هل بدأت حرب الرقائق؟.. ليبراسيون: تايوان والصين وأميركا أسياد النانو وروسيا في أمس الحاجة
تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT
يتطلب الذكاء الاصطناعي والجيل الخامس وأسلحة المستقبل استخدام أشباه الموصلات ذات الكفاءة العالية، مما يفتح الباب على منافسات متزايدة بين الأميركيين والصينيين، في وقت تهيمن فيه هونغ كونغ على هذا القطاع الضروري لمعظم الأسلحة، الذي تنتجه الشركات الغربية بشكل رئيسي، مما يجعل روسيا تتفانى للحصول عليه من خلال التحايل على العقوبات.
واستعرضت صحيفة ليبراسيون الفرنسية في تقريرين منفصلين كيف أصبحت لوحة السيليكون الرفيعة، التي نقشت عليها الدوائر ودمجت المكونات الإلكترونية، مسرحا لمنافسات إستراتيجية كبرى ومعارك تجارية هائلة، وكيف أصبح استيراد الإلكترونيات الدقيقة الغربية أكثر تعقيدا وأكثر تكلفة بكثير وأقل موثوقية من حيث الجودة بالنسبة لصناعات الدفاع الروسية التي لا تنتج هذه المواد.
وأوضحت الصحيفة -في تقرير لأرنو فوليرين- أن الرقائق أو أشباه الموصلات هي الذهب الأسود في القرن الـ21، وقد أنفقت عليها الصين عام 2021 أكثر مما أنفقت على النفط، لأنها موجودة في كل شيء، من الهواتف إلى وحدات التحكم في الألعاب، ومن مراكز البيانات إلى الألواح الشمسية، ومن مصابيح الليد إلى أنظمة المراقبة، ومن الطائرات إلى السيارات، وهي فوق ذلك تعمل على تعزيز نمو الذكاء الاصطناعي، ودعم ظهور شبكات الجيل الخامس، والمركبات الكهربائية وأنظمة الأسلحة.
ونبه الكاتب إلى أن هذه الصناعة المتطورة، التي تتطلب تكنولوجيا معقدة وخدمات لوجستية عبر مئات العمليات، تتحكم فيها حفنة من الشركات المصنعة المستقلة، وهي تحظى بدعم كبير من الدول قدر بنحو 721 مليار دولار في عام 2020، وتستفيد من الاستثمارات الضخمة من الصناعة نفسها، إلا أن المنافسة الشرسة في مجالها قد بدأت للتو بين الأميركيين والصينيين، بحظر واشنطن الاستثمار بحرية في التقنيات الأكثر تقدما على الشركات الأميركية "الدول التي بها مشاكل".
وقالت ماتيلد فيلييت، الباحثة في برنامج التقنيات الجيوسياسية في المعهد الفرنسي للتكنولوجيا، إن "الهدف الرسمي للولايات المتحدة هو الحد من القدرات العسكرية للصين في تطوير أسلحة جديدة، في قطاع الاستخبارات والمراقبة"، كما أنها تسعى للحفاظ على ريادتها التكنولوجية.
اثنان من العمالقةوتهيمن الولايات المتحدة والصين إلى حد كبير في مجال تصميم الرقائق، وهي المرحلة الأولى من إنتاجها التي تهدف إلى تصميم الدائرة المتكاملة وتحديد خصائصها، لكن التصنيع في المسابك ثم الاختبار والتجميع يتم بشكل رئيسي في آسيا، وخاصة في تايوان التي اكتسبت الدراية والهيمنة في مجال أشباه الموصلات، ولا سيما تلك التي يبلغ طولها 7 نانومترات أو أقل بين الترانزستورين، وكلما كانت المسافة أقل زادت قوة الشريحة.
ولم تتمكن الصين بعد من عبور هذه العتبة التكنولوجية رغم التقدم المبهر، ورغم أن خطتها العشرية الطموحة للغاية "صنع في الصين 2025" تهدف إلى تقليل اعتمادها على الدول الأجنبية واستثمار 150 مليار دولار على مدى 10 سنوات.
كما تهيمن شركتان آسيويتان عملاقتان، هما سامسونغ الكورية الجنوبية وشركة "تي إس إم سي" التايوانية، على السوق الأفضل في فئتها مقابل 5 نانو وأقل، إلا أن الشركة التايوانية هي التي تحتل الصدارة، وهي تمتلك حوالي 50% من سوق المسابك العالمية وتنتج 92% من أشباه الموصلات الأكثر تقدما، وتمثل اليوم 15% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وتضاعفت الاستثمارات إلى عشرات المليارات لخدمة أكثر من 530 عميلا بما في ذلك آبل وسوني وغيرها.
درع السيليكون
وأشار الكاتب إلى أن "تي إس إم سي" لديها القدرة على شل الكوكب، ومن هنا تأتي قوة وضعف هذه الجوهرة الصناعية وقطاع أشباه الموصلات برمته، الذي أقامه الرئيسة تساي إنغ وين باعتباره "درعا من السيليكون"، من شأنه أن يردع أي هجوم، وبالفعل نبه رئيس الشركة المتعددة الجنسيات مارك ليو إلى المخاطر، عندما أخرجت الصين طائرات وصواريخ وسفن حول الجزيرة، وقال إذا استخدمت القوة العسكرية أو الغزو، فسوف تجعل مصانع "تي إس إم سي" غير صالحة للعمل لأنها منشأة تصنيع متطورة للغاية.
وفي مواجهة المخاطر، شرعت الولايات المتحدة في عملية إعادة التصنيع الشاملة، وفي أغسطس/آب 2022، وقع جو بايدن على "قانون الرقائق" الذي يوفر ما يقرب من 53 مليار دولار من الدعم لبناء المصانع، وتم تشجيع شركة "تي إس إم سي" على بناء واحد في ولاية أريزونا لإنتاج شرائح من فئة نانو، كما تقرر في المكان نفسه، إنشاء "غيغافاب"، وهو مصنع ضخم فائق الحداثة باستثمارات إجمالية تبلغ 40 مليار دولار بحلول عام 2027، غير أن هذا النقل يمكن أن يتم على حساب تايوان لإضعاف الصين، و"درع السيليكون" كما يخشى موريس تشانغ مؤسس "تي إس إم سي".
أما الاتحاد الأوروبي فهو -حسب الصحيفة- متخلف عن الركب، رغم وجود عدد قليل من الأبطال، مثل "إيه إس إم إل" الهولندية التي تشكل ضرورة أساسية لحفر أشباه الموصلات عبر الطباعة الحجرية فوق البنفسجية، لأنه مثل الولايات المتحدة سمح للقدرات الإنتاجية بالذهاب إلى آسيا، ولعلاج هذا الأمر، اعتمد في أبريل/نيسان حزمة تشريعية لزيادة تصنيع الرقائق من 10% إلى 20% من الإنتاج العالمي بحلول عام 2030 تحت اسم "الاستقلال الإستراتيجي"، وستستثمر في ذلك 100 مليار يورو.
وقد أدرجت واشنطن بالفعل الشركات الصينية على القائمة السوداء لعزلها عن سلاسل توريد التكنولوجيا الأميركية، وتم فرض قيود صارمة لتشديد الصادرات، مما يتطلب من الشركات طلب تصريح من الولايات المتحدة حتى تتمكن من تصدير منتج يحتوي على التكنولوجيا الأميركية، وقد انضمت تايوان واليابان وهولندا إلى هذه المواقف، مما لا يدع مجالا للشك في أن الحرب قد بدأت.
في قلب الحرب في أوكرانيا
وفي هذا السياق، استعرضت الصحيفة -في تقرير آخر بقلم نيللي ديديلو- ما تعنيه أشباه الموصلات في الحروب الحديثة، وفي حرب الروس مع أوكرانيا، من حاجة إلى هذه الرقائق التي تحتاجها الدبابات والمروحيات القتالية، حيث تقوم بتشغيل أنظمة الرؤية الليلية والتصويب والاتصالات، وليس الجيش الروسي استثناء من القاعدة، فهو يعتمد إلى حد كبير على هذه المكونات الإلكترونية المتطورة التي يتم تصنيعها إلى حد كبير في الدول الغربية.
وأحصى تقرير صادر عن المعهد الملكي للخدمات المتحدة في أغسطس/آب 2022، 450 مكونا أجنبيا في 27 نظاما عسكريا روسيا تم انتشالها من الجبهة في أوكرانيا، "ومعظمها إلكترونيات دقيقة بسيطة يمكن شراؤها عبر الإنترنت في مجموعة من البلدان، ويقول المؤلفون إن بعضها الآخر سلع خضعت صادراتها منذ فترة طويلة لضوابط تمنع استخدامها لأغراض عسكرية، واليوم بعد غزو أوكرانيا، تم حظر تصدير الغالبية العظمى منها إلى روسيا.
وكان تشديد العقوبات لمنع شحن المكونات الإلكترونية ذات الاستخدام المزدوج إلى موسكو، أحد القرارات الأولى التي اتخذها الغرب بعد 24 فبراير/شباط 2022، لحرمان الصناعة الروسية من هذه الرقائق التي لا تستطيع إنتاجها بنفسها.
وللتحايل على العقوبات والاستمرار في الحصول على أشباه الموصلات، تستخدم روسيا شركاء تجاريين قليلي الحذر، إلا أن الصين، وهي منتج كبير للمكونات المنخفضة الجودة والمستورد الرائد للرقائق على مستوى العالم، تبقى حليفها الرئيسي في هذا المجال، حيث صدرت إليها بكين عام 2022، دوائر مطبوعة بقيمة 179 مليون دولار بدل صادرات بقيمة 74 مليونا في العام السابق.
ومع ذلك، فإن الجهات الفاعلة الرئيسية في التهريب ليست الدولة بل القطاع الخاص، ومن الصعب تنظيم سوق أشباه الموصلات لأن عدد المعاملات هائل، ومما يزيد الأمور تعقيدا أن المبيعات تمر عبر تجار الجملة المعروفين، ولكن أيضا من خلال عدد لا يحصى من الشركات الصغيرة التي يمكنها بسهولة الانخراط في عمليات إعادة التصدير غير المشروعة، مثل شركة آغو لتكنولوجيا المعلومات، وهي شركة مقرها في هونغ كونغ، وقد صدرت ما قيمته 17 مليون يورو من أشباه الموصلات إلى روسيا في عام 2022، حسب تحقيق أجرته صحيفة نيكاي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة أشباه الموصلات ملیار دولار
إقرأ أيضاً:
هذه هي الرسائل التي بعثت بها الولايات المتحدة لنتنياهو بشأن مراحل اتفاق غزة
حيروت – متابعات
قالت هيئة البث العبرية الرسمية، إن مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف نقل رسائل لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بضرورة بدء المحادثات حول المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والحرص على استكماله بمراحله الثلاث.
ومساء الأربعاء، قال نتنياهو في بيان مقتضب، إنه “يلتقي حاليا مع مبعوث الرئيس الأمريكي في مكتبه (رئاسة الوزراء) بالقدس”.
ووصل ويتكوف إسرائيل مساء الأربعاء، بعد زيارة قصيرة وسرية لمحور نتساريم وسط قطاع غزة للوقوف على آلية سير الاتفاق بين إسرائيل وحماس برفقة وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون دريمر، وفق إعلام عبري.
وقالت هيئة البث: “جاء ويتكوف مع رسائل من الرئيس ترامب لنتنياهو، بأن على إسرائيل أن تبدأ بشكل رسمي المحادثات حول المرحلة الثانية من الصفقة”.
وأضافت الهيئة أن “الرسالة الثانية التي نقلها ويتكوف لنتنياهو هي الحرص على إنهاء مراحل الصفقة كاملة”.
واعتبرت الهيئة رسائل واشنطن “تعني إطلاق سراح جميع المختطفين (المحتجزين الإسرائيليين) ووقف الحرب (الإبادة بغزة)”، رغم الدعم المطلق الذي توفره الولايات المتحدة لإسرائيل.
وأشارت إلى أن المرحلة الثانية من الصفقة هي “اتفاق قائم بذاته”، ويجب التباحث بشأنه مثلما حدث في المرحلة الأولى.
وفي 19 يناير/ كانون الثاني الجاري، بدأ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار بغزة وتبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل، بوساطة قطر ومصر والولايات المتحدة.
ويتكون الاتفاق من 3 مراحل مدة كل منها 42 يوما، يتم خلالها التفاوض لبدء مرحلة ثانية وثالثة وصولا لإنهاء حرب الإبادة.
وبموجب الاتفاق، يفترض أن تبدأ المفاوضات حول آليات تنفيذ المرحلة الثانية في موعد أقصاه اليوم السادس عشر من دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ (يوافق 4 فبراير/ شباط المقبل) على أن تنتهي قبل أسبوع من انتهاء المرحلة الأولى.
وبدعم أمريكي، ارتكبت إسرائيل بين 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 و19 يناير 2025، إبادة جماعية بغزة خلّفت نحو 159 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.