سلط الزميل في "إيني أنريكو ماتي" لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في "مجلس العلاقات الخارجية"، ستيفن كوك، الضوء على واقع الحالة المصرية ردا اتهامه من الإعلامي الموالي للنظام، نشأت الديهي، بالعمالة لصالح جماعة الإخوان المسلمين، بعد مقاله الأخير عن تدمير الرئيس، عبدالفتاح السيسي، لمقدرات مصر.

وذكر كوك، في مقال نشره بموقع مجلة "فورن بوليسي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن الديهي، مقدم برنامج "بالورقة والقلم" في التلفزيون المصري، يتهمه بأنه يتقاضى أجراً من جماعة الإخوان، ولم يكن الوحيد الغاضب من مقالته الأخيرة، إذ نشر أنصار السيسي سيلا من الإهانات الشخصية له عبر منصة "إكس".

واعتبر كوك أن ردود أفعال أنصار السيسي تعكس أن كل أمل في إجراء نقاش مدروس على وسائل التواصل الاجتماعي قد ضاع منذ فترة طويلة، واصفا اتهامه بتلقي أموالا من الإخوان بأنه "ادعاء سخيف"، موضحا: "من غير الممكن أن يدفع لي الإخوان المسلمون مقابل أي شيء بناءً على هويتي وما كتبته عنهم. أنا لا أصدق خداع الجماعة، ولم أفعل ذلك أبدًا".

 ويضيف: "الإخوان، مثل الآخرين في مصر، بارعون في الاستفادة من خطاب الإصلاح السياسي في السعي لتحقيق أجندة مناهضة للديمقراطية"، مبديا تشككه في الأسطورة التي خلقها الإخوان في فترة ما بعد الرئيس المصري الراحل، حسني مبارك، مباشرة.

واعتبر كوك أن الإخوان مارسوا الخداع الانتخابي والترهيب أثناء انتخاب مرشحهم، محمد مرسي، للرئاسة في عام 2012 مضيفا: "حتى لو كان الإخوان أقل كفاءة في محاولتهم للسيطرة على الدولة، أشك في أن مصر كانت ستكون قصة نجاح في الربيع العربي".

مشكلتان لأنصار السيسي

ويتابع كوك: "بعد أن كتبت عن مصر لسنوات، اعتدت على هذا النوع من الأشياء الآن، وممارستي عادة هي تجاهل مثل هذه المرارة. لكن تعليق الديهي لفت انتباهي"، معتبرا أن الاتهام بأن منتقدي السيسي موظفون في جماعة الإخوان "هو مؤشر على مشكلتين مترابطتين يعاني منهما الزعيم المصري وأنصاره، ولا يملكون أي إجابات لهما".

وتتمثل المشكلة الأولى في "تباين كبير ومتزايد بين ما تعد به الحكومة المصريين وبين الواقع الذي يعيشونه في حياتهم اليومية"، عندما يكون لدى الناس الجرأة للإشارة إلى ذلك، يتم وصفهم بأنهم مؤيدون للإخوان المسلمين أو، في حالة عدد كبير من المصريين، يتعرضون للسجن والاعتداء الجسدي.

وهذا الرد الشرس هو مقياس لمدى معرفة السيسي وأنصاره بالأزمة، إذ يخشون من إدراك العديد من المصريين لهذه الفجوة وطبيعتها التي يحتمل أن تزعزع الاستقرار.

اقرأ أيضاً

نيويورك تايمز: السيسي يحدث القاهرة بتكلفة ثقافية باهظة

أما المشكلة الثانية، فتتمثل في عدم قدرة السيسي على التخلص من الظل الطويل الذي يواصل الإخوان المسلمون إلقاءه على السياسة والمجتمع المصريين، رغم بذله قصاره جهده في سبيل ذلك.

فحتى قبل عهد السيسي بفترة طويلة، كان من الشائع أن تقمع الأنظمة المصرية المتعاقبة الإخوان مقابل فترات هدنة بين الجماعة وبعض الأنظمة الأخرى.

