هل يحد من هيمنة الدولار.. مكاسب الاقتصاد المصرى بعد الانضمام للبريكس
تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT
قبل الحرب العالمية الثانية كان الجنيه البريطانى هو أكبر عملة احتياط فى العالم.. وبعد الحرب تمت إزاحة الجنيه الاسترلينى من على عرش العملات العالمية ليحل بدلا منه الدولار الأمريكى والذى أصبح عملة الاحتياطى العالمى.. ووسيلة للتبادل التجاري العالمي والملاذ الآمن للاحتياطات الأجنبية
وتم عقد مؤتمر "بريتون وودز" في أمريكا وانتهى المؤتمر بالاتفاق على نظام صرف عملات دولي يقضي بالتخلي عن ربط العملة بالذهب، وربط عملات الدول بالدولار على أساس أن الدولار ترتبط قيمته بالذهب.
منذ ذلك الحين أصبح الدولار هو العملة الدولية المهيمنة واستمر حتى الآن.. ومنذ أن تبنته الدول المشاركة في اتفاقية «بريتون وودز» عام 1944 باعتباره العملة الرسمية للاحتياطي النقدي، ووفقا للتقارير الدولية فإن 59% من احتياطيات العملات الأجنبية العالمية محفوظة بالدولار، و20% باليورو، و 6% بالين الياباني، و5% بالجنيه الإسترليني، بينما لا تزال حصة اليوان الصيني (أو الرنمينبي) أقل من 3%.
لكن هيمنة الدولار أصبحت موضع نقاش منذ سنوات بسبب التحولات في موازين القوى الاقتصادية وبزوغ الصين كمنافس قوي للولايات المتحدة، بجانب التحولات التقنية التي سهلت التعاملات المالية الرقمية، وصعود العملات المشفرة، إضافة إلى التوترات الجيوسياسية التي جعلت بعض الدول تبحث عن بدائل للدولار الأمريكي، وعاد النقاش حول الموضوع إلى السطح مع الحرب الأوكرانية والعقوبات التي تم فرضها على روسيا.
هل يمكن إلغاء الدولار؟
وبعد اجتماعات البريكس فالتساؤل الرئيسى الآن هو: هل يتم الحد من هيمنة العملة الخضراء على الاقتصاد العالمي، وتقليل الاعتماد على الدولار؟
ترى بعض المؤسسات المالية العالمية أن التهديدات من إزاحة الدولار عن المشهد الاقتصادي العالمي مبالغ فيها، وإن كانت ترى في الوقت نفسه أن المنافسة المتزايدة من العملات الأخرى قد تؤدي إلى الإضرار بالطلب على الدولار الأمريكي.
وأنه من غير المرجح أن يواجه الدولار في الاقتصاد العالمي تحدياً.. وينظر للدولار على أنه «مخزن للقيمة» أو ملاذ آمن ويمثل الدولار ما يقرب من 60% من الاحتياطات الأجنبية
وأن دول «بريكس» قد تجد صعوبة في التنسيق عبر المصارف المركزية وسيكون من الصعب الابتعاد عن الدولار. ومن الممكن أن تظهر عملات احتياطية رئيسية متعددة استناداً إلى علاقات تجارية، مثل اليورو في أوروبا، والرنمينبي في آسيا والدولار الأمريكي في الأمريكتين ولكن من المحتمل أن يستغرق الأمر عقوداً لتحل محل الأسبقية العالمية للدولار.
وقد تناولت قمة مجموعة «بريكس» فى اجتماعها الأسبوع الماضى في جوهانسبورج بجنوب أفريقيا، تعميق استخدام العملات المحلية في التجارة بين الدول الأعضاء في التكتل الذي يضم كلاً من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وذلك في محاولة للحد من هيمنة الدولار.. ولكن.
"بريكس " لم تدعُ إلى إلغاء الدولرة وهو ما شددت عليه البرازيل خلال الاجتماع بأن فكرة إنشاء عملة موحدة بين دول "بريكس" لا تهدف إلى تحدي التكتلات العالمية أو الولايات المتحدة، وأن المجموعة لا ترفض الدولار، وإنما تستهدف إتمام التبادل التجاري بين أعضائها بالعملات المحلية في بعض الأحيان.
