إسناد العرب الضروري لبريكس
لعل العالم الثالث، المتضرر والمهيمن عليه من الغرب الاستعماري الرأسمالي، قبل ووبعد استقلاله، يدرك هذه المرة أهمية مساندته التامة لتكتل بريكس.
هل يتجنب تكتل بريكس المواجهة نفسها المجنونة المتعنتة السابقة من دول الغرب الأمريكي والأوروبي وتابعيه ومن دوائر التحكم الرأسمالي العالمية؟
سيكون محزناً لو وقف العالم الثالث، ومنه العرب، موقفا متفرجا على محاولات بريكس، كما فعل بمحاولات سابقة، وقَبِل بأن يكون تابعاً ذيلاً لدول الغرب الرأسمالية.
إنها الدائرة المفرغة الأبدية تدور حول نفسها، دائرة رفض الرأسمالية لأي محاولة لأنسنة نشاطاتها وتنظيم فوائدها وضبط جنونها وشطحاتها التاريخية وأطماعها المنفلتة.
* * *
في عام 1968 اجتمع ثلاثون من علماء التربية والسياسة والاقتصاد والمال في إيطاليا، وكونوا ما عرف بنادي روما لمناقشة حاضر ومستقبل البشرية وحضارة العالم. وخرج المجتمعون بوثيقة مشروع مستقبل الإنسان، الذي صدر حينئذ في كتاب تحت عنوان «حدود النمو».
شخّص ذلك الكتاب أهم مشاكل ذلك الزمن بأنها: الفقر المذل، وتدهور البيئة المصاحب لتقدم التكنولوجيا ولازدياد عدد السكان، والأزمات الاقتصادية والمالية المتكررة، وفقدان الثقة في مؤسسات المجتمع، وفقدان الأمان في وظائف العمل، وثورات الشباب على القيم والأخلاق، اوجميعها توجد في كل العالم وإن بنسب وتأثيرات متباينة.
وكان الكتاب صرخة تنبيه لضرورة مواجهة تلك المشاكل بحلول فاعلة، قبل أن تصبح كوارث في المستقبل المنظور.
لكن دوائر الرأسمالية الصناعية والمالية، وإعلامها المنحاز لوجهات نظرها، وقوى سياسية انتهازية عمياء، اعتبرت النتائج التي توصل إليها نادي روما مبالغا فيها وأن لهجة التقرير متشائمة أكثر من اللازم، وبالتالي ضرورة تجاهله.
وكرد فعل صدرت مبادرات وتقارير وصيحات وكتب من شتى بلدان الغرب الأوروبي والأمريكي وتابعيها تحذر العالم من أخذ كتاب «حدود النمو» بجدية، لأنه لن يقود إلا إلى إيقاف التقدم والنمو الرأسمالي الهادر والمتعاظم، بل إلى ترجيح كفة القوى اليسارية الاشتراكية المناوئة للغرب ولرأسماليته.
إنها الدائرة المفرغة الأبدية، وهي تدور حول نفسها قرناً بعد قرن، دائرة الرفض التام من قبل الرأسمالية وغالبية الرأسماليين لكل محاولة من أي نوع كان لأنسنة نشاطاتها وتنظيم فوائدها ومحاولة بناء تعايشها مع أي أيديولوجية أو قيم أو أنظمة تحاول ضبط جنونها وشطحاتها التاريخية وأطماعها غير المحدودة.
وكانت من أهم المحاولات أنذاك ما تقدمت بها قوى يسارية في أمريكا الجنوبية لبناء مجتمع اشتراكي تميزه العدالة الاجتماعية والمشاركة الشعبية غير المزيفة، ويقوم اقتصاده على إشباع الحاجات الأساسية لكل ساكنيه، لكن مثل تلك المحاولات ضاعت في أتون الصراع الغربي-السوفياتي المستميت.
اليوم يثبت بصورة جلية موضوعية أن استنتاجات نادي روما وتوصياته، ومختلف مبادرات يسار القرن الماضي لتدجين الرأسمالية الكلاسيكية ومن بعدها الرأسمالية النيوليبرالية كانت جميعها محقة، وكانت تستحق أن يأخذها العالم بجدية وترحيب.
وثبت أنه لو أن العالم تعامل معها بإيجابية وطورها عبر الستين سنة الماضية، لما وجدنا أنفسنا الآن نواجه الأوضاع الحياتية الخطرة التي نعيشها والمستقبل الذي نخشاه.
ولعل تكتل بريكس الاقتصادي الذي يحاول أن يماثل بعض المحاولات السابقة التي ذكرنا، لن يلقى المواجهة نفسها المجنونة المتعنتة السابقة من دول الغرب الأمريكي والأوروبي وتابعيه ومن دوائر التحكم الرأسمالي العالمية إياها..
لعله يعطي فرصة تطوير محاولة إيجاد مخرج من جحيم المصائب والانتكاسات والحروب التي عاشها العالم عبر القرنين الماضيين على الأقل، ونقل العالم إلى نظام دولي أكثر عدالة وأكثر مساواة وأكثر تضامنا في كل مجالات الحياة الإنسانية والبيئية.
ولعل العالم الثالث، المتضرر والمنهك والمهيمن عليه من قبل الغرب الاستعماري الرأسمالي، قبل وأثناء وبعد استقلاله وتحرره، يدرك هذه المرة أهمية مساندته التامة لمجموعة بريكس، وعلى الأخص بعد أن انضمت إليها دول من قلب العالم الثالث، بل وتطالب أغلبيته بالانضمام في القريب العاجل.
سيكون محزناً لو وقفت دول العالم الثالث، ومنها بالطبع دول الوطن العربي، موقف المتفرج على محاولات بريكس، تماماً كما فعل العالم الثالث بالكثير من المحاولات السابقة، وسمح لنفسه بأن يكون تابعاً وذيلاً لدول الغرب الرأسمالية، فكراً واقتصاداً وسياسة وثقافة، وبالطبع يهمنا نحن العرب بالذات أن لا نكون آخر من يأخذ هذه المحاولة الجادة بتبن إيجابي ودعم متفاعل ومساند ومستقل.
اليوم، والغرب يدفع بقوة وجنون نحو عالم بلا روابط عائلية واجتماعية وإنسانية تضامنية، وعالم بلا قيم أخلاقية أو دينية ضابطة، وإلى ثقافة مسطحة استهلاكية جشعة أنانية..
اليوم ما عاد يحق لنا، أخلاقياً ومبدئياً، أن نقف متفرجين بانتظار ردات الفعل والقرارات الأمريكية والأوروبية. آن لهذا العالم أن يخرج من سطوة وجنون سيطرتهما على الحضارة الكونية، وقريباً على الفضاء الخارجي وما فيه من خيرات وإمكانيات.
لعل الوطن العربي، أكثر المناطق استباحة واستغلالاً وتلاعباً بمقدراته، أن يبدأ، من خلال بعض دوله الجريئة، ومن خلال مناقشات جريئة صادقة في مؤسساته الإقليمية، بدعم موضوع بريكس، الذي يمثل فرصة نادرة للعرب قد لا تعود إلا بعد قرون.
*د. علي محمد فخرو وزير بحريني سابق، مفكر قومي عربي
المصدر | الشروقالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: العرب بريكس الغرب الاستعمار الرأسمالية نادي روما العالم الثالث العالم الثالث دول الغرب
إقرأ أيضاً:
الفصائل ترد على الضغوط الغربية: لن ننحّل مهما كانت الظروف ومؤامرات الغرب على بغداد لن تتحقق - عاجل
بغداد اليوم - بغداد
رفضت فصائل المقاومة العراقية، اليوم الأربعاء (8 كانون الثاني 2025)، الضغوط الغربية لحلها وتسليم سلاحها مع التلويح باستهدافها اذا لم تستجيب.
وقال مصدر مقرب منها في حديث لـ"بغداد اليوم"، إن" العقيدة التي تحملها فصائل المقاومة في العراق نابعة من واقعة الطف قبل 1400 سنة من خلال مواجهة الحق للباطل والتضحية والشهادة، لافتا الى انه" رغم انهر الدماء التي قدمتها المقاومة، لن تتراجع بل العكس نجحت في تطوير سلاحها واسناد الاشقاء في لبنان وفلسطين".
وأضاف، ان" الضغوط الغربية لحل المقاومة ليس جديدة وهي تأخذ مسارات متعددة سواء من واشنطن او العالم الغربي الذي اظهر نفاقًا وكذبًا في ملف حقوق الانسان عندما صمت حيال ماكنة الإبادة الصهيونية على غزة وسقوط اكثر 150 الف شهيد وجريح ومفقود".
وأشار المصدر الى، ان" المقاومة لن تنحل مهما كانت الظروف، وسلاحها هو من يمنع الكثير من الاجندات من الوصول الى البلاد، لافتا الى ان" روح المقاومة سلاح اخر للشعب العراقي في مواجهة ما يخطط له".
واوضح بان" بعض الأطراف العراقية تتحدث عن حل الفصائل بذريعة انها تتلقى دعما من ايران، والأخيرة في صراع مع أمريكا، لكن الحقيقة هي أن الفصائل هي من تتولى تصنيع وتامين سلاحها، مجددا تأكيده بان مؤامرات الغرب على بغداد لن تتحقق".
وكشف مصدر مقرب من الفصائل العراقية، يوم الجمعة (20 كانون الأول 2024)، عن حقيقة تلقي الفصائل طلبات لحل نفسها.
وقال المصدر في حديث لـ"بغداد اليوم"، إن "فصائل المقاومة ليست مشروعا سياسيا بقدر ما هي عقيدة وفكرة تؤمن بحرية البلاد ومواجهة أعداء الامة وانصاف أهلنا في فلسطين وباقي المناطق وليس لها سقف زمني".
وأضاف ان "الفصائل لم تتلقى اي طلبات من اي جهة بحل نفسها"، مؤكدا ان "الفصائل موجودة في المشهد العراقي لأنها جزء من هذا الشعب على الرغم من أن واشنطن تضغط بقوة من اجل تفكيك الفصائل، وهذا لن يتحقق لان الفصائل أصحاب مبادى سامية".
وأشار المصدر الى ان "وجود الفصائل في المنطقة العربية هو من غيّر المعادلة ومنع تنفيذ الكثير من السيناريوهات الخبيثة للإدارة الامريكية وحلفائها في الشرق الأوسط"، لافتاً الى أن "الفصائل ستبقى في مساراتها الوطنية ولن تتخلى عن رسالتها".
وفي السياق ذاته، وللأسبوع الخامس على التوالي، تتصدر لقاءات المبعوث الأممي الخاص في العراق ساحة الاهتمام السياسي في البلاد، بعد تقارير وتسريبات صدرت عن سياسيين ومستشارين بالحكومة تحدثت عن ضغوط دولية على العراق لتفكيك الفصائل المسلحة والتهديد بعقوبات دولية على العراق.
وكان مستشار رئيس الوزراء إبراهيم الصميدعي، قد ذكر في لقاء متلفز سابق، أن الحكومة العراقية تلقت طلباً واضحاً من أطراف دولية وإقليمية، لم يسمها، بـ"ضرورة تفكيك" سلاح الفصائل المسلحة، وان هناك ضغوطاً دولية متزايدة على الحكومة لضبط السلاح المنفلت خارج إطار الدولة.