وفي أوائل الأربعينيات من القرن الماضي، استسلم رئيس الوزراء، مصطفى النحاس، للضغوط السياسية التي مارستها جماعة الإخوان المسلمين، وقام باتخاذ إجراءات صارمة ضد الكحول والدعارة، بينما سمح للجماعة بنشر صحفها.

 وبعد بضع سنوات، قامت حكومة جديدة بقمع جماعة الإخوان المسلمين، قبل أن تستأنف حكومة أخرى استرضاء الجماعة.

وقام الرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر، بسجن الآلاف من قيادات وأعضاء الإخوان، وأطلق سراح بعضهم، ثم أعاد سجنهم مرة أخرى، ثم أطلقهم خليفته، أنور السادات، وأعطاهم الفرصة للنشر والوعظ.

ومع ذلك، فقد اختلف السادات معهم مجددا حول السلام الذي عقده السادات مع إسرائيل، وامتلأت السجون المصرية بالإخوان مرة أخرى.

وبعد اغتيال السادات في عام 1981، منح مبارك الجماعة الفرصة لاستئناف أنشطتها، معتقداً أن ظهور الإخوان بشكل أكبر في مجالات النشر والتعليم والمجتمع المدني من شأنه أن يجذب الدعم بعيداً عن المتطرفين الذين اغتالوا السادات.

وبعد حوالي عقد من الزمن، قرر مبارك التوقف عن ذلك، وأمر الأجهزة الأمنية بإخضاع الجماعة، وطوال هذا النمط من التسوية والمواجهة، ظل الإخوان لاعباً سياسياً واجتماعياً وثقافياً مهماً في مصر.

صياغة القومية المصرية

وفي السنوات الأخيرة، أصبح قمع جماعة الإخوان المسلمين والادعاء بأن منتقدي الحكومة أعضاء في الجماعة (أو يتلقون أموالاً منها)، أكثر وضوحاً وخطورة، وذلك "لأن السيسي سعى إلى إعادة صياغة القومية المصرية من خلال استبعاد جماعة الإخوان المسلمين منها" بحسب كوك.

لكن الروح القومية "لا تحدث بشكل عفوي، بل هي نتيجة لمشاريع سياسية متضافرة، ومن ثم فهي تخضع بشكل دوري لإعادة التفسير ليناسب احتياجات القادة السياسيين"، بحسب كوك، مشيرا إلى أن "هذا بالضبط ما فعله السيسي بتصوير جماعة الإخوان– التي تضرب أصولها ومكانتها ونظرتها للعالم بجذور راسخة في التجربة المصرية – على أنها عنيفة وغريبة عن المجتمع الذي ولدت فيه".

وبعد الانقلاب الذي أوصل السيسي إلى السلطة، بالتوازي مع الحملة الإعلامية التي قادتها الدولة والتي سعت إلى الحفاظ على مخزون من الدعم لما يسمى "الثورة الثانية" في مصر، جرى تصوير الإخوان بشكل روتيني على أنهم عملاء للقطريين و/أو الأتراك.

وفي الوقت نفسه، برر السيسي العنف الذي استخدمه لقمع الإخوان على أساس أن الجماعة منظمة إرهابية، وعندما شكك المحللون في خطاب الحكومة واستخدامها للعنف، تم تصويرهم في الصحافة المصرية على أنهم أدوات في أيدي الإخوان.

اقرأ أيضاً

تصريحات السيسي حول الأزمة الاقتصادية والكهرباء تثير غضب المصريين.. ماذا قال؟

ويرى كوك أن محاولة السيسي لكتابة سردية جديدة للقومية المصرية ستبوء بالفشل، لأن الإخوان لعبوا دورًا مهمًا في بعض أهم الأحداث القومية في القرن العشرين، ومنها الثورة ضد الاحتلال البريطاني.

ورغم أنهم كانوا في البداية يميلون بشكل إيجابي تجاه النظام الملكي المصري، إلا أنهم عارضوا الملك فاروق في الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن الماضي.