ولكن من توصياتها استخدام العملات الوطنية في التجارة وإنشاء منطقة تجارة حرة، ومن القضايا التى تمت مناقشتها أيضا إنشاء نظام مدفوعات مشترك، ومن المرجح تشكيل لجنة فنية لبدء النظر في عملة مشتركة محتملة.
ويكتسب تكتل «بريكس» أهمية في التعاملات التجارية العالمية باعتبار أن أعضاءه يمثلون أكثر من 42%من سكان العالم و23% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و18%، وهذا يعني أن إنشاء أي عملة مشتركة قد يساهم بشكل كبير في تقويض سيطرة العملة الخضراء على الاقتصاد العالمي.
وقد دعت قمة "بريكس" 6 دول للانضمام إلى المجموعة بداية من يناير المقبل وهى مصر والمملكة العربية السعودية والامارات وإيران وإثيوبيا والأرجنتين.
مكاسب مصرية
وجاءت دعوة مصر للانضمام لهذا الكيان العالمى ليمثل نقطة فارقة للاقتصاد المصرى.. واتفق الخبراء على أن هناك العديد من المكاسب التى ستحققها مصر بعد الانضمام للبريكس.
وكما أكد الدكتور محمد معيط وزير المالية، فأن انضمام مصر لتجمع «البريكس» يُسهم في تعزيز الفرص الاستثمارية والتصديرية والتدفقات الأجنبية، حيث تساعد هذه الخطوة الإيجابية الإضافية التي تعكس الثقل السياسي والاقتصادي لمصر، في دعم سبل التعاون الاقتصادي وتعميق التبادل التجاري بين مصر والدول الأعضاء في هذا التجمع، الذي يُعد أحد أهم التكتلات الاقتصادية في العالم، لافتًا إلى أن تنوع الهيكل الإنتاجي والسلعي للصادرات يحقق التكامل لسلاسل الإمداد والتوريد بين دول «البريكس».
أضاف الوزير، أن التعامل بالعملات الوطنية بين الدول الأعضاء في تجمع «البريكس» يساعد مصر في في ترشيد سلة عملات الفاتورة الاستيرادية، ومن ثم تخفيف الضغوط على الموازنة العامة للدولة التي تتحمل أعباءً ضخمة لتوفير الاحتياجات الأساسية من القمح والوقود، في أعقاب اندلاع الحرب بأوكرانيا وما ترتب عليها من موجة تضخمية عالمية انعكست في ارتفاع غير مسبوق لأسعار السلع والخدمات، وكذلك زيادة تكلفة التمويل من الأسواق الدولية.
أشار الوزير، إلى أن انضمام مصر لتجمع «البريكس» يفتح آفاقًا واعدة لتوطين التكنولوجيا المتقدمة فى شتى القطاعات الاقتصادية وزيادة معدلات الإنتاج المحلي من خلال توسيع نطاق التعاون مع الدول الأعضاء، موضحًا أن مصر انضمت من قبل لعضوية بنك التنمية الجديد، وهو البنك الخاص بتجمع «البريكس» الذى يمكن أن يوفر المزيد من الفرص التمويلية الميسرة للمشروعات التنموية ومسارات التحول الأخضر على نحو يدعم المسار المصري في تحقيق أهداف التنمية الشاملة والمستدامة، وتسريع وتيرة التعافي الاقتصادي وامتلاك القدرة بشكل أكبر على احتواء التداعيات الداخلية والخارجية.
أكد الوزير، أننا نتطلع إلى أن يكون تجمع «البريكس» صوتًا قويًا للاقتصادات الناشئة في العالم، بما يخدم مصالح البلدان النامية، ويلبي احتياجاتها التنموية، في ظل الأزمات العالمية المتتالية بدءًا من جائحة «كورونا» ثم الحرب في أوكرانيا بالتزامن مع تداعيات التغيرات المناخية، وما يمثله ذلك من أعباء تمويلية ضخمة.
توقعات بإدارج 6 عملات جديدة في المركزي المصري
وعلى الجانب الآخر توقع مصرفيون اتجاه البنك المركزي المصري خلال الفترة القليلة المقبلة نحو إدراج عدد من العملات الجديدة في قوائم أسعار الصرف لديه بعد انضمام مصر رسميًا لمجموعة بريكس جنبًا إلى جنب مع 5 دول أخرى.
