ربما كان الخبر غير مفاجئ بقدر ما كان صادماً: قال المسؤولون الروس إن طائرة تحطمت شمال غرب موسكو يوم الأربعاء قبل الماضي وكان على متنها يفغيني بريغوجين، زعيم المجموعة الروسية فاغنر.
في يوم 24 أغسطس (آب) انتشر على جميع وسائل الإعلام نبأ مقتل قائد ميليشيا فاغنر التابعة للنظام الروسي، وكان أول ما تبادر إلى أذهان كل من علم بالخبر بأن الحادث مدبر وبأمر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وعلى الرغم من نفي الكرملين أي علاقة بالحادث وأسف الرئيس بوتين للضحايا العشر على متن الطائرة من دون ذكر اسم بريغوجين، يقول أحد خبراء الشؤون الروسية في بريطانيا إن احتمال ضلوع بوتين في التخلص من قائد فاغنر ولوقت طويل أحد أقرب المقربين إليه، هو احتمال كبير جداً.
يكمل الخبير بأن بريغوجين تمادى كثيراً بما أقدم عليه في عملية وُصفت بأنها محاولة انقلاب على بوتين في يونيو (حزيران) الماضي حين أصدر أوامره للمقاتلين بالتوجه إلى موسكو وتطويق وزارة الدفاع ومبانٍ رسمية أخرى. وعلى الرغم من إعلان بريغوجين أن ما أقدم عليه لم يستهدف بوتين بتاتاً، بل كان حركة اعتراضية موجهة لقائد الجيش الروسي ووزير الدفاع بسبب تأخير تزويد «فاغنر» بالذخيرة والمال في وقت تعاني فيه نقصاً حاداً في خضم الحرب الأوكرانية، إلا أن معلومات استخباراتية موثوقة قالت إن بوتين عدّ أن نظامه اهتز بسبب العملية وأن توقيتها لم يكن مناسباً بينما كان يحاول إظهار رباطة جأشه وتماسك نظامه وهو يخوض حرب أوكرانيا العبثية...
يقول الخبير إن بريغوجين جمع ثروات كبيرة جداً أثناء عملياته العسكرية في عدد من الدول؛ مما زاد من نفوذه داخل روسيا بنسج علاقات وثيقة في شتى دوائر الدولة وضمن صفوف ضباط الجيش الروسي، وقد جعل ذلك منه منافساً محتملاً لبوتين في رئاسة البلاد يتوجب التخلص منه.
ويضيف أن ما قصم ظهر البعير كان إقدام بريغوجين على دعم الانقلاب في النيجر، وأعلنت حالة الطوارئ، ولم يكن هذا منسقاً مع القيادة الروسية التي تقول مصادر روسية إنها لم تكن على علم بدور فاغنر بالانقلاب. وقد أدى العمل إلى فوضى عارمة في النيجر وأعمال عنف في البلاد لم تستطع الزمرة ضبطها، وانبرت قوات فاغنر للتدخل لحسم الأمور لمصلحة الانقلابيين لانعدام الأوامر والتوجيهات من قيادتها. وقد نتج من الانقلاب إجماع دولي بعدم الاعتراف والشجب، وأعلنت منظمة دول أفريقيا الغربية (إيكواس) عن فكرة تشكيل قوة عسكرية مشتركة ضاربة، للتخلص من الزمرة الانقلابية. وقد شكّل تدخل فاغنر الفاشل إحراجاً لبوتين هو بغنى عنه في الظروف التي تمر بها بلاده، والأهم أكد له أن بريغوجين وميليشيته أصبحت عبئاً تحت قيادته.
وقع الحادث بعد شهرين بالضبط من قيادة بريغوجين تمرداً قصيراً أُجهض في نهاية المطاف ضد حكم بوتين، وكشف عن شقوق عميقة في جهاز حرب الكرملين. السؤال الآن: ماذا يحدث لـ«فاغنر» منذ الآن؟
تمتع بريغوجين بولاء خاص وكان له أتباع كثر، وهذا هو السبب الرئيسي وراء اضطرار بوتين إلى التوجس منه بعد التمرد، ومع ذلك، فإن القضاء على القيادة سيجلب المزيد من التعقيدات لبوتين، الذي اعتمد منذ ما يقرب من عقد من الزمان على الشركة العسكرية الخاصة، لتحقيق مكاسب عسكرية ومادية في جميع أنحاء العالم.
كان بريغوجين قلب وروح فاغنر، وخسارته، خاصة إلى جانب خسارة المؤسس والقائد التنفيذي ديمتري أوتكين، لا يمكن إلا أن تكون ضربة كبيرة للمنظمة.
يمكن أن تكون النتائج المحتملة الأخرى هي أن مناورات الكرملين للحفاظ على فاغنر سليمة مع رئيس أكثر قابلية للسيطرة، أو يعزز دورها العسكري للعمليات الدولية، أو أن ينضوي ما تبقى من القوة تحت وزارة الدفاع الروسية. وبدلاً من ذلك، يمكن أن تبرز فاغنر كقوة جانبية للدولة الروسية أو تتقسم إلى مجموعات عدة أصغر منتشرة في مناطق ساخنة مختلفة في جميع أنحاء العالم؛ مما يقلل من مكانة المجموعة النارية.
ومع ذلك، فإن جميع هذه السيناريوهات تشكل مشكلات لبصمة فاغنر الثقيلة في الخارج. أنجبت هذه البصمة ثروة ونفوذاً هائلين للاتحاد الروسي، واشترت عقوداً مربحة للغاية للسلع الثمينة مثل النفط والغاز والذهب والماس. ساعدت هذه الأرباح حكومة بوتين على التصدي للعقوبات الغربية المؤلمة. وحسب خبير أمني، فإن أحداث الأسبوعين الماضيين مثيرة جداً للاهتمام لمجتمع الاستخبارات لتتبعها، ولكن من غير المرجح أن تشعل أي انقسامات كبيرة.
في نهاية المطاف، هم (المرتزقة) يواصلون القتال. إنهم يتقاضون رواتبهم، وليس هناك الكثير من الخيارات الأخرى لهم. وحسب الخبير الأمني: سيستمر الروس، تاريخياً لقد فعلوا الشيء نفسه عندما كانوا يقاتلون من أجل العم جو ستالين. هذا فقط ما يفعلونه. فعل بوتين ذلك (الاغتيال المفترض) لأنه كان في حاجة إلى إظهار أنه لا يزال مسؤولاً. لكنه يحتاج إلى فاغنر في جمهورية أفريقيا الوسطى وسوريا وليبيا والنيجر. ذلك، لكي يستمروا في خوض الحروب، من هنا كان عليه التطهير.
عززت فاغنر وجوداً واسعاً يدعم أمراء الحرب والفصائل العسكرية في جميع أنحاء أفريقيا، من جمهورية أفريقيا الوسطى وموزمبيق وليبيا، إلى مالي والسودان. هذا بالإضافة إلى وجود غير مؤكد في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وشركاء لوجيستيين ومهربين وشركات استخراج السلع الأساسية وشركات وهمية في الكثير من الدول الأخرى.
الآن، إذا تم الاستيلاء على مجموعة فاغنر من قِبل زعيم أكثر امتثالاً وولاءً لروسيا، فمن المرجح أن تحافظ على كل أنواع الأنشطة التي اكتسبتها خصوصاً في أفريقيا؛ فهذا سيساعد الحكومة الروسية على تفكيك النفوذ الغربي في هذه البلدان، وهو أمر لا يزال طموحاً عالمياً للكرملين.
أشار بعض المحللين أيضاً إلى أنه في حين أن الكثير من الدول توظف «فاغنر» لشل وتبديد الجماعات المسلحة الإسلامية في منطقة الساحل، فإن سمعتها التي لا ترحم لم تؤد إلا إلى ارتفاع مستويات التجنيد والمزيد من عدم الاستقرار، وهذا زاد من المخاوف الأمنية للولايات المتحدة وحلفائها. السؤال الآن هو، هل يمكن استبدال القيادة بأخرى فعالة؟
داخل روسيا، يمكن أن يسبب خفض تصنيف فاغنر أو انهيارها صداعاً أكبر لبوتين. كما لا يزال يتعين معرفة ما إذا كانت وفاة بريغوجين والمستقبل غير المؤكد لـ فاغنر يؤثران على سياسة الولايات المتحدة. وتعدّ وزارة الخزانة فاغنر منظمة إجرامية وقد فرضت عليها عقوبات تحت مظلة منظمة إجرامية عالمية. قاومت إدارة بايدن حتى الآن دعوات الحزبين لتسمية فاغنر منظمة إرهابية أجنبية.
سواء تم تسريح مرتزقة فاغنر أو تغيير علامتها التجارية أو تركها تمارس العمل كالمعتاد، فإنها لا تزال تهم موسكو؛ لأن أهداف بوتين في أوكرانيا وفي جميع أنحاء العالم موضع شك، إلى جانب قدرتها على جلب سيولة حيوية لنظام بوتين الذي يخضع لعقوبات شديدة.
سيتعين علينا الانتظار لنرى ماذا ستفعل «فاغنر» في الأسابيع والأشهر المقبلة للحصول على فكرة عن مدى الاستعداد الذي أعده بريغوجين أو هشاشته في استمرار فاغنر.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني فاغنر فی جمیع أنحاء بوتین فی ما کان
إقرأ أيضاً:
قلق أوروبي من المحادثات الأمريكية-الروسية في الرياض.. ما أسبابه؟
شهدت العاصمة السعودية، يوم الثلاثاء، لقاءً جمع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيره الأمريكي ماركو روبيو لمناقشة سبل التوصل إلى تسوية للأزمة الأوكرانية، في خطوة أثارت استياء أوروبا وأوكرانيا، اللتين وجدتا نفسيهما مستبعدتين من المفاوضات التي قد ترسم مستقبل النزاع دون مشاركتهما.
وقد وصف لافروف أجواء الاجتماع بالإيجابية، فيما صرّحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن هذه المحادثات تمثل بداية لمعالجة القضايا الدولية التي نشأت خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن.
في الوقت ذاته، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالًا بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، معربًا عن تقديره لجهود الرياض في استضافة المحادثات بين واشنطن وموسكو.
وعقب الاجتماع، أدلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصريحات مثيرة للجدل، حيث ألقى باللوم على أوكرانيا في استمرار النزاع، معتبرًا أنه كان على الرئيس فولوديمير زيلينسكي إنهاء الأزمة قبل ثلاث سنوات.
وقال ترامب عبر منصته "تروث سوشيال": "ديكتاتور بلا انتخابات.. من الأفضل لزيلينسكي أن يتحرك بسرعة وإلا فلن يبق له بلد".
وأدت هذه التصريحات إلى تصعيد التوتر بين ترامب وزيلينسكي، حيث ردّ الأخير باتهام الرئيس الأمريكي بأنه متأثر بـ"رواية مضللة صاغتها روسيا"، معربًا عن استيائه من استبعاد أوكرانيا من المحادثات التي جرت في السعودية.
تحرك لمواجهة التغيرات في الموقف الأمريكيفي ظل التطورات المتسارعة، يستعد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر للسفر إلى واشنطن الأسبوع المقبل للقاء ترامب، تزامنًا مع زيارة مرتقبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الولايات المتحدة، وفقًا لما أعلنه مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز.
وقد سببت التحركات الأخيرة للإدارة الأمريكية حالة من القلق بين المسؤولين الأوروبيين، الذين اعتبروا أن أي اتفاق قد تتوصل إليه واشنطن وموسكو قد يغير موازين القوى في القارة الأوروبية ويؤثر على مستقبل أوكرانيا.
وقد جاءت تصريحات عدد من وزراء الدفاع الأوروبيين لتعكس حجم هذا القلق. فقد أكد وزير الدفاع البريطاني أن روسيا هي المسؤولة عن اندلاع الحرب من خلال غزوها الأراضي الأوكرانية، وأنه بإمكانها إنهاء النزاع بسحب قواتها. كما شدد على أن أوروبا تتحمل مسؤولية دعم كييف، ليس فقط لحماية سيادتها، ولكن أيضًا لضمان أمن القارة الأوروبية ككل. وأضاف أن التهديد الروسي لا يقتصر على أوكرانيا فحسب، بل يمتد إلى مناطق أخرى، مما يستوجب موقفًا أوروبيًا حازمًا في التصدي له.
Relatedنظام "غريف هوك": سلاح جديد قد يساعد أوكرانيا على التصدي للهجمات الروسيةالقادة الأوروبيون يؤكدون دعمهم لأوكرانيا ويختلفون بشأن مهمة حفظ السلاممعرض الدفاع الدولي في أبوظبي يجمع روسيا وأوكرانيا تحت سقف واحدأما وزير الدفاع النرويجي، فقد شدد على أن دعم أوكرانيا ضرورة استراتيجية، معتبرًا أن أمن أوروبا مرتبط ارتباطًا وثيقًا بحرّية وأمن كييف. وأكد أن دول القارة العجوز بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود لتعزيز دفاعاتها وتقوية الناتو، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة تبقى عنصرًا أساسيًا في هذه المعادلة، ما يستدعي استمرار التنسيق الوثيق مع واشنطن.
أسباب القلق الأوروبي من المحادثات الأمريكية-الروسيةتشعر الحكومات الأوروبية بقلق متزايد إزاء استبعادها، إلى جانب أوكرانيا، من المحادثات التي تجري بين الولايات المتحدة وروسيا، حيث تخشى أن تؤدي هذه المفاوضات إلى تغييرات عدة، فما هي؟
1- التوازن الأمني في أوروباترى الدول الأوروبية أن غيابها عن هذه المحادثات قد يؤدي إلى تهديد استقرارها الأمني في المستقبل، حيث ستجد نفسها مضطرة للدفاع عن نفسها دون دعم أمريكي في حال تصاعد التوتر مع روسيا.
وقد نقلت صحيفة "بيلد" الألمانية عن مسؤولين أوروبيين اعتقادهم بأن الرئيس الأمريكي قد يوافق على سحب القوات الأمريكية من دول البلطيق، وهو ما قد يترك أوروبا عرضة لأي تهديد روسي محتمل.
كما يخشى القادة الأوروبيون أن يؤدي تقليص الوجود العسكري الأمريكي في القارة إلى تحولات استراتيجية عميقة، قد تحتاج الدول الأوروبية إلى مواجهتها بمفردها.
تبرز مخاوف من أن تضغط الولايات المتحدة على أوكرانيا للتفاوض مع روسيا، ما قد يجبر كييف على التنازل عن أراضٍ سيطرت عليها موسكو منذ ضم شبه جزيرة القرم عام 2014.
وقد صرّح المبعوث الأمريكي الخاص لأوكرانيا وروسيا، كيث كيلوغ، بأن أي تسوية للنزاع قد تتضمن "خسارة محتملة للأراضي" من قبل أوكرانيا، مشيرًا إلى أن العودة إلى الحدود التي كانت قائمة قبل عام 2014 قد لا تكون ممكنة. وكان وزير الدفاع وزيرالأمريكي بيت هيغسيت قد سبقه إلى هذا الموقف حين قال قبل أيام في مؤتمر ميونيخ للأمن إن العودة إلى حدود ما قبل 2014 غير واقعية.
تعتمد أوكرانيا بشكل كبير على المساعدات العسكرية الأمريكية، التي بلغت عشرات المليارات من الدولارات، وسمحت لها بمواصلة القتال ضد القوات الروسية. غير أن هناك مؤشرات على أن الإدارة الجديدة قد تخفض هذا الدعم، أو تربطه بشروط اقتصادية وسياسية جديدة.
فقد أبدى ترامب في أكثر من مناسبة رغبته في تحقيق مكاسب اقتصادية من وراء دعم أوكرانيا، مشيرًا إلى أنه طلب من كييف تقديم ضمانات تشمل موارد بقيمة 500 مليار دولار من المعادن النادرة مقابل استمرار المساعدات.
هذا الطلب قوبل برفض شديد من قبل زيلينسكي، الذي أكد أن المساعدات الأمريكية لم تصل حتى الآن إلى هذا الرقم، وأن بلاده لم تحصل على أي ضمانات أمنية حقيقية في المقابل.
وفي ضوء هذه التوترات، شهدت الساحة الدبلوماسية تطورًا جديدًا، حيث أُلغي المؤتمر الصحفي المشترك بين المبعوث الأمريكي الخاص والرئيس الأوكراني بشكل مفاجئ، بناءً على طلب أمريكي، ما يعكس تعقيد المشهد السياسي وتزايد الخلافات بين الجانبين.