الروائي العربي واسيني الأعرج يكتب لـ “أثير”: الحَلَقَةُ الغَائِبَةُ: مُعوّقَات تَوْطِين المَسْرَح العَرَبِي.
تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT
أثير – الروائي العربي واسيني الأعرج
ليس المسرح العالمي، كتلة ثابتة في الزمان والمكان، ولكنه حالة متحركة اجتماعيا وثقافية وفنيا، يتأثر ويتلون بحسب متغيرات الأوضاع، على الرغم من صرامة ضوابطه وقوانينه الداخلية وديمومتها، وأية رؤية تعمل على تجميده في النموذج المطلق فهي تقتله، وتفقده ماهيته التي بني عليها: الحركة.
من هذا المنظور، تطرح هذه الورقة مجموعة من الأسئلة المتعلقة بفكرة “التجريب” التي صاحبت المسرح العربي على مدار العصر الحديث، من خلال السؤال الذي خلفته في رحلتها الطويلة نسبيا: هل غيَّر التجريب العلاقات الأساسية بين المسرح وتاريخه وجماهيره المتابعة والحاملة له، أي هل أمدته التحولات التي مسته جسديا وهزت محيطه، تاريخا ظل يفتقر إليه من أجل فكرة التوطين؟ وبين المسرح والجمهور، هل حل التجريب والممارسة المسرحية الجديدة، مشكلة الهوة الفاصلة بين المسرح كفاعلية فنية وجمهور غير مكون في هذا السياق؟ جمهور شعبي تعود على الفرجات الشعبية كالحلقات العامة، والتجمعات الخطبية الدينية، والأعراس والأسواق التي تتبدى فيها عبقرية الحكواتي. يبدو من الملاحظات الأولية أن التجريب بقدر ما قدم احتمالات جادة عن إمكانية نشوء مسرح جديد، إلا أنه أثار قضايا كثيرة تتعلق بفكرة توطين المسرح نفسه، الذي يعاني من معضلة التقبل في أشكاله التجريبية كالحلقة والمسرح الاحتفالي وغيرهما التي يفترض أنها تستجيب لمعطى ثقافي شعبي، فهي حلت بالتالي مشكلة القابلية والتوطين. المسألة ليست بهذه السهولة وإلا علينا أن نسبق تحليلنا بالمعاينة التالية: هل خلق مسرح الحلقة الذي مثل في القرى والأماكن الشعبية جمهورا مسرحيا يتذوق اليوم ما يقدم له في المسارح أو الساحات العامة؟ لن يخالفنا المسرحي الجزائري الكبير المرحوم عبد القادر علولة في أنّ النتائج المأسوية لم تتأتَّ من كون الجمهور أصم إذ لا يوجد جمهور بلا قابلية للتعلم والاستقبال، الزمن والأجيال والتعلم تفتح أكثر المسالك ضيقا من الناحية الثقافية، ولكن لأن الفعل الثقافي في الوطن العربي والجزائر تحديدا، كان وما يزال من الكماليات الثانوية التي لا تستدعي المتابعة. علبة سجائر مارلبورو أجدر من بطاقة دخول إلى المسرح الوطني؟ هذه هي الخلاصة المفجعة التي كثير ما نقفز عليها. وتحولت الحلقة في نهاية المطاف إلى حلقة ثقافية للنقاش النظري، المهم جدا من الناحية الثقافية ولكنه ضعيف في البنية المسرحية التي كانت تحتاج إلى تغيير عميق. النظري من الناحية المسرحية لا يعوض مطلقا الممارسة المسرحية التأصيلية، الضرورية لأي توطين.