وكانت جماعة الإخوان المسلمين من أوائل الجماعات التي دقت ناقوس الخطر بشأن الصهيونية والهجرة اليهودية إلى فلسطين.

وفي حرب عام 1948 بين دولة إسرائيل الجديدة وجيرانها، حارب الإخوان ضد الإسرائيليين بالقرب من بئر السبع وبيت لحم والقدس، على الرغم من أنهم ميزوا أنفسهم بمساعدة الآلاف من الجنود والضباط المصريين الذين تقطعت بهم السبل في جيب الفالوجا، بالقرب من قطاع غزة، في المراحل الأخيرة من الصراع.

وبقدر ما اعتبروا هم وكثيرون غيرهم أن الصهيونية أداة للاستعمار الأوروبي، كان يُنظر إلى النضال الفلسطيني ضد الإسرائيليين على أنه نفس النضال القومي الذي كان المصريون يشنونه ضد البريطانيين.

ولذا يرى كوك أنه "لا يمكنك إنكار الدور الذي تلعبه جماعة الإخوان المسلمين في القضايا التي كانت ولا تزال حاسمة بالنسبة للسرد القومي في مصر"، غير أن قادة البلاد يعتمدون في الغالب على الخوف والإكراه للحفاظ على سيطرتهم السياسية.

ويضيف: "يمكن للسيسي أن يستخدم الكثير من القوة والعنف، ولهذا السبب فإن الاتهامات الموجهة إلى شخص ما بأنه عضو في جماعة الإخوان المسلمين أو يتقاضى أجراً من المنظمة قوية للغاية، ونتيجة لذلك، تم اقتياد المعارضين المصريين غير الإسلاميين إلى السجون، الأمر الذي يزيد من صعوبة وخطورة سعي الناشطين إلى تحقيق أجنداتهم".

ويخلص مقال كوك إلى أن الاتهام الدائم من أنصار السيسي لمنتقديه بأنهم "إخوان" فارغ، بل طائش، وهو رد روتيني على أي انتقاد موجه للزعيم ومؤيديه، الذين لا يستطيعون استحضار رد متماسك، كما أنه نفس نوع الرد الذي يستخدمه القادة السياسيون عندما يشعرون بالخوف، "فالسيسي يحكم مصر بالخوف ولكنه يُحكم به أيضا".

اقرأ أيضاً

الجارديان: مذبحة رابعة نموذج لعهد السيسي.. ولابد لبريطانيا أن تصدح بالحق

المصدر | ستيفن كوك/فورين بوليسي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: مصر عبدالفتاح السيسي الإخوان المسلمين محمد مرسي جماعة الإخوان المسلمین فی مصر

إقرأ أيضاً:

الطريق إلى الاتحادية.. الملفات السرية للإخوان.. عبدالرحيم علي يرصد إرهاب الإخوان طوال أكثر من ثمانين عامًا ضد مصر والمصريين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق الصراعات بين أفراد الإرهابية كشفت الكثير من المعارك الداخلية المسكوت عنها داخل الجماعةزوج شقيقة حسن البنا وسكرتير عام الجماعة يقوم بأفعال غير سوية بأهل بيوت بعض قيادات الإخوان
الجماعة غرقت فى مستنقع الانتهازية السياسية منذ بداياتها على يد مؤسسها حسن البنا  الطريق إلى الاتحادية كان قائمًا على دماء المصريين قديمًا وحديثًا
الوثائق تكشف تشكيل الجماعة لخلايا مسلحة تقوم بإرهاب المواطنين وتنفيذ عمليات اغتيالات سياسية وتفجيرات فى شوارع مصر

 

ليس نبيا ولا متنبئا ولا يعلم الغيب ولا أوتي خبر السماء لكنه باحث من طراز فريد، يعلم جيدا كيف يطرح الأسئلة ويبحث لها عن إجابات، لا يدَّعي يوما امتلاك الحقيقة المطلقة أو أنه الراوي العليم، حينما يتعرض لقضية ما يتناولها من جميع الزوايا ويجمع لها أدلة الإثبات والنفي للحكم فيها بموضوعية وحيادية قلما نجدهما اليوم، لكل هذا تأتي آراؤه ثاقبة وواضحة وجلية ودائما ما تتحقق توقعاته وقراءاته المستقبلية.. إنه عبد الرحيم علي الكاتب الصحفي، رئيس مجلسي إدارة وتحرير “البوابة نيوز” أول من تنبأ برحيل جماعة الإخوان الإرهابية عن حكم مصر.