وترى سهر الدماطي، نائب رئيس بنك مصر سابقًا، أن البنك المركزي المصري سيقوم بإدراج 6 عملات جديدة في أسعار الصرف المحددة لديه يوميًا، لتضم، الروبل الروسي، الروبية الهندية، التومان الإيراني، الراند الجنوب إفريقي، الريال البرازيلي، البيزو الأرجنتيني.
وقالت الدماطي إن تفعيل بند التبادل التجاري بالعملات المحلية سيعمل على استحداث نظام مدفوعات وربط البنوك المركزية ببعضها داخل بريكس، مشيرة إلى أن التكتل يحتاج إلى استنساخ نظام (سويفت) العالمي، الذي يربط البنوك ببعضها حول العالم لتسهيل تحويل الأموال، لافتة إلى أن هناك دولا خارج النظام الحالي بحسب عقوبات مفروضة عليها كروسيا وإيران.
واتفق محمد عبد العال، الخبير المصرفي، مع الدماطي، لافتًا فى تصريحات خاصة لـ«الأسبوع» إلى أن أهم ما في انضمام مصر لـ «بريكس» هو تفعيل آلية التبادل التجاري بالعملات المحلية، ليمهد الطريق أمام مصر، لتقبل المدفوعات المحلية للأجانب القادمين من الدول الأعضاء في بريكس بعملات بلادهم، فيما يحسم فارق زيادة عملات بعينها لدى دول إجراءات المقاصة كل فترة محددة.
وأشار عبد العال إلى أن الصادرات المصرية لدول البريكس ستكون بعملة البلد المرسل إليها المنتج، فيما تدفع مصر وارداتها من الدول الـ10 لأول مرة بالعملة المحلية.
وعن آلية تداول الجنيه المحلي أمام عملات دول بريكس، أوضح الخبير المصرفي أن ذلك سيتوقف على حجم التبادل التجاري بين مصر والدول الأخرى.
وتضم قوائم أسعار الصرف لدي البنك المركزي المصري حوالي 18 عملة عربية وأجنبية ما بين الدولار واليورو والريال السعودي والدرهم الإماراتي وغيرها، ويتولى البنك تحديثها يوميًا أمام الجنيه المصري.
وكان البنك المركزي الروسي قام يناير الماضي بإدراج الجنيه المصري أمام الروبل الروسي ضمن 9 عملات جديدة شملت الدرهم الإماراتي والدولار النيوزيلندي والريال القطري، بالإضافة إلى البات التايلندي واللاري الجورجي والدونج والروبية، والدينار الصربي.
تفاؤل فى مجتمع الأعمالورحب مجتمع منظمات الأعمال فى مصر بالدعوة للانضمام للبريكس واعتبروها خطوة على الطريق الصحيح لتحرير التجارة وزيادة الصادرات
حيث أكدت عبير عصام رئيس المجلس العربي لسيدات الأعمال أهمية انضمام مصر لمجموعة البريكس للمضي قدما نحو تحرير التجارة وزيادة الصادرات في بناء اقتصاد قوي ومتنوع.
وأشادت بجهود الرئيس عبد الفتاح السيسي في وضع مصر في مصاف الدول الاقتصادية والتجارية الكبرى مثل الصين وروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا خاصةً فيما يتعلق بالترويج للإصلاحات التي شهدتها البيئة المصرية الاقتصادية والاستثمارية في السنوات الأخيرة، بالصورة التي رفعت من فرص مصر لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية وزيادة فرص التجارة.
وأكدت أن هذه الخطوة دليل قوي على مكانة مصر على المستويين الإقليمي والدولي وعمق العلاقات مع دول مجموعة البريكس والذي يخلق توازنا اقتصاديا مع الاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى أن مجموعة البريكس من أهم التكتلات الاقتصادية في العالم نظرًا للثقل الاقتصادي لأعضائها في ظل ما تتمتع به من إمكانات بشرية وصناعية وزراعية، كما شهدت دوله معدلات نمو اقتصادي سريعة، ما جعل قراراته محط اهتمام وتأثير عالميين.