لهذا وجب التفريق منهجيا بين مصطلحين كثيرا ما تداخلا: مسرح التجريب والمسرح التجريبي؟
فإذا كان المعنى في المصطلح الأول يتحدد بالنزعة الفردية بكل ما تحمل الكلمة من محاولات وخصوصيات التفرد، لأن:
أولا: الفعل المسرحي في هذه الحالة لا يدّعي أنه بصدد تكوين مدرسة توطِّن المسرح في أرضه، ولكنه يعترف مبدئيا بالمقاربة الفردية التي قد تصيب وقد تخيب. فهو يخوض تجربة أرضيتها النظرية وسلسلة من التجارب الغربية التي شاهدها أو عاشها أو ربما ساهم فيها في أوروبا، أي في مجتمع مهيكل ثقافيا ومعرفيا وجماهيره مثقفة وأفق انتظارها واسع لهذا يجد المسرحي نفسه مجبرا على تقديم الجيد والأجود لأنه لا يريد أن يخسر جمهورا كونه مسرحيا من خلال تجربته في تمايزها، على مدار عشرات السنين. أي تشويش في أفق الانتظار يضع تجربته في المدارات الحمراء التي تسبق تخلي الجمهور عن تجربة من التجارب المسرحية التي كانت متوهجة في حقبة من الحقب.
ثانيا: المسرح التجريبي، أو التجريبية بمعناها الفعلي ومحاولة توطينه، يتوخي النموذجية المسرحية. أي ما يمكن اعتماده كتجربة يسهل تعميمها؟ من هنا، فالتجريبية تفترض سلسلة من التجارب المسبقة التي استقرت وخلقت فيما بينها مجموعة من التجاذبات بحيث يمكنها أن تتحول إلى نموذج مدرسي للتوطين. فإذا أخدنا هذه الفكرة في البلدان المغاربية، من خلال تجربتي مسرح الحلقة كما أرادها عبد القادر علولة في محاولته الرائدة لتدمير الشكل الأريسطوطاليسي والعودة إلى الأشكال الشعبية القديمة التي يلعب فيها الڤوال الدور الحاسم في عملية السرد والقص، والمسرح الاحتفالي أو الفرجة، في المغرب عند الكاتب المسرحي المجتهد عبد الكريم برشيد الذي جعل من المسرح في النهاية حالة فرجة اعتمد فيها على الأشكال التمثيلية المتولدة عن ممارسات الأسواق، والأماكن الشعبية، حيث يتم التعامل مع جمهور غير مكوّن مسرحيا ولكنه يعرف النموذج الذي يُلعب أمامه ومحب له ولا يشعر تجاهه بأي اغتراب. أي أنه يرى تجليات السوق الشعبية أمامه مسرحيا. ماذا بقي من هاتين التجربتين بعد عشرات السنين؟ من المؤكد أنّ هذه التجارب خلقت أرضية مسرحية شديدة الأهمية ولكنها أفلت للأسف دون أن تتمكن من خلق البدائل المسرحية الجديدة. تعاني المسارح المغاربية، والعربية، من النماذج المسرحية المؤثرة الحاملة لرؤية مميزة وحقيقية. لهذا نجد مسرحية ناجحة ولكن لا توجد تجربة ناجحة. ربما علينا انتظار زمن آخر لنتمكن من توطين التجارب المسرحية الجديدة. مسرحية “جي بي إس” تظل مسرحية جديدة في أفقها اللغوي الخاص الذي محا كل الحدود لتصبح الإشارة المحملة بالدلالات الرمزية، هي لغة المسرح، ولكنها ليست تجربة يمكن تعميم نموذجها على الأقل دون السقوط في التكرار، مقتل المسرح.
