عميد جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي بالإنابة: جيس يضمن للعربية مكانها في الذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT
أكد عميد جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي بالإنابة البروفيسور تيموثي بالدوين، أن إطلاق مركز الذكاء الاصطناعي "إنسبشن" لمجموعة "جي 42" الإصدار مفتوح المصدر من النموذج اللغوي الكبير بالعربية "جيس"، ثمرة تعاون بين المركز والجامعة، وشركة "سيريبراس سيستمز"، ويعد معياراً جديداً للإنجازات في الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط، ويضمن أن للغة العربية مكاناً مميزاً فيه.
وأضاف بالدوين أن "جيس" يقدم مستوى عالٍ من الدقة والقدرات للعربية، لمختلف المستخدمين، من حكومات وشركات، وأفراد في العالم العربي للاستفادة من الفرص الناشئة، ومن فوائد الذكاء الاصطناعي التوليدي.
دقة عالية
و تحدث بالديون عبر 24 عن الجهود لتطوير "جيس"، قائلاً: "تطلّب تطوير نموذج لغوي كبير للغة العربية بهذا المستوى، أبحاثاً متقدمة في الذكاء الاصطناعي، والفهم العميق للعربية بتنوعها وإرثها الغني، الأمر الذي أخذته جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي على عاتقها، وأثمرت الأبحاث التي أجرتها، والشراكات التي أبرمتها مع أفضل المؤسسات الإقليمية والعالمية نتائج سمحت بوضع نموذج جيس لفهم العربية وتنوعها وتراثها بدقة عالية".
وأضاف "عمل فريق الجامعة ومركز إنسبشن، على تقييم وتدريب "جيس"على مجموعة بيانات مخصصة تضم 116 مليار رمز مميز tokens، باالعربية لاستيعاب تعقيدها وتنوعها وغنىاها، باستخدام كوندور غالاكسي 1 (CG-1)، حاسوب الذكاء الاصطناعي الفائق، الذي طور بالتعاون بين جي 42، و "سيريبراس سيستمز"، وتضمنت البيانات أيضاً 279 مليار رمز مميز بالإنجليزية للارتقاء بأداء النموذج عبر التحويل ثنائي اللغة، وسيواصل مركز "إنسبشن" وجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي تحسين جيس"
قدرة تنافسية
وعن أهمية جيس، لتسريع وتيرة الابتكار في المنطقة، قال بالدوين: "يضع جيس معياراً جديداً للإنجازات في الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط، ويضمن للعربية بكل غناها وتراثها مكاناً في مشهد الذكاء الاصطناعي بشكلٍ عام، وهو دليل على الالتزام بالتميز وتكريس الجهود لإتاحة قدرات الذكاء الاصطناعي للجميع بغض النظر عن خبرتهم التقنية، وإطلاق العنان للابتكار في القطاعين العام والخاص".
ويُذكر أن أداء جيس، ثنائي اللغة باللعربية والإنجليزية يتفوق إلى حد كبير على أداء جميع النماذج العربية الأخرى المتوفرة، وبقدرة تنافسية عالية مقارنة مع النماذج الإنجليزية من الحجم نفسه، رغم تدريبه على حجم أصغر بكثير من البيانات الإنجليزية.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني محمد بن زاید للذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
التغير المناخي في الجنوب العالمي.. توترات يخمدها الذكاء الاصطناعي
طه حسيب (أبوظبي)
شهدت قمة المناخ الأخيرة في باكو «كوب 29» جهوداً دولية مكثفة للحد من تداعيات التغير المناخي وتعزيز سبل التكيف معه، في ظل شواهد متزايدة على تشابك مخاطر المناخ مع التوترات الداخلية والصراعات المسلحة. ففي 15 نوفمبر الماضي، وخلال الأسبوع الأوّل من مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ «كوب 29» في العاصمة الأذربيجانية باكو، انعقد لأول مرّة في تاريخ مؤتمرات الأطراف «يوم الرقمنة»، ونظّمه الاتحاد الدولي للاتصالات. دشّن هذا اليوم مرحلة جديدة تدمج ما بين التكنولوجيات الرقمية والعمل المناخي، لا سيما أن الإمارات كانت قد استبقت ذلك خلال رئاستها لمؤتمر «كوب 28» بتكثيف الجهود الرامية لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تقييم مخاطر التغير المناخي والاستجابة لها. هكذا أصبح العالم أمام واقعٍ جديد تتداخل فيه التوجهات الرقمية مع الاحتياجات المناخية، وتتصاعد الدعوات لجعل التكنولوجيا أداةً فاعلة في كبح الاحترار وتعزيز ما بات يُعرف بـ «العدالة المناخية».
