بالأمس النيجر، واليوم الغابون، أثرى أثرياء الدول النفطية الإفريقية، وغداً سوف تحذوا تشاد وأخريات حذو البلدان الغرب إفريقية التي قالت لا للهيمنة والغطرسة الفرنسية، إنّها إرادة الشعوب التي لا تقهر، وكما هو معلوم أن فرنسا خرجت من البلدان التي استعمرتها اسماً، ولكنها بقيت كأنظمة حكم وراثية تديرها نُخب مدجّنة وخاضعة للمشروع الفرانكفوني الاستغلالي، الذي لم تجني منه هذه البلدان سوى رفد وتغذية ضرع البقرة الفرنسية الحلوب بثروات إفريقيا، ففي هذا الخضم الثوري المدعوم بمؤسسات الجيوش الغرب إفريقية، تكون حلقات الخلاص من الاستعمار الفرنسي قد اكتملت، فالشعوب ومهما طال زمان قهرها والجلوس على ظهرها، لابد لها من يوم للتحرير الوطني الذي يجب أن يأتي فوراً، لقد عكست الأجيال الإفريقية الناشئة إرادة كوامي نكروما وتصميم توماس سنكارا وتضحية القائد الأممي الشهيد الإفريقي المبجل باتريس لوممبا، هكذا يكون وفاء الأجيال الحاضرة للأجيال الغابرة، التي ظن المستعمر أنه بتحليل أبدانها في حمض الكبريتيك المركز، سوف يقوم بإزالة واستئصال شعلة الوعي النابضة في قلوب الحاضرين، ولما للعقل الامبريالي من تعنت ومشقة في فهم واستيعاب حقوق السكان الأصليين، كان لابد من طرق المارد الافريقي الهمام بيده الحديدية على الآذان غير الصاغية وغير المبالية لهذا المتحكم الأجنبي على شئون البلدان الإفريقية.


الديمقراطية وما أدراك ما الديمقراطية الحاملة للرؤساء الدكتاتوريين العشائريين، الحاكمين بشرعية الأسرة والجماعة والقبيلة في إفريقيا، هذه الجماهير التي سيقت لحتفها بظلفها عبر العمليات الديمقراطية المحسوبة العواقب، بواسطة المراقب الفرنسي الذي يعد ويحسب دبيب النمل الافريقي على الأتربة والأراضي السمراء، لقد أوهمت الشعوب الافريقية هذه الديمقراطية الزائفة الحارسة لعروش المستعمرين الناهبين لثروات القارة الأم (مهد البشرية)، ولم تجني شعوب الغرب الافريقي (الفرانكفوني) غير التمكين السلطوي الاستعماري لفرنسا على مقاليد أمور الحكم وانتهاك السيادة الوطنية، وبعد أن هاجت وماجت أمواج الصراع الدولي حول موارد القارة الافريقية، وبعد دخول الماردين العملاقين التنين الصيني والدب الروسي، لميادين الصراع الاقتصادي حول الموارد الافريقية التي لا تنضب، دعم الثعلب الفرنسي وفي لحظات لفظه لأنفاسه الأخيرة الأنظمة الوراثية والأبوية التي أسس لها حكماً طاغوتياً ظنه دائم، دون أن يكترث للمياه الغزيرة التي انسكبت وانهمرت تحت جسور الأنهر الافريقية العظيمة، لقد اشرأب الجيل الحديث في بوركينا فاسو (أرض الرجال النزهاء) ومالي، ووقف سداً منيعاً أمام المحاولات اليائسة للثعلب الفرنسي المجتهد في سبيل دق اسفين بين الأشقاء، بتفعيل الأجندات المغرضة المجرّمة للحراك الشعبي الطامح في إزالة الطاغوت.
إرادة الشعوب لا تقهر، فحتى ولو خمد وسكن بركانها فإنّه لابد وأن يتفجّر يوماً ما، واستطالة عنجهية المستعمر الفرنسي الحاط من قدر إنسانية إنسان هذه القارة الودود الولود، التي تكتنز أرضها احتياطي ثروات العالم، لابد لهذه العنجهية من كابح يكبح جماحها، ويمتلك أدوات كفاح ونضال ليست كأدوات المشروع القاتل لأحلام أطفال افريقيا، الذين يلعبون ويعبثون بالرمل الذهبي فوق أرض أجدادهم، فيأتي صاحب العين الزرقاء ليوحي لهم أن الرمل الذهبي ما هو إلّا تراب رخيص الثمن لا يسمن ولا يغني من جوع، ليأخذه منهم استهبالاً فيبيعه في مزادات الدنيا مقابل العملات الصعبة، وبذلك يؤسس للضمانات الاجتماعية والصحية لأحفاده البيض في باريس والمدن الجليدية، من الذين اعتاشوا لقرون مضت على مردودات فوائد هذا العطاء الذي لا يستحقونه، فدورة الأيام مكتوب عليها أن تدور لتنصف المظلوم وتحاسب الظالم وتودعه المصير المظلم داخل سجون وزنازين الدنيا، هذا هو ديدن (الكارما)، كما شدا بذلك الثائر الافريقي بوب مارلي: (يمكنك أن تخدع بعض الناس بعض الوقت، لكنك لن تسطيع خداع كل الناس كل الوقت)، لكن المستعمر الإمبريالي لن يستوعب مضمون الحكمة الأفريقية إلّا بعد ضحى الغد، حينما يجد نفسه تحت أقدام أحفاد باتريس لوممبا، فأرض الرجال النزهاء لن ترضخ ولن تستسلم ولو أنها صمتت لقرن من الزمان، لابد لها وأن تلد الثائر الجيفاري الذي سوف يلجم العنجهي الأبيض، ذلك الغازي المتربص، وأن تختم على كتفه أن اخرج ولا تعد.

