تونس.. حركة النهضة في منعطف خطير
تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT
تونس.. حركة النهضة في منعطف خطير
حافظت النهضة على انضباط أبنائها وتمسكهم بالقانونية والشرعية والسلمية.
في غياب رؤية واضحة للمستقبل، يمكن أن يحصل تصعيد ما من هذه الجهة أو تلك، من شأنه خلط الأوراق والتمهيد لسيناريوهات غير متوقعة.
لا توجد مؤشرات على وجود نهضويين يفكرون في اللجوء إلى العنف، وهذا أمر جيد بحد ذاته رغم اعتقال رئيس الحركة وأهم قادتها بدون تهم واضحة.
الخلاف يتمحور حول مسألتين أساسيتين: عقد المؤتمر من عدمه، وثانيا تنفيذ القانون الداخلي الذي يقتضي منع الغنوشي من الترشح مرة أخرى لرئاسة الحركة.
عقد مؤتمر الحركة وترشح الغنوشي مسألتان مترابطتان تؤدي كل منهما مهما كان الاختيار لخسائر سياسية فادحة لحركة النهضة بمرحلة حرجة ستفيد السلطة كثيرا بالأشهر القادمة.
يُخشى أن ينقلب الصراع مع قيس سعيد كرئيس قام بالانقلاب على الانتقال الديمقراطي واستحوذ على جميع الصلاحيات، إلى عداء مفتوح مع الدولة ومؤسساتها الشرعية.
* * *
كتب أحد الكوادر الفاعلة داخل حركة النهضة تدوينة لم ترق للبعض، وأثارت جدلا واسعا في الصفوف؛ جاء في تدوينة المحامي سامي الطريقي متوجها بالخطاب إلى أبناء الحركة ما يلي:
"لا تنساقوا وراء خطاب ترذيل الدولة مهما كان الخلاف جديا. فسواء كنا في السلطة أو في المعارضة، فإنه يجب علينا ألا ننساق وراء خطاب يضعف الدولة؛ لأنه لو سقط سقفها فسوف يسقط على الجميع".
رغم أن صاحب هذا الرأي يعتبر من المقربين جدا لرئيس الحركة ومدافعا شرسا عنه، إلا أنه مع ذلك تعرض لحملة شرسة من داخل الحركة، بلغت حد اتهامه بالخيانة، والتنسيق مع دوائر السلطة من أجل التخلي عن الغنوشي خلال مؤتمر الحركة القادم الذي يجري الإعداد له.
ورد عليه العديد من إخوانه بقولهم: "من قام بترذيل الدولة هو قيس سعيد وليست النهضة". وهو ما يؤشر على أن أجواء المؤتمر ستكون مشحونة، في ظل تجاذبات بين تيارات متصارعة بعد أن استوت الرؤوس في غياب القادة التاريخيين للحركة.
هذا الجدل/ الصراع "الداخلي" الذي تسرّبت أصداؤه عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ يعكس الحيرة الجماعية التي يمر بها عموم النهضويين في هذا الصراع الذي يخوضونه دون استعداد مسبق، وبلا تخطيط واضح.
فالرئيس سعيد بقراراته المتتالية وإصراره على إلغائهم من المشهد الوطني، نجح إلى حد ما في تعميق التناقضات في صفوفهم، وأربك مسارهم بشكل جلي، وجعل منهم، رغم ثقلهم العددي، جسما سياسيا غير قادر حاليا على التأثير في موازين القوى.
ما يُخشى الآن، هو أن ينقلب الصراع مع قيس سعيد بصفته رئيسا متهما بالانقلاب على الانتقال الديمقراطي، والاستحواذ على جميع الصلاحيات، إلى عداء مفتوح مع الدولة ومؤسساتها الشرعية.
إذ يفترض بأن أفراد الحركة على وعي عميق بوجود حد فاصل بين الرئيس والدولة؛ يمكّنهم كحزب معارض أن يعتبروا قيس سعيّد رئيسا "اغتصب السلطة دون حق"، وأن يخاصموه على هذا الأساس.
لكن ما يُخشى في المقابل، هو التورط في بناء خطاب احتجاجي سقفه عال جدا، يتجاوز ما يقوم به رئيس الدولة وما يفعله، ليشمل مؤسسات الدولة فيتم ترذيلها، والحط من شأنها، والتقليل من رمزيتها، والاستخفاف بأهميتها، وذلك في سياق المعركة السياسية الدائرة حاليا مع الرئيس!