يشكِّل التغير المناخي أزمة عالمية متصاعدة امتدّت من أروقة المنظمات البيئية إلى قلب المشهد السياسي الدولي، سواء في المواسم الانتخابية بعدد من دول الشمال أو في ظل مشكلات متفاقمة بدول الجنوب العالمي. وتعكس انعكاسات التغير المناخي على قطاعات الزراعة والصناعة وغيرها حقيقةً مفادها: التمويل والتكنولوجيا هما الحَلان الرئيسيان لدعم دول الجنوب الأكثر تأثّراً، فيما تظل العدالة المناخية مطلباً مُلحّاً، لأن هذه الدول الأقل مساهمة في الانبعاثات والأشد تعرضاً لتداعياتها.
وتبرز أهمية انتقال التكنولوجيا من دول الشمال إلى الجنوب، خاصةً مع اعتماد عدد كبير من اقتصادات الجنوب على الوقود الأحفوري أو الزراعة التي تتأثر بشدة بالاحترار العالمي. ما يلزم هو انتقال عادل ومسؤول إلى الطاقة النظيفة لا يُجهِز على الموارد الاقتصادية للدول المصدّرة للوقود الأحفوري.
في الجانب السياسي، تتصاعد مكانة المناخ في أجندات الأحزاب، مثل «الخضر» الألمان الذين قدّموا خططاً لتحفيز التحول الأخضر، و«الديمقراطيين» في الولايات المتحدة الذين يتبنون تشريعات مناخية، بينما كان الرئيس السابق دونالد ترامب قد أومأ بالانسحاب من «اتفاقية باريس»، ما قد يترك فرصة للصين لقيادة العمل المناخي العالمي. وفي بريطانيا، أعلن «حزب العمال» أجندة لجعل المملكة المتحدة قوة عظمى في الطاقة النظيفة.
أصبح التغير المناخي يرتبط بصراعات داخلية وإقليمية، بل ويُوظَّف أحياناً من قِبَل تنظيمات إرهابية لاستقطاب عناصر جديدة. لذا، صار الحديث عن «عدالة مناخية» يكتسب أبعاداً عالمية أوسع: من دعم مالي ونقل للمعرفة إلى توظيف الطفرة التقنية وآفاق الذكاء الاصطناعي للحد من التداعيات الكارثية على دول الجنوب.
صراعات أجّجها المناخ
تشير تقارير برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى تأجيج أزمة دارفور في السودان بسبب الجفاف منذ عام 2007، إذ تراجعت مساحة المراعي وندرت موارد المياه، وتتّسع الصحراء الكبرى هناك بأكثر من ميل سنوياً.
أما في سوريا التي سقط نظامها السياسي يوم 8 ديسمبر 2024، فقد أسهم الجفاف خلال الفترة من 2006 إلى 2010 في زيادة الاحتقان الشعبي قبل اندلاع اضطرابات 2011، أعقبتها حرب أهلية امتدت 14 عاماً.
في أفريقيا، استغلّت «بوكو حرام» في نيجيريا، و«حركة الشباب» في الصومال، شُح الموارد المائية والأراضي الزراعية لتجنيد عناصرها. فالجفاف يفاقم البطالة والفقر، ويزيد الانقسامات بين المزارعين والرعاة، ما يخلق بيئة مضطربة تتغذى عليها تلك الجماعات. هذه «حروب مناخية» عنوانها الموارد الشحيحة بفعل تغيّرات جوية قاسية. كما تؤدي التداعيات الاقتصادية للتغير المناخي إلى ارتفاع الأسعار في دول الجنوب المعتمِدة على الزراعة، ومحدودية قدرتها على التكيّف تجعلها عرضة لاضطرابات داخلية.
