تحليل: توسيع بريكس.. ما الذي يعنيه ذلك للعالم العربي؟
تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT
ماذا يعني ضم ثلاث دول عربية منها السعودية لمجموعة بريكس؟
قبل انعقاد القمة الخامسة عشرة لمجموعة "بريكس" في جنوب أفريقيا مؤخرا كانت هناك آراء كثيرة تستبعد توسيعها على ضوء تصريحات قادة فيها دعوا إلى التأني على هذا الصعيد. بيد أن القمة التي ضمت الدول الخمس الأعضاء في المجموعة وهي الصين والهند والبرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا، تحدت المشكيين وقررت دعوة ست دول جديدة للانضمام إليها.
ولعل المفاجأة الأكبر تكمن في أن ثلاث دول عربية محورية هي مصر والسعودية والإمارات من بين الدول المدعوة للانضمام. أما الدول الثلاث الأخرى فتمثل وزنا إقليميا هاما في مناطقها، إيران في الشرق الأوسط وإثيوبيا في إفريقيا والأرجنتين في أمريكا اللاتينية.
ومع انضمام هذه الدول تذهب معظم الآراء إلى توقع تعزيز حضور بريكس على الصعيد الاقتصادي والجيوسياسي العالمي في أكثر من مجال. ففي مجال الطاقة على سبيل المثال نلاحظ أن السعودية وروسيا والإمارات وإيران تنتج لوحدها أكثر من 50 بالمائة من إنتاج "أوبك بلس" النفطي الذي يمد السوق العالمية بما لا يقل عن ثلث احتياجاته من الذهب الأسود.
كما أن التبادل التجاري بالعملات الوطنية بين الدول الأعضاء وخاصة بين روسيا والصين سيزداد على حساب العملات الصعبة وعلى رأسها الدولار واليورو. ويزداد زخم هذا التحول على ضوء أن العقوبات الغربية المفروضة على روسيا وعلى شركات صينية كثيرة تعيق التعامل بالعملة الأمريكية.
كما أن السعودية والصين اتفقتا أيضا على التعامل باليوان والريال. وسبق ذلك اتفاقات مشابهة بدأ العمل بها بين الصين من جهة وكل من إيران والبرازيل والأرجنتين من جهة أخرى.
آمال كبيرة تعلقها الدول النامية على التعاون مع دول وخاصة على التعاون مع الصين، فهل تتحقق؟
آمال الدول المدعوة إلى المجموعة
تراوحت مواقف الدول التي تم توجيه الدعوة لها من أجل الانضمام إلى مجموعة بريكس بين الترحيب وتعليق آمال ما يزال من المبكر الحكم على مدى واقعيتها. فرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد وصف القبول بأنه "لحظة عظيمة لبلاده المستعدة للتعاون من أجل نظام عالمي شامل ومزدهر".
وعلى الصعيد العربي عبر الرئيس المصري عن تطلعه لمزيد من التعاون البيني والعمل على "إعلاء صوت دول الجنوب إزاء مختلف القضايا والتحديات التنموية". ويأمل وزير المالية المصري محمد معيط من وراء الانضمام تدفق الاستثمارات وتعزيز التعامل بين الدول الأعضاء بالعملات الوطنية بشكل يخفف ضغط نقص العملات الصعبة على الموازنة العامة المصرية.
ومن المعروف أن مصر تعاني من أزمة نقص حادة بالدولار اللازم لاستيراد مواد غذائية أساسية ارتفعت أسعارها بشكل مخيف في الأسواق العالمية بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا. ويأتي على رأسها القمح والزيوت النباتية.
وبدوره رأى وزير الاقتصاد الإماراتي عبد الله بن طوق المري أن انضمام بلاده يوفر فرصا ضخمة جديدة في مجال التجارة والاستثمار بين دول المجموعة وعلى الصعيد العالمي. غير أن العبرة ليست في الآمال المعلقة، بل في استغلال الإمكانات المتوفرة لتحقيقها. فمجموعة بريكس وحتى قبل انضمام الدول الجديدة إليها تتمتع باقتصاديات من بين الأسرع نموا في العالم، ناهيك عن أنها تشكل 40 بالمائة من سكان كوكبنا وتنتج نحو ثلث الناتج العالمي حسب القوة الشرائية.
