اشتباكات بين مكونات قسد شرق سوريا.. هل ينجح النظام باستغلال التوتر؟
تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT
تشهد مناطق شرق سوريا توترا واشتباكات بين العشائر العربية من جهة وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" من جهة أخرى، منذ ثلاثة أيام نتيجة خلافات بين الأخيرة و"مجلس دير الزور العسكري"، وسط مساع للتحالف الدولي لتهدئة الأوضاع في المنطقة.
واندلعت الاشتباكات بين عناصر "مجلس دير الزور العسكري" والعشائر من جهة، وقوات "قسد" من جهة أخرى، إثر اعتقال "قسد" لقائد المجلس أحمد الخبيل الملقب "أبو خولة"، بعد دعوته لحضور اجتماع في مقر قائد "قسد" مظلوم عبدي في الحسكة.
وأعلنت "قسد" الأربعاء، عزل الخبيل بناء على أمر اعتقال صادر عن النيابة العامة في شمال شرقي سوريا، بسبب ارتكابه "جرائم وتجاوزات متعلقة بالتواصل والتنسيق مع جهات خارجية معادية للثورة"، بالإضافة إلى ارتكابه "جرائم جنائية بحق الأهالي وتجارة المخدرات".
واتهمت "قسد" قائد مجلس دير الزور العسكري بسوء إدارة الوضع الأمني وممارسة دور سلبي في زيادة نشاط خلايا تنظيم الدولة، مشيرة إلى أن الخبيل استغل منصبه في مصالحه الخاصة والعائلية بما يخالف النظام الداخلي لقوات "قسد".
وترجع الخلافات بين "قسد" ومجلس دير الزور العسكري الذي يعتبر ممثلا عن العشائر في المحافظة الواقعة شرق سوريا، إلى محاولات القوات الكردية فرض هيمنتها على المنطقة ذات الغالبية العربية، وتحجيم دور "المجلس" في المنطقة.
وكانت عشائر "البكير" العربية، قد أمهلت قوات "قسد" 12 ساعة للإفراج عن الخبيل وقياديين آخرين في مجلس دير الزور العسكري، قبل إعلان النفير العام ضد "قسد" وهو ما لم تلتزم به الأخيرة، وسط دعوات وجهتها العشائر إلى التحالف الدولي للتدخل في حل التوتر بين الطرفين.
النظام يستغل التوتر شرق سوريا
وحاول النظام السوري استغلال التوتر في شرق سوريا، عبر تبنيه النفير العام للعشائر، وترويج أنباء عن نية العشائر العربية في دير الزور طرد قوات "قسد" والقوات الأمريكية في إطار "تطهير كامل لريف دير الزور".
ونقلت صحيفة "الوطن" شبه الرسمية، عن شيخ عشيرة قبيلة البكارة نواف البشير، تأكيد أن انتفاضة العشائر لن تتوقف حتى تحقيق أهدافها بطرد الغرباء من أكراد جبل قنديل ومن يدعمهم من الأراضي السورية".
وأكد البشير أن العشائر سيطرت على أجزاء واسعة من ريف دير الزور الغربي، كما توقع أن تتمكن العشائر من "طرد" قوات "قسد" خلال الـ72 ساعة القادمة.
سيناريوهات إنهاء التوتر
الصحفي والكاتب السوري المنحدر من دير الزور، فراس علاوي، أكد أن موقف العشائر إزاء ما يجري في شرق سوريا ليس داعما لقائد المجلس العسكري أحمد الخبيل وإنما جاء ضد ممارسات "قسد" بحق المكون العربي في المنطقة.
وتوقع علاوي في حديثه لـ"عربي21" أن يبدأ التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة خلال الساعات القادمة في وضع آلية لإنهاء التوتر في دير الزور، مشيرا إلى أن العشائر طلبت من التحالف أخذ دوره المنوط به سيما أنه الداعم لقوات "قسد".
ورأى أن إنهاء التوتر في دير الزور يعتمد على فكرتين، الأولى فرض تهدئة ومصالحة بين العشائر والمجلس العسكري من جهة وقوات "قسد" من جهة أخرى، ومن ثم التوافق على شخصية لقيادة "مجلس دير الزور العسكري" وإرضاء بعض القادة.
ورجح أن يسعى التحالف لتشكيل جسم عشائري عربي جديد يضم في صفوفه مجلس دير الزور العسكري، وهو ما يجعل تعاون العشائر العربية مع التحالف و"قسد" أفضل، حال وضع شخصيات متوافق عليها، وإعطاء المكون العربي دور أكبر في المنطقة.
واستبعد علاوي إمكانية استغلال النظام السوري للتوتر الحاصل في دير الزور، لكنه حذر من أن النظام قد يعمل على زيادة التوتر من خلال تجنيد خلايا تزيد الاحتقان بين العشائر العربية و"قسد" عبر الاغتيالات أو التفجيرات وغيرها من أساليب نظام الأسد.
وحول حديث شيخ قبيلة "البكارة" نواف البشير عن نية العشائر طرد القوات الأمريكية و"قسد" من دير الزور، أوضح الصحفي السوري أن عشيرة البشير تقع على الضفة الثانية من نهر الفرات وهي بعيدة عن مناطق التوتر الحالي بين العشائر العربية والقوات الكردية.
وأكد أن العشائر العربية في مناطق شرق الفرات تحمل فكر الثورة وبيئة حاضنة للثورة، موضحا أن مهجري مدينة دير الزور لجأوا إلى تلك العشائر بعد تهجيرهم على يد النظام السوري والمليشيات الإيرانية.
موقف المعارضة
أدان الائتلاف الوطني السوري المعارض، العدوان العسكري والممارسات الإجرامية التي ترتكبها مليشيات "وحدات حماية الشعب" الكردية وقوات "قسد" بحق أبناء منطقة شرق الفرات، بهدف زرع الفتنة وإثارة القلاقل التي تؤدي إلى صدام داخلي مباشر بين مكونات المنطقة.
واعتبر الائتلاف أن "قسد" تتخذ من المشكلات بينها وبين شركائها ذريعة لاستباحة مناطق دير الزور والقضاء على الحراك الثوري فيها، ولا سيما بعد مشاركة أبناء المنطقة في مظاهرات داعمة لحراك السويداء ضد نظام الأسد.
وحذر الائتلاف في بيان، الأربعاء، من أن تزيد هيمنة "قسد" على المنطقة، بسبب مشروعها الانفصالي الذي ترعاه بمساعدة وتنسيق كيانات إرهابية مصنفة، مطالبا المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات صارمة ضد "قسد" لقاء الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها ضد المدنيين، ومحاولاتها إحداث فوضى تضر بأمن المنطقة ونسيجها الاجتماعي.
عشرات القتلى
وبعد ثلاثة أيام من الاشتباكات المتواصلة، أفادت مواقع إعلامية سورية، بأن عدد قتلى "قسد" وصل إلى 70 عنصرا، بينما سقط 11 شخصا من العشائر العربية في دير الزور، مشيرة إلى أن العشائر أسرت 35 عنصراً من قوات "قسد" منذ بدء المواجهات.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سوريا قسد دير الزور التحالف الدولي الأسد سوريا الأسد دير الزور التحالف الدولي قسد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مجلس دیر الزور العسکری فی دیر الزور فی المنطقة شرق سوریا من جهة
إقرأ أيضاً:
المأزق الأيديولوجي والسياسي لاستراتيجية “محور المقاومة”
آخر تحديث: 15 يناير 2025 - 9:45 صبقلم: سمير عادل يُعد المأزق الأيديولوجي والسياسي الذي يعيشه النظام السياسي في إيران في هذه المرحلة من أكثر التحديات خطورة على وجود الجمهورية الإسلامية، ويأتي في ظل التحولات الجارية في منطقة الشرق الأوسط، حيث تسعى إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، إلى إعادة تشكيل المنطقة بما يتماشى مع رؤيتها الاستراتيجية. وتمثل هذه المرحلة أكثر الفترات التاريخية حرجًا التي تمر بها إيران منذ اختطاف التيار الإسلامي الثورة الإيرانية عام 1979 بدعم الثلاثي الغربي فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الامريكية، وإقصاء القوى اليسارية التي شاركت في الثورة في خضم الحرب الباردة. التهديدات المتكررة لعلي خامنئي، مرشد الجمهورية الإسلامية، بإشعال الفوضى وحرب أهلية في سوريا خلال أسبوعين، تزامنت مع تصريحات من محسن رضائي، عضو مجلس تشخيص النظام والقائد السابق للحرس الثوري، بالإضافة إلى المواقف المتناقضة لعباس عراقجي، وزير الخارجية، التي تراوحت تصريحاته بين التهديدات والدبلوماسية، مما يعكس تخبطًا واضحًا في المواقف الرسمية للحكومة الإيرانية، وفضلا على ذلك وفي سياق المواقف انفا، أعلن أحمد بخشايش أردسباني، عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، بوجود 130 ألف مقاتل في سوريا، دربهم قاسم سليماني، القائد الذي اغتالته الإدارة الأمريكية قرب مطار بغداد في بداية عام 2020، وهم بانتظار الأوامر للتحرك. أي يدل كل ذلك الوعيد والتهديد بالتجانس في التصريحات النارية للطبقة الحاكمة في ايران، بدءا من مرشد الثورة الإسلامية ومرورا بمجلس تشخيص النظام والحكومة الإيرانية وانتهاء بالبرلمان. هذه التصريحات لا تعكس فقدان التوازن في العقل الاستراتيجي الإيراني بسبب الضربة الموجعة التي تلقاها بسقوط نظام بشار الأسد، ولا يمكن تفسيرها بمجرد التعبير عن الامتعاض أو التكابر أو عدم الاعتراف بحقيقة ما حدث في سوريا، كما يذهب بعض المحللين، بل تكشف هذه التهديدات عن مكانة النظام السياسي-الاقتصادي الإيراني، باعتباره جزءًا من منظومة النظام الرأسمالي العالمي، على الصمود واستمرارية دوره في ظل الصراع المحتدم بين الأقطاب الإقليمية والدولية. مشروعا نظام الشاه والجمهورية الإسلامية ذو ماهية واحدة: محتوى او ماهية المشروعان لنظام الشاه الذي أسقطته ثورة ١٩٧٩، والنظام الذي مثله الجمهورية الاسلامية هما واحد، و يعبران عن تطلعات البرجوازية القومية في ايران ومشروعها التنافسي في المنطقة، إلا أن الاختلاف الأساسي بينهما يكمن في أن الأول نجح بالحصول على “رخصة عمل” من الولايات المتحدة للعب دور الشرطي في المنطقة، وكان راضيا بما اقتسمت له أمريكا، بينما سعى النظام الإسلامي للعمل بشكل مستقل ولحسابه الخاص وأكثر طموحا وطمعا. كان نظام الشاه معروفًا بعدائه للتيار القومي العربي، الذي صُنّف آنذاك ضمن خانة اليسار والحركات التي تطمح لبناء مشروع اقتصادي وسياسي مستقل عن الهيمنة الإمبريالية الغربية. واستطاع الشاه، في مرحلة معينة، فرض شروطه على نظام البعث الحاكم في العراق – صاحب شعارات تحرير الامة العربية وتحرير فلسطين و “مرحبا بمعارك المصير” ليصبح احد ابطال حرب أكتوبر ١٩٧٣ ضد إسرائيل، وبعد ذلك تحول الى حارس البوابة الشرقية- من خلال “اتفاقية الجزائر” عام 1975، التي نصّت على وقف دعم إيران للقوميين الكرد في العراق وحركتهم المسلحة مقابل تنازلات كبيرة من الجانب العراقي في (شط العرب) والكف بالتحريض على المطالبة بالجزر طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى التابعة للإمارات العربية المتحدة اذ احتلها نظام شاه عام ١٩٧١ وما زالت تحتلها إيران . فضلا إلى ذلك، كان لنظام الشاه علاقات قوية مع إسرائيل، التي كان الموقف منها بمثابة بوصلة لتصنيف التيارات السياسية آنذاك على جهة اليسار او جهة اليمين، حيث تنافست جميع التيارات القومية العربية، سواء في السلطة أو المعارضة، على رفع شعارات تحرير فلسطين مثل: من البحر إلى النهر، أو تحرير فلسطين هو الطريق لتحرير الأمة العربية او تحرير الامة العربية طريقا لتحرير فلسطين وبالمقابل، اعتُبر نظام الشاه أحد الأنظمة الرجعية المدعومة من الولايات المتحدة، وشكّل جدارًا في وجه النفوذ السوفيتي في المنطقة. بين محور “المقاومة” ومحور الطائفية: الأقطاب الإقليمية والدولية في النظام الرأسمالي الذي نعيشه تحتاج دائمًا إلى رفع شعارات فكرية وسياسية لتبرير توسعها وهيمنتها السياسية والاقتصادية، سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي، بغض النظر عن مدى الزيف والخداع والتضليل الذي يحملها تلك الشعارات. القطب الغربي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، تبنى شعارات مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأحيانًا زينها بشعار “الحرب على الإرهاب”، خاصة في المواقف التي يصعب فيها تبرير سحب الشرعية من أنظمة سياسية معترف بها دوليًا لإسقاطها، أو حيث تتعقد إمكانية التعبئة السياسية لشن حملات ضدها. هذا ما رأيناه في غزو أفغانستان والعراق، وما نشهده اليوم من حرب إبادة جماعية في غزة. أما القطب المنافس، بقيادة روسيا والصين، فقد رفع في مرحلة ما شعار “احترام القانون الدولي” وروّج له بقوة. لكن عندما شنت روسيا حربها على أوكرانيا، تغاضت عن هذا الشعار واستبدلته بشعار جديد: عالم متعدد الأقطاب أكثر عدالة. في منطقتنا، تداخلت رايتان فكريتان وسياسيتان شكلتا محوراً للجدل والاصطفافات، ونُظمت حولهما أكبر حملات التضليل الإعلامي والدعائي: الحرب على الإرهاب والصراع الطائفي او الدفاع عن الطائفة. شهدنا فصول هذه الصراعات في المنطقة، سواء خلال الحرب الأهلية التي اندلعت في ظل احتلال العراق عام 2006، أو مع إعلان ما يُعرف بدولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام عام 2014، او كما تجلت هذه الصراعات في الحرب الأهلية السورية، التي بدأت عام 2011 وتحولت إلى ساحة لحرب الوكالة الإقليمية والدولية. وسط هذه الحروب، لمع بريق شعار “المقاومة والممانعة”، ساهم في صياغته، النظام القومي في سوريا، بزعامة بشار الأسد للوهلة الأولى بعد غزو واحتلال العراق، وتعزز بزعامة الجمهورية الإسلامية في إيران التي تبنته كجزء من مشروع إقليمي وهو توسيع مساحة النفوذ القومي البرجوازي الذي مثله النظام السياسي الجديد في طهران بعد ثورة ١٩٧٩، وحيث تبنى شعار “تصدير الثورة”. إن شعار “تصدير الثورة” الذي تبنته الجمهورية الإسلامية هو في جوهره شعار قومي برجوازي مغلف بإيديولوجية إسلامية، بهدف توسيع النفوذ وتأمين موطئ قدم لها في المنطقة. وقد مثّلت الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988) احدى المحطات الدموية لشعار المذكور، اذ شهدت صراعًا شرسًا بين رؤيتين متناقضتين على المستويات الأيديولوجية والسياسية والعسكرية: الأولى تتمثل في التيار القومي العروبي بقيادة نظام البعث، والثانية في التيار الإسلامي الذي مثّله النظام السياسي للملالي في إيران. بعبارة أخرى، كانت هذه الحرب صراعًا على الهيمنة في المنطقة، بين البرجوازية القومية الإيرانية والبرجوازية القومية العربية بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ. لم يكن للمشروع القومي البرجوازي الإيراني، بالقيادة الجديدة لنظام الملالي، إمكانية التغلغل في المنطقة تحت راية قومية، كما هو الحال مع المشروع القومي البرجوازي التركي الذي يقوده حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان. ويظهر أن كلا المشروعين يتنافسان في نفس المسار، عبر التزاحم على “القضية الفلسطينية”. مع الأخذ بعين الاعتبار أنه في مراحل معينة من اشتداد التنافس، وحسب مقتضيات المرحلة، يعمد الطرفان إلى تسخين المستنقعات الطائفية، لتبرز منها جماعات ومليشيات سنية وشيعية تعمل كمطية لها، كما شهدنا في ظهور تنظيم داعش. وعلى سبيل المثال لا الحصر، رد أحمد داود أوغلو على أسئلة الصحفيين، الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية لتركيا آنذاك، على سؤال حول سيطرة داعش على ثلث مساحة العراق بعد 30 حزيران 2014 بقوله إن هناك ظلمًا طائفيًا في العراق. وكذلك شهدنا الحرب بالوكالة التي دارت في سوريا، حيث رفع محور “المقاومة” شعار الدفاع عن المقدسات، مثل شعار “لن تُسبى زينب مرتين”. وقد أُطلقت أسماء لرموز شيعية على معظم المليشيات التي جُلِبت من العراق وباكستان وأفغانستان، مثل “الفاطميون”، و “الزينبيون”، و”أبو الفضل العباس”، وغيرها. وفي المقابل، واخيرا وصلت الجماعات المنشقة عن تنظيم القاعدة وهي “هيئة تحرير الشام” -وهي مليشيا سنية وتنحدر من منابع الإخوان المسلمين- إلى دمشق في اليوم الثامن من كانون الأول ٢٠٢٤ بدعم من الدبابات التركية لتتحول سوريا الى قلب الشرق الأوسط الجديد. ويكشف ما حدث، النقاب عن أن الصراع الدائر في المنطقة هو صراع بين المشاريع القومية التي تهدف إلى الهيمنة على المنطقة. أي بشكل اخر نوضحه، يتمثل المشروع الأول في المحور القومي التركي بصياغة أردوغانية، وبنقشتين: تارة فلسطينية وأخرى حرب على الإرهاب، حسب الظروف السياسية. أما المشروع الثاني، فهو المحور القومي الإيراني بلباس “محور المقاومة”، الذي يتخذ من معاداة إسرائيل وأمريكا عنوانًا تارة، ونصرة الشعب الفلسطيني عنوانًا آخر. وفي وتتنافس هذه المشاريع، في خضم صراع المشاريع الإمبريالية العالمية في المنطقة تحت عناوين محاربة داعش والإرهاب. ان معضلة النظام السياسي-الاقتصادي في إيران تكمن في أنه غير قادر على الاندماج في علاقات رأسمالية طبيعية أو الانضمام إلى المنظومة الرأسمالية العالمية. فمن جهة، لا يقبل النظام بالقسمة، أو بالأحرى، لا يرضى بالفتات الذي ترميه الإمبريالية العالمية التي تهيمن على تقسيم العمل في الإنتاج الرأسمالي العالمي. ومن جهة أخرى، هو غير قادر على المنافسة الاقتصادية في السوق الرأسمالية؛ إذ لا يملك رأس المال ولا يمتلك التكنولوجيا الصناعية المتطورة التي تمكنه من دخول سوق المنافسة الرأسمالية. لذلك، لا أمامه سوى اللجوء التدخل العسكري من خلال تشكيلات موالية له، تعتمد على العقائد والأيديولوجيا التي ينشرها. إذا نظرنا، على سبيل المثال، إلى السوق العراقية، نجد أن السلع الإيرانية تغرق الأسواق في مناطق الوسط والجنوب، ليس بسبب جودتها النوعية، بل بسبب وجود المليشيات الموالية لإيران وسيطرتها على الأسواق العراقية. فهي غير قادرة على المنافسة الحرة مع السلع التركية والصينية وغيرها. أما الهزيمة التي تعرضت لها إيران في سوريا، فقد كبدتها خسائر اقتصادية كبيرة تقدر، وفقًا للتوقعات الأولية، بحوالي 60 مليار دولار. فقد استثمرت أموالًا طيلة هذه السنوات في صناعات النفط والغاز والفوسفات والسيارات والأدوية، كما استثمرت مبالغ ضخمة في البنية التحتية مثل الطرق والجسور والموانئ. تلك الاستثمارات لم تكن لتتحقق لولا هيمنتها العسكرية في سوريا. ورغم أن السلطة السياسية الحاكمة في العراق هي من صنعها وموالية لها، إلا أنها لم تتمكن من استثمار نفس القدر من الأموال في العراق كما فعلت في سوريا. والسبب بسيط؛ إذ توجد منافسة رأسمالية شديدة في السوق العراقية، مثل الاستثمارات التركية بشكل رئيسي، بالإضافة إلى الشركات الأمريكية في مجال الطاقة، إلى جانب الشركات الروسية والصينية والفرنسية والبريطانية.ما نريد قوله في هذا السياق هو أن فائض القوة العسكرية للنظام السياسي في إيران غير قادر على الانكفاء إلى الداخل لأنه يعبر عن الضرورة الملحة للحاجات البرجوازية القومية، ولن يبتلع النظام بسهولة الهزائم العسكرية التي لحقت به في غزة ولبنان وسوريا. في النهاية، ان الانكفاء إلى الداخل، يؤدي إلى تفكك الجمهورية الإسلامية من الداخل، وبالتالي انهيارها. إن الخصيصة التي تميز البرجوازية القومية الإيرانية التي يقودها نظام الملالي تكمن في توسيع نفوذها الاقليمي عبر الهيمنة العسكرية، وهذه الهيمنة بحاجة إلى أيديولوجية سياسية تدعمها. استجابة لذلك، نشأ غطاء أيديولوجي إسلامي للنزعة القومية التوسعية الإيرانية. إلا أن هذه النزعة تصطدم بالهيمنة الإمبريالية في المنطقة، ويجب أن يكون هناك مخرج قادر على تعبئة التيارات السياسية الأخرى في المنطقة، لتشاركها رؤيتها السياسية وتوحيد صفوفها وزجها جميعا في صراعها على النفوذ مع الإمبريالية وحلفائها. من هنا، جاء مفهوم “محور المقاومة والممانعة” بنكهة إيرانية جديدة، يهدف إلى إخفاء حقيقة المشروع القومي الذي يقوده النظام الإسلامي في إيران. وفي المحصلة النهائية، فإن النظام الإسلامي في إيران يقف أمام خيارين، كلاهما صعب. الأول هو إعادة تموضعه وهيكلة أذرعه الميليشياوية في المنطقة للتوسع مجددًا، ويصطدم هذا الخيار بجدار التغول الإسرائيلي وانتصاراته العسكرية في المنطقة، ويُحتمل أن يلجأ إلى إشعال الفوضى في سوريا والعراق بهدف انتزاع امتيازات سياسية واقتصادية من دول المنطقة.أما الخيار الآخر فهو الإذعان أمام إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والقبول بصفقة تنازلات كبيرة، مما سيؤدي إلى انكفائه نحو الداخل، ويُعدّ ذلك بمثابة نهاية لمشروعه.بعبارة أخرى، لقد حانت لحظة أفول شعار “محور المقاومة والممانعة”، وستواجه القيادة الإيرانية صعوبة في حشد التعبئة الجماهيرية والسياسية، مما سيؤثر في قدرتها على إيقاف تدحرج كرة فشل المشروع القومي البرجوازي الإيراني في المنطقة.