موقع النيلين:
2025-03-10@11:05:33 GMT

الأزهري.. الذي اجتمع أهل السودان على حبه

تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT

الأزهري.. الذي اجتمع أهل السودان على حبه


“كم من سجون خشيتا .. يا الحررتها وخليتا” .. وهكذا ودعت العجائز في السودان ذلك الرجل الخالد، بهذه الأبيات التي تعني كم من سجون دخلتها يا من حررتها ثم مضيت وتركتها بغير أن تغنم منها شيئا.

ففي ذات يوم بعيد من موسم الخريف الممطر في الخرطوم، رحل إسماعيل الأزهري زعيم السودانيين الأبرز -مع الاحترام لكافة الأسماء الأخرى التي رافقته- رحل سجينا، وحزينا خرجت جنازته محمولة على الأكف، وسأستعين هنا بشهادة والدي، وشهادة إحدى العجائز من أسرتنا الممتدة، والأغاني التي غنيت في حقه تخليدا لذكراه العطرة، رحل الأزهري تاركا كل ذلك وراءه، وذاكرة شعبية تحتفظ له بقصص أشبه بالأساطير.

ورحل “إسماعيل الأزهري” (1900-1969) بالضبط بعد 3 أشهر من الانقلاب الذي قاده جعفر النميري مصبوغا بصبغة يسارية قومية عربية بتاريخ 25 مايو/أيار 1969، ليسجن رجال العهد السابق أو ما عرف بالديمقراطية الثانية (1965-1969) وتجري محاكمات استعين فيها بسوابق من الاتحاد السوفياتي، والكتلة الشرقية.

ووفقا لإفادة “محمد أحمد محجوب” رئيس وزراء تلك الحقبة، تعرض الأزهري شخصيا لضغوط قاسية فقد خرج بملابس السجن إلى جنازة أخيه “علي الأزهري” حيث تشير إفادات بعض رجالات الاتحادي الديمقراطي -في حلقة تلفزيونية بثت قديما على قناة أم درمان- إلى أنه قال لمن لقيهم من رفاق الحزب: ابقوا عشرة على البلد.. أي لينتبه كل منكم انتباه 10 أشخاص بدل شخص واحد على هذه البلاد.

وبعدها بفترة وجيزة عانى من تتابع الأمراض، ليتوفى يوم 26 أغسطس/آب 1969، لينعيه الإعلام السوداني نعيا باهتا بسبب رغبة شخصية من بعض سدنة ذلك العهد البائد، فقد اكتفي بوصفه بأنه “المعلم بالمدارس الابتدائية السودانية”، ولكن “علي شمو” الإعلامي البارع -وبروفيسور الإعلام لاحقا- استدرك عندما أوكلت إليه النشرة ليقرأها، فطلب من الشعب قراءة الفاتحة على روحه.

وبكى الجميع إسماعيل الأزهري بصمت، وهمّ النظام العسكري حينها في أوج عنفوانه بمنع التشييع الجماهيري للجنازة، فقال أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة اللواء خالد حسن عباس: كيف نمنع الشعب، وآباؤنا في بيوتهم يبكون عليه…؟!

وخرج الشعب، والطلاب، وكان والدي شخصيا شاهدا، وخرجت الجموع يومها، وسار النعش على الأكف، فعليا لم يتحرك أحد لحمله، فالمكان ممتلئ بالخلق، فيما كانت الجماهير تحيط بالسيد محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي، ومرشد الطريقة الختمية، وهي تردد: يا سيد قولها (يا سيد قلها)، أي اطلب فقط أن نخرج ضد النظام نفسه الذي يعامل رمزا وطنيا بهذه المعاملة الباهتة، لكن السيد رأى الطائرات العمودية تحوم فوق الرؤوس، والجيش قد أحاط بالمقبرة، والجماهير الهادرة خرجت مكلومة، فأيقن أن بحر دم سينفجر في هذه الحالة، فلم يقلها، وأثبتت الأيام وواقعة “الجزيرة آبا” صدق حدس الرجل..

وتوافد السودانيون من مدن شتى لتشييعه، فقد كانت لحظة إجماع وطنية نادرة، فالأزهري شخصية وطنية، نزيهة، متدينة، ومعتدلة، أكسبته الأحداث حنكة، ومراسا طويلا، وقدرة عالية على التفاوض، وإدارة الأحداث.

ونشأ إسماعيل أحمد إسماعيل الأزهري في أسرة دينية، فجده الشيخ إسماعيل الولي، البديري قبيلة، والعباسي نسبا، وتوارثت أسرته العلوم الدينية، والإرشاد السلوكي، حيث كان مجال حركتها كردفان الكبرى وخاصة الأبيض، وبارا حيث تنتشر قبيلة البديرية بصورة عامة، وانتقلت مبكرا لأم درمان، حيث ينسب حي “السيد المكي” إلى أحد فروع أسرة الأزهري نفسها وهو “السيد محمد المكي”، كما سميت مقبرة البكري بأم درمان باسم “مصطفى البكري بن إسماعيل” أحد أقاربه لكونه أول المدفونين بها.