حتى لو اعتبرنا أن هذا الرئيس تجاوز بعض الخطوط الحمراء، ووضع نفسه فوق المحاسبة، فهناك من يعتقد بأن الدولة "انهارت يوم 25 تموز/ يوليو 2021"، ومن ثم لا توجد حاليا دولة شرعية، وإنما نحن أمام "دولة الانقلاب".
هذا موقف يضع أصحابه أمام نتائج خطيرة، من شأنها أن تفضي إلى خيارات مغايرة تماما لما تبنته قيادة النهضة، خاصة بعد الثورة.
فالسلطة التي انحرفت عن القانون، لا تواجَه باللجوء بطرق ووسائل غير قانونية، والسلطة القامعة، لا يعتبر سلوكها منطلقا لتبرير خروج معارضيها عن نواميس المقاومة السلمية، وتبنيهم لخطاب غير أخلاقي؛ لأن ذلك من شأنه أن يدفع بالسلطة إلى مزيد التصعيد واللجوء إلى وسائل أشد تنكيلا وانغلاقا، عندها تدخل البلاد في دوامة يصعب الخروج منها.
بالعودة إلى الماضي القريب وتحديدا في مطلع التسعينيات عندما انفجر الصراع بين النهضة ونظام بن علي، شرعت القيادة لأبناء الحركة باللجوء إلى ما سمي بحرية المبادرة، ففتحت بذلك المجال إلى ممارسات خطيرة كادت أن تحولها إلى تنظيم إرهابي.
وما حادثة باب سويقة، وإلقاء ماء الفرق (ماء النار) على الخصوم، وحرق مقرات حزب التجمع الدستوري، سوى أمثلة دالة على خطورة المنعرج الذي كلف النهضويين الكثير، وجعلهم يتيهون في الصحراء لمدة عشرين سنة.
موضوعيا، لا توجد مؤشرات على وجود نهضويين يفكرون في اللجوء إلى العنف، وهذا أمر جيد بحد ذاته، رغم اعتقال رئيس الحركة وأهم قادتها بدون تهم واضحة.
فالحركة حافظت على انضباط أبنائها وتمسكهم بالقانونية والشرعية والسلمية، لكن في غياب رؤية واضحة للمستقبل، يمكن أن يحصل تصعيد ما من هذه الجهة أو تلك، من شأنه أن يؤدي إلى خلط الأوراق والتمهيد لسيناريوهات غير متوقعة.
خاصة أن الخلاف اليوم الذي يشق الصفوف، يتمحور حول مسألتين أساسيتين: عقد المؤتمر من عدمه، وثانيا تنفيذ القانون الداخلي الذي يقتضي منع الغنوشي من الترشح مرة أخرى لرئاسة الحركة.
وهما مسألتان مترابطتان ستؤدي كل منهما مهما كان الاختيار، إلى خسائر سياسية فادحة في مرحلة حرجة، وهو وضع ستستفيد منه السلطة كثيرا خلال الأشهر القادمة؛ لأن المعركة بين الطرفين ستطول كثيرا، وستكون لها تداعيات خطيرة على أكثر من صعيد.
*صلاح الدين الجورشي كاتب وناشط تونسي في المجتمع المدني
المصدر | عربي21المصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: تونس انقلاب العنف الغنوشي حركة النهضة مؤتمر الحركة قيس سعيد المقاومة السلمية
إقرأ أيضاً:
حديث إسرائيلي عن تقدم بمحادثات أميركا مع حماس ومباحثات بين الحركة ومخابرات مصر
نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤول قوله إنه تم إحراز تقدم معين في المحادثات التي أجرتها الولايات المتحدة مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في حين التقى وفد من الحركة، رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية لبحث مجريات تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
وفي وقت سابق، نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر مطلعة أن واشنطن تقترح مبادرة جديدة لإطلاق سراح 10 أسرى أحياء، مقابل تمديد الهدنة لشهرين من طرف إسرائيل.
وأضافت أن إسرائيل لا تشارك في المفاوضات بشأن المقترح الجديد.
هذا، ونقل موقع أكسيوس عن مسؤولين أميركيين أنه من المتوقع أن يتوجه المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف إلى العاصمة القطرية الدوحة الثلاثاء للتوسط في اتفاق جديد بين حماس وإسرائيل.
وقال المسؤولون الأميركيون إنه لم يتضح بعد ما إذا كان ويتكوف سيلتقي مسؤولين من حماس أم سيكتفي بلقاء مفاوضين إسرائيليين ووسطاء.
