في ذكرى رحيله الـ17.. نجيب محفوظ ساهم أيضا في إثراء السينما
تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT
لم يكن تحويل أعماله الأدبية إلى أفلام سينمائية هو الصلة الوحيدة التي تربط الأديب المصري الكبير نجيب محفوظ بالشاشة الذهبية، فقد كان أيضا مبدعا في كتابة السيناريو.
فقد استطاع أن يترك بصمته في عدد كبير من الأفلام السينمائية منذ أربعينيات القرن الماضي وحتى الثمانينيات، إلى جانب تقلده عددا من المناصب الإدارية التي ساهم من خلالها في إثراء السينما.
نجيب محفوظ -الذي حلت في 30 أغسطس/آب الذكرى الـ17 لرحيله- أثرى المكتبة الفنية في مصر والعالم العربي بأكثر من 149 عملا في السينما والتلفزيون والمسرح، ساهمت في أن يحظى بشهرة عريضة بعيدا عن شهرته كأديب، وهو ما أكده بنفسه حين قال "كنت دائما أنظر للسينما باعتبارها وسيلة فعالة في الوصول إلى قطاعات من الجماهير لم أكن سأصل إليها بالأدب".
السيناريو أولاعكست أعمال نجيب محفوظ -كاتبا للسيناريو وروائيا- الحالة السياسية والاجتماعية للمواطن البسيط، واستطاع تشريح المجتمع بأسلوبه الفلسفي الذي اتسم بالبساطة في الوقت نفسه، وساهمت في ذلك نشأته في أحد الأحياء الشعبية وهو حي الجمالية، حيث ولد في 11 ديسمبر/كانون الأول 1911، وقامت ثورة 1919 وهو لا يزال في السابعة من عمره، وتأثر بها في أعماله لاحقا، وأشهرها "بين القصرين".
في عام 1938 كانت الرواية الأولى لنجيب محفوظ "عبث الأقدار"، والتي قادته لعالم السيناريو، ليس من خلال تحويلها إلى عمل سينمائي، ولكنها كانت الرواية التي تأثر بها المخرج صلاح أبو سيف، وانبهر بكتابة "محفوظ" وشعر بأنه صاحب ذهن متفتح وكاتب من طراز مختلف واكتشفه سينمائيا.
وفي منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، كان اللقاء الأول الذي جمع بينهما للمشاركة في كتابة سيناريو فيلم "مغامرات عنتر وعبلة"، والذي عرض عام 1948، وكان قد صدر قبله فيلم "المنتقم".
يقول نجيب محفوظ عن تلك المرحلة "صلاح أبو سيف هو الذي علمني كيف أكتب السيناريو، وهو صاحب الفضل عليّ، ولولاه ما كتبت ورقة واحدة للسينما".
تمرس نجيب محفوظ في هذه المرحلة على الكتابة الإبداعية للسيناريو، وقدم العديد من السيناريوهات والأفلام دخل أغلبها قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما.
عمل نجيب محفوظ في كتابة السيناريو لسنوات تالية قدم خلالها سيناريو فيلم "ريا وسكينة"، عن قصة حقيقية حول عصابة تخصصت في خطف الفتيات، وأخرج الفيلم صلاح أبو سيف، وقدم أيضا فيلم "جميلة" 1959، الذي تناول قصة حياة المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، وأخرجه يوسف شاهين، وكتب أيضا أفلام "الوحش" و"شباب امرأة" و"الفتوة" و"بين السماء والأرض" و"جعلوني مجرما".
أديب السينمائييناستفادت السينما من روايات نجيب محفوظ، فقدمت معالجات مختلفة لـ19 منها في العديد من الأفلام، فأطلق عليه الناقد اللبناني إبراهيم العريس "أديب السينمائيين، وسينمائي الأدباء".
وكانت البداية عام 1960 حين حول المخرج صلاح أبو سيف رواية "بداية ونهاية" إلى عمل سينمائي، وتبعها تحويل العديد من الأعمال مثل "اللص والكلاب" و"خان الخليلي" و"ميرامار" و"الحب تحت المطر" والثلاثية "بين القصرين"، "قصر الشوق"، "السكرية"، و"الشحاذ" و"الطريق".
وكان نجيب محفوظ حريصا على ألا يحول أعماله إلى سيناريو، وذلك لرغبته في أن يترك للسيناريست والمخرج حرية توظيف هذه الأعمال، وكان رأيه أن من حق السيناريست خلق عمل إبداعي جديد طالما لم يخل بفكرة ومضمون الرواية.
ومن أكثر أعمال نجيب محفوظ حظا في السينما رواية "الحرافيش"، لما تحمله من بعد فلسفي عن فكرة تعاقب الحكام، وتم تناولها في أكثر من عمل فني بمعالجات مختلفة، منها "الحرافيش" و"المطارد" و"شهد الملكة" و"الجوع" و"التوت والنبوت".
السينما العالميةكان فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل عام 1988 فرصة ذهبية للانطلاق في آفاق الشهرة العالمية كأديب وروائي مصري، ولفت من خلالها انتباه صناع السينما العالمية إلى رواياته، فقدمت في السينما المكسيكية عام 1993 واحدة منها.
فقد اقتبس المخرج المكسيكي أرتورو ريبيستين فيلم "بداية ونهاية " (The Beginning and the End) عن رواية نجيب محفوظ، وحققت النسخة المكسيكية للفيلم -الذي لعب بطولته كل من برونو بشير، ولوثيا مونيوث، ولويس فيليب توبار، وبلانكا جيرا- نجاحا كبيرا وحصل على عدد من الجوائز المحلية والدولية.
بعد ذلك بعامين، قدم المخرج المكسيكي خورجي فونس رواية "زقاق المدق" عبر فيلم "زقاق المعجزات" (El callejón de los milagros)، وقام بالمعالجة وكتابة السيناريو فيسيتي لينيرو، بعد أن ترجمتها للإسبانية هيلينا فالينتي، وقامت بدور البطولة الفنانة سلمى حايك، والتي جسدت شخصية "حميدة"، وتم تغيير اسمها إلى "ألما"، وهي الشخصية التي سبق أن قدمتها الفنانة شادية في فيلم "زقاق المدق"، واستطاعت النسخة المكسيكية أن تحقق نجاحا كبيرا حيث عرض الفيلم في العديد من المهرجانات.
الرقيبلم تقتصر علاقة نجيب محفوظ بالسينما والفن من خلال كتابة السيناريو وتحويل رواياته الأدبية إلى أفلام، لكنه أيضا تقلد عددا من المناصب الإدارية المرتبطة بالسينما، فبعد حصوله على درجة البكالوريوس في الفلسفة عام 1934 عمل في وزارة الأوقاف، ثم في عدد من الوظائف الإدارية، قبل أن ينتقل في خمسينيات القرن الماضي ليصبح مديرا للرقابة على المصنفات الفنية في وزارة الثقافة.
ومن المناصب التي تقلدها أيضا عمله مديرا لمؤسسة دعم السينما، ثم رئيسا لمجلس الإدارة العامة للسينما والإذاعة والتلفزيون، وكان آخر منصب إداري له هو رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما عام 1966 وحتى أوائل السبعينيات.
ولم ينته التأثير الإبداعي لأعمال نجيب محفوظ حتى بعد رحيله عام 2006 عن عمر ناهز 95 سنة إثر أزمة صحية، فأعماله الأدبية كانت الملهمة لصنّاع الدراما، وتم تحويلها إلى أعمال تلفزيونية، منها مسلسل "أفراح القبة" 2016 للمخرج محمد ياسين، ومسلسل "طريق" 2018 للمخرجة رشا شربتجي، ومسلسل "بين السما والأرض" 2021.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: نجیب محفوظ العدید من
إقرأ أيضاً:
صناعة السينما في عُمان
تشهد صناعة السينما تحولات كبيرة في العالم، من حيث اتجاهاتها وإنتاجها وتوزيعها؛ فمنذ أن ظهرت باعتبارها شكلا من أشكال الفنون التي تعتمد على المؤثرات البصرية والسمعية، وهي تؤثر على المجتمعات ثقافيا واجتماعيا، وتلبي الحاجة إلى الإمتاع والترفيه، إضافة إلى دورها المهم في الاقتصاد العالمي الذي يتعاظم مع تطوُّر التقنيات؛ إذ تُعد أسواق السينما واحدة من أكبر الأسواق تطوُّرا ونموا وازدهارا في العالم.
لقد نمت صناعة السينما نموا متسارعا خلال العقد الماضي وازدادت ببداية الألفية، نظرا لما أحدثته التطورات والمتغيرات التقنية والاقتصادية، التي وجَّهت العالم نحو الاقتصاد الإبداعي، الذي تُعد السينما أحد أقطابه الأساسية، ولهذا فإن هذه الصناعة يُنظر إليها اليوم باعتبارها قطاعا تنمويا رئيسا في الصناعة الإبداعية، لا سيما بعدما شهدته من نمو خلال جائحة كوفيد19 وما بعدها؛ فعلى الرغم من تسبَّب تفشي هذا الوباء إلى إغلاق دور السينما وتوقُّف صالات العرض، إلاَّ أن ذلك دفع إلى إيجاد وسائل جديدة ومغايرة للبث السينمائي، الأمر الذي حوَّل العالم إلى المنصات الإلكترونية المتعددة وعمل على زيادة الإنتاج السينمائي، إضافة إلى تسريع التطوُّر التقني في صناعة الأفلام المحلية، كما هو الحال في الصين مثلا؛ التي شهدت خلال العام 2020 تطورا هائلا في الإنتاج المحلي للأفلام.
إن الصناعات الإبداعية عموما وصناعة السينما بشكل خاص بعد العام 2020 تحوَّلت وازدهرت، مما جعل العالم يلتفت إلى أهمية هذا القطاع، وتحولاته التي تزامنت مع التطورات التقنية والإعلامية، التي وظَّفت النظم الإيكولوجية، على مستوى الخدمات والمشروعات الثقافية والإعلامية وتطورها وقدرتها على التداول والتوزيع على المستوى المحلي والإقليمي بل وحتى الدولي، إضافة إلى إمكانات توظيف المحتوى المحلي والمواهب الإبداعية في إنتاج سينما قادرة على التطوُّر تقنيا وفنيَّا، وفاعلة في فتح فرص عمل جديدة، ومؤثِّرة باعتبارها عنصرا من عناصر الدبلوماسية الثقافية أو القوة الناعمة.
فصناعة السينما تتطوّر باستمرار؛ إذ تعكس قدرة الدول على التقدم التكنولوجي وإمكانات الابتكارات الإبداعية، لذا فإن الاستثمار فيه لا يُحقِّق مكاسب التبادل الثقافي والمعرفي، وترويج المحتوى الوطني والصناعة الإبداعية وحسب، بل يدعم النمو الاقتصادي والتقدم التقني على المستوى الإبداعي. إن هذه الصناعة تكشف التراث الثقافي الذي تزخر به الدول بارتباطها بالسرد والحكي، والتاريخ الفكري الممتد، إضافة إلى ما تبرزه من أمكنة وأزمنة، وما تعكسه من تطورات حضارية تقدِّم للآخر صورة مغايرة ذات جوهر ثقافي وحضاري.
ولقد تطوَّرت هذه الصناعة اليوم بعدما قدمه الذكاء الاصطناعي من إمكانات هائلة للإبداع، والاعتماد على الأفلام التفاعلية، وغيرها، مما أوجد نموا من خلال زيادة الإنتاجات وتحسين الكفاءة والجودة، إضافة إلى زيادة الاستثمارات في تطبيقات الذكاء الاصطناعي وربطها بالإنتاج السينمائي، خاصة لإمكانات الإبداع والابتكار المتوفرة فيها، وما تتيحه تلك التطبيقات من قدرات على مستوى المونتاج، وقوة المحتوى البصري، ودعم مستويات التحكُّم في المخرجات.
إن صناعة السينما في تطوُّرها المتزايد تلفت الدول والمدن الإبداعية إلى تبني سياسات الاستثمار فيها؛ فقد شهدنا خلال السنوات الأخيرة العديد من الدول التي أصبحت تتقدَّم إلى مستوى الريادة في هذه الصناعة، وتستثمر في أبنائها المبدعين وتتبنى وسائل وسبل كفيلة بدعم مواهبهم وتنميتها، من خلال التأهيل والتدريب وإنشاء مختبرات التمثيل والكتابة الدرامية والسينمائية والإخراج والمونتاج وغير ذلك من ناحية، والاستثمار في الإنتاج السينمائي من ناحية أخرى، فهذه الصناعة تحتاج إلى بيئة داعمة قادرة على تنميتها وتأسيسها بما يضمن قدرتها على التطوُّر والمساهمة في الاقتصاد الوطني.
ولقد اهتمت عُمان بهذا القطاع منذ سبعينيات القرن الماضي، من خلال الجهود الحكومية من ناحية، وشركات الإنتاج الفني من ناحية أخرى، والجهود الفردية من ناحية ثالثة، وما قدمته المهرجانات والملتقيات من خبرات وتبادل معرفي وفني، إضافة إلى تأهيل وتدريب الكثير من الفنانين والمبدعين، أدى إلى تأسيس جيل من المبدعين على مستوى الإخراج والتمثيل والكتابة وغير ذلك، يحملون على عاتقهم تطوير هذا الصناعة ويحلمون بالإنتاج السينمائي المنافس على المستوى الإقليمي والدولي.
والحق أن السينما في عُمان شهدت تطورات كثيرة منذ ذلك الحين، وما قدمه الشباب المبدعون في المحافل والمهرجانات الدولية من مشاركات خاصة في صناعة الأفلام القصيرة، جعلها من بين الدول التي تحرز تقدما في هذه الصناعة، وما شهدناه خلال السنوات الأخيرة من عناية بالقطاعات الإبداعية عموما، وبالسينما بشكل خاص، والذي ظهر في عودة المهرجانات المختلفة، كان آخرها مهرجان سينمانا العربي في نسخته السادسة؛ الذي شهد تقديم عروض مرئية عدة منها الأفلام الطويلة والقصيرة، مما يسهم في تحقيق تبادل الخبرات الفنية في مجالات الإنتاج السينمائي، ويبرز دور عُمان في دعم هذا القطاع الإبداعي ويرسِّخ مفاهيم التنمية الإبداعية القائمة على تمكين المبدعين وتوسعة آفاق تطويره.
وعلى الرغم مما تقدمه هذه المهرجانات والملتقيات من دعم وتمكين للقطاع السينمائي، إلاَّ أنها لا تُغني عن تأسيس توجهات جديدة وحديثة اعتماد على ما تم إنجازه في تنمية السينما في عُمان، والتطورات المتسارعة التي يشهدها العالم في هذا القطاع، وضرورة إيجاد سوق سينمائية قائمة على الإنتاج المحلي؛ فعلى الرغم من الإمكانات التي تتميَّز بها السينما العمانية من قدرات إبداعية، إلاَّ أن ما يظهر في الإنتاج السينمائي لا يعبِّر عنها، ولا يقدِّم حقيقة التنمية الإبداعية والفنية التي يحظى بها هذا القطاع؛ ذلك لأن الإنتاج السينمائي يقوم على بعض الشركات ذات الإمكانات المحدودة من ناحية، أو الجهود الشبابية و الفردية من ناحية أخرى.
والحال أن هذا القطاع يحتاج إلى إيجاد سياسات داعمة للاستثمار فيه، من خلال هيئة أو مركز متخصص، أو شركة حكومية قادرة على مراجعة احتياجاته وتقييم أبعاده الإبداعية والاقتصادية، واتخاذ أفضل الوسائل والسبل من أجل دعم الإنتاج الفني السينمائي المحلي، وربطه بأفضل التقنيات الإبداعية الحديثة، وتأسيس سوق سينمائي منافس، إضافة إلى دوره في التدريب والتأهيل و تعظيم إمكاناته في دعم قطاعات السياحة والخدمات الثقافية، والإعلام، والدبلوماسية الثقافية وغيرها.
إن السينما في عُمان من القطاعات الواعدة، التي لا ترتبط بالتنمية الإبداعية وحسب، بل تتعداها إلى فتح فرص عمل كثيرة في الوظائف المساندة للأعمال الإبداعية؛ على المستوى الإداري والفني واللوجستي وغيرها، وتحفيز المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المتخصصة في تقديم الخدمات الاستهلاكية المتعددة، وتدعم توجهات الإعلانات والهُويات التجارية، فهذه الصناعة في ارتباطها بالقطاعات التنموية، تقدِّم فرصا للاستثمار والعمل الصناعي وغيرها.
لذا فإن الحاجة إلى إيجاد سياسات للاستثمار في قطاع السينما، وتأسيس بيئة محفِّزة للإنتاج السينمائي، سيوَّلد فرصا إبداعية واقتصادية في كافة القطاعات؛ فعُمان غنية بالكفاءات المبدعة التي تبنتها الدولة، واستثمرت فيها تعليما وتدريبا وتأهيلا، وهي قادرة على إدارة هذا القطاع إذا وجدت البيئة الداعمة، التي يمكن من خلالها إنتاج الأفلام السينمائية المنافسة التي تُعزِّز المحتوى المحلي وتُسهم في الترويج لعُمان باعتبارها حاضنة الإبداع.
عائشة الدرمكية باحثة متخصصة فـي مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة