الخليج الجديد:
2025-02-23@12:07:59 GMT

جريمة حرق المصحف في سياقها التاريخي

تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT

جريمة حرق المصحف في سياقها التاريخي

جريمة حرق المصحف في سياقها التاريخي

إحدى أهم أفكار إدوارد سعيد أن «كتابات المستشرقين التى تتحدث عن الشرق تتحدث عن الغرب أكثر بكثير مما تقوله عن الشرق نفسه»!

«رغم أن القرآن حافل بالإشارة إلى السيد المسيح باعتباره نبيًا مرسلًا، فإن دانتى كان يصر على (جهل) الفلاسفة المسلمين وخلفائهم بالمسيحية»!

لما كانت المسألة قديمة قدم تعامل الغرب مع «الشرق»، فلا يجوز لنا أن نتعامل مع واقعة السويد أو غيرها دون السياق التاريخى الذى تحدث فيه.

المستشرق، أى الغربى الذى يدرس الشرق دائمًا يضع نفسه «خارج» هذا الشرق، ويكتب للغرب. وهو يقدم «تصوره» الخاص عن هذا الشرق.

حرق المصحف الشريف فى السويد يعبر عن ثقافة الغرب أكثر من تعبيره عن الإسلام. ووضع المسلمين بالمهجر يتحدث عن مجتمعات الغرب أكثر مما يعبر عنهم هناك.

يتم إضفاء الشرعية على ضرورة الهيمنة بدعوى «تحرير العرب والمسلمين» والذى ينطوى ضمنًا على تحريرهم من الإسلام الذى قالوا إنه «لا يعلى من قيمة الحرية».

* * *

كنت قد قدمت فى مقال سابق فى تقديم أهم ما جاء فى كتاب إدوارد سعيد، فقلت إن إسهامه الحقيقى كان فى نقده للمنهج الذى يستخدمه المستشرقون فى الكتابة عما يضعونه فى جرة قلم تحت مسمى «الشرق» أو «الإسلام».

ويقول «سعيد» إن المستشرق، أى الغربى الذى يدرس الشرق، لا كل الغرب، دائمًا يضع نفسه «خارج» هذا الشرق، ويكتب للغرب. وهو يقدم «تصوره» الخاص عن هذا الشرق.

والمنهج الانتقائى للمستشرق يتجلى فى تحويله للتفاصيل التى يكتب عنها إلى رمز للشرق كله ويقفز منها لاستنتاجات غير منضبطة منهجيًا. فآية واحدة من القرآن تُستخدم كدليل على طريقة تفكير المسلمين وسلوكهم فى مصر أو الجزائر المعاصرة! وبالتالى، وتلك واحدة من أهم أفكار «سعيد»، فإن «كتابات المستشرقين التى تتحدث عن الشرق تتحدث عن الغرب أكثر بكثير مما تقوله عن الشرق نفسه»!

وتلك هى الفكرة ذاتها التى اقتبستها من «سعيد»، فى أولى حلقات هذه السلسلة، حين قلت إن حرق المصحف الشريف فى السويد يعبر عن الثقافة الغربية أكثر من تعبيره عن الإسلام. ووضع المسلمين فى المهجر يتحدث عن المجتمعات الغربية أكثر مما يعبر عن المسلمين هناك.

لكن ما قصده «سعيد» بتلك الفكرة أكثر عمقًا مما أشرت له فى ذلك المقال. فهو يقصد أن «الشرق» فى كتابات المستشرقين هو الشرق وفق آليات البحث وأنماط التفكير الغربية.

وهو الشرق وفق الأعراف والتقاليد والمؤسسات وقواعد المنطق الغربية. وفى عبارة ذات دلالة يقول «سعيد» إن «الشرق، على أقصى تقدير، يستفز الباحث ليكتب عنه، لكنه أبدًا لا يكون مرشده عند الكتابة».

و«سعيد» درس كتابات المستشرقين منذ القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، فبدأ بالكتابات الأوروبية، ثم الأمريكية وصولًا للمستشرقين الذين عاصروه فوجدها تسير وفق نمط واحد «ثابت لا يتغير»، وكأن موضوع البحث نفسه، أى ذلك «الشرق»، لا يطرأ عليه أى تغيير.

وهو يشرح باستفاضة العلاقة بين مرحلة صعود الحضارة الإسلامية التى تزامنت مع عصور الظلام الأوروبية والتى نُظر خلالها للإسلام باعتباره «هرطقة وردّة عن المسيحية».

ويعطى مثالًا بموسوعة الشرق التى صدرت فى القرن السابع عشر التى لم تُستخدم أبدًا كلمة «المسلمين» وإنما كانت تستخدم كلمة «المحمديين»، وهو الاسم الذى لايزال يستخدم حتى اليوم لإهانة المسلمين والسخرية منهم لدلالاته التاريخية التى كانت تعتبر أن الإسلام «ما هو إلا هرطقة وانحراف عن المسيحية».

ويقول إن المستشرق الفرنسى فرانسوا رينيه تشاتو برياين مثلًا كتب فى القرن الثامن عشر يقول إن «القرآن لا يكره القهر ولا يعلى من قيمة للحرية». والذين يتابعون الكتابات الغربية المعاصرة يجدون تلك الفكرة يعاد إنتاجها حتى اليوم وباستمرار، فنظل معها فى موقف دفاعى حتى نثبت العكس.

ومن هنا أيضًا يتم إضفاء الشرعية على ضرورة الهيمنة بدعوى «تحرير العرب والمسلمين». والذى ينطوى ضمنًا على تحريرهم من الإسلام الذى قالوا إنه «لا يعلى من قيمة الحرية».

وفى عبارة تستحق التأمل يقول إدوارد سعيد إنه «رغم أن القرآن حافل بالإشارة إلى السيد المسيح باعتباره نبيًا مرسلًا، فإن دانتى كان يصر على (جهل) الفلاسفة المسلمين وخلفائهم بالمسيحية»! ليس ذلك فقط، فقد أشار «سعيد» إلى أن عالم الأديان الاسكتلندى وليام روبرتسون (القرن 19) وصف الإسلام بأنه «عبارة عن تلفيق منظّم».

بعبارة أخرى، واقتداء بإدوارد سعيد، ولما كانت المسألة قديمة قدم تعامل الغرب مع «الشرق»، فلا يجوز لنا أن نتعامل مع واقعة السويد أو غيرها دون السياق التاريخى الذى تحدث فيه.

*د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية، خبيرة في الشأن الأمريكي.

المصدر | المصري اليوم

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الإسلام المسيحية الشرق الغرب الهيمنة السويد الاستشراق إدوارد سعيد حرق المصحف الحضارة الإسلامية حرق المصحف الغرب أکثر هذا الشرق تتحدث عن عن الشرق یعبر عن

إقرأ أيضاً:

شيخ الأزهر يترأس الاجتماع الثامن عشر لمجلس حكماء المسلمين

عقد مجلس حكماء المسلمين اجتماعَه الثامن عشر، برئاسة فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، وبحضور أعضاء المجلس.

ودُعِيَ إلى الاجتماع الذي عقد في العاصمة البحرينيَّة المنامة، نخبة من كبار العلماء والمرجعيات الدينية من المذاهب الإسلامية المختلفة حول العالم، وذلك لدراسة قضايا الحوار الإسلامي الإسلامي، في ظل التحديات التي تواجه الأمة اليوم، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

وأجمع المشاركون على رفض محاولات التهجير كافَّة التي تستهدف تصفية القضيَّة الفلسطينيَّة، وعلى تأكيد دعم الموقف العربي والإسلامي الرافض لهذه المحاولات.

وحيا المجتمعون صمود الشعب الفلسطيني وتشبثه البطولي بأرضه وتراب وطنه، في ظل عدوان لا يعلم قيمةَ الأرض والانتماء للوطن وفداءه، مؤكِّدين أنَّ السبيل الوحيد لاستنهاض إمكانات الأمة في مواجهة هذه التحديات هو وحدة الصف والانطلاق من المشتركات الجامعة في مواجهة الأخطار المحدِقة التي تهددها في أماكن كثيرة.

أخبار ذات صلة الإمارات تشارك في مؤتمر «الحوار الإسلامي-الإسلامي» بالمنامة السعودية تشدد على رفض تصريحات تهجير الفلسطينيين

وأعرب المجتمعون عن تأييدهم وتبنيهم الكامل ودعمهم لمخرجات مؤتمر الحوار الإسلامي الإسلامي، وما تضمَّنه ميثاق «نداء أهل القبلة» الَّذي صدرَ عن هذا المؤتمر المهم، والذي يُقدم لعالم المسلمين رؤية مستقبليَّة متكاملة لمنطلقات الحوار الإسلامي، وأولوياته وقضاياه الملحة خلال المرحلة القادمة من أجل تحقيق الأخوَّة الإسلامية بين مكوِّنات الأمة في ظل أجواء يسودها التفاهم والاحترام المتبادل ووقف أشكال السب وخطابات الكراهية والتكفير كافة.

وانطلاقًا من هذا النداء، قرَّر العلماء المشاركون مواصلة العمل الجماعي في مجال الحوار الإسلامي، من خلال تطبيق تلك الرؤى في مبادرات عملية، في مقدِّمتها تشكيل رابطة للحوار الإسلامي تضم ممثلينَ عن جميع المذاهب الإسلامية، لمتابعة تنفيذ توصيات المؤتمر، بالتشاور والتنسيق مع الشركاء من مدارس الفكر الإسلامي في كل أنحاء العالم، مؤكِّدين دعمهم الكامل لمؤتمر الحوار الإسلامي الإسلامي المزمع عقدُه في الأزهر الشريف في جمهوريَّة مصر العربية العام المقبل.

كما ناقش المجتمعون إيجابيَّات الذكاء الاصطناعي وسلبياته على منظومة القيم والأخلاق، وضرورة أن يواكب هذا التطور ميثاق أخلاق مواز يحكم عمل القائمين على هذه الأدوات التكنولوجية، ويرشد مستخدميها إلى السبيل الأمثل للاستفادة منها بشكل إيجابي، مؤكِّدين ضرورة مبادرة المؤسسات الإسلامية وتضافر جهود علماء المسلمين للاستفادة منها وتوظيفها بما يخدم التواصل الفعال مع الأجيال النَّاشئة والشباب، خاصةً فيما يتعلق بالحصول على المعلومات الدينية الصَّحيحة والفتاوى السَّليمة.

وقدَّمَ المجتمعون الشكر إلى دولة الإمارات وقيادتها الرشيدة على الدعم الدائم لجهود مجلس حكماء المسلمين العالمية في خدمة السَّلام وتعزيز الأخوَّة الإسلاميَّة والتعايش الإنساني.

مقالات مشابهة

  • مجلس حكماء المسلمين يرفض محاولات تهجير الفلسطينيين
  • شيخ الأزهر يترأس الاجتماع الثامن عشر لمجلس حكماء المسلمين
  • «بنت سمير ودلال».. دنيا سمير غانم موهبة فطرية ونجاح من أول لحظة
  • مسلسل عايشة الدور في رمضان.. حكاية مطلقة وأم لطفلين تنقلب حياتها بسبب ابنة شقيقتها
  • المفتي: العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الإسلام تكاملية أكثر من مجرد طاعة
  • محمد مغربي يكتب: تداعيات «DeepSeek».. انقلاب في عالم الذكاء الاصطناعي
  • مسلسل «ظلم المصطبة» يرصد سطوة التقاليد العرفية في الريف
  • «ياسمين»: «لم أفقد الأمل» وأتمنى عدم عودة الهجمات على قطاع غزة
  • طالبات مدرسة ثانوية بقنا يوفرن مصروفهن لشراء هدايا رمزية لمعلم بلغ سن المعاش
  • شيخ الأزهر يُهدِي رئيس الوزراء الماليزي درع «حكماء المسلمين»