صحف فرنسية: الثورة الأفريقية الكبرى بدأت وباريس لم يعد لها وجود هناك
تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT
تناولت بعض الصحف الفرنسية الرئيسية الانقلاب الذي أطاح أمس بأسرة آل بونغو السياسية المعمرة في رئاسة الغابون، بالتحليل وكثير من التركيز، فعنوت لوفيغارو بأن "الدبلوماسية الفرنسية فقدت توازنها بسبب وباء الانقلابات في أفريقيا"، ورأت لاكروا أن الركيزة التاريخية لفرنسا في أفريقيا تهتز، في حين نبهت مجلة لوبان إلى أن فرنسا لم تفهم عولمة أفريقيا من خلال الانقلابات.
وشبهت لوفيغارو هذا الانقلاب بالتعذيب "في حوض الاستحمام" بالنسبة للدبلوماسيين الفرنسيين، بحيث لا يكادون يجرؤون على إخراج رؤوسهم من الماء حتى يعيدهم انقلاب جديد إليه بشكل أكثر وحشية، حيث تتابع حتى الآن 8 انقلابات في وسط وغرب أفريقيا منذ عام 2020.
تأثير الدومينو
ورأت الصحيفة أن انقلابات أفريقيا هذه تذكر كل مرة بتشويه السمعة الذي تعاني منه الديمقراطية، فضلا عن تراجع النفوذ الغربي في العالم، حيث تفرض القوى الاستبدادية نماذجها البديلة على السكان الذين يغريهم الرجال الأقوياء والحلول العسكرية، وسيجعل انقلاب الغابون خاصة مهمة فرنسا في مقاومة القوى التي تريد إخراجها من أفريقيا أكثر صعوبة، خاصة أن تأثير الدومينو قد لا ينتهي.
ومن ناحية أخرى، رأت الصحيفة أن فرنسا سوف تجد صعوبة في تبرير المعايير المزدوجة في التعامل مع الانقلابين المختلفين في النيجر والغابون، وقالت إن أحداث الغابون قد شكلت ضربة أخرى لنفوذ فرنسا، نظرا لكثافة المشاعر المعادية لها في جميع أنحاء القارة.
ومع أن الفرحة التي عبّرت عنها شوارع ليبرفيل الأربعاء لم ترافقها هستيريا مناهضة لفرنسا كما حدث في نيامي وفقا للصحيفة، فإن الحقيقة هي أن القوة الاستعمارية السابقة سوف تجد صعوبة في تبرير المعايير المزدوجة في التعامل مع هذين الانقلابين المختلفين، إذ يرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العالق في الفخ الأفريقي، أن تهديداته في النيجر يتم تحييدها من خلال وهم التدخل ضد جنرالات الغابون، حتى لو استسلموا لإغراء الدكتاتورية.
ومن ناحيتها، رأت لاكروا أن الانقلاب في كل بلد يمثل حالات مختلفة، فالغابون بلد نفطي تديره منذ 55 عاما عائلة أساءت استغلاله إلى حد كبير، وقد وقع الانقلاب فيه في اليوم التالي للانتخابات التي كانت نتيجتها أمرا مفروغا منه لصالح الرئيس المنتهية ولايته علي بونغو، فاعتبر الجيش هذه المهزلة الانتخابية ذريعة صالحة، وأعرب عن سخطه وسخط السكان على نطاق واسع.
ورأت لاكروا أن هذه الموجة من الانقلابات ترجع إلى الشباب الذين يفتقرون إلى آفاق المستقبل، مشيرة إلى أن على القادة السياسيين إظهار المسؤولية والثقة في الآليات الديمقراطية، لأن استقرار المؤسسات وشفافيتها واستمراريتها أمر ضروري لضمان التنمية، ولأن التناوب أفضل من الانقلاب.
وفي مقابلة مع لوبوان، قال الكاتب أنطوان غلاسر إن أفريقيا دخلت في عملية لا رجعة فيها، بموجبها ستخرج فرنسا، لأنه "كان عليها أن تنسحب منذ سنوات من مستعمراتها السابقة في غرب ووسط أفريقيا، ولكنها أرادت الاستمرار في الاضطلاع بدور الشرطي في أفريقيا، وفضلت الاحتفاظ بقواعد عسكرية في القارة، في وقت قامت فيه القوى العظمى الأخرى بأعمال تجارية، والنتيجة هي طرد الجنود الفرنسيين اليوم من أفريقيا مع أن الحصص السوقية للشركات الفرنسية أقل من حصص الدول الأخرى، لأن الشباب الأفريقي يعتقد -صح ذلك أم لم يصح- أن فرنسا ترى نفسها في بيتها بأفريقيا".
فرنسا لم يعد لها وجود في أفريقيا
وقال الكاتب للصحيفة إن فرنسا خرجت من عماها الذي منعها من أن ترى أن أفريقيا تتحول إلى العولمة، وقد أظهر ماكرون غضبا شديدا لأن السياسة الواقعية تجاوزته، حيث اكتفى بقوله "لقد انتهت فرنسا أفريقيا"، وهو يدرك أن الخطر الذي يواجه فرنسا الآن هو "أنها لم تعد موجودة في أي مكان"، ولم تعد لها كلمة في أفريقيا، في حين نأى الألمان بأنفسهم عن الموقف الفرنسي في النيجر، وكذلك الإيطاليون في ليبيا، وقد مالت حكومة بيدرو سانشيز الإسبانية إلى الأطروحة المغربية فيما يتعلق بالصحراء الغربية.
وعند سؤاله عن مستقبل القواعد العسكرية الفرنسية في أفريقيا، أشار الكاتب إلى أن فرنسا حاولت أن تبدأ عملية انتقالية لطيفة، بالحفاظ على القواعد مع تغيير طبيعتها تدريجيا، وجعلها متاحة للجيوش المحلية بناء على اتفاقيات التدريب، فكان ذلك هو التحول الذي تخيله ماكرون وأراده، ليتساءل ماذا سيحل بنحو 350 جنديا فرنسيا في الغابون، وهل ستطرح عندئذ مسألة القواعد في ساحل العاج والسنغال؟
وتساءلت لوفيغارو من جهة أخرى: ما العواقب على المصالح الاقتصادية الفرنسية؟ حيث استوردت فرنسا في العام الماضي ما قيمته 310 ملايين يورو من المنتجات الغابونية، في حين صدرت إليها ما لا تزيد قيمته على 500 مليون يورو، مما يعني أن "التأثير بالنسبة لفرنسا من حيث التجارة لا ينبغي أن يكون كبيرا للغاية"، حسب أروني شودري، الخبير الاقتصادي المسؤول عن منطقة أفريقيا في شركة التأمين الائتماني كوفاس.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی أفریقیا أن فرنسا
إقرأ أيضاً:
غياب مجلس القيادة الرئاسي والحكومة يتسبب في ضياع فرص إنهاء الانقلاب وتحرير اليمن من الحوثيين
يعيش الشعب اليمني معاناة مستمرة بفعل سيطرة المليشيات الحوثية على العاصمة صنعاء، ومساحات يقطنها الكتلة السكانية الأكبر في اليمن.
وعلى الرغم من العديد من الفرص التي كان يمكن أن تسهم في إنهاء الحرب وتحرير اليمن، فإن هذه الفرص ضاعت نتيجة لانشغال مجلس القيادة الرئاسي بالركض خلف مصالحهم الشخصية ومكاسبهم التي يسعون لتحقيقها وتنفيذ الأجندة الخارجية التي تدير وتدار، بعيداً عن الأولويات الوطنية التي يحتاجها الشعب اليمني.
بعد انهيار نظام بشار الأسد في سوريا، نشأت موجة من الحماس الشعبي في اليمن. والتي كانت بمثابة لحظة تاريخية وفرصة ذهبية لاستعادة الزخم الشعبي وتعزيز الجبهة الداخلية ضد الحوثيين.
في تلك الفترة، كان من الممكن أن تتوحد القوى الوطنية تحت هدف مشترك يتمثل في التخلص من الحوثيين واستعادة الدولة.
لكن، رغم هذا الحماس الذي اجتاح الشارع اليمني، لم يستطع مجلس القيادة الرئاسي والحكومة استثمار هذه الفرصة، وبدلاً من أن يركز على تعزيز الوحدة الوطنية ويعمل على معالجة القضايا الأمنية والسياسية، استمر أعضاؤه بالبحث عن فرص تحقيق مصالحهم الشخصية، مما أدى إلى ضعف الروح المعنوية بين أفراد الشعب وأفقدهم الأمل في قدرة القيادة الحالية على تحقيق التغيير. وبالتالي ضاعت هذه الفرصة الحاسمة في طريق تحرير اليمن.
قطع يد إيران في لبنان وسوريا
كما شهدت المنطقة تحولات استراتيجية مهمة، خاصة في ما يتعلق بتقليص نفوذ إيران في لبنان وسوريا، وهو ما اعتبر فرصة ذهبية لتعزيز الجبهة ضد الحوثيين المدعومين من طهران.
خلال هذه الفترة، كان من الممكن لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة أن يستفيدو من هذه الظروف الدولية لتشكيل تحالفات إقليمية ودولية تدعم الحكومة الشرعية، وتساهم في تعزيز قدرات الجيش الوطني لمواجهة الحوثيين.
لكن رغم هذا السياق الدولي الذي كان يصب في صالح الشعب اليمني، فإن الخلافات الداخلية والتباينات، أفقدته القدرة على الاستفادة من هذه الفرصة وجعلته يفقد الدعم الدولي المتزايد الذي كان في مصلحة الحكومة الشرعية.
تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية
ومع استلام ترامب مقاليد الرئاسة في الولايات المتحدة، أدرج الحوثيين كمنظمة إرهابية، وهو تصنيف كان له آثار كبيرة على عزل الحوثيين على الصعيدين الدولي والمالي.
كانت هذه اللحظة بمثابة فرصة مهمة لمجلس القيادة الرئاسي لزيادة الضغوط على الحوثيين من خلال تعزيز الدعم الدولي، وكشف تجاوزاتهم وانتهاكاتهم لحقوق الإنسان، فضلاً عن استعادة بعض المناطق التي ما زالت تحت سيطرتهم.
ولكن المجلس لم يستغل هذه الفرصة بالشكل الأمثل، بل انشغل بالمهام التي ينفذها وفق الأجندة الخارجية التي جعلت من الصعب توجيه الاهتمام إلى هذه القضية المهمة.. من خلال غياب التنسيق الفعال بين أعضاء المجلس، ضاعت فرصة مهمة لتقليص نفوذ الحوثيين وتعزيز موقف الحكومة الشرعية في الساحة الدولية.
الحكم من الخارج وغياب المسؤولية
يؤكد مراقبون أن من أبرز العوامل التي ساهمت في ضياع الفرص هو أن قيادة البلاد كانت تدير من الخارج، بعيداً عن الواقع اليمني.. هذه الوضعية جعلت من الصعب على مجلس القيادة الرئاسي أن يتعامل بشكل مباشر مع الأزمات اليومية التي يواجهها الشعب.
في وقت كان فيه الشعب اليمني يتطلع إلى رؤية قيادة محلية تواجه التحديات من داخل البلاد، بقي المجلس والحكومة في الخارج، ما أفقده القدرة على التأثير المباشر في سير المعركة ضد الحوثيين.
وأكدوا أنه كان من المفترض أن تكون القيادة في الداخل لتكون أقرب إلى الشعب وتعكس حاجاته الحقيقية. لكن بدلاً من ذلك، ظل المجلس بعيداً، وهو ما أثر سلباً على فعالية القرارات السياسية وعمق التواصل مع المجتمع اليمني.
استعادة الدولة تبدأ من الداخل
كما يؤكد المراقبون أن استعادة الدولة من الحوثيين لا يمكن أن تتم إلا من خلال العودة إلى الداخل. لا بد لمجلس القيادة الرئاسي التركيز على مهامه الدستورية، وبناء الدولة اليمنية، واستعادة مؤسساتها. عودة القيادة إلى داخل اليمن من شأنها أن تعزز الثقة بين المواطنين والحكومة الشرعية، وتسمح لها باتخاذ القرارات اللازمة لمواجهة الحوثيين بفعالية أكبر.
وشددوا على ضرورة أن تكون الأولويات في هذه المرحلة واضحة بداية باستعادة الأراضي والدولة من المليشيات الحوثية، وتنسيق الجهود بين جميع القوى الوطنية في مواجهة الحوثيين، وتحقيق وحدة وطنية حقيقية بعيداً عن الانقسامات التي طالما أضعفت الجهود المشتركة.
وأشاروا إلى أن هذه هي الخطوة الأولى نحو استعادة السيطرة على البلاد، وتكوين يمن جديد يعكس طموحات الشعب اليمني في الأمن والاستقرار.
وأكدوا أن العودة إلى الداخل هي الحل الأمثل لتحقيق الأهداف الوطنية. بدونها، لن يستطيع اليمن التغلب على تحدياته الداخلية والخارجية، ولن يتمكن من تحرير البلاد من قبضة الحوثيين الذين يستمرون في السيطرة على معظم مناطق اليمن.