بريكس والنظام المالي العالمي
في المقابل تميزت مواقف الدول الغربية بالتقليل من أهمية قمة بريكس وتوسيع العضوية في مجموعتها. فقد تجاهل البيت الأبيض على سبيل المثال نتائج القمة ووصف بريكس بأنها مجموعة "شديدة التنوع تضم أصدقاء وخصوما ومتنافسين"، أما الآمال الأمريكية حسب البيت الأبيض فهي معلقة على تحقيق "نتائج قوية" في قمة مجموعة العشرين القادمة كونها "المنتدى الأهم للتعاون الاقتصادي".
بيد أنه وبغض النظر عن تشكيك الغرب بدور بريكس فقد أصبحت المجموعة لاعبا هامافي إطار السعي نحو عالم متعدد الأقطاب بدلا من عالم أحادي القطبية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية. فالمجموعة حتى قبل انضمام الدول الست الجديدة إليها تضم اقتصاديات تُعد الأسرع نموا في العالم، ناهيك عن أنها تشكل 40 بالمائة من سكان كوكبنا وتنتج نحو ثلث الناتج العالمي حسب القوة الشرائية.
وإذا أخذنا كلام الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش في قمة بريكس حول تقادم وفشل وعدم عدالة البنية المالية العالمية الحالية التي يسيطر على الغرب عبر نظام "سويفت"، فإن أمام بريكس فرصة واعدة لإرساء نظام تعددية قطبية يأخذ مصالح دول الجنوب أكثر فأكثر بعين الاعتبار.
وفي إطار الخوف المتزايد من صعود بريكس "وإضعاف الغرب وخصوصا أوروبا" دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطابه أمام السفراء الفرنسيين بتاريخ 28 أغسطس الجاري 2023 إلى "العمل على صيغ تعاون جديدة مع بعض دول مجموعة بريكس كالبرازيل والهند بشأن أجندة الطاقة والمناخ وغيرها من المجالات".
بنك بريكس/ بنك التنمية الجديد، هل ينجح في منافسة البنك الدولي على صعيد تقديم الدعم التنموي للبلدان النامية؟
نجاحات تجارية وتحديات التعامل المالي
تمكنت بريكس خلال السنوات العشر الماضية من تعزيز العلاقات واتخاذ مواقف المشتركة بين دولها رغم العراقيل والخلافات التي أبطأت جهود تحقيق أهدافها، خصوصا الخلافات الهندية الصينية الحدودية.
فعلى سبيل المثال أظهرت المجموعة تقدما ملموسا على صعيد التنسيق السياسي حيال قضايا عالمية كالحرب في أوكرانيا. فعلى عكس العشرات من دول العالم خارج المنظومة الغربية لم تلتزم دول المجموعة مثلا بتطبيق العقوبات الغربية ضد روسيا وحسب، بل إن الصين والهند ودول بريكس أخرى تعزز التعاون الاقتصادي معها.
وعلى الصعيد الاقتصادي عززت دول المجموعة تبادل السلع عن طريق العملات الوطنية التي ارتفعت نسبتها في هذا التبادل إلى أكثر من 60 بالمائة، مع العلم أن التعامل الأقوى على هذا الصعيد يتم بين روسيا والصين. وقدم بنك بريكس" بنك التنمية الجديد" الذي حتى الآن وبعد مرور 8 أعوام على تأسيسه قروضا بنحو 33 مليار دولار من أجل تحديث البنى التحتية في المجموعة ودول أخرى.
بيد أن حضور هذا البنك ما يزال متواضعا مقارنة مع البنك الدولي الذي قدما قروضا بأكثر من أربعة أضعاف هذا المبلغ خلال نفس الفترة. الجدير ذكره أن بنك بريكس الذي يُعد رديفا للبنك الدولي لم يتمكن من تقديم قروض لروسيا مؤخرا رغم أنها عضو مؤسس فيه. ويعود السبب في ذلك إلى خضوعها للعقوبات، وإلى أن البنك ما يزال يتعامل بالدولار الأمريكي.
ولا تبدو العملة الصينية حتى الآن "اليوان" قادرة على سد هذه الثغرة رغم ازدياد أهميتها في التجارة بين دول المجموعة. ومن هنا فإن اعتماد آلية جديدة للتعامل المالي قد تتمثل في اعتماد عملة جديدة مشتركة لبريكس على غرار العملة الأوروبية المشتركة "اليورو" تشكل أحد ابرز التحديات التي تواجه المجموعة في المستقبل.
