أهداف حرب الجنجويد
يظهر ارتباط جرائم قوات الدعم السريع الوثيق بهدف الحرب الذي أعلنته، وهو القضاء على دولة 1956 وتفكيكها، وقامت بعمليات بالغة الخطورة.
يتضح من جرائم الجنجويد أنها تريد محو ذاكرة الوطن الثقافية والحضارية، وتجريف أرشيف الدولة ووثائقها التي تتصل بالسكان من سجل مدني وعقاري وأكاديمي.
أفقرت حرب الجنجويد المواطنين بعدما سرقت أموالهم من المصارف وصناديق الأمانات، ونهبت متاجرهم ودمرت مصانعهم وغيرت المراكز المالية التاريخية وعبثت بكرامة الناس وأعراضهم.
أعلن قادة قوى الحرية والتغيير، حلفاء الدعم السريع، أن الحرب ستفرض الاتفاق الإطاري والدستور الانتقالي الجديد الذي أعدته الآلية الرباعية: أميركا وبريطانيا والإمارات والسعودية.
* * *
قبل بداية الحرب في السودان، أعلن تحالف قوى الحرية والتغيير، الظهير السياسي لقوات الدعم السريع، على لسان قادته ورموزه، أن الحرب هي التي ستفرض الاتفاق الإطاري والدستور الانتقالي الجديد الذي تم إعداده بواسطة الآلية الرباعية المشكلة من أميركا وبريطانيا والإمارات والسعودية.
وقد نشبت الحرب تنفيذاً لهذا التهديد، وهو ما أكده قائد الدعم السريع حين سيطرت قواته على السلطة في اليوم الأول للحرب، وأضاف أن اعتقال قادة المؤسسة العسكرية أو اغتيالهم هو كذلك هدف رئيس لهذه الحرب.
مع مرور الأيام، تبدلت أهداف الحرب، إذ بدأت قوات الدعم السريع، ومنذ نهاية الشهر الأول للحرب، تعلن أن هدف الحرب الرئيس هو وضع نهاية لدولة 1956، وهي الدولة الوطنية التي تأسست بعد نيل السودان استقلاله، وتأسست من خلال التوافق الوطني بين أبناء السودان كافة.
نهاية هذه الدولة تعني أوَّل ما تعنيه وضع حد لاستقلال السودان وإنهاء سيادته على أرضه، كما تعني، وبشكل واضح، أن جغرافيا السودان التي كرستها دولة 1956 عرضة للتقسيم ومستهدفة به.
بهذا الوضوح، ينتفي أي تفسير بسيط لأهداف الحرب يُصورها حرباً على السلطة بين رجلين، ويؤكد ذلك تركيز الدعم السريع على تحقيق إنجازات ميدانية تخدم هدفه (القضاء على دولة 1956).
لقد خطت قوات الدعم السريع خلال أيام الحرب الأولى خطوات خطرة في مسار إنهاء دولة 1956 وتفكيكها، وقامت بعمليات بالغة الخطورة يمكن إيجازها في ما يلي:
- تدمير السجل المدني بعد استيلائها على مقر وزارة الداخلية.
- إحراق دار الوثائق القومية التي تعتبر الذاكرة التاريخية للسودان، والتي تحتوي كل وثائقه التاريخية الخاصة بحدوده الجغرافية وبالخرائط المختلفة، وتحتوي على تفاصيل مكوناته الديموغرافية، والعلاقات القائمة بين القبائل، والمواقع الجغرافية لكل قبيلة ومجموعة سكانية.
وتحتوي دار الوثائق أيضاً على كل وثائق الدولة واتفاقياتها الدولية والإقليمية والاتفاقيات الثنائية التي أبرمتها مع الدول، وتحتوي كذلك على كل الإنتاج الفكري والسياسي والإعلامي للسودانيين عبر حقب التاريخ السوداني المختلفة وغيرها من الوثائق.
- تدمير 8 متاحف قومية تحتوي على آثار السودان التي تجاوز عمرها 7 آلاف عام. وقد أعلن الدعم السريع أنه دمرها لأنها لا تعبّر عنه. وقد فات على المدمرين أنها لا يمكن أن تعبر عنهم، لأن من يحملون الجنسية السودانية منهم دخلوا السودان حديثاً (دخلت أسرة حميدتي السودان في منتصف السبعينيات)، وأن أغلب من قاموا بعمليات التدمير هم من غير السودانيين.
- إحراق المكتبات العامة والمكتبات الخاصة بالجامعة ودور النشر.
- تدمير المعامل الخاصة بالجامعات، وتدمير مراكز معلومات الجامعات التي تحتوي وثائق الجامعات وسجلاتها الأكاديمية، وتدمير مركز معلومات وزارة التعليم العالي. وبهذا، يتعذر استخراج الشهادات الأكاديمية أو توثيقها.
- تدمير سجلات الأراضي والعقارات. وبذلك، يتعذر على كل صاحب عقار طردته منه قوات الدعم السريع واحتلته إثبات ملكيته له بعد نهاية الحرب.
- تدمير أرشيف السلطة القضائية وسجلاتها ومتحفها.
- تدمير معهد الأبحاث الزراعية الذي يحتوي خلاصات جهود علماء الزراعة في السودان، والتي حققوا عبرها أهم الإنجازات في مجالات الزراعة كافة.
- تدمير معهد الأبحاث الصناعية الذي يعتبر المنصة البحثية الوطنية الأولى والكبرى والأهم في السودان، والذي يحتوي على رصيد علمي ثري في مجالات الصناعة.