خارج التأطير النظري الذي كثيرا ما يحلّ المعضلات الثقافية بسهولة كبيرة، نجد في الحالتين غلبة النموذجية الفردية، أي التجريب الذي لم يُخرج المسرح من دائرة النخبة. المعضلة الكبيرة هي أن هذا المسرح المفترض شعبيا ومؤسسا على النموذج المتداول بسهولة، ظل يؤدَّى في الأغلب الأعم، على خشبة المسرح الإيطالي، ولم تخلق الخشبة الدائرية التي تعيد إنتاج الحلقة أو غيرها، الموائمة لمسرح الحلقة أو الاحتفالي. الجمهور عندما يدخل إلى المسرح أو الأوبرا يترك وراءه السوق والتقاليد الشعبية ويدخل في منظومة قد لا تكون مريحة إلا بالنسبة لعارف بالمسرح. لا يستطيع الجمهور العادي أن يخبئ خوفه من المكان وكأنه يدخل إلى مكان يشبه المكتب، ليس من حقه أن يدخله، أو مستشفى، هناك شعور مبطن بالخوف على العكس من السوق التي يواجهها بفرح ويضحك من حركات الحكواتي الذي يغير في الشخصيات. للاشعور الجمعي ليس مسالة بسيطة أبدا. الجمهور الشعبي في أغلبه عندما يمر على المسارح لا يمكنه أن يتخلص من فكرة أنها ليست له ولكنها لغيره. يحتاج الأمر إلى جهود مضنية للفنانين المسرحيين وخيارات حقيقية للدولة إن أرادت أن تدخل المسرح في الانشغالات اليومية للمواطن. لا يمكن، مهما كانت النوايا حسنة وطيبة، أن تُحل مشكلات مثل التوطين، والتجريب، والتلقي، من دون قراءات حقيقية تقع خارج السياسي والإيديولوجي السهل.
خلاصة الجهود هي أن التجربة المسرحية العربية غلبت عليها الفردية التي، على الرغم من قيمتها وتمايزها، لم تؤهلها للتطور والتعميم. لكنها كلها تجارب أصبحت اليوم تاريخا أو جزءا من التاريخ المسرحي، تستحق أن تدرس بالجدية التي تليق بها ولكن المراهنة عليها لحل معضلات التلقي والتوطين ليست أمرا صائبا. لم تعد هذه التجربة المسرحية سواء الحلقة أو الاحتفالية تغري الكثير من الشباب المتطلع إلى تجارب أخرى جعلت العولمة الثقافية ووسائل الاتصال الحديثة ترتبط أكثر بما يمارس عالميا مع القبول المسبق بالحقيقة المرة والتي مست كل الفنون والآداب، التخلي عن الممارسات الماضية التي على الرغم من حداثتها، لم تخرج أيضا من قدامة قتلتها أكثر مما أفادتها، والقبول بالنموذج الغربي وتأصيلية بمحلية تجعل من تقبله أمرا ممكنا وتضع التجربة المسرحية العربية قابلة للتسويق عالميا. الأشكال المعاصرة التي تتناغم فيها القصة بالسينوغرافية المتحررة من كل القيود والإضاءة المشبعة بالتكنولوجية الحديثة أصبحت مبغى مهما في المسرح الجديد.
من هنا نكتشف أن التجربة المسرحية العربية والمغاربية تحديدا، طرحت مجموعة من المعضلات أكثر مما قدمت حلولا لمشكلة التوطين التي ظلت تشغل جيلا بكامله لأنه بنى على فكرة التوطين كل مشروعه التجريبي. كيف تجلب جمهورا غير مكون مسرحيا بالمعنى الغربي نحو مسرح يستجيب لثقافته ونوازعه الخاصة وثقافته أيضا التي تلقها عير القرون. يبدو لي أن فعلا مثل هذا يحتاج إلى تغيير جوهري في بنى التلقي ليس فقط على المستوى الفكري ولكن على المستوى البنيوي. الجمهور في النهاية، بما في ذلك الجمهور في الغرب هو ثمرة ثقافة تكوين مسرحي وثقافة مسبقة، ولا يمكن أن نبني مشروعا فقط بالاعتماد على المتشابه تاريخيا. ثم حتى ولو افترضنا أنه يمكن الاعتماد على جمهور تعود على الأسواق والأماكن المفتوحة يحتاج افتراض مثل هذا إلى تغيير بنية المسرح والتفكير في هندسة أخرى، ومغادرة الركح الكلاسيكي والنموذج الإيطالي، والخروج نهائيا من منطق المسرح الأريسطوطاليسي؟ وهي معضلات ظلت خارج جوهر اهتمامات المسرحيين، وكأن الأمر يتعلق فقط بالرغبة. النخبة التي تبنت مشروع التجديد ومارسته، مثلت في النهاية مسرحها أمام نخب مدينية أكثر ارتباطا بالمسرح الكلاسيكي، فخلقت اغترابا من نوع جديد؟
لا ننقص مطلقا من جهد المسرحيين العرب والمغاربيين تحديدا، ولكننا نحتاج اليوم إلى تأمل هذه التجربة المفيدة تاريخيا بوصفها حالة تجريب وتوطين ظلت محكومة بظرفية تاريخية كان الهدف من ورائها المسرح في خدمة الجمهور وليس المسرح في خدمة جمالية جديدة. ربما كانت المعضلة الكبرى هنا بالضبط. التسييس الذي يحل كل شيء عن طريق الخطاب ولا شيء غير ذلك في النهاية، فرض نفسه كبديل يقيني لا يقبل أي نقاش أو سجالية.