ابراهيم محمد: نحن أمام عالم متعدد الاقطاب، لكن السؤال، أية فوائد ستجنيها الدول العربية من ذلك؟
بريكس والعالم العربي
هناك أكثر من مؤشر على توجه العالم مع بريكس ومجموعة العشرين وقوى أخرى إلى نظام عالمي متعدد القطبية. ومن هذه المؤشرات توجه الولايات المتحدة المتزايد إلى إعادة إحياء الصناعة وجذب الشركات الألمانية والأوروبية إلى سوقها بدلا من الاعتماد على طباعة المزيد من الدولارات ومراكمة المزيد من الديون.
وبالتوازي مع ذلك قامت روسيا بتقليص احتياطاتها بالدولار أو بالسندات المقومة به، في حين هناك حديث عن بدء دول أخرى من ضمنها دول عربية في القيام بخطوات ملموسة على هذا الصعيد. فالسعودية على سبيل المثال قلصت حيازتها بالسندات الأمريكية بنحو 9 مليارات دولار خلال العامين الماضيين رغم الوفرة الماليةالتي تتمتع بها على ضوء ارتفاع أسعار النفط.
شركة آرامكو السعودية رمز التعاون مع الصين في مجال التجارة والاستثمار في الصناعات البتروكيماوية
ويقف وراء هذا التوجه على الأرجح الخوف من سلاح العقوبات الغربية التي قد تطال احتياطات مالية تملكها حتى بلدان صديقة للغرب كدول الخليج. ومن المعروف أن الدول العربية النفطية وعلى رأسها الإمارات والسعودية تملك احتياطات مالية ضخمة بالدولار والأوراق المالية المقومة به، رغم أن الصين أضحت أهم شركائها التجاريين.
ومن هنا فإن هدف تعزيز التبادل بالعملات الوطنية لا يوفر على هذه الدول رسوم التحويل وحسب، بل يساعد أيضا على تنويع محافظها الاستثمارية وسلة عملاتها بشكل يرفع نسبة الأمان والاطمئنان عليها. كما يعني سهولة تدفق الاستثمارات بين دول بريكس بعيدا عن الشروط التي يضعها كل من البنك وصندوق النقد الدوليين.
ومما لا شك فيه أن هذا التعامل يساعد على زيادة المنافسة بين الدول الكبرى كالصين والولايات المتحدة ودول في الاتحاد الأوروبي في مجال تقديم القروض بشروط أنسب لدول مثل مصر والمغرب وتونس.
وإذا ما نظرنا إلى عروض الدول الغربية مؤخرا لدعم الدول الأفريقية تنمويا في مواجهة الصين بقروض تزيد على 50 مليار دولار، فإن هناك ما يدعو للتفاؤل على صعيد فوائد التعددية القطبية التي يكثر الحديث عنها هذه الأيام. ومما لا شك فيه أيضا أن أمام بريكس فرصة واعدة للمساهمة في إرساء تعددية تراعي مصالح الدول النامية وتنميتها المستدامة.
ابراهيم محمد
ست دول جديدة تنضم إلى بريكس.. أبعاد اقتصادية وجيوسياسيةتاريخ 31.08.2023 كلمات مفتاحية توسيع بريكس, قمة البريكس في جنوب أفريقيا تعليقك على الموضوع: إلى المحرر طباعة طباعة هذه الصفحة الرابط https://p.dw.com/p/4ViQf مواضيع ذات صلة مواقف الغرب من توسيع البريكس: بين الخشية وعدم الاكتراث 26.08.2023
تعتزم دول مجموعة البريكس، البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، ضم ست دول جديدة منها ثلاث دول عربية لتكتلها مع بداية العام المقبل. والغرب بين من يخشى النفوذ المتنامي للمجموعة ومن يحاول التقليل من خطورتها.
بينها السعودية ومصر والإمارات.. "بريكس" تضم ست دول جديدة لعضويتها 24.08.2023بعد أيام من مشاورات مكثفة حول توسيع مجموعة بريكس، أعلنت المجموعة دعوة 6 دول للانضمام إليها من بينها السعودية، ومصر والإمارات وإيران. إثيوبيا وصفت القرار بـ"اللحظة التاريخية" وإيران تعتبره مؤشرا على نجاح سياستها الخارجية.
