العد العكسي في السياسة الدولية
تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT
العد العكسي في السياسة الدولية
تحذير من أن تصبح فلسطين ضحية الانشغال بمتغيرات وظروف مرحلة بائسة في السياسة الدولية.
أجواء الحرب في السياسة الدولية تسرب إليها التهديد باستعمال أسلحة نووية تكتيكية أو الأشد تدميراً.
إذا كانت الجامعة العربية عاجزة عن توفير إرادة موحدة لموقف حاد وحاسم فلتتصرف الدول الأعضاء بإرادات متفرقة ولكن حادة وحاسمة.
القطب الأمريكي المهيمن في نظام دولي ثنائي القطبية يستمر مهيمناً لكن منحدراً في نظام دولي أحادي القطبية بعد انفراط الاتحاد السوفياتي.
ردة في كثير من تفاصيل السياسة الدولية بالعقود الأخيرة لها تكلفة باهظة على البشرية تتراوح بين الحرب والمجاعة والهجرة إلى انحسار الحقوق والحريات.
أوروبا الجديدة تتوسع مساحة وتضعف ترابطاً ونفوذاً. فقدت أوروبا بريطانيا وانحدرت هيبتها السياسية كقوة دولية وعادت بنظر العالم مع حرب أوكرانيا تابعة لأمريكا.
دول صناعية غير قليلة العدد شاخت شعوبها إلى حد يمكن أن يعيق انتقالها إلى اقتصاد الذكاء الاصطناعي وغيره مما تحمله الثورة الإلكترونية للبشرية ولم تكشف عنه بعد.
أزمات خطيرة تكاد تشل السلوك السياسي لعدد من الدول العربية لأسباب أغلبها غير مفهوم أو مقبول إلا ضمن جداول العد العكسي لحلول نظام دولي بمعايير وقواعد جديدة.
دولة صغيرة اعتمدت منذ نشأتها على دولة عظمى في حروبها وتسليحها وتصنيعها ستجد مع انحدار الدولة العظمى صعوبة شديدة في استمرار وضعها كقوة صغيرة ومهيمنة إقليميا.
إسرائيل في مرحلة عسيرة بعد: فشل خلق وحدة لجماعات بشرية لم تتوحد من قبل؛ وعلاقتها العضوية بأمريكا في زمن انحدارها المرشح للاستمرار حتى يستقر النظام الدولي الجديد.
* * *
أتفهم الظرف الذي جعل حكومة مصر تطلب الآن أو تقبل الانضمام إلى مجموعة بريكس، بينما لم تطلب وفي الغالب رفضت عرض الانضمام لها قبل أكثر من عشرة أعوام.
أفهم أن هذا الأمر في حد ذاته صار يخضع لظرف لم يكن قائماً وقتها أو كان في المهد ناشئاً. دعونا نطلق على هذا الظرف حالة أو مرحلة عشنا فيها مع عوامل اجتمعت لتعلن أن عصراً اقتربت نهايته وأن العد العكسي لها قد بدأ منذ حين ومستمر.
أولاً: مفردات هذا العد العكسي أراها على النحو التالي:
القطب الأمريكي المهيمن في نظام دولي ثنائي القطبية يستمر مهيمناً ولكن منحدراً في نظام دولي أحادي القطبية بعد انفراط الاتحاد السوفياتي.
أوروبا الجديدة تتوسع مساحة وتضعف ترابطاً ونفوذاً. فقدت أوروبا بريطانيا وانحدرت هيبتها السياسية كقوة دولية وعادت في نظر العالم تابعة لأمريكا في أعقاب حرب أوكرانيا. تكاثرت فيها الشقوق وتعددت مواقع المكانة.
على الناحية الأخرى من الكوكب تألقت في الفترة نفسها صحوات في بعض جوانب حيوية في ثقافات وحضارات دول في آسيا والجنوب الجديد. تألقت في الصين وتتألق في الهند وتنفض التراب عن نفسها جماعات من السكان الأصليين في أمريكا الوسطى والجنوبية.
أتصور أن إسرائيل تجتاز مرحلة عسيرة لسببين على الأقل. السبب الأول يتعلق بفشل القائمين على شؤونها في خلق وحدة في جماعة بشرية بصفات خاصة لم يعرف عنها التوحد إلا نادراً. وقد كشفت الأسابيع الأخيرة عن عمق الخلافات داخل هذا المجتمع واحتمالات الزيادة المطردة في تعمقها. أما السبب الثاني فيتعلق بالعلاقة العضوية التي تربط إسرائيل بأمريكا في زمن انحدار الأخيرة، وبخاصة أن هذا الانحدار مرشح للاستمرار على الأقل لحين أن يستقر أمر وشكل النظام الدولي الجديد.
إن دولة صغيرة اعتمدت منذ نشأتها على دولة عظمى في حروبها وتسليحها وتصنيعها سوف تجد مع حال انحدار هذه الدولة العظمى صعوبة شديدة في استمرار وضعها كقوة صغيرة ولكن مهيمنة في الشرق الأوسط.
البدائل ليست كثيرة ومنها أن توفر لنفسها عناصر قوة ذاتية أو تحالفات إقليمية تعوض بها ما غاب أو تعثر من الدعم الأمريكي، وهو بالفعل ما تحاول عمله الآن وبالسرعة الممكنة.
دول صناعية غير قليلة العدد شاخت شعوبها إلى حد يمكن أن يعيق انتقالها إلى اقتصاد الذكاء الاصطناعي وغيره مما تحمله الثورة الإلكترونية للبشرية ولم تكشف عنه بعد.
ثانياً: لهذه الردة في كثير من تفاصيل السياسة الدولية خلال العقود الأخيرة تكلفة باهظة تحملتها البشرية، وما تزال. تراوحت التكلفة وما تزال تتراوح بين الحرب والمجاعة والهجرة إلى انحسار في التزام الحقوق والحريات.
أتحدث هنا عن حرب أوكرانيا على روسيا وحرب روسيا على أوكرانيا وعن توابعهما مثل الاستعداد لحروب مكملة أو مشتقة في شمال أوروبا تشترك فيها مولدوفا وفنلندا والسويد وليتوانيا وتقودها بولندا ضد بيلاروسيا.
أتحدث أيضاً عن أزمات نقص في المواد الغذائية الضرورية مثل الحبوب واللحوم والزيوت وبخاصة في إفريقيا.
أتحدث عن أن أجواء الحرب في السياسة الدولية تسرب إليها التهديد باستعمال أسلحة نووية تكتيكية أو الأشد تدميراً.
أتحدث هنا أيضاً عن زيادة في عدد الدول الساعية لبناء مفاعلات نووية لأغراض سلمية ولكن مع الإصرار الصريح أو المكتوم على الحق في حرية أوفر في إدارة عمليات وتحديد نسب التخصيب.
أتحدث عن موجة جديدة من الانقلابات العسكرية في إفريقيا والعالم النامي عموماً وعن انسداد متزايد في مسالك الحياة الاقتصادية في دول عديدة.
أتحدث بخاصة عن أزمات خطيرة تكاد تشل السلوك السياسي لعدد من الدول العربية وبالتحديد في اليمن وسوريا والعراق وليبيا والسودان ولبنان لأسباب لم يعد أغلبها مفهوماً ولا مقبولاً إلا إذا وضعناها ضمن جداول العد العكسي لحلول نظام دولي بمعايير وقواعد جديدة.
ثالثاً: لن أكون أول ولا آخر من يحذر من أن تصبح فلسطين ضحية الانشغال بمتغيرات وظروف هذه المرحلة البائسة في السياسة الدولية. إذا كانت الجامعة العربية عاجزة عن توفير إرادة موحدة لموقف حاد وحاسم فلتتصرف الدول الأعضاء بإرادات متفرقة ولكن حادة وحاسمة.
لهذه الردة في كثير من تفاصيل السياسة الدولية خلال العقود الأخيرة تكلفة باهظة تحملتها البشرية، وما تزال. تراوحت التكلفة وما تزال تتراوح بين الحرب والمجاعة والهجرة إلى انحسار في التزام الحقوق والحريات.
*جميل مطر مفكر سياسي، دبلوماسي مصري سابق
المصدر | الشروقالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أمريكا أوروبا بريكس إسرائيل الصين روسيا نظام دولي حرب أوكرانيا الذكاء الاصطناعي السياسة الدولية العد العكسي فی السیاسة الدولیة
إقرأ أيضاً:
ما بين جوبا وود مدني، السياسة ووجدان الشعوب
محمد بدوي
في مقال سابق حول آثار الحرب في السودان أشرت إلي أن ما يحدث في السودان لن يبقي في السودان، وذلك لعدة اسباب اشرنا إليها في ذاك الحيز، في ربطها بموضوع المقال فإن الاثر الاكبر وقع على دولة جنوب السودان، لتوقف الخط الناقل للبترول حينها نتيجة للحرب، فانعكس في تراجع إقتصادي بجوبا لإعتمادها على البترول كمصدر يساهم ٩بنسبة % في الموازنة العامة.
ضرورة الفقرة الاولي واقترانها بموضوع المقال المخصص لعلاقات الشعوب علي خلفية التطورات التي برزت عقب إعادة الجيش السيطرة على ولاية الجزيرة بوسط السودان، بعد عام من الانسحاب وسيطرة الدعم السريع عليها، تمثلت جملة التطورات في الانتهاكات التي طالت المدنيين، بما شمل الجنوب سودانيين وفقا للخارجية الجنوب سودانية التي إستدعت السفير السوداني بجوبا لإبلاغة بإحتجاج الدولة على ما تم.
دون الخوض في التفاصيل وأشكال الانتهاكات لأنها ليست بجديدة في السجل السوداني لما بعد الاستقلال لكن الجديد هو اتساع نطاقها وتوثيقها من قبل مرتكبيها، وياتي التوثيق كجزء من سلسلة إقتران الانتهاكات بخطاب الكراهية الذي يمثل التوثيق والنشر جزء من الانتهاك الذي في اختلاف طبيعته يخلص إلي إشباع رغبة المنتهكين في التشفي والشماتة المرضيتان، لأن مفعول خطاب الكراهية يكتمل عند المنتهك الا بمعاملة الضحايا كالحيوانات، وهذا يكشف لماذ الذبح احد أشكال الانتهاكات .
عطفا علي ما سبق فإن ما حدث في مدني استهدف المدنيين بناء على العرق قبل الانتماء بالجنسية أو للسودان أو جنوب السودان، هذا يقود إلي أن ما تم ينتهك الكرامة الانسانية ويختلف الضمير الإنساني والوجدان السليم.
جاءت بيانات الشجب والتضامن مع الضحايا من قطاعات واسعة خارجية وداخلية ربط بينها احترام الحق في الحياة واحترام حقوق الانسان، ولعل غزارة البيانات والمواقف المعلنة تجاوزت ما صدر في اي حدث اخر خلال هذه الحرب.
في تطور لاحق جاء رد فعل بعض الفئات بجنوب السودان تدعوا للتصعيد والنظر بالمقابل تحريضا ضد المدنيين السودانيين السودانيين بجنوب السودان، يمكن فهم ما حدث في سياق أن ما تم جاء نتيجة لاعادة ذاكرة الحرب الاهلية، لكن بالنظر الي الاصوات التي نشطت في التحريض فهم يمثلون فئات عمرية لم تشهد عمق وفظاعة الحرب الاهلية، ليرتبط الأمر بسؤال جوهري حول الأسباب التي دعت تلك الاصوات للنشاط للتحريض، لعل جزء من الإجابة يمكن الوقوف عليها بالنظر الي اتفاق إعادة ضخ بترول جنوب السودان عبر السودان في ٨ يناير ٢٠٢٥ بعد توقف دام لما يقارب ال١١ شهرا .
ما يحدث في جوبا في تقديري يتطلب النظر بروية والاستفادة من ما يحدث في السودان، وعلى إنها حرب سلطة وموارد، فانتقالها مظاهرها إلي اي مكان آخر يحمل ذات جينات الأسباب بما فيها نسق عدم الاستقرار.
أن العنف وتوجيهه نحو المدنيين في جنوب السودان، لن يحل الازمة لأنهم ليسوا طرفا في الصراع،في الغالب تواجدهم بجوبا ناتج من أسباب مختلفة منها رفضهم للحرب أوهربا منها أو بحثا عن العيش الاقتصادي الكريم
ظلت الحرب بين السلطات السودانية والحركة الشعبية بفتريتها مرتبطة بطبيعة سياسية، حتي جاء الانفصال / الاستقلال أيضا كقرار سياسي مرتبط باتفاق السلام الشامل ٢٠٠٥، في هذا الخضم ظلت علاقات الشعوب السودانية لا مجال لها لتعبر عن مواقفها في ظل الهينمة السلطوية، بما يتطلب النظر مليا إلي علاقات الشعوب بعيدا عن العلاقات الرسمية للحكومات التي تتاثر سلما وتوترا، لأن ما يربط بين الشعوب تواريخ مشتركة، و ذاكرة السلم غيبت قسرا وحسن الجيرة، والملاذات حين تعمل آلة الحرب في اي من الجغرافيا.
الخلاصة : تراخينا في التوحد كمدنيين في وقف الحرب في السودان، بما يجعل هذه التطورات تعيد تذكيرنا بذلك وتفرض واجب العمل المشترك بين شعوب الدولتين لتفويت الفرص على زعزعة الاستقرار، غياب العدالة والمحاسبة تاريخيا حتي في بنود اتفاق السلام الشامل ٢٠٠٥ ستظل الحلقة المفقودة لضمان الاستقرار في السودانيين
الوسوممحمد بدوي