في عام 2019، شهدت إيران "ثاني أكبر هجرة للأدمغة في العالم، مع هجرة ما يقرب من 180 ألف متخصص متعلم، وفقا لما نشرته منصة "إيران نيوز واير"، وهو ما يدمر إمكانات البلاد، ويجبرها على دفع تكاليف باهظة لسياسات اقتصادية واجتماعية وسياسية طاردة للكفاءات، ويبدو أن أسباب تلك الهجرة ستظل مستمرة، وبالتالي سيتواصل نزيف الأدمغة في إيران.

ما سبق كان خلاصة تحليل كتبه الباحث والأكاديمي الدكتور مصعب الألوسي، الزميل غير المقيم في "منتدى الخليج الدولي"، وصاحب الدكتوراه من مدرسة فليتشر-جامعة تافتس، محذرا من تداعيات استمرار هذه الظاهرة، ومجملا عددا من الطرق التي يمكن من خلالها الحفاظ على الأدمغة المهاجرة من إيران.

ملامح المشكلة

دفعت الأوضاع المتدهورة داخل إيران العديد من مواطنيها إلى البحث عن حياة أفضل في أماكن أخرى، وخاصة المهنيين المتعلمين.

ولمجموعة متنوعة من الأسباب، غادر أهل الفكر في إيران - بما في ذلك الأكاديميون والباحثون والأطباء والعمال المهرة - البلاد بأعداد متزايدة على مدى نصف العقد الماضي، الأمر الذي أدى إلى هجرة الأدمغة، وهو الأمر الذي تحاول الحكومة الإيرانية مكافحته.

اقرأ أيضاً

استقطاب الكفاءات أو قرصنة الغرب الجديدة!

ولهذا الاتجاه آثار كبيرة على اقتصاد البلاد، وقطاع التعليم، وبرامج البحث والتطوير، وازدهارها العام، ولكن – بحسب الكاتب - لا توجد علامات على التراجع بسبب الآفاق القاتمة للإصلاح السياسي والاقتصادي.

أرقام مقلقة

ومن بين أربع مجموعات اجتماعية رئيسية - طلاب الجامعات والخريجين والأطباء والأساتذة - أعرب ما بين 40% و53% عن رغبتهم في الهجرة في الاستطلاعات الاجتماعية.

بالإضافة إلى ذلك، يريد نصف العاملين في مجال التكنولوجيا الناشئة في إيران مغادرة البلاد، وفقًا لبعض الاستطلاعات، ويخطط غالبيتهم للبقاء في الخارج.

تشمل عملية هجرة الأدمغة أيضًا المهنيين المستقبليين، حيث أعرب أكثر من 90% من الإيرانيين الذين يدرسون حاليًا في الولايات المتحدة عن رغبتهم في البقاء في البلاد بشكل دائم دون إمكانية العودة إلى إيران.

ولا تقتصر هذه الظاهرة على الطلاب الموجودين حاليًا خارج إيران؛ وكشفت دراسة أجراها مركز الإمارات للسياسات أن 82 من أصل 86 إيرانياً فازوا في المسابقات العلمية الدولية اختاروا مغادرة إيران ، وأن 4% فقط سيعودون طوعاً.

وتشير الدراسات إلى أن 96% من براءات الاختراع المسجلة من قبل مخترعين إيرانيين المولد بين عامي 2007 و2012 تم تسجيلها من قبل إيرانيين يعيشون في الخارج.

وبالمقارنة، بالنسبة للصين، كان هذا المعدل 17% فقط.

اقرأ أيضاً

سردية جديدة.. هكذا تعيد الاحتجاجات تعريف إيران

أسباب هجرة الأدمغة

ويقول الألوسي إن هناك عوامل كثيرة تساهم في هجرة الأدمغة في إيران، حيث كان أداء الاقتصاد الإيراني سيئاً لسنوات عديدة، وكان معدل البطالة مرتفعاً للغاية، وكذلك التضخم المفرط الذي أدى إلى خسارة الريال 45% من قيمته في العام الفارسي السابق (مارس/آذار 2022 حتى مارس 2023)، وهو انخفاض يؤثر بشكل طبيعي على رواتب الطبقة المهنية في إيران.

والنتيجة 900 من أساتذة الجامعات غادروا البلاد عام 2020 بمفردهم بسبب عدم الرضا عن رواتبهم.

ويشكل الوضع السياسي في إيران عاملاً آخر غير جذاب بشكل خاص.

لقد احتج الإيرانيون عدة مرات ضد الظروف السياسية والاقتصادية المروعة التي تمر بها البلاد، لكن هذه المظاهرات لم تؤد إلى تغييرات ملموسة في سياسة الحكومة.

وقد استمرت الاحتجاجات الأخيرة ضد إلزامية ارتداء الحجاب لمدة عام تقريبًا، وقُتل المئات نتيجة لذلك.

كما كان للمجالين الاقتصادي والسياسي تأثير غير مباشر على مجالات أخرى.

على سبيل المثال، يواجه القطاعان الأكاديمي والبحثي في ​​إيران قيودًا على التمويل، وقيودًا في الوصول إلى الموارد، ونقصًا في الحوافز مثل المنح البحثية والاعتراف بالمهنيين.

وتعني الصعوبات الاقتصادية أيضًا أن الطلاب الإيرانيين يفتقرون إلى حد كبير إلى إمكانية الوصول إلى أحدث المختبرات والتكنولوجيا المتقدمة والمعدات المتخصصة لإجراء الأبحاث المتطورة.

وحتى لو حققت إيران مكاسب مالية غير متوقعة، مما سمح لها بتحديث هذه المعدات، فإن العديد من الإيرانيين يفضلون مع ذلك العيش في نظام سياسي أكثر انفتاحاً وبيئة أكثر تسامحاً تتوافق مع قيمهم وتطلعاتهم الشخصية، يقول الكاتب.

اقرأ أيضاً

إيران.. احتجاجات جديدة في جامعات كردستان بعد وفاة طالبة

هجرة الأدمغة تهدم إمكانات إيران

وتعني هجرة المهنيين والخبراء أن البلاد تفقد رأس المال البشري القيم الذي يمكن أن يزيد النمو الاقتصادي والتنمية البشرية.

ويؤدي تدفق المهنيين من إيران إلى تعطيل النظام البيئي للتوظيف في البلاد من خلال الحد من مجموعة الخبراء المتاحين للتعاون، وبالتالي إبطاء وتيرة الابتكار.

وأشار وزير العلوم والبحوث والتكنولوجيا الإيراني السابق إلى أن إيران تقدر أن تخسر 150 مليار دولار سنويا لأن المتخصصين المتعلمين فيها موجودون في أماكن أخرى.

علاوة على ذلك، فإن الباحثين والعلماء والأكاديميين الذين يغادرون إيران يتسببون في انخفاض مخرجات البحث والابتكار.

ويؤدي انخفاض الابتكار إلى خنق تطوير التكنولوجيات والمنتجات والصناعات الجديدة، التي تشكل ضرورة أساسية للتقدم الاقتصادي.

اقرأ أيضاً

تفاصيل مروعة.. إيرانية تروي وقائع اغتيال زوجها المعارض وطفلها قبل سنوات

اقتراحات للحل

وعند البحث عن حلول يقول الكاتب إنه يجب أن تشتمل الجهود الرامية إلى معالجة هجرة الأدمغة في إيران على مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية، وتحسين تمويل البحث والتعليم، وزيادة الدعم لريادة الأعمال والابتكار، وخلق بيئة أكثر ملاءمة لازدهار المهنيين المهرة.

ومن الأهمية بمكان أن معالجة هذه القضية المعقدة ستتطلب أيضًا اتباع نهج شامل ومتعدد الأوجه يأخذ في الاعتبار مختلف العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وفقا للألوسي.

وسوف تبدأ هذه العملية بالإرادة السياسية لإصلاح البلاد، وهو ما يستلزم المزيد من الحريات وتقليل القمع على الجبهة الداخلية وسياسة خارجية أقل تصادمية في الخارج.

لكن الكاتب يتوقع، في نهاية تحليله، بعدم تحقق أية من تلك الاحتمالات في المستقبل المنظور.

ولذلك، فإن هجرة الأدمغة سوف تستمر، وربما تزداد حدتها، مع استمرار تدهور الأوضاع داخل إيران، عل حد قوله.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الاقتصاد الإيراني اقرأ أیضا فی إیران

إقرأ أيضاً:

الفارسي: البعثة الأممية تجاوزت دورها.. وفرض الحلول عمّق أزمة الثقة

ليبيا – الفارسي: البعثة الأممية تجاوزت دورها و”تشكيل اللجنة” عمّق فجوة الثقة

???? انتقاد لتجاوز البعثة صلاحياتها وتحذير من فرض حلول خارجية دون توافق وطني ⚠️
رأى أستاذ العلوم السياسية ورئيس حزب “ليبيا الكرامة” يوسف الفارسي أن البعثة الأممية للدعم في ليبيا تجاوزت دورها الاستشاري عندما بادرت إلى تشكيل لجنة بمهام تميل إلى الطابع التشريعي بدلًا من المشورة الفنية التي يفترض أن تلتزم بها.

وفي تصريحات خاصة لموقع “العين الإخبارية”، قال الفارسي: “كان من المفترض أن تشارك الأطراف الليبية الفاعلة في تشكيل هذه اللجنة، لا أن يُفرض حل من الخارج وكأنه أمر واقع. هذا التجاهل لا يخدم المسار السياسي، بل يعمّق فجوة الثقة بين الليبيين والبعثة الأممية”.

???? القاعدة الدستورية لا يمكن عزلها عن باقي المسارات المعقدة ????
وحذّر الفارسي من محاولة التعامل مع ملف القاعدة الدستورية كملف منفصل عن بقية الملفات الشائكة، قائلاً: “لا يمكن العمل على القاعدة الدستورية بمعزل عن ملفات مثل توحيد المؤسسة العسكرية، ونزع سلاح المليشيات، وتحقيق العدالة في توزيع الثروات”.

واختتم حديثه بالتأكيد على أن الحل يجب أن ينبع من الداخل الليبي بتوافق وطني شامل، بعيدًا عن إملاءات الخارج أو المسارات المنفردة التي تُفقد العملية السياسية توازنها.

مقالات مشابهة

  • مراسل سانا في درعا: وزير الصحة الدكتور مصعب العلي يطلع على واقع العمل في مشفيي نوى ودرعا الوطنيين، واحتياجاتهما الضرورية
  • بزياد سنوية 35%...كونكت بي إس تكشف عن استراتيجيتها التوسعية في مصر والسعودية خلال 2025
  • سوريا.. ضبط محاولة هجرة غير شرعية
  • سوريا إحباط محاولة هجرة غير شرعية بالمياه الإقليمية
  • في عموم مدن البلاد.. المرور تمنع الدراجات غير المسجلة من التجوال وتتوعد بالمصادرة
  • بالفيديو.. بداخله أفخم الأثاث وفي أرقى الأحياء بالخرطوم.. شاهد منزل قائد الدعم السريع “حميدتي” من الداخل بعد أن اقتحمه أفراد الجيش
  • الفارسي: البعثة الأممية تجاوزت دورها.. وفرض الحلول عمّق أزمة الثقة
  • نساء المغرب... أصواتٌ حرة في وجه القمع والتمييز والإبادة في غزة
  • وزير الخارجية التركي يدعو إلى الحلول الدبلوماسية مع إيران
  • العبدلي: الأمن الداخلي أحبط مخططات دولية لتفكيك ليبيا من الداخل