تاريخ 31.08.2023 كلمات مفتاحية توسيع بريكس, قمة البريكس في جنوب أفريقيا إلى المحرر طباعة طباعة هذه الصفحة الرابط https://p.dw.com/p/4ViQf الرئيسية أخبار سياسة واقتصاد ثقافة ومجتمع علوم وتكنولوجيا بيئة ومناخ صحة رياضة تعرف على ألمانيا منوعات المواضيع من الألف إلى الياء صوت وصورة بث مباشر جميع المحتويات أحدث البرامج تعلُّم الألمانية دروس الألمانية الألمانية للمتقدمين Community D علّم الألمانية تلفزيون جدول البرامج برامج التلفزيون اكتشف DW رسائل إخبارية خدمات التنزيل DW موبايل استقبال البث شروط الاستخدام© 2023 Deutsche Welle | حماية البيانات | توضيح إمكانية الوصول | من نحن | اتصل بنا | نسسخة المحمول
المصدر: DW عربية
كلمات دلالية: توسيع بريكس قمة البريكس في جنوب أفريقيا توسيع بريكس قمة البريكس في جنوب أفريقيا على سبیل المثال مجموعة بریکس جنوب أفریقیا ست دول جدیدة على الصعید دول عربیة بین الدول بین دول أکثر من فی جنوب فی مجال
إقرأ أيضاً:
المشاط تفتتح فعاليات الأسبوع العربي للتنمية المستدامة
افتتحت اليوم، الدكتورة/ رانيا المشّاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي فعاليات الأسبوع العربي الخامس للتنمية المستدامة تحت عنوان "حلول مستدامة من أجل مستقبل أفضل: المرونة والقدرة على التكيف في عالم عربي متطور " المنعقد بمقر جامعة الدول العربية في القاهرة، بحضور السيد/ أحمد أبو الغيط أمين عام جامعة الدول العربية، والدكتور/ أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، والدكتورة منال عوض، وزيرة التنمية المحلية، والمستشار عدنان فنجري، وزير العدل، والسيدة/ إيلينا بانوفا، المنسق المقيم لمنظمة الأمم المتحدة في مصر، والسيد/ ستيفان جيمبرت، المدير الإقليمي لمصر واليمن وجيبوتي بالبنك الدولي، والسيد/ يوسف حسن خلاوي، الأمين العام لمنتدى البركة للاقتصاد الإسلامي، وعدد من السادة الوزراء والسفراء، وممثلو المجالس النيابية، وممثلو المنظمات والهيئات المحلية والإقليمية والدولية.
وخلال كلمتها الافتتاحية، قالت الدكتورة رانيا المشاط، إن الأسبوع العربي للتنمية المستدامة أضحى منصة إقليمية بارزة للحوار البنّاء بين ممثلي الحكومات والقطاع الخاص، والمُجتمع المدني، وممثلي قطاعات المرأة، والشباب، والإعلام، بالإضافة الى الجامعات والمراكز البحثية المتخصصة والمنظمات العربية والإقليمية والدولية، والتي تسعى جميعها لتعزيز التعاون في سبيل تحقيق التنمية المستدامة، ويأتي انعقاد هذا المُلتقى العربي في نسخته الخامسة تحت عنوان "حلول مستدامة من أجل مستقبل أفضل: المرونة والقدرة على التكيف في عالم عربي متطور"، بعد النجاحات الملموسة التي شهدتها الدورات السابقة.
وأكدت أن مصر حرصت على استضافة الحَدَث وتنظيمه عبر السنوات بتعاون مثمر وشراكة تنموية ممتدة مع كل من جامعة الدول العربية وعدد من شركاء التنمية الدوليين، مضيفة أن الأسبوع العربي للتنمية المستدامة ينعقد في ظل متغيرات وتحديات اقتصادية ومالية وجيوسياسية مستمر ة ومتسارعة، لا سيما الأوضاع الإنسانية المؤسفة التي يعيشها أشقائنا في غزة ولبنان، والتي تفرض مزيداً من التحديات والأعباء على العالم أجمع وفي القلب منها دولنا العربية، مما يؤثر سلباً على الجهود التي تبذلها الحكومات لتحقيق التنمية المستدامة. حيث أشار تقرير أهداف التنمية المستدامة لعام 2024 إلى أن 17% فقط من غايات أهداف التنمية المستدامة شهدت تقدماً كافياً للوصول للمستهدف بحلول عام 2030.
وتابعت: مع استمرار تباطؤ معدلات النمو العالمية، وتزايد الفجوات التنموية بين الدول، تتزايد أيضا فجوة تمويل التنمية خصوصًا في الدول النامية في ظل الأعباء الإضافية التي فرضتها الأزمات المتتالية، بما يستلزم المعالجات العاجلة لأزمة الديون التي تواجهها هذه الدول، وإعادة هيكلة النظام المالي العالمي، لتعزيز قدرة الدول على الحصول على التمويل الميسر الذي يساعد على سد فجوات التنمية، جنبًا إلى جنب مع سعي هذه الدول لحشد الموارد من خلال الشراكة الفاعلة بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمؤسسات المالية لتلبية الاحتياجات التمويلية المتزايدة.
