تأثير فيلم باربي على الاقتصاد الأميركي
تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT
تقضي الفتاة "باربي" يومها مع صديقاتها في مدينة "باربي لاند" ترفل في النعيم قبل أن تتوقف عن عاداتها اليومية وتكتنفها مخاوف عن الحياة والموت. تقرر أن تذهب إلى العالم الحقيقي، وبينما تستقل سيارتها يفاجئها الشاب كين برغبته في الانضمام إليها في هذه الرحلة فتوافق على مضض. يتعرض كين وباربي لمشاكل جمة في العالم الحقيقي، ويُلقى القبض عليهما قبل أن يحاول كل منهما اكتشاف نفسه والمجتمع من حوله في الفيلم الأميركي "باربي"، من إخراج غريتا غيرويغ وإنتاج عام 2023.
أصبح الفيلم حديث الاقتصاديين الأميركيين في الأسابيع الماضية منذ بدء عرضه في دور السينما في الولايات المتحدة ومختلف دول العالم بسبب تأثيره ليس فقط على صناعة السينما، ولكن أيضا على الاقتصاد الأميركي ككل. وترافق هذا مع جدل محتدم في عدد من الدول العربية والإسلامية حول الفيلم الذي وصل لمنع عرضه في عدد منها بسبب ترويجه لقيم تتعارض مع الدين والثقافة العامة. وسنركز في هذا المقال على الشق الاقتصادي المتعلق بالولايات المتحدة في هذه المسألة؛ لأن تقييم الفيلم من الناحية القيمية والأخلاقية يحتاج إلى نقاش مستقل.
على صعيد اقتصاد صناعة الأزياء، يمكن بسهولة أن تجد ملابس وأكوابا وأدوات شخصية مطبوعا عليها "باربنهايمر"، والأمر هنا يتجاوز مجرد الإعجاب أو الهدايا الشخصية إلى التأثير على صناعة الأزياء والموضة
في المؤتمر الصحفي لرئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي بالولايات المتحدة جيروم باول الشهر الماضي سأله أحد الصحفيين عن تأثير الأرقام التي حققها فيلم باربي في شباك التذاكر على الاقتصاد الأميركي؛ فأجاب بأن هذا يدل على تباطؤ التضخم وانتعاش ثقة المستهلك. كما أعلن بنك "أوف أميركا" أن إنفاق المستهلكين على صناعة الترفيه وشراء الملابس قفز في الأسبوع الذي بدأ فيه عرض فيلم باربي بنسبة 13%.
هذا يشير بوضوح إلى أن هناك مساهمة للفيلم في دعم الاقتصاد الأميركي وزيادة القدرة الشرائية للمستهلكين. يأتي هذا وسط سيل متدفق من التحليلات الأميركية حول دلالات ذلك اقتصاديا وتأثيره القريب والبعيد. يختلف هذه التأثير عن الأرباح التي جناها الفيلم والتي تخطت حاجز مليار دولار في دور العرض حول العالم. وهناك حفاوة كبيرة في الولايات المتحدة بعودة الإنفاق لهذا المستوى، خاصة على صناعة الترفيه بعد جائحة كورونا التي أصابت قطاع السينما بما يشبه الشلل.
يعزو عدد من الاقتصاديين الأميركيين هذا الأمر إلى دخول عنصر الثقافة الشعبية، خاصة المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ بوصفها أحد أدوات التحليل الاقتصادي لرصد الظواهر الثقافية الجديدة باستخدام بيانات المستخدمين. وهنا تجاوزت فكرة تسويق فيلم باربي الترويج له لجذب أكبر قطاع ممكن من المشاهدين إلى صناعة ثقافة شعبية جعلت اللون الوردي مسيطرا على خيال وملابس النساء والفتيات وحتى الرجال والفتيان.
وفي هذا الصدد يرى البروفيسور ماركوس كولينز الأستاذ بجامعة ميشيغان الأميركية أن الثقافة هي القوة الخارجية الأكثر تأثيرا في السلوك البشري، وأن بروز وسيطرة فيلم باربي على الجماهير بهذا الشكل أبلغ دلالة على هذا الأمر.