واوضحت عبير عصام، أن انضمام مصر لمجموعة البريكس سيكون له آثار اقتصادية واجتماعية كبرى أهمها تخفيف الضغط على الدولار نتيجة الاستفادة من اتفاقية مد التسهيلات الائتمانية بالعملة المحلية وخفض تكلفة التحويلات، والاتفاق على التعامل بالعملة النقدية لدول التكتل وكذلك فيما يتعلق بالحصول على التمويل وتعزيز التعاون في مختلف المجالات الاقتصادية وبالتالي زيادة حجم الإنتاج وتعزيز تنافسية الصناعة المصرية في الخارج واختراق أسواق جديدة.
ورحب المهندس متى بشاي بشعبة المستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية، بالقرار الصادر عن دول بريكس، والتي دعت فيه مصر إلى الانضمام إلى عضويتها بشكل رسمي، بدءا من شهر يناير 2024.
وقال إن انضمام مصر إلى دول بريكس، سيسهم في تحرير التجارة الخارجية للدولة المصرية من هيمنة الدولار، كما أنه سيسهم في تعزيز التبادل التجاري مع الدول الأعضاء بالعملات المحلية، الأمر الذي سيسهم في التخفيف من الضغط على الدولار.
وأضاف بشاي، أن تحالف بريكس يضم خمس دول وهي روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، وتستحوذ وحدها على نحو 30% من حجم الاقتصاد العالمي، ومن المتوقع أن ترتفع النسبة إلى 40% بحلول عام 2040.
وأشار إلى أن دول بريكس تستحوذ على نحو 26% من مساحة العالم، و43% من سكان العالم، الأمر الذي يؤكد حجم القوة الاقتصادية لهذا التجمع.
وأكد بشاي أن انضمام مصر لمجموعة "بريكس" سيمنحها العديد من المزايا، منها خلق العديد من الفرص لتنشيط الصادرات المصرية، بما يخفف الضغط على النقد الأجنبي بالبلاد، وخاصة الطلب على الدولار، كما ستعزز من حركة التبادل التجاري بينها وبين دول المجموعة، وستقوم على عمل الاستثمارات المشتركة بما يحقق رواجا استثماريا في مصر، مضيفا أن هذا التكتل الاقتصادي العالمي، يعيد موازين القوى للاقتصاد العالمي، ويفرض واقعا جديدًا لعالم متعدد الأقطاب الاقتصادية، كما يساعد على تعزيز حركة التبادل التجاري بين الدول الأعضاء وباقي دول العالم، الأمر الذي سينعكس إيجابا على الاقتصاد المصري.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الدولار الأمريكي الجنيه المصري البريكس انضمام مصر لمجموعة البريكس التبادل التجاری بین الاقتصاد العالمی بالعملات المحلیة الدول الأعضاء فی العملات المحلیة المرکزی المصری البنک المرکزی هیمنة الدولار على الدولار دول بریکس بین الدول من هیمنة إلى أن
إقرأ أيضاً:
«قوة لا يستهان بها».. دور مجموعة الثماني النامية في الاقتصاد العالمي
في مواجهة المتغيرات العالمية الاقتصادية والسياسية المتلاحقة، يبرز دور مجموعة الدول الثماني النامية التي تشكل قوة اقتصادية لا يستهان بها، خاصة مع استثمار قدراتها بشكل فعال.
وعرضت قناة «القاهرة الإخبارية»، تقريرا بعنوان «قوة اقتصادية لا يستهان بها.. دور مجموعة الثماني النامية في الاقتصاد العالمي»، في عام 2010 بلغ حجم التبادل التجاري بين الدول الثماني 68 مليارات دولار، وشكلت المعاملات بينها 3.3% من حجم التجارة العالمية، وبلغ الناتج المحلي لها نحو 5 تريليونات دولار.
وتستهدف المجموعة زيادة قيمة التجارة البينية بين أعضائها إلى ما لا يقل عن 10% من إجمالي حجم التجارة الخارجية لدولها، أو 500 مليار دولار بحلول عام 2030، ولتحقيق ذلك، تدرس المجموعة عدة مقترحات من بينها إنشاء نظام مقايضة تجاري ومنصة للتجارة الإلكترونية.