babdelmoneim@aol.com
كان يأمل الثوار، وقد انتصرت ثورتهم ضد أكثر الأنظمة فاشية وقمعية وتطرفا في تاريخ المنطقة، وبعد بذل التضحيات الغالية، بمسيرة ميمونة نحو الديمقراطية تتوج هذه التضحيات بالولوج الي دولة الرفاهية والتنمية لكل شعوب السودان. تجسد حلمهم في مدينة اعتصام القيادة الفاضلة. غير ان العراقيل والعقبات وضعت لإعاقة وعكس اتجاه هذه المسيرة.
وعد البرهان الشعب السوداني وهو يتسلم زمام قيادة الجيش الالتزام بالتحول الي المدنية والديمقراطية انحيازا لخيارات الشعب. ولكنه فاجأ الجميع بانقلابه الأول الذي كان في غاية الدموية والعنف والوحشية تجلى في فض اعتصام القيادة وإعلانه حالة الطوارئ. بالتأكيد كان ماضيا في خلق نظام شمولي تدويلا للنظام الإنقاذ الكيزاني. تصدى الشعب السوداني لمشروع البرهان التسلطي بحزم وعزم مستخدمين سلاح الشعب السوداني المجرب؛ الإضراب والعصيان المدني مع السلمية الرائعة. فشل الانقلاب، ولكن لم تيأس نفس البرهان الأمارة بالسوء.
طأطأ للريح الثورة العاتية، ولم يرعو. رضي بالوثيقة الدستورية وهو كاره، وضامر للشر. كانت كل تصرفاته وقراراته التالية استهانة بالوثيقة الدستورية وتطلعات الشعب السوداني، تمثلت في التغول على الكثير من السلطات، قراره الإلحادي بالتطبيع مع النظام الصهيوني، تعينه دقلو نائبا له، تشكيل مجلس الشركاء، إغلاق طريق بورتسودان، عرقلت انشاء المؤسسات الديمقراطية، رفضه إصلاح المؤسسة العسكرية وإنكاره تقلقل الكيزان داخلها ومؤسسات الدولة الأخرى، منع تطير القضاء، لجم مجهودات تفكيك التمكين، الاتفاقات المشبوه مع دول أجنبية، خلق سيولة أمنية وانتشار تسعة طويلة والعصابات الإجرامية المختلفة. هذا قمة جبل الجليد وما خفية أعظم.
في لحظة نشوى بالذات أعلن انقلابه الثاني متحالفا مع ذات الدلقو وجماعات دارفور المسلحة والكيزان خلف الكواليس. فمزق الوثيقة التي وقعها بالأمس القريب وقد أعطى القسم الغليظ بصونها وحفظها. وزج برفقائه في الحكومة في السجون. لم يخن الثوار ولم يتبدلوا، تصدوا بكل بسالة وشجاعة لمشروع البرهان التسلطي الكيزاني. واجه البرهان رفض الشعب السوداني الغاضب للديكتاتورية وعسكراتية السياسة بكل وحشية وتجبر، وقتل ما قتل وسجن ما سجن ونكل بما نكل وهو في تيه وعتل. عندما اتضح له فشل مشروعه وعجزه إدارة الدولة، وتحت زخم الرفض الشعبي العارم والإدانات والتهديدات الدولية التجأ الي حيلة جديدة أخرجها من جراب الكيزان الذي لا ينضب من التآمر والدسائس، الا وهي التوقيع على الاتفاق الإطاري على امل كسب الوقت لا إيمان بها.
ابتدر البرهان حقبة جديدة من الاعيبه وابتزازه للشعب السوداني بالترويج ان الجيش قد خرج من السياسة وراح الى السكنات، وأنه مع الاتفاق الإطاري وباصم عليه. شارك البرهان في كل خطوات تطور الاتفاق الإطاري، طبعاً تحت ضغط وتهديد المجتمع الدولي، حتى الوصول الى محطة الإصلاح العسكري. عندها أخرج للشعب السوداني لسانه، وكشر عن انيابه. وصرح أنه لن يمضي في الاتفاق الطاري الذي وقعه بنفسه ويعلم كل تفاصيله الا بدمج الدعم السريع. علما ان طوال أربع سنين كان فيها الاَمر الناهي في الشأن العسكري لم يطرح موضوع الدمج، بالعكس كان يمجد الدعم السريع وساهم في تمدده وتضخمه. علاقة البرهان بالدعم السريع علاقة متينة جدا ممتدة منذ حملات الكيزان العسكرية في دارفور.
