رهان على دور قطري.. هل بدأ التحضير لمرحلة ما بعد لودريان؟!
تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT
صحيح أنّ العدّ العكسي قد بدأ استعدادًا للعودة المنتظرة للموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت، في سياق ما وصفها هو بـ"الفرصة الأخيرة" لإنقاذ لبنان، وإخراجه من "عنق" الفراغ الرئاسي، إلا أنّ الصحيح أيضًا أن "الرهان" على قدرة الرجل على إحداث "خرق فعلي" بات في أدنى مستوياته، بل يكاد يلامس "الصفر" إن جاز التعبير، في ضوء المواقف التي تعمّد البعض إطلاقها قبيل وصول الرجل إلى بيروت.
فعلى الرغم من أنّ بعض القوى السياسية لا تزال مصرّة على إبداء "الإيجابية" إزاء جهود الرجل، وقد تجاوبت مع "الأسئلة" التي وجّهها للنواب، وبعثت بالإجابات المطلوبة في الوقت المحدّد، إلا أن أحدًا لا يبدو متفائلاً بـ"خاتمة سعيدة" لهذه الجهود، في ظلّ "تمترس" الفريق الآخر خلف "لا ناهية" للحوار مع "حزب الله"، وقد تلطّت خلف "سابقة" الرسالة التي وجّهها لودريان، لتضرب "مبادرته" على الوتر "الحسّاس"، وتفرغها من مضمونها.
وأبعد من كلّ ما تقدّم، ثمّة من يصرّ على أنّ "الفرصة الأخيرة" التي أراد لودريان "حشر" اللبنانيين بها، "انقلبت ضدّه"، باعتبار أنّه تبيّن أنّ زيارته المقبلة لن تكون سوى "فرصته الأخيرة" على المستوى الشخصي، قبل انتقاله إلى العُلا السعودية حيث يتولى منصبه الجديد، وبالتالي قبل "سحب" الملف من يده، فهل أضحى هذا الأمر "تحصيلاً حاصلاً"؟ وما حقيقة الحديث عن بدء التحضير لمرحلة "ما بعد لودريان"، وعن "رهان" على دور قطري تحديدًا؟!
"الفرصة الأخيرة"
على الرغم من أنّ تحرّك الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان يندرج في خانة "المجموعة الخماسية" المعنيّة بشأن لبنان، والتي تضمّ إلى فرنسا كلاً من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ودولة قطر وجمهورية مصر، وهو ينطلق حتى في مسعاه "الحواريّ" ممّا تمّ الاتفاق عليه في الاجتماع الأخير الذي عقد في العاصمة القطرية الدوحة، إلا أنّ الثابت كما يقول العارفون أنّ "التفويض" المعطى له ليس "مفتوحًا"، وأنه اقترب عمليًا من النفاد.
ليس خافيًا على أحد في هذا السياق، وجود "تباينات" حتى داخل المجموعة الخماسية، فالإجماع غائب مثلاً عن فكرة الحوار، الذي يشكّل "ركيزة" المبادرة الفرنسية، بدليل أنّ بيان الدوحة الشهير خلا من أيّ إشارة صريحة أو ضمنية للحوار، وهو ما أدى إلى استبدال المصطلح بعبارة "اجتماع عمل"، وحصره بملفّ الرئاسة دون أيّ شأن آخر، نتيجة "الهواجس" المعروفة من نوايا قد تكون مبيّتة لدى البعض بفتح النقاش حول النظام ككلّ من بوابة استحقاق الرئاسة.
وفيما يذكّر العارفون بتلويح اجتماع الدوحة بـ"إجراءات" ضدّ معطّلي الانتخابات الرئاسية في لبنان، ما أثار "سخط" البعض الذين اعتبروا حينها عودة لودريان "لزوم ما لا يلزم"، يلفتون إلى أنّ الاتفاق جرى على منح موفد الرئيس إيمانويل ماكرون "فرصته" لتحقيق "رؤيته"، رغم الصعوبات والمعوّقات التي يواجهها، علمًا أنّ سائر مكوّنات "الخماسية" نأت بنفسها نسبيًا عن الأمر، ولم تتبنَّ جهوده بصورة رسمية، أو حتى تقدّم لها الدفع المطلوب.
مرحلة "ما بعد لودريان"
استنادًا إلى ما تقدّم، يرى العارفون أن هناك من يترقّب الزيارة المقبلة للودريان، لا من أجل رصد أيّ "تقدّم" يمكن أن تفضي إليه، بعدما بات هذا الاحتمال "بعيدًا"، ولو أنّه يبقى "واردًا"، ولكن لإعلان "انتهاء" المبادرة الفرنسية، على الأقلّ بصيغتها الحالية، بما قد يسمح بتحرّكات موازية من قبل أطراف ووسطاء آخرين، كانوا ينتظرون ما ستفضي إليه مساعي لودريان، ليُبنى على الشيء مقتضاه، وهو ما كان.
في هذا السياق، ثمّة من يلفت إلى "حراك قطري" تحديدًا تتركّز عليه الرهانات، علمًا أنّ الدوحة التي نشطت على خط الأزمة الرئاسية في مرحلة من المراحل، لم "تنكفئ" عمليًا بحسب ما يقول العارفون، وإن قلّصت من حركتها الظاهرة، بانتظار "نضوج" المساعي الفرنسية، حيث يشدّد هؤلاء على أنّ الدور القطري استمرّ خلف الكواليس، استعدادًا لمرحلة "ما بعد لودريان" التي قد تبدأ قريبًا جدًا، وبدفع من الفرنسيين أنفسهم.
ولعلّ "ميزة" الحراك القطري تكمن في أنّه "منسّق بالكامل" مع سائر أطراف "الخماسية"، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، ما يجعل "الرهان" عليه واقعيًا برأي كثيرين، ولو أنّ البعض يعتقد أنّ مشكلته تبقى في "المقاربة"، خصوصًا أنّ هناك من ينظر إلى "حراك الدوحة" على أنّه "داعم" لترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون، الذي يواجه "فيتو" الوزير السابق جبران باسيل، ولو أنّ هناك من يقول إنّ الحراك لا يزال "بعيدًا" عن الأسماء.
لعلّها مفارقة مثيرة للاهتمام أن تتنّقل "رهانات" اللبنانيين لحلّ أزمتهم، من دولة إلى أخرى، فبعد فرنسا، التي سعت لجمعهم على طاولة واحدة، وتكاد تعلن "الاستسلام"، يأتي دور قطر، التي لم تكن بعيدة عن المساعي الفرنسية، لتنتقل الكرة بعدها ربما إلى ملعب الولايات المتحدة، أو حتى إيران التي يريد البعض "إشراكها" في اللعبة. وبين كلّ هذه الدول، يبقى السؤال الكبير: أين دور لبنان في كلّ هذه المعمعة؟ ولماذا انتظار كلمة السرّ من الخارج دائمًا؟!
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
لغز السعادة
السعادة لغز قديم، شغل الفلاسفة والمفكرين، وأرهق الباحثين عنها في كل زمان ومكان.
البعض يراها في النجاح، والبعض الآخر يظنها في المال، وهناك من يربطها بالحب، أو بالسفر، أو بتحقيق الأحلام. ومع ذلك، يمضي الكثيرون حياتهم في ملاحقتها دون أن يجدوها، كمن يطارد خيط دخان. والمفارقة أن هناك من يعيش ببساطة، لا يفكر كثيرًا في سرها، ومع ذلك يبدو سعيدًا بما لديه، كأنه وجد مفتاحًا خفيًا لم يدركه الآخرون. فما الذي يجعل بعض الناس سعداء رغم قسوة الظروف، بينما يبقى آخرون غارقين في التعاسة رغم أن الحياة قد منحتهم أكثر مما يحتاجون؟ الجواب لا يكمن فقط في الظروف، بل في طريقة فهم الإنسان لها، وفي الطريقة التي ينظر بها إلى الحياة ويتعامل مع تقلباتها.
يقول سينيكا: “السعادة ليست في امتلاك الأشياء، بل في التحرر من الحاجة إليها.” وهذه هي الحقيقة التي يغفل عنها كثيرون، فالتعلق المستمر بالماديات لا يولد سوى مزيد من الرغبات التي لا تنتهي، وكأن الإنسان يسير في سباق لا خط نهاية له. أما من أدرك أن ما لديه كافٍ، وأن القناعة ليست استسلامًا بل نوع من الذكاء، فقد عرف طريق السعادة دون الحاجة إلى الركض خلفها. ليس هذا إنكارًا لأهمية الطموح أو السعي نحو الأفضل، لكنه تأكيد على أن السعادة ليست مؤجلة لحين تحقيق شيء معين، وإنما هي حالة يمكن أن يعيشها الإنسان في كل لحظة، إذا امتلك الفهم الصحيح لمعناها.