وتعهده جده “إسماعيل الأزهري”، وواصل تعليمه بمدينة ود مدني (وسط السودان)، وانتقل لكلية غردون التذكارية التي أصبحت جامعة الخرطوم لاحقا. وانخرط في الحركة الوطنية مع تأسيس مؤتمر الخريجين فانتخب أمينا له عام 1937 حيث تبلورت فيه الاتجاهات السياسية للنخبة السودانية المتعلمة، وبدأت تلك الاتجاهات تدريجيا تتبلور في اتجاهين: الاتحاد مع مصر، وكان الأزهري من دعاته، ومؤيديه، أو الاستقلال الكامل للسودان، وبالتدريج نشأت مجموعة من الأحزاب الاتحادية رعاها بصورة عامة السيد علي الميرغني مرشد الطريقة الختمية، في مقابل دعوات الاستقلال التي تبناها حزب الأمة الذي رعاه السيد عبد الرحمن المهدي، ومن خلفه طائفة الأنصار.

وصار الأزهري رئيسا لحزب الأشقاء ثم الحزب الاتحادي الديمقراطي عند اندماج الأحزاب الاتحادية كافة، ولكن مع تنامي الحس الاستقلالي في السودان مال الأزهري لتأييد فكرة الاستقلال عن مصر، خاصة مع نتائج الاستفتاء عام 1954، ليتلو ذلك اقتراح النائب “عبد الرحمن دبكة” من دارفور بإعلان الاستقلال من داخل البرلمان يوم 19 ديسمبر/كانون الأول 1955، حيث طرح الأزهري الإعلان للتصويت، فقوبل بالإجماع، ليرفع برفقة “محمد أحمد المحجوب” عن حزب الأمة علم الاستقلال ثلاثي الألوان: الأزرق، الأصفر، الأخضر على التوالي من الأعلى للأسفل في حوالي الساعة 12 من ظهيرة الأول من يناير/كانون الثاني.

ومما رسخ صورة الأزهري في وجدان السودانيين بساطته، وقربه من الطبقات المختلفة، ففي حين كان المحجوب مثلا رجلا شاعرا، وأديبا، ومحاميا. إلا أن الأزهري كان معلما، وتربويا، فتحول لنموذج أبوي لمجتمع رعوي، والحقيقة المدهشة كذلك هي قدرته على امتصاص الاختلاف، وكان يردد: الحرية نور ونار، من أراد نورها، فليحتمل نارها.

ومر بتقلبات السياسة السودانية المختلفة، وحيكت حوله الكثير من القصص التي تعبر عن نزاهته، وعفة يده، ويكفي أنه كان يتلقى سلفة شهرية من أحد التجار الداعمين للاتحادي الديمقراطي، وروى تاجر آخر من داعمي الحزب أنه زاره في عصر أحد الأيام، وبرفقته صديق من حزب الأمة، وبينما هم جالسون، يحتسون القهوة التي أعدها الرئيس الأزهري بيده، دق الباب، فإذا بموظف بلدية يراجع الرئيس الأزهري في الرسوم المترتبة على منزله، لكون التراكم جرى من قبل تأخر البلدية في تتبعها..

ولم يكن لدى “إسماعيل الأزهري” 32 جنيها ليسدد بها الرسوم المترتبة، فسددها عنه التاجران، وقيدها الأزهري دينا عليه.

ولم يكن في حراكه السياسي مقطوعا عن أسباب السماء، فقد روى أحد الحراس العاملين بكوبر إبان الاستعمار أنه كان مسؤولا عن زنازين السياسيين، وكان يرى الأزهري يصلي طوال الليل، متوسلا لله أن يعين السودانيين للاستقلال عن بريطانيا. وظل ذلك الرجل الطيب يؤيد الأزهري، ويصوت له، ولا يدري حتى اسم الحزب السياسي الذي يترأسه، ولا بد أنه كان أحد الآلاف الذين خرجوا في يوم حزين قبل 54 عاما لتشييع الزعيم الخالد..

فمن تخلده الشعوب لا يمحى..

الجزيرة نت

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

لليوم الثاني.. الطالب الأزهري محمد حسن يؤم المصلين بالجامع الأزهر ليلة 10 رمضان

اصطف آلاف المصلين في رحاب الجامع الأزهر في الليلة العاشرة من شهر رمضان المبارك لعام 1446هـ؛ ليؤدوا صلاتي العشاء والتراويح في بيتٍ من بيوت الله التي أذن أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه، مستشعرين بركات الشهر الكريم ونفحاته الإيمانية.

وامتلأت أروقة الجامع الأزهر بالمصلين من مختلف المحافظات، إضافة إلى الطلاب الوافدين الذين جاءوا من مصر وخارجها ليشاركوا في هذه الأجواء الرمضانية الفريدة، حيث علت أصوات التلاوة بالقراءات المتواترة، وتجلى المشهد في صورة روحانية تفيض بالخشوع والرحمة في رحاب بيت من بيوت الله العامرة.

دعاء اليوم العاشر من رمضان.. اللهم أعني على الصيام والقيام وقراءة القرآنقيام الليل في رمضان.. معجزة لمن كانت له حاجة عند اللهدعاء قيام الليل للزواج والفرج .. اغتنم الوقت وردده الآندعاء قيام الليل لفك الكرب والهم.. اغتنم الوقت وردده

وشهدت الليلة مشاركة عدد من قيادات وعلماء الأزهر الشريف، يتقدمهم فضيلة الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، وفضيلة الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء، والدكتور أتى خضر، رئيس قطاع مكتب شيخ الأزهر، والدكتور عبد المنعم فؤاد، المشرف العام على الأروقة العلمية بالجامع الأزهر، والشيخ حسن عبد النبي، وكيل لجنة مراجعة المصحف، والدكتور هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر، إضافة إلى عدد من أساتذة جامعة الأزهر وطلابها.

ورفع أذان العشاء الشيخ أحمد سعد العجمي، الواعظ بمنطقة وعظ الغربية، فيما أمّ المصلين في صلاة العشاء الشيخ محمد سالم عامر، القارئ والإمام بالجامع الأزهر، الذي قرأ من سورة الأنفال برواية الإمام حفص عن الإمام عاصم الكوفي.

وانطلقت أصوات التلاوة بخشوع من سورتي الأنفال والتوبة في صلاة التراويح، حيث يتقدم لإمامة المصلين فيها: الدكتور أسامة هاشم الحديدي، مدير عام مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، قارئًا برواية الإمام الدوري عن الإمام الكسائي، كما يقرأ الشيخ رضا رمضان عبد الجواد، مدرس القراءات بمنطقة المنيا الأزهرية، برواية الإمام خلاد عن الإمام حمزة الكوفي، ويقرأ الشيخ محمد أحمد حسن، الطالب بالصف الثالث الثانوي بمعهد أبي قير الأزهري في الإسكندرية، برواية الإمام ابن وردان عن الإمام أبي جعفر المدني.

أما صلاة الشفع والوتر، فيؤم المصلين فيها الشيخ سعد أحمد سعد العجمي، فيما يؤم المصلين في صلاة الفجر الشيخ رضا رمضان عبد الجواد.

وينقل المركز الإعلامي للأزهر الشريف صلاتي العشاء والتراويح يوميًّا عبر منصات الأزهر الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى بثها عبر عدد من القنوات الفضائية، من بينها القناة الأولى، القناة الفضائية المصرية، قناة الناس، وإذاعة القرآن الكريم.

وفي ظل هذه النفحات الإيمانية، يواصل الجامع الأزهر خطته العلمية والدعوية لشهر رمضان المبارك، بتوجيهات ورعاية فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، والتي تتضمن: مقارئ قرآنية، ملتقيات دعوية عقب الصلوات، دروسًا علمية بين التراويح، صلاة التهجد في العشر الأواخر، موائد إفطار يومية للطلاب الوافدين، إضافة إلى احتفالات خاصة بالمناسبات الرمضانية، وذلك في إطار دور الأزهر الشريف الدعوي والتوعوي لنشر العلوم الشرعية وترسيخ القيم الإسلامية السمحة.

مقالات مشابهة

  • أول مؤسس لـ إذاعة مصرية.. ما هي حقيقة شخصية إسماعيل في مسلسل النص؟
  • وزير الإتصالات اجتمع مع مدراء شركتيّ ألفا وتاتش
  • حكايات المؤسسين (4): حكاية جيش التأسيس – الحلم الذي اقترب من أن يصبح حقيقة
  • الأزهري يشهد احتفال الأوقاف بذكرى انتصار العاشر من رمضان
  • لليوم الثاني.. الطالب الأزهري محمد حسن يؤم المصلين بالجامع الأزهر ليلة 10 رمضان
  • هل تلاحظون الصمت الذي ضرب على خيمة خالد سلك؟!
  • لغز بلا أدلة.. جثة فى شقة مهجورة.. النهاية الغامضة للفنان أنور إسماعيل
  • حسين فهمي: كل الأعمال اللي جسدت شخصية الخديوي إسماعيل وحشة
  • أسامة الأزهري: استعن على قضاء حوائجك باللجوء إلى الله
  • رئيس جهاز الاستخبارات العامة السيد أنس خطاب: لا صحة لما تداولته بعض الصفحات على شبكة الإنترنت حول الرسائل التي نشرت مؤخرًا والتي ادعى كاتبها أنها صادرة عن رئيس جهاز الاستخبارات السوري. (تغريدة على X)