خسائر تعصف بالجنوب
تشير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى أنه في الفترة من 1970 إلى 2020، بلغت الخسائر الاقتصادية العالمية جراء التغير المناخي 4.3 تريليون دولار، فيما وصل عدد الضحايا إلى مليوني نسمة، 90% منهم في دول الجنوب. أما البنك الدولي فيتوقع أن يلحق الضرر بـ 143 مليون شخص في دول الجنوب بحلول عام 2050. وفي أوروبا، بلغت الخسائر 26 مليار يورو من 2010 إلى 2020 وفق «محكمة مراجعي الحسابات الأوروبية».
العون المالي والتقني
ظهرت فكرة صندوق الخسائر والأضرار عام 1992 خلال مطالبات الدول الجزرية الصغيرة. وفي «كوب 16» بالمكسيك (2009)، وُضع برنامج عمل للنظر في هذه القضية، ثم تأسست «آلية وارسو الدولية» في «كوب 19» بوارسو، تمهيداً لإلزام الدول الصناعية بتمويل الدول النامية المُتضررة من تغير المناخ.
جاءت «اتفاقية باريس للمناخ» (ديسمبر 2015) في «كوب21» لتُدرج بند «الخسائر والأضرار» منفصلاً عن سياسات المناخ. وفي «كوب 25» بمدريد، أُنشئت «شبكة سانتياغو» للمساعدات الفنية. تلاها في «كوب27» بشرم الشيخ 2022 تأسيس «صندوق الخسائر والأضرار»، الذي أُقرّ تفعيله في «كوب 28» مع مساهمة مبدئية بلغت 100 مليون دولار من الإمارات، ووصل إجمالي المساهمات آنذاك إلى 792 مليون دولار. وفي 12 يوليو الماضي، أُعلن اختيار الفلبين لاستضافة مجلس إدارة صندوق الاستجابة للخسائر والأضرار، لكن الدعم المالي وحدة لا يكفي لتحقيق العدالة المناخية، ما جعل
فكرة العدالة المناخية، عبر تعزيز التعاون المالي والتقني بين الدول الصناعية والدول النامية، حاضرة في جميع مؤتمرات الأطراف. وفي «كوب 28»، أُطلق «بيان أبوظبي المشترك بين الأديان بشأن تغير المناخ» أو «نداء الضمير»، داعياً الحكومات ذات الموارد الأكبر إلى التزام متزايد في خفض الانبعاثات ودعم الدول الأكثر احتياجاً.
الذكاء الاصطناعي وتقييم المخاطر
خلال استضافة الإمارات لـ«كوب 28»، أُقر اتفاق حول إطار لتحقيق الهدف العالمي لاتفاق باريس بشأن التكيف مع التغير المناخي، وشملت الخطوات تحديث تقييمات مخاطر المناخ بحلول 2025، وإنشاء أنظمة إنذار مبكر متعددة المستويات، وجميعها أمور يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في توفير معلومات عنها، ما يسهم في القدرة على التنبؤ بالكوارث المناخية.
في تصريح خاص لـ«الاتحاد»، قال الدكتور جواو ليما، مستشار الذكاء الاصطناعي بمجلس الأعيان البرازيلي، إن سد الفجوة بين الجنوب العالمي والدول المتقدمة من خلال الذكاء الاصطناعي يحمل إمكانات هائلة لتعزيز العدالة المناخية. وذكر أن التطبيقات الذكية قادرة على رفع قدرة البلدان النامية في التنبؤ الدقيق بالطقس وإدارة الموارد وتعزيز الزراعة المستدامة، لكنه شدّد على ضرورة الاستثمار في البنية التحتية الرقمية وبناء القدرات لضمان استعمالٍ أخلاقي ومنصف للذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي في «يوم الرقمنة»
شهد الأسبوع الأول من «كوب 29» في باكو انعقاد «يوم الرقمنة» الأول في تاريخ مؤتمرات المناخ، نظّمه الاتحاد الدولي للاتصالات التابع للأمم المتحدة، واختُتم بإعلان «كوب 29» بشأن العمل الرقمي الأخضر. وأيدت أكثر من 1000 جهة بين شركات وحكومات ومنظمات مدنية الإعلان، متعهدةً بتوظيف التقنيات الرقمية لتسريع العمل المناخي مع خفض البصمة الكربونية المرتبطة بإنتاج التكنولوجيا والحد من النفايات الإلكترونية.
يؤكد «الاتحاد الدولي للاتصالات» أن نمو التقنيات الرقمية، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، يفتح آفاقاً جديدة في تحسين كفاءة استهلاك الطاقة. لكن التوسع في رقمنة العالم يتطلب طاقةً متزايدة، خصوصاً لإدارة وتشغيل مراكز البيانات وتبريدها. وهذه التحديات نوقشت في «كوب 29» ضمن اجتماع رفيع المستوى حول رقمنة العمل المناخي.
الترابط بين الذكاء الاصطناعي والطاقة
في مقال نشرته «الاتحاد» يوم 28 يونيو الماضي، أكد معالي الدكتور سلطان الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، رئيس «كوب 28»، الترابط الوثيق بين الذكاء الاصطناعي والطاقة، موضحاً قدرة الذكاء الاصطناعي الهائلة
على دعم جهود الحد من تداعيات التغير المناخي من خلال إعادة صياغة العمل بالقطاعات الصناعية ومنظومة النقل والزراعة والصحة والأمن الغذائي ورفع كفاءة الطاقة. ومع ذلك، فإن نمو الذكاء الاصطناعي سيؤدي بالضرورة إلى زيادة الطلب على الطاقة، ما يستوجب التعاون بين قطاعي التكنولوجيا والطاقة. وهذا يعني الاتجاه للطاقة المتجددة لتلبية الطلب المتنامي على الطاقة من مراكز البيانات. وضمن هذا الإطار أبرمت عملاقة التكنولوجيا «مايكروسوفت» في مايو الماضي صفقة مع شركة بروكفيلد لإنتاج 10.5 جيجاواط من الطاقة بحلول 2030. كما تعمل شركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر» على استكشاف فرص توريد الكهرباء النظيفة لقطاع التكنولوجيا، وتسعى لزيادة قدرة مشروعات الطاقة النظيفة التي تنتجها حول العالم بمقدار 4 أضعاف بحلول 2030.
خطوات عملية
أطلقت «جوجل ديب مايند»، في ديسمبر الجاري، نموذجاً للذكاء الاصطناعي يُحسِّن التنبؤ بالطقس حتى 15 يوماً مقبلة، بتبني أسلوب «التنبؤات المجمعة» التي تزوّد صناع القرار بفرص متعددة لمختلف السيناريوهات. من شأن ذلك توفير إنذارات مبكرة أدقّ حيال الكوارث الجوية المحتملة.
حلول مناخية مبتكرة
في تصريح خاص لـ «الاتحاد»، قال مصطفى بيومي، زميل الأبحاث في مركز الدبلوماسية المناخية التابع لأكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية، إن للذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في تقديم حلول مناخية مبتكرة وفعّالة، كما يدعم المفاوضات الدولية بتوفير أدوات دقيقة توضح مدى الأخطار المناخية وتمكّن من التدخّل المبكر.
ويوضح أن الذكاء الاصطناعي يحلّل البيانات الضخمة من الأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار للتنبؤ بالفيضانات والأعاصير، ما يتيح اتخاذ إجراءات استباقية، علاوةً على تحسين كفاءة استهلاك الطاقة؛ وخفض انبعاثات الكربون. كما يسهم في تحسين المحاصيل الزراعية وتحديد أنسب توقيت للزراعة، ما يعزز الإنتاج ويقلل استخدام الموارد الطبيعية.
الذكاء الاصطناعي والمحيطات
تعد المحيطات بالوعةً ضخمة للكربون، حيث تمتص ما بين ربع إلى ثلث ثاني أكسيد الكربون الناجم عن الأنشطة البشرية، و90% من الحرارة الناتجة عن انبعاثات غازات الدفيئة. ويتسرب 8 ملايين طن متري من النفايات البلاستيكية سنوياً إلى المحيطات. وحده العلم قادر على استثمار القدرات الهائلة للمحيطات في امتصاص الكربون وكبح الاحترار، ومن ثم تحقيق الهدف المحوري من اتفاقية باريس للمناخ.