في يوم ٢٧ يونيو ٢٠١٣، كتب "عبدالرحيم علي" تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" موضحًا أن جماعة الإخوان الإرهابية اختارت الدم وأن المصريين اختاروا المواجهة إلى أن تتحرر مصر، وأنها مجرد ساعات على رحيلهم.
وقال «علي»: "مرسي وضع آخر مسمار في نعش جماعة الإخوان بخطابه الأخير، هو اختار الدم واحنا اخترنا المواجهة إلى أن نحرر مصر وما بيننا ساعات قليلة".
وتابع “ولا أقول أيام.. تذكروا ما قلته في شهر أبريل الماضي.. لم يبق من زمن الإخوان سوى ثلاثة أشهر.. ومرسي خدمنا وخلاهم شهرين، والله المستعان على ما تصفون”.
فما المقدمات التي جعلت عبد الرحيم علي يكتب مثل هذه التدوينة، ليس هذا فقط بل من أين أتاه هذا اليقين برحيل الجماعة قبل سقوطها المدوي بشهرين؟ للإجابة قصة طويلة من الجهد والمثابرة وقراءة الملفات العلنية والسرية للجماعة وتحليل خطابها، حتى بات يعرف كيف تفكر قيادات الجماعة ويعلم جيدا آليات عملهم، ومدى انتهازيتهم السياسية، هذا الذي ظل يتدارسه طول حياته وانتج لنا عدد ليس قليل من الدراسات والأبحاث والكتب التي تفضح وتعري جماعة الإخوان وباقي جماعات الإسلام السياسي من بينها «بن لادن الشبح الذى صنعته أمريكا» و«سيناريوهات ما قبل السقوط» «وموسوعة الحركات الإسلامية» من ثمانية أجزاء و«الإسلام وحرية الرأى والتعبير» وغيرها.
وربما يجعلنا عنوان كتابه "الطريق إلى الاتحادية" نفكر في عامي تولي الإخوان السلطة في مصر، لكن عبدالرحيم علي يأخذنا لأبعد من ذلك حتى يحكي لنا الحكاية من أولها أو كما يقول المثل الشعبي "من طق طق لسلاموا عليكم"، إلا أنه أراد أن ينبهنا في البداية بمقدمة مهمة تكشف الاتصال القديم للجماعة - جماعة الإخوان - مع أمريكا الذى انتهى بتحالف وثيق بينهما يقوم على محورين. الأول حماية الأمن القومى الإسرائيلى وإيجاد تحالف إسلامى سنى فى الشرق الأوسط تحت قيادة مصر والمملكة العربية السعودية للحد من المد الشيعى والنفوذ الإيرانى بالمنطقة دون دفع أمريكا للتورط فى تدخلات عسكرية. وعما يحدث من فوضى بالبلاد التى حدثت فيها الثورات رغم حكم الإخوان فهذا يفتح الباب للتقسيم ورسم خريطة جيوسياسية جديدة للمنطقة. يحدث هذا فى الوقت الذى يسعى فيه الإخوان إلى التمكين من مفاصل الدولة المصرية. كان ذلك واضحا فى الوثيقة التى عثرت عليها أجهزة الأمن فى مكتب خيرت الشاطر نفسه أيام قضية سلسبيل الشهيرة، وكان من أبرز ما فيها تشويه الإعلام بشتى الطرق - هو ما حدث - تحييد الجيش واحتواء الشرطة والعمل على إيجاد بيئة دستورية وقانونية لتكوين ميليشيات مدربة على فنون القتال، وأظن أن ما حدث من كسر لهيبة القضاء يدل على ذلك.
يتناول عبدالرحيم علي في "الطريق إلى الاتحادية" بالرصد والتحليل، وعلى مدار أكثر من ثمانين عامًا، هي عمر جماعة الإخوان المسلمين، كيف انزلق الإخوان في مستنقع الانتهازية السياسية، منذ البدايات على يد الإمام المؤسس حسن البنا، مرورًا بالتعامل مع كافة الحكومات التي تولت حكم مصر، وحتى ثورة ٢٥ يناير المجيدة، تاريخ من الدم والعار تلطخت به أثواب كل من تولوا المسئولية في تلك الجماعة الموغلة في القدم، كان آخرها دماء الثوار الأبرار التي أسيلت أمام قصر الاتحادية.. هؤلاء الذين رجحوا كفة مرسى في الانتخابات الرئاسية ٢٠١٢، فإذا به ينحاز لأهله وعشيرته، ويستخدمهم في مواجهة الثوار.
ويناقش الكتاب فى بابه الأول الانتهازية السياسية للإخوان منذ نشأتها. كانوا يتقربون للقصر الملكى فى اللحظات التى تبتعد عنه فيها الحركة الوطنية المصرية، منذ الملك أحمد فؤاد حتى نهاية عصر فاروق. ويقدم الكتاب كثيرا من رسائل حسن البنا لهما وكثيرا من المقالات فى مجلتهم «الإخوان المسلمون» فالملك فؤاد هو حامى الإسلام ورافع رايته وهو حامى المصحف. والأمر نفسه فعلوه مع فاروق، بل كانوا عيونا له على أعدائه. والكاتب لا يقدم كلاما مرسلا بل يقدم صورا من المقالات والرسائل وغيرهما من الوثائق دليلا على كل ما يقول. الكتاب فى الحقيقة قائم على الوثائق والتوثيق. وكان الإخوان يفعلون ذلك فى الوقت الذى يقفون فيه بعداء للقوى الوطنية الأخرى مثل اليسار ومصر الفتاة والوفد، وإن كان عداؤهم للوفد يرى أحيانا بعض التأييد حين تكون لهم مصلحة فى ذلك. وبالفعل كانت حركتهم تزدهر فى حكومات الوفد. يستمر المؤلف فى استعراض علاقتهم بباقى القوى مثل «الأحرار الدستوريين» ليتضح لك أن الأمر كله لم يبرح منطقة الانتهازية السياسية بما تقرأه لهم من رسائل أو مقالات. والأمر نفسه يتكرر مع عبدالناصر الذى كان الإخوان مؤيدين له فى البداية فى التنكيل بالمعارضين خاصة فى محاكمة عمال كفر الدوار. ثم انقلبوا عليه وحاولوا اغتياله عام ١٩٥٤ حين وجدوا أنه لن يستجيب لهم وحل جماعتهم باعتبارها تعمل بالسياسة مثل غيرها من الأحزاب. ويستمر الكتاب فى سرد موثق دائم دارس لكيفية عودة الجماعة للانتشار والاتساع الذى أتاحت له هزيمة ١٩٦٧ الأرض المناسبة إلى حد ما ثم صارت مناسبة أكتر فى عهد السادات الذى تحالف معهم. وازداد توسعهم فى عهد مبارك فى الوقت الذى ازداد فيه التنظيم الدولى لهم قوة وإمكانات. لقد كان اليسار بالنسبة للسادات هو الخطر الرئيس ولم يجد سبيلا لوأده إلا بالاتفاق مع الإخوان. ويقدم الباحث لهذه الحقب التاريخية كلها شهادات من أقوال أعضاء الجماعة والتنظيم الدولى، ويرصد كيف نجحوا فى السيطرة على الشارع الفقير وعلى النقابات المهنية وغير ذلك. لكنها -الجماعة- رغم ذلك لم تتخل عن انتهازيتها التى وضحت كاملة فى انتخابات مجلس الشعب عام ٢٠٠٥ التى حصل فيها الإخوان على مقاعد مجلس الشعب باتفاق مع أمن الدولة، ثم كيف خذلوا كل أطراف المعارضة فى انتخابات عام ٢٠١٠ حين قرروا دخول الانتخابات فى الوقت الذى قررت فيه المعارضة المقاطعة، لكن الحزب الوطنى ارتكب خطأه الأكبر حين أسقطهم جميعا وأسقط غيرهم من المعارضة المستقلة والحزبية التى اضطرت لدخول الانتخابات بعد أن وافق الإخوان على دخولها.
إلى هنا، ونحن مع انتهازية الإخوان مع الحكم عبر تاريخهم ومنذ تأسيس جماعتهم. لكن الباب الثانى هو الأخطر إذ يعرض للانتهازية داخل الجماعة نفسها، ويعرض الصراعات بين أفرادها من القيادات ويعرض كثيرا من المعارك الداخلية المسكوت عنها مثل معركة بعض القيادات مع عبدالحكيم عابدين زوج شقيقة حسن البنا وسكرتير عام الجماعة. ويقدم الرسائل والمناقشات التى دارت حول أفعاله غير السوية بأهل بيوت بعض قيادات الإخوان، ويسميه الكاتب براسبوتين الجماعة، وكيف كان يعتدى على حرمة بيوت الناس باسم الدعوة، وموقف حسن البنا المناصر له وكيف حكم ببراءة عبدالحكيم عابدين مما نسب إليه. ويأتى برسائل للدكتور إبراهيم حسن وكيل الجماعة الذى استقال فى ٢٧ إبريل عام ١٩٤٧ احتجاجا على طريقة التعامل فى أزمة عبدالحكيم عابدين. رسائل توضح ما جرى من تسويف فى المسألة تحت شعار «فى ضياع الحق مصلحة الدعوة». وكان حسن البنا قد أمر بوقف ثلاثة من القيادات الكبرى هم الدكتور إبراهيم حسن نفسه وأحمد السكرى وكمال عبدالنبى وتمت تبرئة عبدالحكيم عابدين ثم أصدر البنا قرارا بفصل السكرى برغم العلاقة التاريخية الممتدة بينهما، فيرسل له خطابا بالفصل وخطابا يعلن له فيه أن صداقتهما لسبعة وعشرين سنة باقية بقوتها وسلطانها وبريقها إلى الأبد. وبالطبع ليست هناك انتهازية أكثر من هذه.
تأخذ هذه الأزمة مساحة كبيرة من الكتاب ليعرفها الجيل الذى لن يجدها على الفيس بوك ولا غيره من المواقع الافتراضية، ويعرضها عبدالرحيم علي بكل تفاصيلها السرية. وبكل ما قدم فيها من رسائل ولا نترك الباب الأول إلا وقد عرفنا مواقفهم الانتهازية مع كل القوى ومع الإنجليز أيضا. ثم ننتقل إلى ملف العنف فى الباب الثانى، فيبدأ بحادثة مقتل النقراشى باشا رئيس وزراء مصر التى جرت فى الثامن والعشرين من ديسمبر عام ١٩٤٨. وهنا لا يعتمد "علي" على تحقيقات الشرطة ولكن على اعترافات الجناة والمنفذين والمخططين من خلال أوراق القضية الأصلية، مستبعدا تحقيقات البولسى السياسى حتى لا يشوب بحثه أية شبهة وكذلك يفعل فى قضية اغتيال القاضى الخازندار وتقرأ فيها شهادات الإخوان أنفسهم وغير ذلك من القضايا التى عرفها تاريخ الإخوان مثل محاولة نسف محكمة الاستئناف التى كان بها أوراق قضية السيارة الجيب التى كان على رأس المتهمين فيها مصطفى مشهور، وهى السيارة التى ضبطت محملة بأسلحة وقنابل وأوراق تحوى خطط واستراتيجيات الجماعة. الأمر نفسه يفعله المؤلف فى اغتيال أحمد ماهر باشا فى ٢٤ فبراير عام ١٩٤٥، ونستمر مع غيرها من أحداث العنف حتى نصل إليها بعد ثورة يوليو ومحاولة اغتيال عبدالناصر، ويظل الباحث عبدالرحيم على، على منهجه تاركا الاعترافات تتحدث. ثم قضية الإعداد لنسف وتدمير المنشآت الحيوية عام ١٩٦٥ التى اتهم فيها سيد قطب ثم قضية الفنية العسكرية التى كان من أخطر ما جاء عنها أقوال طلال الأنصارى أحد المتهمين فيها فى مذكراته بعد الخروج من السجن وعنوانها «مذكرات مجهولة من تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة - من النكسة إلى المشنقة»، وكيف كان المرشد العام المستشار حسن الهضيبى على علم وكيف أخذته إليه زينب الغزالى وكيف رحب الهضيبى بالعملية كلها، إذ يقول طلال الأنصارى فى مذكراته «لقد تحاشى جميع الإخوان التعرض لهذه المسألة رغم مرور ثلث قرن عليها، لكن الحقيقة أن العجلة دارت وتولى الدكتور صالح سرية قيادة أول جهاز سرى بايعه الهضيبى شخصيا بعد محنة ١٩٦٥ - ١٩٦٦. وهكذا فالعلاقة قديمة. «وهكذا أيضا يكشف لنا عبد الرحيم علي الكثير والكثير من الأسرار التى جعلت الطريق إلى الاتحادية قائما على دماء المصريين قديما وحديثا، فضلا عما جرى فى المجتمع من تحولات.


