سودانايل:
2025-01-30@05:48:42 GMT

الحياد: حصان طروادة الانتهازيين

تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT

في كتابه "استراتيجية السلام - The Strategy of Peace" للرئيس الأمريكي جون كنيدي يقول: "لا يمكن لشخص أن يكون محايدا تجاه الظلم والظروف غير العادلة، فإما أن تكون جزءاً من الحل أو جزءاً من المشكلة". كتاب كينيدي اسهب في رصد التحولات التاريخية التي شهدها المجتمع الأمريكي، وكيف تغيرت الظروف الاجتماعية والسياسية التي أدت إلى ظهور حركات الحقوق المدنية.

ومن المصادفة أن يتزامن صدور ذلك الكتاب مع بروز حركة الحقوق المدنية وسطوع أحد قادتها مارثن لوثر كينغ الذي جاهد في سبيل فرض تشريعات تساوي بين البيض والسود، وإجازة قانون جديد يمنح الحقوق المدنية الكاملة للسود، وقد تبنى الرئيس كيندي تمرير ذلك القانون للكونغرس من أجل إجازته، لكن ذلك لم يحدث، فقد رفض الكونغرس إجازته، ثم حدث ما حدث بعد ذلك من اغتيال للرئيس جون كنيدي والأحداث التي أعقبت موته.
من ناحية أخرى عانى مارتن لوثر كثيراً من المواقف الباهتة غير الواضحة لبعض أنصاره ما دعاه لاطلاق مقولته الشهيرة: "المشكلة لا تكمن في ظلم الأشرار بل في صمت الأخيار".
وأظنه كان يقصد المحايدين أصحاب المواقف المائعة، فلا حياد في القضايا العادلة إذ كيف نفسر أن يقف المرء محايداً بين الخير والشر، وبين الحق والباطل.
ولا يمكن تصور أن يكون هناك حياد مطلق، فالحياد معرفياً يعني أن تكون على مسافة واحدة بين طرفين أو أطراف متعددة، وهذا أمر غير ممكن عملياً وسلوكياً، لأن مواقف الإنسان وقراراته تنشأ من دوافع سلوكية تقود لأحكام محددة، فأن تحكم على جمال الليل سترجح اثبات الجمال لليل على حساب نفي القبح عنه. وعند ممارسة سلوكنا العادي نتعرض لمواقف كثيرة تجدنا نرجح أحكاماً حولها من خلال دوافع سلوكية محددة، وهذه الأحكام لا تتناقض عملياً، فلا يمكن أن تجمع الشي ونقيضه في نفس الوقت إذ لا بد أن ترجح طرفا على طرف آخر، وهنا سينتفي الحياد.
وبناء عليه فإن الحياد المطلق أسطورة غير موجودة في الطبيعة البشرية.
وفي الممارسة السياسية أصبح الحياد الذي يتذرع به بعض السياسيين هو حصان طروادة الانتهازيين للتحيز، والوقوف مع جبهة الباطل، فهم في معركة الحق، يختبئون وراء أوهام الحياد رافعين الشعارات التي يخدعون بها الناس.
وهم في سعيهم للتمترس وراء استار الحياد يسعون إلى صب الزيت على النار المشتعلة، ويقفون مختبئين مع الفريق الآخر.
إن الحياد -إذا سلمنا بوجوده- هو أضعف المواقف وأجبنها، وكما هو متبع (على سبيل المثال) في الجمعيات والمنظمات الدولية يمثل الامتناع عن التصويت لمنع تنفيذ قرار ما رسالة محايدة ظاهراً، بينما هي في الواقع أقرب لموقع الرفض منه للحياد.
بعد اندلاع الحرب الحالية في السودان برز فريقان، فريق مؤيد للجيش، وفريق مناؤي له، وهناك فريق ثالث يمكن النظر إليه من زاوية خلفية كما أراد هو لنفسه لأنه أدعى الحياد، لكن عمليا لا يوجد حياد فيما يجري في المشهد القائم، فكل فريق لديه طريقة للإنتماء و إتخاذ الموقف ما بين مع الحرب أو لا للحرب، وفي كلا الفريقين اجتهادات واختلافات في المواقف يمكن فهمها بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معها. لكن ما لا يمكن استيعابه المواقف التي تدعي الحياد المتمثلة في قوى سياسية نأت بنفسها تماماً عن الحرب الدائرة حالياً، ولذلك وجدت هذه القوى الانتقاد اللاذع، ولعل ابرز هذه الانتقادات التي وجهها الفريق ياسر العطاء منتقدا الحركات المسلحة لرفضه موقفها المحايد. هذه الحركات عادت مرة أخرى لتعلن تأكيد موقفها المحايد من الحرب.
ولم يكن موقف هذه الحركات هو الوحيد، فقد سارت عليه قوى سياسية أخرى فضلت أن تعلن موقفها المحايد ازاء الحرب التي يشاهد العالم أجمع الفظائع التي ترتكب فيها من قتل للمدنيين وسلب ونهب واحتلال لبيوت الناس ما لا يجعل معه مجالا لتبني مواقف الحياد أو الوقوف في المناطق الرمادية، أو المزايدة والتكسب السياسي.
ومن الواضح أن هذه القوى وظفت اصطلاح الحياد الذي يفسر بأنه الميل عن العواطف في اطلاق الأحكام، وكـأننا إزاء تجربة علمية ننتظر نتائجها كيفما كانت هذه النتائج دون تدخل برأي أو اتخاذ لموقف، أو نصراً للحق ومدافعة للباطل، وبالتالي لا ينظر لهذه المواقف أنها محايدة، فالحق أبلج كالصباح لناظر .. لو أن قوما حكموا الأحلام.
لكنهم لم يفعلوا، بل اتخذوا الحياد شعارا وواجهة للنأي بالنفس عن أتون الصراع بينما في الكواليس الخلفية كانوا يلقون أنفسهم في حلبة النفاق والارتزاق والانتماء البغيض لجبهة الباطل.
الحياد وان سلمنا بوجوده اساسا يمكن ان يكون مقبولا في المواقف التي تبحث عن مكاسب سياسية عابرة، أما في القضايا الوجودية، وفي الصراع بين حق وباطل، وفي الحروب التي تحدد مصائر الشعوب، فإن الحياد يكون ضربا من ضروب الخيانة والجبن والانتهازية التي تلبس ثوب القداسة.