وفي «كوب 29»، دعا بيان أطلقه «جناح المحيط» بقيادة معهد «وودز هول لعلوم المحيطات» و«معهد سكريبس لعلوم المحيطات» بجامعة كاليفورنيا، البلدان والمنظمات للاستثمار طويل الأجل في مراقبة المحيطات، ورسم خرائطها وتوفير البيانات الخاصة بما يطرأ عليها من تغيرات. ويساعد هذا على فهم أفضل للتغيرات المناخية القصيرة والطويلة الأمد وحماية التنوع البيولوجي وإمدادات المياه العذبة. وتطبيقات الذكاء الاصطناعي قادرة على توفير أدوات ميسورة لدول الجنوب العالمي لتبادل المعرفة ومن ثم تمكين هذه الدول، خاصة الجزرية الصغيرة التي تمتد على مساحة تبلغ 30% من محيطات العالم.
وخلال كوب 29 في باكو، حشد «جناح المحيط» كوكبة من الأكاديميين من جامعات عالمية مرموقة ومسؤولين وناشطين من دول الجنوب للتركيز على القدرات الكامنة للمحيط في إنتاج الطاقة مثل طاقة الرياح، وفي حجز وامتصاص الكربون، بما يعزز العمل المناخي عبر المعرفة واستثمار التقنيات المتقدمة.
4 نوفمبر 2024
«ذكاء اصطناعي لطاقة المستقبل - ENERGYai» أول حل قائم على أنظمة «وكلاء الذكاء الاصطناعي» من نوعه في العالم تم تصميمه خصيصاً لضمان تعزيز الإنتاجية ورفع الكفاءة وخلق القيمة وخفض انبعاثات قطاع الطاقة، أعلنته «أدنوك» و«إيه آي كيو» خلال مشاركتهما في معرض ومؤتمر أبوظبي الدولي للبترول «أديبك 2024».
مبادرات إماراتية
نجحت الإمارات في توظيف الذكاء الاصطناعي لتحسين حياة الملايين من المزارعين حول العالم عبر التنبؤ بالتغيرات المناخية. وتتمثل إحدى مبادراتها في تطوير نماذج لغوية ضخمة متاحة للجميع لدعم المزارعين في اتخاذ قرارات مدروسة، فيما ترتكز مبادرة أخرى على «النموذج اللغوي الكبير للأغراض الزراعية» (AgriLLM) بالاستفادة من تقنيات «فالكون» مفتوحة المصدر، بالتعاون مع شبكة CGIAR و«الفاو» و«البنك الدولي» والصندوق الدولي للتنمية الزراعية.
تهدف هذه المبادرة إلى تزويد صغار المزارعين في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط بأدوات للذكاء الاصطناعي تساعدهم على اتخاذ قرارات تتعلق بالزراعة والتكيف مع المناخ.
آلية التوسع في الابتكار الزراعي
في الأسبوع الأول من «كوب 29» في باكو، أعلنت آلية التوسع في الابتكار الزراعي AIM for Scale عن حزمة ابتكارات لتوفير توقعات طقس عالية الجودة لمساعدة المزارعين على التكيف مع آثار التغير المناخي. ويستند ذلك إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي لدعم المرافق الوطنية للأرصاد الجوية. وتعهدت مجموعة من الشركاء العالميين بتخصيص أكثر من مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة لدعم هذه الحزمة، ما يساهم في تحسين الزراعة وتعزيز الأمن الغذائي، خاصةً مع تقلب أنماط الطقس.
تحولات الطاقة وكبح التغير المناخي
أكبر مساهم في الانبعاثات هو قطاع الطاقة الذي ينتج 75% من الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وتقدّر تكلفة التحول العالمي من الطاقة الأحفورية إلى المتجددة بنحو 250 تريليون دولار خلال العقود الثلاثة المقبلة. ووفق «معهد الموارد العالمية»، تُمثل انبعاثات إنتاج الكهرباء والتدفئة 29.7% من إجمالي الانبعاثات، يليها النقل (13.7%)، والتصنيع والبناء (12.7%)، والمباني (6.6%)، وانبعاثات إنتاج الوقود الأحفوري ونقله. كما تساهم الزراعة وتغيير استخدام الأراضي بـ11.7%، والصناعة بـ 6.5%، وقطاع النفايات بـ 3.4%. إن الحدّ من الاحترار عند 1.5 درجة مئوية يستلزم تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري والتوسع السريع في مصادر الطاقة الخضراء، وهو ما يتطلب طفرة تقنية ومالية ضخمة. وفي «كوب 28» بالإمارات، جرى التوصل إلى «توافق تاريخي» بشأن ضرورة انتقال عادل ومنظّم من الوقود الأحفوري إلى أنظمة طاقة مستدامة، مع مضاعفة إنتاج الطاقة المتجددة ثلاث مرات وتحسين كفاءة الطاقة بمقدار ضعفين بحلول 2030.
يتضح من هذا كله أن الذكاء الاصطناعي يُعَد لاعباً رئيسياً في تحقيق التحوّل الأخضر، سواء عبر إدارة الطاقة أو الزراعة الذكية أو التنبؤ بكوارث الطقس، ما يفسر زخْم «يوم الرقمنة» في «كوب 29 » الذي دشّن مرحلة جديدة للعمل المناخي يقوده التقدم التكنولوجي، في مسار يُفترض أن يوحِّد طموحات العالم نحو مستقبل مستدام وأقلّ عرضةً للمخاطر المناخية.
الأثر الاقتصادي لتطبيقات الذكاء الاصطناعي
أجرت «برايس ووترهاوس كوبرز» المملكة المتحدة بحثاً حول نمذجة الأثر الاقتصادي لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في أربعة قطاعات: الزراعة والمياه والطاقة والنقل. ووفقاً للدراسة، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي للتطبيقات البيئية يمكن أن يساهم بما يصل إلى 5.2 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030، بزيادة قدرها 4.4% في جال العمل من دون هذه التطبيقات.
كما سيؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي إلى خفض انبعاثات غازات الدفيئة في جميع أنحاء العالم بنسبة 4% بحلول عام 2030، أي ما يعادل الانبعاثات السنوية لثلاث دول، أستراليا وكندا واليابان مجتمعة. وفي الوقت نفسه، يمكن أن يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي إلى تحسين الإنتاجية وخلق 38.2 مليون وظيفة جديدة في جميع أنحاء الاقتصاد العالمي، بما في ذلك توفير المزيد من المهن ذات المهارات العالية كجزء من هذا التحول. من هناك، يمكننا أن نرى بوضوح التأثير الإيجابي للذكاء الاصطناعي في خلق اقتصاد أخضر ومستدام.
الذكاء الاصطناعي سيعزز القدرة على التنبؤ بالكوارث الجوية والطبيعية والاستجابة لها.
العمل المناخي.. مبادرات مـن الجنوب العالمي
خلال مشاركته في «كوب 29» المنعقد في باكو، أكد أليكسندر كارلين، الصحفي الأميركي والفنان الموسيقي صاحب الرقم القياسي في الغناء المتواصل (32 ساعة في بولندا يوم 20 يونيو 2009)، وجود فجوة مالية وقوة متفاوتة بين دول الجنوب العالمي ودول الشمال فيما يتعلق بالعمل المناخي. وفي تصريح خاص لـ«الاتحاد»، يقول أليكسندر، إن الذكاء الاصطناعي قادر على «إصلاح الأضرار» والاقتراب من تحقيق العدالة المناخية عبر إنعاش النظم البيئية للمحيطات والحد من تحمضها، وتعزيز نمو العوالق التي تمتص ثاني أكسيد الكربون.
الجنوب العالمي - حسب أليكسندر - يواجه احتراراً متسارعاً قد يجعل العمل الزراعي أو المعيشي في الأماكن المفتوحة مستحيلاً، فيما تفاقم حموضة المحيطات أزمة الإنتاج السمكي. والحل يكمن في خفض فائض ثاني أكسيد الكربون عبر دعم نمو العوالق البحرية.
وقد استشهد أليكسندر بمداخلة الباحثة النيجيرية «موليكا أويزا فولورونشو»، مديرة برنامج ICCREA (المبادرة من أجل تغير المناخ والدعوة إلى الطاقة المتجددة)، التي حذّرت من ارتفاعات حرارية قياسية. ففي شمال شرق نيجيريا، وصلت الحرارة هذا العام إلى 45 درجة مئوية، فيما سجلت غرب أفريقيا 50 درجة مئوية، ما يهدد الصحة العامة بالإجهاد الحراري. وفي الهند، عانت نيودلهي حرارة مدمِّرة لأسابيع وصلت إلى 50 درجة مئوية، بينما أجبرت الظروف المناخية القاسية في إندونيسيا المزارعين على تقصير ساعات العمل، تفادياً للإصابة بأضرار الحرارة.
الحل في المحيط
يرى أليكسندر الذي يغني محفزاً أفريقيا على التصدي للتغير المناخي، أن البشر هم من تسببوا بالمشكلة، وذلك بعد إطلاق أكثر من تريليون طن من ثاني أكسيد الكربون الإضافي إلى الغلاف الجوي، ما ألحق أضراراً جسيمة بالمحيطات، وتسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري. ويؤكد أنه لا يمكن للتقنيات أو الأشجار وحدها إزالة هذه الكمية الضخمة، كما أن تقليل الانبعاثات المستقبلية لا يزيل المخاطر القائمة حالياً، لكن هناك آلية ضخمة لعملية التمثيل الضوئي في المحيطات يمكنها تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى أشكال حياة بحرية، ومن ثم إزاحته من الغلاف الجوي. ويأمل أن تؤدي مبادرات صغيرة نسبياً لاستعادة مصائد الأسماك في مائة قرية حول العالم إلى تغيير هائل في امتصاص الكربون، واستعادة مناخ آمن.
طموحات تونغا
من الجانب الآخر، يبرز دور منظمات المجتمع المدني في الدول الجزرية التي تُعَد من أكثر المناطق عرضة لآثار التغير المناخي. «أويلي لوسي»، رئيس منظمة OHAI Tonga (من مملكة تونغا في جنوب المحيط الهادئ)، يوضح أثناء مشاركته في «كوب 29» في تصريح خاص لـ«الاتحاد» من باكو أن بلاده تؤمن بأن الذكاء الاصطناعي قد يشكّل «مركزنا العالمي الجديد لمعلومات الاستثمار». ويقول: «نحن في تونغا ومنطقة المحيط الهادئ نحتاج إلى توظيف الذكاء الاصطناعي في التخفيف من آثار تغير المناخ، ولدينا طموح بتحويل تونغا إلى مركز دولي لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في رصد الظواهر البحرية مثل حركة الحيتان».
التحالف الدولي للطاقة الشمسية
مع تصاعد الدعوات للاستثمار في التقنيات الحديثة لإنتاج طاقة نظيفة، يبرز «التحالف الدولي للطاقة الشمسية»، الذي انطلق يوم 30 نوفمبر 2015، كإطارٍ يستهدف الحد من الانبعاثات وجسر الهوة التقنية بين الشمال والجنوب. وخلال «كوب 29»، استضاف جناح التحالف 48 جلسة تناولت سبل زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة. وفي 18 نوفمبر2024، وقّع التحالف مذكرة تفاهم مع «المركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة» التابع لجامعة الدول العربية، بهدف تعزيز نشر الطاقة الشمسية في البلدان العربية الأعضاء، وتنسيق الجهود في تصميم السياسات والتدريب والتمويل.
وتقول «سانديب كور»، رئيسة برنامج الدول الجزرية الصغيرة النامية في التحالف الدولي للطاقة الشمسية، إنها تنحدر من فيجي، وهي دولة جزرية صغيرة في المحيط الهادئ، وعضوٌ في التحالف. وتضيف في تصريح خاص لـ«الاتحاد»: «نعمل مع أكثر من 120 دولة حول العالم، لتحقيق الانتقال من الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة. ونؤمن بشدة أن هذا التحوّل يساعد في حل الكثير من مشكلات تغير المناخ. رأيتُ الآثار المباشرة في فيجي، وكنا دائماً ندعو لاتخاذ إجراءات عاجلة على الأرض، وحث الدول على خفض الانبعاثات».
وتشير «سانديب» إلى ضرورة أن تكون الخطوات المناخية متسارعة ومنصفة أيضاً، بما يضمن مشاركة الفئات كافة، وبينهم النساء والمجتمعات المهمَّشة.
الإمارات ومشروع «لاكارو»
قدّمت الإمارات منذ عام 2015 دعماً لمشروع طاقة شمسية في ثلاث جزر بفيجي (لاكيبا وكادافو وروتوما) تُعرف مجتمعة بـ«لاكارو»، وذلك عبر صندوق أبوظبي للتنمية، وبالشراكة مع نيوزيلندا. وفي ديسمبر2023، استُكملت المرحلة الثانية من المشروع لتأمين طاقة نظيفة لسكان تلك الجزر.
في 19 نوفمبر2024، أصدر التحالف الدولي للطاقة الشمسية، بالتعاون مع مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) تقريره الثاني بعنوان: «إطلاق العنان لدور الطاقة الشمسية في تعزيز العدالة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية». ويرسم التقرير خريطة طريق تهدف إلى زيادة القدرة على إنتاج الطاقة الشمسية في العالم، بمقدار 20 ضعفاً بحلول عام 2050، مع توفير فرص وصول لأكثر من مليار شخص حول العالم من المحرومين حالياً من الكهرباء. ويتوقع التقرير أن يؤدي التحول إلى الطاقة الشمسية إلى خلق 27 مليون وظيفة خضراء عالمياً بحلول 2050، مع إمكانات مهمة للمرأة والمجتمعات المُهمَّشة. كما يشير إلى أن تسريع نشر الطاقة الشمسية يمكنه خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 25%، بما يتماشى مع الهدف الطموح لاتفاق باريس، أي كبح الاحترار عند حدود 1.5 درجة مئوية فوق معدلات ما قبل الثورة الصناعية.
ويؤكد التقرير أن تكاليف توليد الطاقة الشمسية ستنخفض 60% بحلول 2050، ما يجعلها في صدارة الطاقات المتجددة القابلة للتوسع بسرعة وفعالية في مختلف أنحاء العالم.
تؤكد هذه المبادرات والمشاريع في الجنوب العالمي أهمية تعزيز القدرات المحلية والتقنيات المتقدمة، من الذكاء الاصطناعي إلى الطاقة الشمسية، لمواجهة التغير المناخي. وبحسب أليكسندر كارلين، قد تكون «العدالة المناخية» الخيار الوحيد لدول الجنوب لإنصافها وتعويضها عن أضرار تسببت بها انبعاثات الآخر، عبر حلول تتسم بالابتكار والاستدامة. وفي الوقت ذاته، يظل المحيط جزءاً لا يتجزأ من الحل، سواء باستعادة العوالق المائية، أو بحماية مصائد الأسماك، أو بتطوير بنية تحتية رقمية تتيح رصداً دقيقاً لما يجري في أعماق البحار.
تكتسب هذه الجهود زخماً إضافياً مع تطور الشراكات الإقليمية والدولية كـ«التحالف الدولي للطاقة الشمسية»، وسط حاجة عاجلة إلى خفض الانبعاثات، وتعزيز تمويل المشاريع الخضراء في دول الجنوب والاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي القادة على تحقيق منطق «رابح- رابح» للمتضررين من التغير المناخي في الجنوب العالمي وأيضاً لدول الشمال المصدرة للتقنيات المتقدمة، فهذه الأخيرة تستطيع تقديم الدعم المعرفي الذي يشبه «السنارة» بدلاً من التمويل النقدي الذي بات يشبه «السمكة»، لكن دول الجنوب تحتاج أدواتٍ لتمكينها تقنياً، وليس حلولاً جاهزة تكرس تبعيتها وارتباطها بالشمال. وفي المحصلة، يرى خبراء المناخ أن نجاح خطط التحول الأخضر عالمياً يستلزم إشراك الجميع، خاصة المناطق الأكثر هشاشةً، وتوفير ما يكفي من الإرادة السياسية والتمويل والابتكار، خاصة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، لتجنيب البشرية كوارث الاحترار المتسارع.