أما فولتير، فقد قال: “السعادة ليست شيئًا جاهزًا، بل تأتي من الفهم الجيد للحياة والتصرف بحكمة.” وهذا يعيدنا إلى التساؤل: هل الوعي بالحياة شرط للسعادة؟ أم أن هناك من يعيش سعيدًا رغم أنه لا يفكر كثيرًا في معانيها؟ الحقيقة أن هناك نوعان من السعادة: سعادة تأتي من البساطة، وسعادة تأتي من الفهم العميق. الأولون يعيشون وفق إيقاع الحياة دون أن يرهقوا أنفسهم بأسئلة كبرى، يجدون الفرح في تفاصيل يومهم، ولا يضعون أنفسهم تحت ضغط البحث المستمر عن معنى لكل شيء. أما الآخرون، فيدركون أن السعادة لا تعني غياب المشكلات، بل القدرة على التعامل معها دون أن يفقدوا توازنهم. هذا النوع من السعادة أعمق وأطول عمرًا، لأنه لا يعتمد على الظروف الخارجية، بل على قدرة الإنسان على خلق حالته الخاصة من الرضا.
وهنا يبرز السؤال: هل الجهل نعمة حقًا؟ يعتقد البعض أن الأشخاص الذين لا يشغلون أنفسهم بالتفكير قد يكونون أكثر سعادة، لأنهم لا يرهقون عقولهم بتعقيدات الحياة. لكن هذه السعادة غالبًا ما تكون هشة، تنهار عند أول اختبار، لأنها لم تُبنَ على أساس متين. أما من أدرك طبيعة الدنيا وفهم قوانينها، وامتلك وعيًا متزنًا، فإنه يمتلك سعادة أعمق، لأنها لا تتأثر بالتغيرات العابرة، ولا تتبدد عند مواجهة الأزمات. الشخص الذي لا يشغل نفسه بالتفكير في المعنى الأعمق للحياة قد يشعر بالسعادة طالما أن الأمور تسير وفق ما يريد، لكنه عندما يواجه أزمة حقيقية، فإنه ينهار بسهولة، لأنه لم يكن مستعدًا نفسيًا أو فكريًا لمثل هذه اللحظات. بينما من يمتلك وعيًا ناضجًا بالحياة، يدرك أن التحديات جزء من الرحلة، وأن السعادة لا تعني غياب المشاكل، بل تعني امتلاك القدرة على التعامل معها دون أن يفقد اتزانه الداخلي.
السعادة الحقيقية لا تأتي من الهروب من الواقع أو إنكاره، بل من التكيف معه. هناك من يرى في كل مشكلة نهاية العالم، وهناك من يراها تحديًا يمكن تجاوزه. الفرق ليس في حجم المشكلة، بل في طريقة التفكير. كذلك، هناك من يعيش عمره يقارن نفسه بالآخرين، فلا يرى في حياته إلا ما ينقصه، بينما هناك من يدرك أن لكل إنسان رحلته الخاصة، وأن الانشغال بالذات أكثر نفعًا من الانشغال بالمقارنات التي لا تنتهي. البعض يظن أن الحصول على ما يمتلكه غيره سيمنحه السعادة، لكنه يكتشف لاحقًا أن المقارنة لا تقوده إلا إلى مزيد من السخط، وأن السعادة ليست فيما عند الآخرين، بل فيما يمكن أن يجده هو في حياته، إذا تعلم كيف يرى الجمال فيما لديه.
السعادة ليست هدفًا بعيدًا، بل أسلوب حياة. هي في التفاصيل الصغيرة التي يمر بها الإنسان دون أن ينتبه إليها، في لحظة رضا، في ابتسامة غير متكلفة، في بساطة العيش بعيدًا عن التعقيد. البعض يظنها كنزًا مخفيًا يجب البحث عنه، لكنها في الحقيقة قريبة، تحتاج فقط إلى عين ترى، وعقل يفهم، ووعي يعرف كيف يكون ممتنًا. السعادة ليست أن تكون حياتك مثالية، بل أن تعرف كيف تتعامل مع كل لحظة فيها، وتجد فيها شيئًا يستحق أن يُعاش. البعض يطاردها كما لو كانت غزالًا جامحًا، بينما هي جالسة بجواره، تنتظر منه فقط أن يراها.