وثائق تاريخية 

ويقدم عبدالرحيم علي في القسم الثاني من كتابه مجموعة من أهم الوثائق التاريخية المرتبطة بأحداث فصول الكتاب، مثل وثيقة وكيل الجماعة في فضيحة عبد الحكيم عابدين، والخطابات المتبادلة بين الشيخ البنا وشريكه في تأسيس التنظيم أحمد السكري، ونص التحقيقات في قضية اغتيال النقراشي ١٩٤٩، وقضية المنشية ١٩٥٤، ومذكرة مهدي عاكف حول تقييمه لفرع الإخوان بأمريكا.
بعد ثورة ٣٠ يونيو الإطاحة بحكم الجماعة تبنت جماعة الإخوان مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات، بما في ذلك تنظيم المظاهرات، العودة إلى العمل المسلح وتشكيل خلايا مسلحة تقوم بارهاب المواطنين وتنفيذ عمليات اغتيالات سياسية وتفجيرات في شوارع مصر، وبعد هروب قيادات الجماعة للخارج قاموا بتعزيز العمل الدولي وشن هجومهم على مصر بنشر الشائعات والمعلومات المغلوطة لاستعداء الجهات الخارجية على الدولة المصرية مستغلين علاقاتهم بدوائر صنع القرار في أوروبا وأمريكا. 
فكان من المهم وجود شخصية وطنية مصرية تقوم بالرد عليهم وكشف أكاذيبهم وزيفهم، وتصدى عبدالرحيم علي لهذا الدور بكل شجاعة وفضل الحياة بعيدا عن وطنه وأهله وأصدقائه وضحى بالكثير في سبيل اتمام مهمته في كشف زيف الجماعة الإرهابية وتحذير الغرب من مخططاتها، فدشن لتلك المهمة مركز دراسات الشرق الأوسط بباريس والذي أكد من خلاله أن تفكيك المنظمات الأصولية يمثل نقطة البداية لترميم الديمقراطيات الهشة في أوروبا، وأوضح أن التمرد وأعمال الشغب التي تشهدها المدن الفرنسية، بما لا يدع مجالًا للشك، ما كان يحذر منه ويخشاه العديد من المحللين السياسيين فيما يتعلق بتحولات النظم الديموقراطية في فرنسا وفي غيرها من المجتمعات الأوربية.
وشارك عبدالرحيم على في عدد ليس قليل من المؤتمرات في أوروبا كان من بينها مؤتمر "إيكس أون بروفنس" والذي عقد في يوليو الماضي وخلال مشاركته في جلسة حول "الطرق الجديدة للديمقراطية"، أكد عبدالرحيم علي أن تنظيم الإخوان يغزو أوروبا واخترق الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية للمجتمعات الأوروبية، وأضاف: على مدى السنوات العشرين الماضية، فإن المنظمة الدولية للإخوان، إحدى أكبر التنظيمات الأصولية الإسلاموية في العالم، توسعت في أوروبا، لا سيما في فرنسا وبلجيكا وألمانيا وإنجلترا. لقد غزا تطور القوة الناعمة الإسلاموية على الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والرياضية والثقافية والتعليمية للمجتمعات الأوروبية. بحيث لا نرى ببساطة وراء تعددية هذه القوى وانقسام تلك الجماعات حقيقة الدور المهيمن للمنظمة العالمية للإخوان على هذه القوى والتنظيمات والجماعات، بل وعلى المجتمع الأوروبي بأسره، حتى استيقظت أوروبا بعد عدد من الهجمات الإرهابية لتجد أنها وقعت في براثن هذه المنظمة.


وقال عبدالرحيم على إن العاملين الديموجرافي والأيديولوجي، خاصةً الأصولي والمتطرف القادم من خارج هذه المجتمعات والمتحالف مع قطاعات منها لعب دورًا أساسيًا في تكثيف هذه التحولات التي تتمرد على الدولة والقانون وترفض قيم الديموقراطية بوجه عام! وحرية الرأي والتعبير وحقوق المرأة وحرية العقيدة والأديان على وجه الخصوص، مشيرًا إلى أن الظاهرة كانت معبأة من الداخل بعوامل هشاشتها وقد ظهر هذا جليا في السابق من خلال احتجاجات السترات الصفراء وبعدها في احتجاجات قانون التقاعد وسيظهر في أى احتجاجات أخرى تنشأ من أى اعتراضات مجتمعية على سلوكيات أو نهج حكومي ما.
وأكد أن مناهج وأهداف الأصوليين (في تغيير القيم حتى الوصول إلى مرحلة التمكين)، تتضمن ضمن ما تتضمن فكرة "إدارة التوحش"، التي فضلًا عن مناهج التأقلم المختلفة للتغيير الهادئ للمجتمعات الأوروبية، وإضافة الى أعمال الإرهاب والعنف، تستخدم وتستغل ظاهرة اجتماعية برزت من داخل تلك المجتمعات وهي ظاهرة الفوضى الديموقراطية والتوحش الاجتماعي والاقتصادي وبخاصة في الضواحي. فضلًا عن الروح الانفصالية التي تسود أغلبية تلك الأماكن المأهولة بالسكان والتي يحكمها اقتصاد التهريب والمخدرات ولا تتحكم فيها لا قوى الأمن ولا القانون!.
 

مقالات مشابهة

  • “فورين بوليسي”: اليمنيون أثبتوا أنهم قوة هائلة وكشفوا عدم كفاءة القوى البحرية الغربية
  • فورين بوليسي: البحرية الأمريكية فشلت في البحر الأحمر
  • 30 يونيو | بعد 11 عامًا من السقوط.. هل ماتت «الجماعة» إكلينيكيًا؟
  • الطريق إلى الاتحادية.. الملفات السرية للإخوان.. عبدالرحيم علي يرصد إرهاب الإخوان طوال أكثر من ثمانين عامًا ضد مصر والمصريين
  • سمير فرج: المرشد من كان يحكم مصر وقت الإخوان (فيديو)
  • باحث: الإعلام المصري كشف حقيقة جماعة الإخوان الإرهابية
  • داليا عبد الرحيم: العنف والإرهاب مكون أساسي في المرجعية الفكرية للإخوان
  • برلماني: ثورة 30 يونيو أطلقت شرارة معركة البناء والتنمية
  • كاتب صحفي: «30 يونيو» أنقذت الشعب من جماعة حاولت هدم الهوية الوطنية
  • جماعتي الإخوان المسلمين في السودان التابعة لمصر والمتسودنة كانوا الإثنين معارضة لحزب المؤتمر الوطني