من المهم جدا من وراء هذا الحديث المسرحي، الوقوف على أسباب الانطفاء والإخفاق المسرحيين. هل هو إخفاق خارجي أي خاضع لعوامل لا علاقة لها بالمسرح، أم بنيوي مرتبط بفكرة التجريب نفسه في الوطن العربي الذي كان يبحث عن فعل التوطين لجنس بدا غريبا عن مجتمعه، فأعاد إنتاج حالة الاغتراب؟ اغتراب النص من خلال محدودية قرائه، واغتراب الفعل المسرحي الذي يغير مختلف العلاقات، بالخصوص علاقة الجمهور بخشبة المسرح وبأفق الانتظار. فقد بدا غريبا وبعيدا ثقافيا لأن الحلقة لم تتحول إلى بديل مسرحي عن السوق. فقد ظل الإحساس الداخلي بالأمان (المسرحي) غائبا بسبب تسيد وهيمنة العلبة الإيطالية.
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: فی النهایة المسرح فی من خلال
إقرأ أيضاً:
بعد هروب حاملة الطائرات “لينكولن”.. لمن البحر العربي اليوم؟
يمانيون/ تقارير
لقد نجحت مدرسة اليمن العسكرية في هزيمة الأساطيل الأميركية، وقد يرى البعض أن الحديث عن انتصار كهذا سابق لأوانه، إلا أن من يعرف الجيش اليمني ويدرس جيداً مسار هذه المعركة يصل إلى نتيجة أن اليمن انتصر فعلاً.
جاءت حاملة الطائرات آيزنهاور ترافقها قطع حربية أميركية وغربية متعددة مصحوبة بهالة إعلامية طالما استخدمتها واشنطن ضد خصومها، والمؤلم أن حلفاءها في المنطقة روّجوا وهلّلوا للوجود العسكري الأميركي أكثر من البيت الأبيض ومتحدثه والبنتاغون ووزارة الخارجية الأميركية.
جاءت واشنطن ومعها فخر أسلحتها الاستراتيجية ومقدمة بحريتها النارية محاولة عسكرة البحر الأحمر، ومتخذة من إسناد اليمن لفلسطين ذريعة وأسلوباً للتغرير بممجتمعها ومجتمع المحيط العربي ولتنفيذ هدفها المتمثل بالدفاع عن الصهيونية العالمية.
جاءت واشنطن وهي تنوي ارتكاب خطأ استراتيجي لا يقل عن الخطأ الذي ارتكبه نتنياهو ومتطرفو الكيان، وحشدت ليس الرأي العام فحسب بل أدواتها في المنطقة والعالم، وكان أن تعثرت سريعاً في أول مهماتها العدوانية.
لقد انتهج اليمن مدرسة عسكرية خاصة للتعامل والتعاطي مع الأساطيل الأميركية ومع الوضع العسكري الداخلي بكل تشعباته، هذه المدرسة هي التي دفعت بواشنطن إلى تخصيص مراكز أبحاث خاصة ووحدات في أجهزة استخباراتها تسلط الضوء على اليمن، وتفعل كل مقدراتها للنيل من البلد الجغرافي الحساس والمهم اليمن العنيد المفعم بالخبرة العسكرية الشجاعة.
لقد بدأ اليمن مدرسته العسكرية بالعنف العسكري، إن صح التعبير، ومنذ الوهلة الأولى لم يتدرج في طريقته الدفاعية وهو يعلم أن هذه الحرب قد تطول وقد تكون حرب استنزاف طويلة الأمد، لكنه لم يغرق في هذه الحسابات بل أخرج ما لديه من قدرات وصفع بها واشنطن، وبعد كل صفعة على خد العدو كان الجيش اليمني يرسل رسائل النار إلى الأدوات في المنطقة والداخل والكيان المجرم، أن أي إشغال أو حرب ضد اليمن لا يمكن أن تحرفه عن استهداف العمق الإسرائيلي ولو كان بحجم أميركا وأساطيلها.
نعم، أثبت اليمن لعدوّه قبل صديقه أن لديه مدرسته العسكرية الخاصة التي ينطلق منها، فبدلاً من حرب استنزاف طويلة والغرق في الحسابات، كانت الضربات الكبرى في بداية المعركة البحرية، وكان الاستهداف لأميركا في البحر الأحمر والعربي وخليج عدن وباب المندب مستمراً ومتنامياً وبدقة صدمت العدو ودفعته إلى الهروب والعودة إلى مرابض حاملاته.
إن أسلوب الزخم العسكري اليمني أثبت فاعليته في حرب الطوفان، فهربت “آيزنهاور” وعين الصين وروسيا ترقبها، فضلاً عن عين اليمن التي لم تغفُ دقيقة واحدة في رصدها واستهدافها وإشغالها، وهذا ما جعل طاقم حاملة الطائرات “آيزنهاور” يقول إن الزخم العسكري اليمني نوعي ومخيف ومتقدم.
ولأن اليمن يرى أن كل الخطوط الحمر قد تم نسفها من قبل العدو في فلسطين، ودمر كل جسر يمكن البناء عليه، ولم يتبق على جسد بايدن أي شيء لستره، بل خلع كل الأقنعة وكل الأزياء التي كانت أميركا طيلة تاريخها تحاول إظهارها أنها بلد الحريات والإنصاف وبلد الإنسان بكل ألوانه وأشكاله، كان لا بد من الرد بالمثل فكانت مدرسة اليمن العسكرية هي الدقيقة والقوية والفعالة في مواجهة الغطرسة الأميركية في المنطقة، بل يمكن البناء على أن مدرسة اليمن العسكرية هزمت ما يسمى بتحالف الازدهار، وهزمت أيضاً معه الكيان وأسقطت بعض المشاريع التي كان العدو يخطط للقيام بها اليوم أو يخطط لتنفيذها مستقبلاً.
لقد أسقطت هذه المدرسة والزخم العسكري النوعي والدقيق مشروع واشنطن العسكري، ودفعت بواشنطن الى إعادة التجربة من خلال إرسال حاملة طائرات جديدة حملت اسم “إبراهام لينكولن”، والتي أتت بعد هروب رفيقتها “آيزنهاور” ولكنها تمركزت هذه المرة في البحر العربي، بعيداً إلى حد ما عن حدود اليمن البحرية.
مع ذلك، اعتقد العدو أن تمركز حاملة طائراته في البحر العربي سينقذها من زخم صواريخ اليمن وطائراته المسيرة، وقام الأسطول الأميركي بتنفيذ عدة عمليات في العمق اليمني، دفع إلى التعامل معه عسكرياً فكانت الضربات المتتالية.
والمذهل في المعركة البحرية الطاحنة، أن العدو درس أسلوب اليمن العسكري، وكشف نوع الأسلحة المستخدمة ضد أساطيله ودرس التوقيت والدقة والمدى والأسلوب والقرار، ونقل كل المعطيات بعد هروبه ومغادرته إلى الأسطول الجديد “إبراهام” ومع كل ذلك، كان الفشل الصادم هو ما حدث.