وأشارت "المشاط" إلى أنه وفقًا للتقارير الدولية فقد بلغ إجمالي حجم الإنفاق الحكومي عالمياً، على الخدمات الأساسية مُتضمنة الصحة والحماية الاجتماعية في عام 2024 حوالي 50%، وتنخفض هذه النسبة في الدول الناشئة والنامية لتصل إلى 40%، ويشهد ذلك تفاوتات في مستوى الإنفاق بين دول وأقاليم العالم المختلفة، حيث تتراوح الفجوة التمويلية لأهداف التنمية المستدامة عالمياً بين 2.5 و 4 تريليون دولار سنوياً، وتشير التقديرات إلى أن المنطقة العربية تحتاج على الأقل إلى 230 مليار دولار سنوياً لسد الفجوة التمويلية نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وأضافت أنه إلى جانب التحدي المرتبط بتمويل التنمية هناك تحديات اقتصادية واجتماعية أخرى لا تقل أهمية تواجه دولنا العربية منها ارتفاع معدل البطالة، والذي بلغ نحو 9، 5%، وفقاً لتقرير أهداف التنمية المستدامة لعام 2024، وهو المعدل الأعلى بين مناطق العالم بالرغم من انخفاضه منذ أزمة كوفيد 19، كما تظل المنطقة العربية تشهد أعلى معدل لبطالة الشباب، خاصةً بين الإناث.
كما أشارت إلى التحديات البيئية المرتبطة بتغيّر المناخ التي تطال تداعياتها السلبية كافة دول وأقاليم العالم، وفي مقدمتها منطقتنا العربية التي طالما عانت من ظروف المناخ القاسي من ندرة هطول الأمطار والفيضانات المتكررة والجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة، فتؤثر تحديات المناخ سلبًا على القطاعات الاقتصادية الرئيسية مثل الزراعة والموارد المائية والطاقة، والبنية التحتية، والتجارة وسلاسل التوريد والإمداد، فضلاً عن آثارها السلبية على قطاعات الصحة العامة، والأمن الغذائي، والتعليم، وفرص العمل، فتلتقي هذه التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لتحول دون استفادة شعوب الدول النامية من جهود التنمية، وتمثل ضغطاً على اقتصاديات تلك الدول ومواردها. من ناحية أخرى.
وأوضحت الدكتورة رانيا المشاط أنه بالرغم من أن التحول الرقمي يقدم فرصاً كبيرة لتعزيز التنمية المستدامة، إلا أنه لا يزال هناك فجوة رقمية واضحة بين الدول ذات الدخل المرتفع والمنخفض، مما يعيق الاستفادة من التكنولوجيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، حيث يشير تقرير الابتكار العالمي لعام 2024 إلى أن الاشتراك في الانترنت الثابت ذي النطاق العريض في المنطقة العربية وصل إلى 11 لكل 100 نسمة وهو ما يقل عن المتوسط العالمي البالغ 19 لكل 100 نسمة.
وأكدت "المشاط" أن الدولة المصرية تلتزم بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وقد قطعت الدولة بالفعل شوطًا كبيرًا من الإصلاحات والجهود الجادة بدأتها منذ عشرة أعوام بهدف تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، من خلال إطلاق"رؤية مصر2030"، وتحديثها في نوفمبر 2023، والتي تُمثل النسخة الوطنية من الأهدافِ الأُمَمية لتحقيق التنمية المستدامة والأجندة الأفريقية 2063، كما تعكف الدولة المصرية كذلك على تنفيذ البرنامج الوطني للإصلاح الاقتصادي والهيكلي بالتركيز على ثلاثة محاور رئيسية وهي: تعزيز استقرار الاقتصاد الكلي، وزيادة القدرة التنافسية وتحسين بيئة الأعمال لتحفيز القطاع الخاص، والتحول نحو الاقتصاد الأخضر، بما يسهم في زيادة الطاقات الإنتاجية للاقتصاد المصري ويعزز قدرته على الصمود في مواجهة الازمات.