*قبل الخروج:*
قال الوادعي رحمه الله:
لا يجوز لك أن تخذل أخاك وتؤيد المبطلين، فإن الله عز وجل يقول حاكياً عن موسى: «فلن أكون ظهيرا للمجرمين».

abo_elhassen@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: لا یمکن

إقرأ أيضاً:

الشمري.. القيادة المهنية

بقلم : جعفر العلوجي ..

المواقف الصعبة تفرز الرجال فليس الجميع خُلقوا ليكونوا قادة وليس كل من تحلى بالجرأة يحسن التصرف وما كل من تكلم كثيراً أخذ بناصية الحكمة، لقد علمتنا التجارب أن تكون أنفاسنا عميقة واستقراء الشدائد لدينا تسجله المواقف والشواهد الماثلة للعيان، وقد طال بنا العمر لنشهد المتغيرات والظروف التي أفرزت رجال المهمات ومن يمسكون بقوة بعصا القيادة ولهم القدح المعلى باحتراف في إحداث التغيير.
ففي الوقت الذي كانت فيه وزارة الداخلية بحاجة إلى قيادة حازمة ومهنية تأخذ بيدها الى حيث أن تكون واجهة للاستقرار والعمل المهني، جاء الوزير عبد الأمير الشمري ليضع بصمته الواضحة في إعادة التوازن بين المواطن ورجل الأمن بدور رشيد لا يقبل التأويل والاجتهاد بفرضية أكون أو لا أكون، مستنداً إلى رؤية قائمة على النزاهة والانضباط والتواصل المباشر مع الجميع من دون استثناء، ليثبت أن الأمن لا يُفرض بالقوة وحدها، بل بالثقة والانسجام واحتراف المتغيرات والحداثة ومسايرة ركب التقدم، وهو ما نجح في تحقيقه من خلال الأداء المهني لقيادة الوزارة وتشكيلاتها وإحداث جملة من التغييرات المذهلة التي سابقت الزمن وجعلت من مؤسسات الداخلية وأقسامها خلايا نحل لا تعرف الهوادة.
منذ توليه المسؤولية، أدرك الشمري أن التحدي الأكبر الذي يواجه الوزارة ليس فقط في تعزيز الأمن، بل في اقتلاع جذور الفساد الذي أثقل كاهلها لسنوات، ولم يكن متردداً في اتخاذ قرارات صارمة والضرب بيد من حديد بالوقت والزمان المناسبين، فأبعد الفاسدين والمرتشين وغير المنضبطين، وأحال العديد منهم إلى القضاء، مؤكداً أن الإصلاح الحقيقي يبدأ من الداخل، وأنه لا يمكن السماح لأي مسؤول أو منتسب باستغلال منصبه على حساب أمن المواطنين وحقوقهم.
ولم يتوقف الشمري بإصدار الأوامر من خلف مكتبه، بل تبنّى نهجاً ميدانياً، فكانت زياراته المستمرة إلى مديريات الوزارة ومراكز الشرطة وتفقد مدن البلاد والقرى والحدود فرصة للوقوف على الحقائق كما هي، بعيداً عن التقارير الرسمية وإجراءات الروتين التي قد تحجب الواقع، استمع إلى المنتسبين والضباط والمواطنين على حد سواء، ليكون على دراية مباشرة بكل ما يحدث، مما عزز ثقة الكوادر الأمنية به، وأعاد للمواطنين الإحساس بالأمان والعدالة.
ومن بين أحد الملفات الأبرز لإنجازاته كان إشرافه المباشر على تنظيم وإدارة المناسبات الدينية، حيث استطاع تأمينها بسلاسة واحترافية، رغم حجم التحديات التي تواجهها هذه المناسبات من ناحية الحشود والتنظيم، نجاحه في هذا الملف أثبت قدرته الفائقة على التخطيط والمتابعة والمرونة في التحرك السريع لاحتواء أي طارئ، وهو ما انعكس إيجاباً على سمعة الوزارة وأدائها الميداني لجميع تشكيلاتها.
اليوم، وبعد كل ما قدمه الشمري ولا يزال يقدمه، يمكن القول إنه أعاد لوزارة الداخلية هيبتها، وجعل الأمن أكثر من مجرد شعارات، بل واقعاً ملموساً يشعر به العراقيون، قيادة من هذا النوع تستحق الإشادة والتقدير، لأنها لم تكتفِ بإدارة الأمور، بل أحدثت تغييراً حقيقياً يلمسه الجميع، كما أن التجديد والحداثة والتحول الى الأتمتة والعمل الرقمي البرامجي كان يستحق عليه لقب الأول والأفضل في التحول نحو التجديد وتخطي مسافات علمية شاسعة باستحداث دوائر تخصصية برعت في عملها بمتابعة الجريمة وتنفيذ الواجبات الاستخبارية بدقة عالية، وما زلنا في كل يوم مع تجديد وتجدد يحترفه ويتابعه ويشرف عليه الوزير الشمري ويجعلنا نشد على يديه كمواطنين نحن أحوج ما نكون لأمثاله من رجال المواقف المشهودة.

جعفر العلوجي

مقالات مشابهة

  • سرقة السيارة التي« لا يمكن سرقتها»
  • “هآرتس”: الحشود التي تعبر نِتساريم حطّمت وهم النصر المطلق‎
  • “هآرتس”: صور الحشود التي تعبر نِتساريم تُحطّم وهم النصر المطلق‎
  • الرئيس السيسي: لا يمكن الحياد أو التنازل عن ثوابت الموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية
  • شاهد| هيونداي توسان 2025 الجديدة
  • دير البلح.. المدينة الهادئة التي استقبلت مليون نازح تعود لـالنوم باكرا
  • «أمنية» تحقِّق حلم سالم بالحصول على حصان
  • أسعار ومواصفات مرسيدس GLE 450 الجديدة في المملكة .. صور
  • الشمري.. القيادة المهنية
  • رسالة المواقف الـمُشَرِّفة