- تدمير مركز أبحاث النفط الذي مكَّن السودان من امتلاك تكنولوجيا النفط ووطّنها، والذي مكّنه من استغلال موارده النفطية في زمن فرضت فيه أميركا والغرب حظراً عليه، ومنعت شركاتها من الاستثمار فيه، ومنعت نقل تكنولوجيا صناعة النفط من الدخول إليه.
- تدمير مكتبة الإذاعة والتلفزيون السوداني التي تحتوي على الإنتاج الإعلامي والثقافي والفكري السوداني المشاهد والمسموع، وتدمير كل الأرشيف الخاصة بهما، في مسعى لمحو الذاكرة الثقافية للسودانيين.
- تدمير المناطق الصناعية في الخرطوم، وعددها 10 مناطق، وسرقة مدخلات إنتاجها ومنتجاتها، وتدمير المصانع، في عمل يتجاوز ما لحق بالمناطق الصناعية في سوريا خلال سنوات أزمتها.
- تدمير المصارف وسرقة أموالها وسرقة أمانات المواطنين المحفوظة في صناديق أماناتها.
- نهب أسواق ولاية الخرطوم وإحراقها.
- تهجير سكان أحياء الخرطوم، وطردهم من منازلهم، ونهب مقتنياتهم، واحتلال منازلهم، واستجلاب مستوطنين من غرب أفريقيا ليسكنوا فيها.
- ممارسة الاغتصاب والزواج القسري، واختطاف نساء من قبائل السودان التاريخي، ومساومة أسرهنَّ للإفراج عنهنَّ مقابل المال.
الناظر إلى الجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، والتي ورد ذكرها أعلاه، يلحظ ارتباطها الوثيق بهدف الحرب الذي أعلنته، وهو القضاء على دولة 1956.
ويتضح من طبيعة هذه الجرائم أنها تريد أن تمحو ذاكرة الوطن الثقافية والحضارية، وتجرف كل أرشيف الدولة ووثائقها التي تتصل بالسكان، من خلال تدمير السجل المدني وتدمير سجل العقارات، وتريد أن تفقدهم حقهم الذي اكتسبوه من خلال جهدهم العملي حين دمرت السجلات الأكاديمية في الجامعات وفي وزارة التعليم العالي.
وقد أفقرت المواطنين بعدما سرقت أموالهم من المصارف وصناديق الأمانات، وبعدما نهبت متاجرهم ومصانعهم ودمرتها، وغيرت بذلك المراكز المالية التاريخية في السودان، وعبثت بكرامة الناس، وانتهكت أعراضهم من خلال عمليات الاغتصاب والاختطاف.
ولن تكتمل صورة تفكيك دولة 1956 إلا باستعراض ملف الاستيطان والتوطين.
*محمد حسب الرسول باحث في الشؤون الإقليمية
المصدر | الميادين نتالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: السودان الجنجويد حميدتي قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو قوى الحرية والتغيير الاتفاق الإطاري قوات الدعم السریع فی السودان من خلال
إقرأ أيضاً:
إطلاق سراح شباب من أبيي بعد دفع فدية لقوات الدعم السريع
تم إطلاق مجموعة الشباب المأسورين بعد حوار أجرته لجنة مشتركة بين مجتمعي أبيي والمسيرية مع قوات الدعم السريع لدفع ثمن إطلاق سراحهم.
التغيير: وكالات
أعلن وزير إعلام إدارية أبيي بوليس كوج، يوم الأربعاء، عن تسلم خمسة شباب تم أسرهم من قبل قوات الدعم السريع أثناء عودتهم إلى ديارهم من السودان.
وقال كوج وفقاً لموقع راديو تمازج اليوم الخميس، إن لجنة مشتركة بين مجتمعي أبيي والمسيرية دخلت في حوار مع قوات الدعم السريع لدفع ثمن إطلاق سراح الشباب.
وأضاف كوج: “كان لدينا خمسة شبان قادمين من السودان إلى أبيي بعد أن فقدوا أقاربهم في السودان خلال هذا الصراع. وعندما وصلوا إلى بلدة مجلد، استأجروا مركبة إلى أميت ولكن تم القبض عليهم في منطقة تسمى نام حيث يوجد قوات الدعم السريع وقوات المتمردين بقيادة الجنرال استيفن بواي”.
وكشف أن قيادة الدعم السريع طلبت مبلغ 61 مليون جنيه جنوب السودان، وبعد خمسة أيام من الحوار، أُطْلِق سراحهم.
وتابع: “تمكنت لجنة أبيي من التواصل مع المسيرية للتحدث إلى هؤلاء الأشخاص، وتمكنت اللجنة من دفع 5 ملايين جنيه جنوب سودان المطلوبة”.
وحث وزير الإعلام، حكومة جنوب السودان على التواصل مع نظيرتها الشمالية لمعالجة قضايا الحدود، وخاصة الاتجار بالبشر.
وأضاف: “لدينا رسالة للحكومة الوطنية مفادها أن منطقة الحدود في خطر، وهذا سيؤثر على إدارتي روينق وأبيي. إن قوات الدعم السريع والجماعة المتمردة تتمركز على طول حدودنا، مما يخلق خطرًا على عائدينا من الخرطوم”.
وقال كوج إنه على الرغم من الحالة الجيدة للشباب الخمسة المفرج عنهم، فقد أرسلتهم إدارة أبيي إلى المستشفى لإجراء فحوصات؛ لأنهم ظلوا لمدة خمسة أيام بدون طعام.
ولم يتسن الوصول إلى مسؤولي قوات الدعم السريع للتعليق على الفور- حسب راديو تمازج.
الوسومأبيي استيفن بواي الخرطوم الدعم السريع السودان المسيرية جنوب السودان روينق