ونقل أكسيوس عن مسؤول إسرائيلي قوله إن ويتكوف أراد جمع كل الأطراف في مكان واحد لعدة أيام من المفاوضات المكثفة في محاولة للتوصل إلى اتفاق.
وفد إسرائيلي إلى الدوحة
في غضون ذلك، قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه قرر إرسال وفد إلى الدوحة يوم الاثنين في محاولة لدفع مفاوضات وقف إطلاق النار.
إعلانويضم الوفد، حسب إذاعة الجيش، نائب رئيس الشاباك ومنسق شؤون الرهائن ومستشار نتنياهو.
ونقلت تايمز أوف إسرائيل عن مسؤول إسرائيلي أن وفد التفاوض يضم أوفير فالك المستشار السياسي لنتنياهو، وأن مسؤولا من الشاباك سيحل مكان رئيسه رونين بار الذي أبعده نتنياهو.
من جهتها، أفادت هيئة البث الإسرائيلية أن اجتماع المجلس الوزاري المصغر عصر اليوم، سيحدد حجم التفويض الذي سيمنح لطاقم التفاوض.
وأضافت الهيئة أن المحادثات في المرحلة الأولى ستركز على إطار المفاوضات العام.
مباحثات بين حماس والمخابرات المصريةوفي السياق، التقى وفد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية لبحث مجريات تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، في حين نفت الحركة قبولها هدنة مؤقتة في قطاع غزة.
وقالت حماس -في بيان- إن "وفدا برئاسة رئيس المجلس القيادي للحركة محمد درويش التقى في القاهرة مع رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية اللواء حسن رشاد، حيث جرى بحث العديد من القضايا المهمة بروح إيجابية ومسؤولية، خاصة مجريات تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في مراحله المختلفة".
وأضاف البيان أن وفد حماس شدد على ضرورة الالتزام بكل بنود الاتفاق والذهاب الفوري لبدء مفاوضات المرحلة الثانية وفتح المعابر وإعادة دخول المواد الإغاثية إلى القطاع دون قيد أو شرط.
كما أكد الوفد على موافقة الحركة على تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي من شخصيات وطنية مستقلة لإدارة غزة إلى حين استكمال ترتيب البيت الفلسطيني وإجراء الانتخابات العامة في كل مستوياتها الوطنية والرئاسية والتشريعية.
وعبرت حماس عن شكرها وتقديرها للجهود المصرية في الفترة السابقة، خاصة في مواجهة مخططات التهجير، وتقديرها مخرجات القمة العربية، خصوصا خطة إعادة إعمار غزة، والتأكيد على الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني.
إعلان
حراك عائلات الأسرى
وبينما يستمر الاستعصاء في ملف التفاوض، تواصل هيئة عائلات الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة حراكها المطالب بالعمل على إطلاق سراح أبنائها.
وقد اتهمت هيئة عائلات الأسرى، نتنياهو بعرقلة جهود استعادة الأسرى، مؤكدة أنه جمد المفاوضات عمدا وفكك فريق التفاوض.
وشددت الهيئة قبيل مظاهرات حاشدة نظمتها في تل أبيب للتحذير من مغبة العودة إلى الحرب، وشددت على أن نتنياهو مستعد للتضحية بحياة الرهائن، من أجل مصالحه السياسية، رغم أن ذلك لا يخدم مصلحة إسرائيل، متهمة إياه بتهيئة الرأي العام للعودة إلى الحرب.
وأكدت أن الحل الوحيد لاستعادة الأسرى هو صفقةُ تبادل دفعة واحدة، ومطالبةُ الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعدم السماح لنتنياهو بالمقامرة بأرواح الرهائن.
وقد اندلعت مواجهات في تل أبيب بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين متضامنين مع عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة للمطالبة باستكمال مراحل صفقة التبادل.
وحاول المحتجون إغلاق شارع رئيسي في المدينة بالقرب من وزارة الدفاع، إلا أن الشرطة منعتهم. ورفع المحتجون شعارات تطالب الحكومة بعدم استئناف العمليات العسكرية في غزة قبل ضمان عودة المحتجزين، بينما دفعت الشرطة بتعزيزات إضافية لمنع إغلاق الطرق الحيوية.
وتأتي هذه الاحتجاجات ضمن سلسلة مظاهرات أسبوعية تشهدها مدن إسرائيلية، بينها القدس وحيفا وعسقلان، وسط ضغوط متزايدة على الحكومة لحل مسألة الأسرى.