فبعد العدوان المستمر على اليمن من قبل الطائرات الأميركية والبريطانية، قرر اليمن إعادة التعامل بمدرسته العسكرية الخاصة، زخم عسكري مصحوب بنوعية الضربات ودقتها، فجهز صواريخه وطائراته وأسلحته التي لم تستطع الأقمار الصناعية ولا الاستخبارات الأميركية اكتشافها وتحييدها ورصد تموضع الأسطول الأميركي في البحرين الأحمر والعربي، واكتشف مخططاً لاستهداف اليمن بشكل واسع وغير مسبوق فقام بعملية نوعية أقل ما توصف بأنها ملحمة عسكرية عاشها العدو وأدرك خطورة هذا البلد وشعبه وقائده.
وكشفت مصادر الميادين أن حاملة الطائرات الأميركية “أبراهام” أطلقت أسراباً من الطائرات الحربية للقيام بهجوم واسع يستهدف عدة محافظات يمنية فقام الجيش اليمني بعملية استباقية متصدياً الطائرات الأميركية، واستقبلت “أبراهام” ما يقرب من 29 صاروخاً باليستياً وبحرياً وطائرة مسيرة، في عملية مرهقة ومعقدة وغير مسبوقة ضد القوات الموجودة فوق هذا الأسطول، توزعت مصادر النيران لهذه العملية وفقاً للتخطيط الزمني السريع الذي اتخذه الجيش اليمني وبنى عليه وانطلق من خلاله، لتستمر المناورة العسكرية مع هذا الأسطول ما يقرب من ثماني ساعات متتالية، وفقاً للمتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، وهذا ما دفع بحاملة الطائرات إلى التراجع والهروب.
هذه العملية شكلت صدمة لقيادة الأسطول العسكري، ودفعت به إلى إعادة حساباته العسكرية ومعها إعادة حاملة الطائرات “أبراهام” إلى مربضها، وفقاً لما نشره المعهد البحري الأميركي الذي أكد أن “يو إس إس أبراهام لينكولن” غادرت الشرق الأوسط بعد دخولها منطقة الأسطول السابع الأميركي تاركة الشرق الأوسط من دون حاملة طائرات للمرة الثانية فقط خلال أكثر من عام، وقد تكشف الأيام المقبلة تفاصيل هزيمة هذه الأساطيل وقوة اليمن العسكرية والشعبية.
وخلاصة لما سبق، يرى خبراء عسكريون أن مدرسة اليمن العسكرية بدأت معركتها بتقديم بعض الأوراق العسكرية الاستراتيجية واستخدامها في الوقت المبكر، ما قد يمثل حلاً وردعاً حقيقياً للعدو وقد تفشل مخططاته، مع دراسة احتمال كل خيارات الحرب والاستعداد لها، وفقاً للتجارب ومعطيات الميدان والتكنولوجيا الحديثة للعدو وللجيش أيضاً.
كما إن استخدام الزخم العسكري في بدايات المعركة، خصوصاً مع عدو لم يعتد على الخسارة، هو أحد الحلول العسكرية وإحدى الخطوات المهمة لمعنويات الجيش والشعب ولمعنويات العدو وأدواته ولقياس نبض الحرب.
لقد نجحت مدرسة اليمن العسكرية في هزيمة الأساطيل الأميركية، وقد يرى البعض أن الحديث عن انتصار كهذا سابق لأوانه، إلا أن من يعرف الجيش اليمني ويدرس جيداً مسار هذه المعركة يصل إلى نتيجة أن اليمن انتصر فعلاً، ولا يزال يملك الكثير والكثير من الخيارات والأساليب العسكرية، خصوصاً أن لغة السلاح هي اللغة التي تعم المنطقة بأسرها ويجب التعامل معها بالمثل، وصنعاء ترى أن تقديرها للخيار العسكري في التعامل مع أميركا والكيان هو التقدير والطريقة الدقيقة وهو أسلوب ومنهج مصدره مدرسة قرآنية لا بشرية عسكرية خالصة، وهذا أيضاً ما يدركه تماماً البيت الأبيض وعجز عن التعامل معه وإيقافه ويراه اليمن أن أدق منهج يمكن السير عليه دائماً هو منهج ومدرسة: عين على القرآن وعين على الأحداث”.
نقلا عن الميادين نت