الحياد: حصان طروادة الانتهازيين
تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT
في كتابه "استراتيجية السلام - The Strategy of Peace" للرئيس الأمريكي جون كنيدي يقول: "لا يمكن لشخص أن يكون محايدا تجاه الظلم والظروف غير العادلة، فإما أن تكون جزءاً من الحل أو جزءاً من المشكلة". كتاب كينيدي اسهب في رصد التحولات التاريخية التي شهدها المجتمع الأمريكي، وكيف تغيرت الظروف الاجتماعية والسياسية التي أدت إلى ظهور حركات الحقوق المدنية.
من ناحية أخرى عانى مارتن لوثر كثيراً من المواقف الباهتة غير الواضحة لبعض أنصاره ما دعاه لاطلاق مقولته الشهيرة: "المشكلة لا تكمن في ظلم الأشرار بل في صمت الأخيار".
وأظنه كان يقصد المحايدين أصحاب المواقف المائعة، فلا حياد في القضايا العادلة إذ كيف نفسر أن يقف المرء محايداً بين الخير والشر، وبين الحق والباطل.
ولا يمكن تصور أن يكون هناك حياد مطلق، فالحياد معرفياً يعني أن تكون على مسافة واحدة بين طرفين أو أطراف متعددة، وهذا أمر غير ممكن عملياً وسلوكياً، لأن مواقف الإنسان وقراراته تنشأ من دوافع سلوكية تقود لأحكام محددة، فأن تحكم على جمال الليل سترجح اثبات الجمال لليل على حساب نفي القبح عنه. وعند ممارسة سلوكنا العادي نتعرض لمواقف كثيرة تجدنا نرجح أحكاماً حولها من خلال دوافع سلوكية محددة، وهذه الأحكام لا تتناقض عملياً، فلا يمكن أن تجمع الشي ونقيضه في نفس الوقت إذ لا بد أن ترجح طرفا على طرف آخر، وهنا سينتفي الحياد.
وبناء عليه فإن الحياد المطلق أسطورة غير موجودة في الطبيعة البشرية.
وفي الممارسة السياسية أصبح الحياد الذي يتذرع به بعض السياسيين هو حصان طروادة الانتهازيين للتحيز، والوقوف مع جبهة الباطل، فهم في معركة الحق، يختبئون وراء أوهام الحياد رافعين الشعارات التي يخدعون بها الناس.
وهم في سعيهم للتمترس وراء استار الحياد يسعون إلى صب الزيت على النار المشتعلة، ويقفون مختبئين مع الفريق الآخر.
إن الحياد -إذا سلمنا بوجوده- هو أضعف المواقف وأجبنها، وكما هو متبع (على سبيل المثال) في الجمعيات والمنظمات الدولية يمثل الامتناع عن التصويت لمنع تنفيذ قرار ما رسالة محايدة ظاهراً، بينما هي في الواقع أقرب لموقع الرفض منه للحياد.
بعد اندلاع الحرب الحالية في السودان برز فريقان، فريق مؤيد للجيش، وفريق مناؤي له، وهناك فريق ثالث يمكن النظر إليه من زاوية خلفية كما أراد هو لنفسه لأنه أدعى الحياد، لكن عمليا لا يوجد حياد فيما يجري في المشهد القائم، فكل فريق لديه طريقة للإنتماء و إتخاذ الموقف ما بين مع الحرب أو لا للحرب، وفي كلا الفريقين اجتهادات واختلافات في المواقف يمكن فهمها بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معها. لكن ما لا يمكن استيعابه المواقف التي تدعي الحياد المتمثلة في قوى سياسية نأت بنفسها تماماً عن الحرب الدائرة حالياً، ولذلك وجدت هذه القوى الانتقاد اللاذع، ولعل ابرز هذه الانتقادات التي وجهها الفريق ياسر العطاء منتقدا الحركات المسلحة لرفضه موقفها المحايد. هذه الحركات عادت مرة أخرى لتعلن تأكيد موقفها المحايد من الحرب.
ولم يكن موقف هذه الحركات هو الوحيد، فقد سارت عليه قوى سياسية أخرى فضلت أن تعلن موقفها المحايد ازاء الحرب التي يشاهد العالم أجمع الفظائع التي ترتكب فيها من قتل للمدنيين وسلب ونهب واحتلال لبيوت الناس ما لا يجعل معه مجالا لتبني مواقف الحياد أو الوقوف في المناطق الرمادية، أو المزايدة والتكسب السياسي.
ومن الواضح أن هذه القوى وظفت اصطلاح الحياد الذي يفسر بأنه الميل عن العواطف في اطلاق الأحكام، وكـأننا إزاء تجربة علمية ننتظر نتائجها كيفما كانت هذه النتائج دون تدخل برأي أو اتخاذ لموقف، أو نصراً للحق ومدافعة للباطل، وبالتالي لا ينظر لهذه المواقف أنها محايدة، فالحق أبلج كالصباح لناظر .. لو أن قوما حكموا الأحلام.
لكنهم لم يفعلوا، بل اتخذوا الحياد شعارا وواجهة للنأي بالنفس عن أتون الصراع بينما في الكواليس الخلفية كانوا يلقون أنفسهم في حلبة النفاق والارتزاق والانتماء البغيض لجبهة الباطل.
الحياد وان سلمنا بوجوده اساسا يمكن ان يكون مقبولا في المواقف التي تبحث عن مكاسب سياسية عابرة، أما في القضايا الوجودية، وفي الصراع بين حق وباطل، وفي الحروب التي تحدد مصائر الشعوب، فإن الحياد يكون ضربا من ضروب الخيانة والجبن والانتهازية التي تلبس ثوب القداسة.
*قبل الخروج:*
قال الوادعي رحمه الله:
لا يجوز لك أن تخذل أخاك وتؤيد المبطلين، فإن الله عز وجل يقول حاكياً عن موسى: «فلن أكون ظهيرا للمجرمين».
abo_elhassen@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: لا یمکن
إقرأ أيضاً:
التنزل وتبديل المواقف
بقلم : الخبير عباس الزيدي ..
رحم الله الأب الروحي المجاهد الكبير الشهيد الحاج ابو زينب الخالصي
حين وصف تبديل المواقف بالتنزل والذي يعني التدرج فمن يقدم اعترافه بحرف الالف حتما سيكمل اعترافه بحرف الياء
فهناك من ابناء جلدتنا من ترك خيار المقاومة بعد جهاد طويل
ثم طالب بايقاف عمل المقاومة
و لا عجب ان وقف غدا بوجهة المقاومة شاهرا سلاحه وتلك العاقبة السيئة بل هم الاخسرين اعمالا الذي ضل سعيهم في الحياة الدنيا ويحسبون انهم يحسنون صنعا
هذه المعركة ليست كسابقاتها فيها يميز الخبيث من الطيب والحر من العبد والشجاع من الجبان
في هذه المعركة لاتوجد منطقة وسطى لاحياد ولا موارات ولا محابات
ان اصحاب المصالح من اهل النفاق الجبناء تعرفهم في لحن القول
هذا النكوص ثم التنزل والهروب لم يشكل لنا مفاجئة كلنا يتذكر حين اغلق البعض هواتفهم في فاجعة المطار واستشهاد قادة النصر كل من الحاج قاسم سليماني والحاج ابو مهدي المهندس وبعد يوم من ردة الفعل لعناصر الامة الغاضبة ذرف المنافقين دموع التماسيح
المشهد الان يتكرر مع نفس حركات النفاق بعد استشهاد شهيد الامة السيد حسن نصر الله رضوان الله عليه ولكن بجرأة اكبر حيث التذرع بذرائع واهية لايقاف عمليات المساندة بذريعة دفع العدوان
هولاء مطبعون بالسر والعلن
لايرتجى منهم خير ولا موقف نبيل
فيهم السارق والمارق اصحاب المليارات المسروقة التي تعفنت بطونهم حين كانوا يستجدون الرز والقيمة والساهون ولم ينفع معهم ملح الطعام
اليوم اصبحوا اهل ثراء ومليارات ونفط وشفط تكتب اسمائهم في كتاب غينس للارقام القياسية فهم على لوائح اكبر السراق واثرى الأثرياء في العالم
اغبياء جبناء يكتنزون الاموال والاطيان والاقيان والعقارات وسوف توخذ منهم رغم انوفهم وسيسحبون على الطرقات هم وكل من يلوذ بهم بعد ان يذلهم الاحتلال والصهاينة
هولاء يتذرعون بحب الوطن
ولو انهم صدقا يحبون الوطن ماضيعوه
وماسرقوه وتاجروا بارواح العامة
لم نسمع لهم راي في هذه المنازلة الكبرى ولم نرى لهم موقف في هذه المعركة العظيمة
خذلوا انفسهم قبل ان يخذلوا المجاهدين
اي خزي وعار سيلاحقهم واي ذل وهوان سيطيح بهم
كذابون دجالون بانت سرائرهم والدين لعق على ألسنتهم لادين لهم قبل ان يمحصوا بالبلاء فضحهم الله ولهم خزي في الدنيا وفي الاخرة عذاب عظيم
معركتنا ستكون طويلة وغربالها شغال
وحتما سننتصر
فانتظروا اني معكم من المنتظرين
@ملاحظة _ الحاج ابو زينب الخالصي قائد ومجاهد ومفكر عملاق وكبير استشهد على يد الاحتلال الامريكي بعد اعتقاله وزرقه بابرة مسرطنة قيل ان الوشاية به للاحتلال كانت من ابناء جلدته
وسوف يتكرر مشهد العلاسة على احد قادة المقاومة في الايام القادمة.