هوليود والاقتصاد الأميركييعد الفيلم جزءا من ظاهرة عامة يُطلق عليها حاليا "باربنهايمر" (Barbenheimer)، وهي الولع الجماهيري الشديد بفيلمي "باربي" و"أوبنهايمر" من إخراج كريستوفر نولان وإنتاج 2023، حيث يتم عرض السيرة الذاتية لصانع القنبلة النووية الفيزيائي الأميركي جي روبرت أوبنهايمر؛ فكلا الفيلمين حققا أرقاما قياسية في تاريخ الأفلام الأميركية مع شباك التذاكر. وبدأ عرض الفيلمين بشكل متزامن بما يوحي بقدر من التنافسية بينهما، ويعني هذا عادة خصما لكل منهما من رصيد الآخر، لكن ما حدث هو العكس؛ فقد صعدت أرباح كل منهما بشكل كبير. وهو الأمر الذي صعد بصناعة الترفيه الأميركية إلى الواجهة كسلاح لمكافحة أي ركود اقتصادي.
وعلى صعيد اقتصاد صناعة الأزياء، يمكن بسهولة أن تجد ملابس وأكوابا وأدوات شخصية مطبوعا عليها "باربنهايمر"، والأمر هنا يتجاوز مجرد الإعجاب أو الهدايا الشخصية إلى التأثير على صناعة الأزياء والموضة بحد ذاتها. وفي هذا المجال تفوق فيلم باربي على أوبنهايمر لأنه مرتبط بالدمية الشهيرة وبألعاب عديدة مرتبطة بها وموجودة في مجال لعب الأطفال حول العالم.
تجاوز الأمر الدمية نفسها إلى اللون الوردي الذي أعاد الأميركيين إلى أزياء الثمانينيات والتسعينيات، وأصبح هناك إقبال كبير على الأزياء فاتحة اللون، خاصة اللون الوردي. والإقبال على الأزياء هنا لا يستثني الرجال مع اختلاف نسب الشراء بالطبع بين الجنسين؛ لأن الفيلم لم يفتهُ أن يشارك البطولة رجل هو كين وكانت لديه ملابسه الخاصة أيضا فاتحة اللون.
وهنا ينبغي التنويه إلى أن باربي في النهاية هي علامة تجارية هادفة للربح منذ خمسينيات القرن الماضي حتى يومنا هذا. والأمر الذي يتبادر فورا للذهن أن المشاهدين يملؤون خزانة ملابسهم بالألوان الوردية ومنتجات باربي التجارية بعد مشاهدة الفيلم تأثرا به كما يحدث عادة، لكن ثمة وجهة نظر أخرى تقدمها محررة الأزياء والموضة لصحيفة "واشنطن بوست" ريتشل تاجان مفادها أننا النساء في الولايات المتحدة وأوروبا غارقات في عالم باربي أصلا؛ وبالتالي ما قدمه الفيلم هو توسع رقعة الموضة الجديدة أميركيا وأوروبيا وعالميا.
واستدلت على ذلك بأن مجموعة أزياء العام الماضي في خريف 2022 كانت تحتوي على 81 شكلا، نصفهم من الألوان الوردية الساخنة. وترى تاجان أن نموذج باربي في الملابس يوضح لنا بشكل لا لبس فيه من يقرر لنا ماذا نلبس.
ليس سرا أن صناعة السينما والتلفزيون أحد أركان الاقتصاد الأميركي المهمة، ولا يعد نموذج فيلم باربي سوى أحد تجليات التعبير عن هذا الأمر، رغم أنه لا يزال محفوفا بعدد من التحديات؛ أبرزها الإضراب الذي يخوضه الممثلون والكتاب والفنيون منذ أشهر احتجاجا على الأجور ودور التقنية، خاصة الذكاء الصناعي المتزايد في عملية الإنتاج.
لم يتأثر إنتاج فيلمي باربي وأوبنهايمر كثيرا بالإضراب، رغم إعلان بطلي فيلم باربي عن تأييدهما له، ربما لأن حملة الإعلان عن الفيلم بدأت قبل الإضراب بوقت طويل. لهذا فإن حظوظ أفلام خريف هذا العام 2023 في شباك التذاكر ستكون معيارا لأي تأثير متوقع لاستمرار الإضراب إذا استمر حتى ذلك الحين.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الاقتصاد الأمیرکی صناعة الأزیاء فیلم باربی على صناعة
إقرأ أيضاً:
معلومات الوزراء يوضح تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً حول "الذكاء الاصطناعي ومستقبل العمل"، تناول خلاله التحولات التي تشهدها أسواق العمل العالمية، من انخفاض معدلات البطالة إلى زيادة أعداد العاملين، بالإضافة إلى استعراض تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف التقليدية، وزيادة الطلب على المهارات الرقمية، كما تطرق إلى الوظائف التي يُتوقع أن يحل محلها الذكاء الاصطناعي، وتلك التي يصعب استبدالها.
أشار التحليل إلى أن عام 2025 بدأ وسط تحولات مستمرة في أسواق العمل العالمية؛ حيث أثرت جائحة كوفيد-19، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتزايد الصراعات الجيوسياسية، بالإضافة إلى فرض حالة الطوارئ المناخية والركود الاقتصادي، في الديناميكيات العالمية للتوظيف المدفوع بالتكنولوجيا، وتشير البيانات الاقتصادية إلى أن معدل البطالة العالمي وصل إلى أدنى مستوى له منذ عام 1991، حيث بلغ 4.9% في عام 2024. وعلى الرغم من ذلك، تشهد الدول ذات الدخل المنخفض زيادةً في معدل البطالة من 5.1% في عام 2022 إلى 5.3% في عام 2024.
تناول التحليل تطور أعداد العاملين في العالم خلال الفترة من 2014 إلى 2024، حيث بلغ إجمالي القوى العاملة في العالم 3.1 مليارات عامل في عام 2014، مسجلًا أدنى مستوى خلال هذه الفترة. ثم شهد عدد العاملين نموًّا حتى عام 2019، حيث بلغ 3.29 مليارات عامل. ومع ظهور جائحة كوفيد-19، انخفض عدد العاملين إلى 3.22 مليارات عامل في عام 2020، بنسبة انخفاض بلغت 2%. ومع ذلك، عاد العدد للنمو مرة أخرى حتى وصل إلى 3.51 مليارات عامل في عام 2024، مسجلًا زيادة قدرها 0.86% مقارنة بعام 2023، الذي بلغ فيه عدد العاملين 3.48 مليارات عامل.
أشار التحليل إلى أنه بناءً على الاستطلاع الذي أجرته شركة برايس ووتر هاوس كوبرز (PWC) البريطانية على 4702 رئيس تنفيذي في 105 دول حول العالم، فقد أظهرت النتائج أن 25% من الشركات في قطاعات مختلفة كانت تستعد لشطب نحو 5% أو أكثر من الوظائف لديها في عام 2024 بسبب تأثيرات الذكاء الاصطناعي.
وكشفت نتائج الاستطلاع أن 32% من الرؤساء التنفيذيين في قطاع الإعلام والترفيه أشاروا إلى خططهم للاستغناء عن وظائف خلال عام 2024.
كما تشير تقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن الذكاء الاصطناعي سيحل محل نحو 85 مليون وظيفة بحلول عام 2025، وفي الإطار ذاته، أوضحت شركة فريثينك freethink- الداعمة لتقنيات الذكاء الاصطناعي- أنه: "يمكن أتمتة 65% من وظائف البيع بالتجزئة بحلول عام 2025، نتيجة التقدم التكنولوجي وارتفاع التكاليف والأجور، وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي".
وعلى الجانب الآخر، من المُتوقع نمو الطلب على عدد من الوظائف التي ترتبط بالتكنولوجيا بوتيرة أسرع بحلول عام 2030، وبحسب الاستطلاع الذي أشار إليه المنتدى الاقتصادي العالمي في تقرير مستقبل الوظائف - الصادر عام 2025 - لآراء أكثر من 1000 صاحب عمل في عام 2024، والذين يمثلون نحو 14 مليون عامل في 55 دولة حول العالم، فتأتي وظيفة متخصص البيانات الضخمة على رأس 15 وظيفة سيزيد الطلب عليها، ثم وظيفة مهندس التكنولوجيا المالية، ثم متخصص الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، ومن بين هذه الوظائف أيضًا: (مطور البرمجيات والتطبيقات، ومتخصص إدارة الأمن، ومتخصص مستودعات البيانات، ومتخصص المركبات ذاتية القيادة والكهربائية، ومصمم واجهة وتجربة المستخدم "UI/UX"، وسائق خدمات التوصيل، ومتخصص إنترنت الأشياء، ومحلل وعالم البيانات، ومهندس البيئة، ومحلل أمن المعلومات، ومهندس Devops، ومهندس الطاقة المتجددة).
أوضح التحليل أن تقرير بنك جولدمان ساكس يشير إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يحل محل 300 مليون وظيفة بدوام كامل، مما قد يؤدي إلى زيادة القيمة السنوية الإجمالية للسلع والخدمات المنتجة عالميًّا بنسبة 7%. ومن المتوقع أيضًا أن يكون ثلثا الوظائف في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا أكثر عرضة للأتمتة. ومن أبرز الوظائف الأكثر عرضة للأتمتة ما يلي:
- ممثلو خدمة العملاء: لم تعد أغلب تعاملات خدمة العملاء البشرية تتم عبر الهاتف مع موظف بشري يراقب الخطوط، ففي بعض الأحيان تكون استفسارات العملاء ومشكلاتهم متكررة، ولا يتطلب الرد على هذه الاستفسارات ذكاءً عاطفيًّا أو اجتماعيًّا عاليًا، وبالتالي يُمكن الإجابة عن الأسئلة الشائعة بشكل آلي. ووفقًا لدراسات جارتنر، فمن المتوقع استخدام 25% من عمليات خدمة العملاء بواسطة روبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي بحلول عام 2027، مما يقلل الطلب على موظفي خدمة العملاء البشريين بشكل كبير.
- موظفو الحسابات: تستخدم العديد من الشركات الآن الأتمتة والذكاء الاصطناعي في عملياتها المحاسبية، بحيث توفر خدمات المحاسبة المدعومة بالذكاء الاصطناعي نظامًا أكثر مرونة وفاعلية، وأقل تكلفة من دفع راتب لموظف يقوم بنفس الوظيفة، وسيضمن الذكاء الاصطناعي جمع البيانات وتخزينها وتحليلها بشكل صحيح.
- موظفو إدخال البيانات: يُمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي معالجة كميات هائلة من البيانات المُنظمة بسرعة ودقة، مما يقلل من الحاجة إلى العنصر البشري، فلا تعمل هذه الأنظمة على تقليل الأخطاء فحسب، بل إنها تدير أعباء العمل بشكل أكثر فاعلية، ووفقًا لدراسة أجرتها شركة ماكينزي، فإنه يُمكن أتمتة 38% من مهام إدخال البيانات بحلول عام 2030
- المدققون اللغويون: أصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي مثل Grammarly وبرامج معالجة اللغة الأخرى أكثر دقة في اكتشاف الأخطاء الإملائية والنحوية؛ حيث تستطيع هذه الأنظمة معالجة مجموعة من البيانات الضخمة، والقيام بدور المُدققين البشريين، لذا فمن المُتوقع أن يتمكن الذكاء الاصطناعي من أداء 90% من مهام التدقيق اللغوي بحلول عام 2030.
- عمال التصنيع: تعمل أنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات على أتمتة العديد من المهام اليدوية الخاصة بعملية التصنيع، فيمكن للروبوتات التي تعمل بتقنية التعلم الآلي، العمل بشكل أسرع دقة وعلى مدار الساعة دون الحاجة إلى فترات راحة، كما يشير المنتدى الاقتصادي العالمي، إلى أنه من المقرر أن يستمر هذا التوجه، مع توقع انخفاض بنسبة 30% في أدوار التصنيع البشري بحلول عام 2030.
- حراس الأمن: تتناقص الحاجة إلى حراس الأمن البشريين، بسبب تزايد فاعلية أنظمة الذكاء الاصطناعي، والتي تتضمن تقنيات التعرف على الوجه وتحليل السلوك لمراقبة مناطق واسعة، وتتمتع هذه الأنظمة بالقدرة على مراقبة البيئة بشكل مستمر، وتحديد المخالفات، وإخطار السلطات المعنية، لذلك فمن المُتوقع أن ينخفض الطلب على أفراد الأمن البشر بشكل كبير في السنوات القادمة.
أشار التحليل إلى أنه على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي سيحل محل الكثير من الوظائف سالفة الذكر، فإن هناك بعض الوظائف التي يقوم بها الأشخاص في سوق العمل المفتوحة، لن يحل الذكاء الاصطناعي محلها، ومن هذه الوظائف:
- المعلمون: على الرغم من التوسع في آليات التعليم الإلكتروني والتعلم عن بُعد، فإن المعلم يمثل نقطة مرجعية للكثيرين، وفي بعض الأحيان، نتأثر بمعلم معين لنا في السنوات السابقة، فعلى سبيل المثال بعض قراراتنا الأكاديمية تعتمد جزئيًّا على مدى إلهام معلم معين لنا، لذلك فمن الصعب أن يحظى الطلاب بتجربة تدريس رقمية كاملة في المستقبل.
- القضاة والمحامون: نظرًا لتمتع هذه المناصب بعنصر قوي من التفاوض وتحليل القضايا، فيتطلب الأمر مجموعة معينة من المهارات للتمكن من التنقل عبر الأنظمة القانونية المعقدة والمرافعة دفاعًا عن حق العميل في المحكمة، والنظر للأمر في جميع الجوانب المختلفة، وهذا لا يتمتع به إلا القضاة والمحامون.
- المديرون والرؤساء التنفيذيون: ترتبط عملية إدارة فرق العمل داخل المنظمة بالقيادة، وهي ليست مجرد مجموعة من السلوكيات التي يُمكن معالجتها، لذلك يُعد الرئيس التنفيذي مسؤولًا عن مشاركة المهام والمسؤوليات مع فريق العمل، لذلك لا يشعر المستثمرون بالراحة في الاستثمار في شركة تديرها الروبوتات.
- علماء النفس والأطباء النفسيون: على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يُقدم فوائد عديدة في مجال الرعاية الصحية النفسية، فإنه لا يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي أن تحل محل الأطباء النفسيين بالكامل، خاصةً في التعامل مع الحالات المُعقدة، وتقديم التفاعلات العاطفية؛ كما تعد اللمسة الإنسانية ضرورية، خاصةً عندما يتعلق الأمر بدعم الأشخاص لتحقيق النجاح في حياتهم، ويعتمد الاختيار بين الذكاء الاصطناعي والأطباء النفسيين حسب طبيعة المشكلة التي يعاني منها المريض.
- الجراحون: تتمتع تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تستخدم في غرفة العمليات، بالقدرة على تحديد الخطوات التشريحية في العمليات الجراحية، وتقليل الأخطاء البشرية، وعلى الرغم من ذلك، فمن الصعب أن تحل تقنيات الذكاء الاصطناعي محل الجراحين، لأنها مجرد وسيلة لتعزيز الرعاية المُقدمة للمرضى، كما أنه يتطلب من الجراح التواصل مع المريض، وهو ما لم تقدر عليه أنظمة الذكاء الاصطناعي.
أشار التحليل إلى أن التطورات المتسارعة تُمثل جرس إنذار بشأن ضرورة خلق وظائف جديدة بمعدلات أكبر من ذي قبل، لذا يجب التفكير من الآن في ابتكار مجالات عمل جديدة. ووفقًا لما ذكرته مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم التابعة لحكومة دبي، فإنه بعد مائة عام ستختفي مليار وظيفة من وظائف العصر الحالي، وستشكل وظائف مجالات تطبيقات الهواتف المحمولة 47% من المهن المستقبلية. كما أنه لن يكون هناك سائقو أجرة، ولا محطات انتظار للسيارات، ولا محطات وقود، ولكن ستُوجد بدائل يطورها مستشرفو المستقبل من صناع التكنولوجيا الحديثة.
والجدير بالذكر أنه من المتوقع أن يتغير مستقبل صناعة السيارات في العالم، حيث سيتجه الكثيرون نحو السيارات الكهربائية. وخلال الفترة من 2030 إلى 2035، من المتوقع حدوث تغييرات في القيادة على الطرق الرئيسة والسريعة، مع اختفاء أماكن انتظار السيارات في مناطق المطارات. كما تعتزم شركة إيرباص إنتاج ما يُعرف بـ "التاكسي بلا سائق" بحلول عام 2030، مما سيوفر مليارات الدولارات ويقلل الحوادث المرورية والخسائر في الأرواح التي تصل إلى 20 مليون شخص سنويًّا في العالم.
في ضوء التحولات العميقة التي تشهدها سوق العمل العالمية نتيجة لتقدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، أشار التحليل في ختامه إلى أهمية تبني الأفراد والشركات على حد سواء استراتيجيات مرنة لمواكبة هذه التغيرات. ومن خلال الابتكار والتطوير المستمر للمهارات الرقمية، يمكننا الاستفادة من الفرص التي يتيحها الذكاء الاصطناعي لتحقيق نمو اقتصادي مستدام وخلق وظائف جديدة. وسيتعين على الجميع، من القادة في القطاعات المختلفة إلى العاملين في شتى المجالات، أن يعملوا معًا لبناء مستقبل مهني يعكس تطور التكنولوجيا ويسهم في رفاهية المجتمعات العالمية.