وأضافت أن مصر تعمل كذلك على مواصلة تنفيذ المبادرات التنموية والمشروعات القومية الكبرى مع حشد الموارد والتمويلات التي تتطلبها هذه المشروعات، ويأتي في مُقدِّمة هذه المشروعات المُبادرة الرئاسية "حياة كريمة"، التي تستهدف كل قرى الريف المصري لتحويلها إلى تجمّعات ريفية مُستدامة تتوافر بها جميع الاحتياجات التنموية، بما يُعزِّز جهود الدولة لتوطين أهداف التنمية المستدامة وتحقيق التنمية الإقليمية المتوازنة.
وفي السياق ذاته، أشارت إلى أن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، تعمل من خلال إطار "الاستدامة والتمويل من أجل التنمية الاقتصادية"، على تعزيز الجهود صياغة سياسة التنمية الاقتصادية القائمة على البيانات والأدلة، لتوفير المعلومات التي تُعزز المناقشات حول الاحتياجات والفرص، وسد الفجوات في مجالات التنمية المختلفة، مع ضمان آليات مراقبة وتقييم قوية لتتبع التقدم وتحسين النتائج، بالإضافة إلى حشد التمويلات المحلية والخارجية لتحقيق التنمية المستدامة من خلال إطار وطني مُتكامل للتمويل، يُعزز تخصيص الموارد للقطاعات ذات الأولوية، ويُحفز استثمارات القطاع الخاص، ويُسرّع وتيرة التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، كما قامت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، بالشراكة مع القطاع الخاص، بإعداد مبادئ "استرشادية خضراء" بهدف الوصول إلى مجتمعات ريفية مستدامة ورفع الوعي وتحسين الأداء وقياس أثر المبادرات الوطنية الرئيسية في المجتمعات الريفية.
وأكدت"المشاط" أن الجهود الحثيثة التي تبذلها الدولة المصرية لتحقيق التنمية على المستوى الوطني، لم تشغلها عن المشاركة الفاعلة في كافة مبادرات التنمية سواء على المستوى الإقليمي والعربي أو على المستوى الأممي، فتشارك مصر في الجهود الأممية لتحقيق التنمية المستدامة في إطار الأمم المتحدة من خلال خطة التنمية المستدامة 2030، كما تحرص على تبادل المعرفة والخبرات والتجارب الناجحة في هذا المجال مع كافة دول العالم وبالتعاون مع المنظمات الدولية.
وفي هذا السياق، فقد تقدمت مصر بثلاثة تقارير مراجعة وطنية طوعيةVNRs لمتابعة أهداف التنمية المستدامة الأممية (للأعوام 2016 و2018 و2021). كما تقدمت ثلاث محافظات مصرية بمراجعاتها الطوعية المحلية في عام 2023 (البحيرة والفيوم وبورسعيد) بدعم فني من قِبَل وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وذلك في إطار سعي الدولة للتوطين المحلي لأهداف التنمية المستدامة، مؤكدة اعتزاز مصر بالتعاون التنموي المُثمر مع جامعة الدول العربية في إطار إطلاق تقرير "التمويل من أجل التنمية المستدامة" من رحاب الجامعة خلال انطلاق فعاليات النسخة الرابعة من الأسبوع العربي للتنمية المستدامة في عام 2022.
واستكمالاً لهذا الجهد، وفي ضوء التوصيات الواردة بالتقرير، أعدَّت مصر بشراكة جادة مع الأمم المتحدة "الاستراتيجية الوطنية المتكاملة لتمويل التنمية"، والتي تهدف إلى الموائمة بين مصادر التمويل العامة والخاصة وأهداف التنمية المستدامة الأممية ورؤية مصر 2030، والاستفادة من استثمارات القطاع الخاص، وتحسين الإنفاق العام، وضمان توجيه الموارد نحو المبادرات ذات العوائد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية الأعلى، وبالتالي تسريع وتيرة التقدم نحو التنمية المستدامة.
وسلّطت الضوء على الاستراتيجية الوطنية الشاملة لتغيّر المناخ 2050، والتي تتضمّن مجموعة من المشروعات ذات الأولوية حتى عام 2030. وفي هذا الإطار، تم إطلاق المنصة الوطنية لبرنامج "نوفي" الذي يقدم منهج متكامل للتمويل العادل لأجندة المناخ، بالتركيز على ثلاثة قطاعات رئيسية وهي الطاقة والغذاء والمياه، وذلك لتعظيم الأثر الاجتماعي والاقتصادي والبيئي. كما تبذل الدولة جهدها نحو التحول نحو الاقتصاد الأخضر من خلال العديد من المبادرات من بينها دمج البًعد البيئي في منظومة التخطيط من خلال "دليل معايير الاستدامة البيئية"، والمبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية.