، وقناة الحوار في لندن وغيرها.
واتخذ التنظيم من هذه القنوات، وسيلة لمهاجمة الدول العربية، ومحاولة دائمة لضرب الاستقرار، ودعم الجماعات الإرهابية، عبر استخدام الخطاب الديني لبث شائعات وتزوير الحقائق وفقا للمحللين.
أحدث هذه المحاولات، هو تشكيك قناة "مكملين" في الموقف الرسمي المصري والأردني والعربي الرافض لمقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتهجير الفلسطينيين من غزة، رغم المواقف المعلنة المؤكدة على ضرورة بقاء الفلسطينيين في أرضهم، واعتبار هذا الموضوع خطاً أحمر للأمن القومي بالنسبة للدولتين.
ويقول المحلل السياسي عامر ملحم إن "الموقف الأردني والمصري الرافض للتهجير ليس جديداً، ولم يُعلن بعد مقترح ترامب، وإنما هو قرار ثابت وراسخ في العقيدة السياسية للدولتين"، موضحاً "أن الدولتين سبق أن أحبطتا محاولات ترامب السابقة لوأد القضية الفلسطينية، كما وقفتا أمام إدارة جو بايدن، التي حاولت فتح قضية التهجير مع بداية حرب غزة".
وأضاف ملحم لـ"24" أن "أي خطاب مناوئ للموقف المصري والأردني هو قبول بالتهجير"، معبراً عن استغرابه من "محاولات الإخوان التشكيك تجاه قضية لطالما استخدموها للتأثير على عواطف الشعوب العربية".
ويعتقد ملحم أن "التشكيك نابع من مخاوف من نزع السلطة من أيدي حماس، وتسليمها للسلطة الفلسطينية، المعترف بها في غزة، وهي ضربة جديدة للإخوان لا يرغبون في تلقيها".
وتكشف آراء أعضاء في الإخوان، الوجه الحقيقي للتنظيم المخالف لتوجهات حكومات وشعوب المنطقة الداعمة لتثبيت الفلسطينيين على أرضهم.
ودعا جمال سلطان، وهو عضو بارز في التنظيم الإرهابي، في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، حذفه لاحقاً، إلى "إلى استغلال ما يعتبره فرصة سانحة لتقديم الجماعة نفسها كبديل سياسي" بعد إصرار مصر والأردن على رفض مخططات التهجير.
ويشير سلطان إلى ضرورة التحلي البراغماتية والواقعية في التعامل مع الوضع الحالي.
ودعوة سلطان ليست موقفاً فردياً، إذ يرى الإخواني الآخر أنس حسن، في سياسات ترامب فرصة غير مباشرة لصالح التنظيم.
ويقول المحلل السياسي ملحم إن :"الإخوان يرون المرحلة الراهنة بمثابة فرصة لإعادة ترتيب وضعها".