البرهان جزء أصيل من المشكل السوداني القائم اليوم، بل هو من رتب وهيئ وأخرج هذا المشهد العبثي. فهل يا ترى يمكن ان يكون جزء من الحل. كذب البرهان وإن تحسبوه لا تحصوه، فكيف يؤتمن وهو لم يوف ولو لمرة واحدة ما وعد.
هناك حقيقة يجب التمعن فيها وسبر غورها هي أن المؤسسة العسكرية حكمت وبشكل مطلق ما يقارب الستون عام من سبع وستين عام من عمر السودان الوطني. كانت محصلة هذه السنين العجاف تمزيق الوطن، وحروب مستدامة، احتلال أجنبي لأراض عزيزة من تراب الوطن، التفريض في السيادة الوطنية، فشل تنموي رهيب، فقر وتشريد للمواطنين، معسكرات لللاجئين السودانيين داخل وخارج القطر، نهب مفضوح للموارد البلاد، اغتصاب للنساء والرجال وإزلالهم، بيع أراضي السودان في سوق النخاسة، تجريف المشاريع القومية، دفن النفايات المحرمة في صحاريه، تطهير عرقي، قتل على الهوية، تنامي القبلية و تفشي المحسوبية، فساد سرطاني، إغراق لأقدم حضارة على وجه البسيطة وتهجير أهلها واقتلاعهم من تراب عاشوا عليه الاف السنين خدمة للغير، استباحة المخابرات الأجنبية للبلاد، رئيس البلاد مطارد كمجرم حرب، توطين الهوس والإرهاب الديني أرض السماحة والتسامح، عزل البلاد عن المجتمع الدولي، انهيار التعليم واضمحلال المؤسسات التعليمة التي كان يشار لها بالبنان، إفساد الحياة السياسية، خنق الرأسمالية الوطنية لمصلحة الطفيليين، تردي العملة الوطنية الى ما دون الخضيض، تقزيم البلاد التي كانت موضع الاحترام والتقدير، التخلي عن الثوابت الوطنية والارتماء في احضان الصهيونية، الارتزاق بالجنود السودانيين، هذه قطرات في بحر من الفشل والإخفاقات والخطايا.
لابد من التوقف عن التذلل ومهادنة العسكر. يكفي سبعون عاما من التودد والتزلف والتملق للمؤسسة العسكرية وكأنها عجل مقدس. لسودان جديد يجب نقد المؤسسة العسكرية وكشف اخفاقاتها بك امانة وشجاعة منا وبكل تجرد ومسؤولية من قادة هذه المؤسسة، ومن ثم إصلاحها. وعلى قادة المؤسسة العسكرية التواضع والإقرار انهم ليسوا فوق البشر ولا أوصياء على البلاد أو العباد. بل إنهم أقل القطاعات في المجتمع أنتاج. يمكن للمجتمعات ان تحيا وتزدهر بدون جيوش، ولكن ليس بدون أطباء، او مهندسين، او معلمين، او مزارعين، أو رعاة، أو أي من بقية القطاعات المنتجة.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المؤسسة العسکریة الشعب السودانی
إقرأ أيضاً:
المشير حفتر في ذكرى الاستقلال: يجب إنقاذ ليبيا من أزماتها المتفاقمة ببناء دولة دستورية حديثة
ليبيا – ألقى القائد العام للقوات المسلحة العربية الليبية، المشير خليفة حفتر، كلمة مطولة بمناسبة الذكرى الـ73 لاستقلال ليبيا، أكد خلالها أهمية التمسك بروح الوحدة الوطنية لإعادة بناء الدولة، مشددًا على أن الاستقلال الحقيقي يتمثل في سيادة الشعب وحريته، وحذر من تداعيات الأزمات السياسية على أمن واستقرار البلاد.
استحضار كفاح الأجداداستهل المشير حفتر كلمته بتوجيه تهنئة للشعب الليبي بمناسبة ذكرى استقلال البلاد، قائلًا:
“باسمي وباسم جميع منتسبي القوات المسلحة العربية الليبية، أتقدم بالتهنئة الحارة للشعب الليبي بمناسبة الذكرى الـ73 لاستقلال ليبيا، الذي جاء تتويجًا لكفاح آبائنا وأجدادنا المجاهدين ضد الاستعمار. نحيي ذكرى أولئك الوطنيين الذين حرصوا على وحدة الدولة الليبية الناشئة وأرسوا دعائمها بتضحياتهم.”
ودعا حفتر إلى الاقتداء بهؤلاء الوطنيين لتجاوز الخلافات الحالية، قائلاً:
“ما أحوجنا اليوم إلى أن نستلهم من وطنيتهم كيف نواجه التحديات بوحدة الكلمة والصف من أجل مصلحة الوطن التي تعلو على كل المصالح الأخرى.”
انتقادات للواقع الحاليانتقد المشير حفتر الوضع الراهن، معتبرًا أن العديد من العوامل ساهمت في عرقلة تحقيق أهداف الاستقلال. وقال:
“الاستقلال الذي نحتفل بذكراه اليوم يفقد معناه إذا تفككت وحدة البلاد وأصبحت عرضة للتدخلات الخارجية، وإذا غاب القانون وانتشر الفساد وعمّت الفوضى.”
وأضاف:
“علينا أن نتساءل: كيف نحتفل باستقلال ليبيا وهي تعاني تصدعات في مؤسساتها؟ كيف نحتفل وقد تحولت البلاد إلى ساحة للصراعات على السلطة، وفقد المواطن حقه في العيش الكريم ضمن دولة تضمن حقوقه وتوحد صفوفه؟”
انتصارات الكرامة وأهمية الأمنأكد حفتر أن أهم الإنجازات التي تحققت كانت انتصار “ثورة الكرامة” على الإرهاب، مشيرًا إلى أن هذا الانتصار حافظ على حاضر ومستقبل ليبيا. وقال:
“لولا انتصارنا على الإرهاب لما بقي لنا شيء من الحاضر أو المستقبل. تحية لشهدائنا وجرحانا وكل من ساهم في تحقيق هذا النصر.”
وشدد على أن الأمن والاستقرار هما حجر الأساس لبناء الدولة، مشيرًا إلى أهمية وجود جيش قوي وشرطة حديثة تواكب تطورات العصر.
دعوة لبناء الدولة الدستورية الحديثةودعا حفتر إلى تكاتف الجهود المحلية والدولية لبناء دولة دستورية حديثة. وقال:
“يجب العمل على مشروع جاد يضمن بناء الدولة الحديثة، وينقذ البلاد من أزماتها المتفاقمة. قواتكم المسلحة ستكون في مقدمة الداعمين والمدافعين عن هذا المشروع بكل قوة.”
وأضاف أن جميع المبادرات السابقة فشلت في تحقيق أهدافها، مما يعرض المكتسبات الوطنية للخطر.
الجاهزية العسكريةطمأن حفتر الشعب الليبي بأن القيادة العامة للقوات المسلحة تراقب المتغيرات في المنطقة، قائلاً:
“نحن على درجة عالية من اليقظة والجاهزية لحماية مكتسباتنا، وسنمضي قدمًا في البناء والإعمار رغم التحديات. لن ندخر جهدًا لتحقيق طموحات الشعب الليبي وجعلها واقعًا ملموسًا.”
ختام الكلمةاختتم حفتر كلمته بالدعاء للوطن، قائلاً:
“نسأل الله أن يوفقنا لتحقيق طموحات الشعب الليبي عاجلاً غير آجل. وما توفيقي إلا بالله.”
وفيما يلي النص الكامل للكلمة :
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله:
أتقدم باسمي وباسم جميع المنتسبين للقوات المسلحة العربية الليبية بالتهنئة الحارة للشعب الليبي بمناسبة الذكرى الـ73 لإعلان استقلال ليبيا دولة حرة مستقلة ذات سيادة، تتويجًا لكفاح أبنائنا وأجدادنا المجاهدين ضد الاستعمار. ونحيي في هذه المناسبة كل من ساهم في تحقيق ذلك الإنجاز التاريخي العظيم في ظروف عالمية معقدة وصراع دولي ساخن على النفوذ عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية. ونحيي الوطنيين الذين حرصوا بعد استقلال ليبيا على تماسك الدولة الليبية الناشئة ووحدة ترابها بروحهم الوطنية الصادقة، والحكمة، وبعد النظر، والترفع عن المصالح الشخصية الضيقة. وما أحوجنا اليوم أن نقتدي بوطنيتهم ونتعلم من سلوكهم ومنهجهم كيف نتجاوز الخلافات فيما بيننا ونواجه التحديات والأزمات السياسية وغيرها، بوحدة الكلمة والصف من أجل مصلحة الوطن التي تعلو على كل المصالح الأخرى.
لقد ضحى آباؤنا وأجدادنا المجاهدون بأرواحهم ودمائهم من أجل الحرية والكرامة، ومن أجل أن تنشأ الدولة الليبية المستقلة ويعيش تحت كنفها ورعايتها كل الليبيين، أسيادًا فوق أرضهم، في أمن وسلام، إخوة في السراء والضراء، يصنعون حاضرهم ومستقبلهم بالتوكل على الله واعتمادهم على أنفسهم، وتسخير ثروات بلادهم من أجل الانتقال من حالة الجهل والتخلف والفقر إلى النهضة والتقدم والعيش الكريم.
لكن وبكل أسف، أتت الرياح بما لا تشتهي السفن؛ حيث اجتمعت عوامل عدة لا تخفى على أحد -ولا مجال لذكرها في هذا المقام- حالت دون بلوغ تلك الأهداف النبيلة السامية. حتى قادتنا تطورات الأحداث وتعقيداتها عبر عقود منذ إعلان الاستقلال إلى ما هو عليه الحال الذي نشهده اليوم. نحمد الله الذي وفقنا أن ننتصر انتصارًا ساحقًا على أهم تلك العوامل وأخطرها إطلاقًا بانتصار “ثورة الكرامة” على الإرهاب. ولولا انتصارنا على الإرهاب لما بقي لنا شيء من الحاضر أو المستقبل. تحية لشهدائنا وجرحى الكرامة، ولكل من أسهم في انتصارها على الإرهاب.
الشعب الليبي الكريم، إن الاستقلال الذي نحتفل بذكرى إعلانه اليوم يفقد قيمته ومعناه ويصبح مجرد ذكرى في سجلات التاريخ إذا تفككت وحدة البلاد، وانتهكت سيادة الوطن، وارتهن مصير الوطن بما يصدر من قرارات خارج حدوده، وانتزع من الشعب حقه في تقرير مصيره بنفسه، وعمّت الفوضى، وغُيّب القانون، وانتشر الفساد في مؤسسات الدولة دون رادع، وضعفت المؤسسات في أداء واجباتها كاملة لخدمة المواطن، واقتحم الفقر بيوت المواطنين، وأصبح المواطن يعيش غريبًا في وطنه. إن المعنى الحقيقي للاستقلال لا ينحصر في قرار تصدره الأمم المتحدة، بل يعني السيادة والحرية والكرامة. الاستقلال أن يمتلك الشعب قراره في تقرير مصيره وإدارة شؤونه، وأن يكون الشعب سيدًا في وطنه.
علينا ومن حقنا أن نتساءل: كيف لنا أن نحتفل باستقلال ليبيا وقد تصدعت فيها أركان الدولة وأساساتها، وتحولت إلى حقل فسيح للتجارب الفاشلة والصراع من أجل السلطة؟ هل حقًا قامت الدولة التي حلمنا بها ودفعنا أثمانًا باهظة من أجل بنائها؟ الدولة التي تجمع تحت مظلتها كل الليبيين بلا تمييز بمختلف شرائحهم وتوجهاتهم ومناطقهم، تحمي حقوقهم وتضمن لهم العدالة والمساواة وفرص العمل الشريف، الدولة التي تهزم الفقر والجهل والتخلف، تحتكر السلاح، ترد المظالم، تجبر الضرر، وتضمن ديمومة الأمن والاستقرار في ربوع الوطن؟
إن جميع المساعي والمبادرات التي استهلكت منا جهدًا مضنيًا ووقتًا ثمينًا لبناء تلك الدولة، نرى الواقع يشهد على فشلها، وهو ما يعرض للخطر كل المكاسب والإنجازات التي تحققت عبر سنين التضحية والكفاح في شرق البلاد ووسطها وجنوبها على وجه الخصوص من أمن واستقرار وبناء وعمار. وعليه أصبح الظرف أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى لتتكاتف الجهود المحلية والدولية على حد سواء قبل فوات الأوان، والعمل على مشروع جاد يتجنب تكرار التجارب الفاشلة، ويضمن بناء الدولة الدستورية الحديثة التي تواكب متطلبات العصر وتطوره، وتنقذ البلاد من أزماتها السياسية المتفاقمة وخطورة تداعياتها على سلامة الوطن. وستكون قواتكم المسلحة في مقدمة الداعمين له والمدافعين عنه بكل ما لديها من قوة.
ختامًا: نطمئنكم أن القيادة العامة تراقب المتغيرات الخطيرة التي تجتاح المنطقة، وإننا على درجة عالية من اليقظة والجاهزية لحماية مكتسباتنا ومقدراتنا، والحفاظ على ما تحقق من أمن واستقرار. نحن سائرون بعون الله في طريق البناء والإعمار رغم كل التحديات والعوائق. ولا غاية لنا إلا أن نرى طموحات وآمال المواطن الليبي صارت أمرًا واقعًا، وأن دماء شهدائنا وجرحانا لم تذهب سدى.
ندعو الله أن يوفقنا عاجلًا غير آجل لبلوغ ذلك، وما توفيقي إلا بالله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
متابعات المرصد – خاص