إسماعيل عبدالله
31اغسطس2023  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

تصريح صحفي من تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”حول قتل مدنيين خارج القانون في الحلفايا

انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تُظهر مجموعات تقاتل في صفوف الجيش تعلن بعد دخولها منطقة الحلفايا بالخرطوم بحري عن تصفية وقتل مدنيين خارج نطاق القانون، أظهرت المعلومات الأولية المتاحة حتى الآن حدوث قتل لمدنيين من خلال تنفيذ عمليات إعدام خارج نطاق القانون طالت عشرات المدنيين.
تدين تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" هذه الجريمة وتدعو إلى اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه مرتكبيها وتقديمهم إلى المحكمة والتعامل الجاد معها بعيدًا عن التسويف والمماطلة كما حدث في انتهاكات سابقة انتهت بوعود التحقيق دون وجود نتائج؛ وتعتبر في الوقت ذاته ما تم جريمة حرب مكتملة الأركان وستطال العدالة كل من ارتكبوها وحرضوا عليها في يوم من الأيام.
تجدد "تقدم" دعوتها لطرفي الحرب للالتزام بالقانون الدولي الإنساني والتوقف عن الاعتداء على المدنيين الموجودين في مناطق الحرب أو الفارين منها ووقف هذه الانتهاكات المستمرة لما يقارب العام والنصف.
تحذر "تقدم" من مخاطر تجريم العاملين في العمل الإنساني والقائمين على أمره بالتصنيف السياسي أو الاتهام بالانحياز لأي من طرفي الحرب، لأن ذلك يترتب عليه آثار وخيمة بإحجام المتطوعين عن العمل في خدمة المواطنين الموجودين في مناطق الحرب بعد فشل وعجز الجهات الرسمية عن تقديم أي خدمات لمواطنيها ممن يعانون الجوع والمرض، وانعدمت الخيارات أمام الملايين منهم فلم يجدوا خيارًا سوى البقاء في مناطقهم والتعايش مع واقع الحرب، فلم يجدوا ملاذًا سوى متطوعين ممن سدوا هذا العجز وبادروا بتقديم الخدمات لمواطني تلك المناطق.
في ذات السياق نجدد التحذير من تنامي قتل المدنيين خارج القانون أو استهدافهم بدوافع إثنية أو عرقية ومخاطر هذا المسلك ودفعه البلاد إلى أتون حرب أهلية شاملة لا تبقي ولا تذر يقتل فيها الناس بعضهم بعضًا على أساس العرق أو اللون أو طريقة الحديث؛ ومن يعتقدون أن دفعهم البلاد للحرب الأهلية الشاملة ستجعلهم في مأمن من شرورها وتمكنهم من حكم البلاد مجددًا بالحديد والنار يجهلون أنهم سيكونون ضحاياها عاجلًا أم آجلًا ويلاحقهم التاريخ بلعناته.
نجدد الدعوة لقيادة القوات المسلحة وقوات الدعم السريع باتخاذ القرار الصحيح والشجاع بوقف هذه الحرب والعودة للتفاوض وتحقيق الحل السلمي وإيقاف معاناة ملايين السودانيين والسودانيات ممن يتطلعون للعودة إلى ديارهم ومواصلة حياتهم بشكل اعتيادي في وطنهم وداخل بيوتهم.

د. بكري الجاك
الناطق الرسمي باسم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية.
الأول من أكتوبر ٢٠٢٤م.  

مقالات مشابهة

  • اليابان: الهجوم الإيراني على إسرائيل "غير مقبول"
  • أوهام الديمقراطية 2
  • وزير الخارجية: مصر تعمل على تعزيز منظومة الأمن والاستقرار الجماعي بالقارة الافريقية
  • "الديمقراطية»: مصير جنود نتنياهو في جنوب لبنان سيكون كمصيرهم في غزة
  • ارتفاع أسعار الأغذية بالأردن 2.8%
  • تصريح صحفي من تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”حول قتل مدنيين خارج القانون في الحلفايا
  • بن شرادة: لابد من إجراء حزمة إصلاحات اقتصادية بعد تكليف مجلس جديد للمركزي
  • أرتفاع معدلات الإصابة بحب الشباب بين المراهقين والشباب حول العالم حسب دراسة
  • بشير التابعي: الأهلي كان مرعوب.. وممدوح عباس سبب فوز الزمالك بالسوبر الافريقي
  • جوميز ومعاونبه يغادرون القاهرة بعد فوز الزمالك بالسوبر الافريقي