في منزل صغير لا يزال محتفظًا بألوانه الدافئة وأثاثه البسيط على أطراف قرية توماس النوبية ينشرح القلب وتتجلى ذكريات النوبة القديمة، حيث عاش الفنان الراحل أحمد منيب، الذي أصبح رمزًا للفن والبهجة في مصر، وبدأ من غرفته البسيطة مشروعه الفني وأصبح المنزل الملاذ الأول بـ تلميذه البكر الفنان محمد منير، وفي زواياه حوي قصصًا لـ المطربين اللذين تعود جذورهما إلى النوبة.

يطل المنزل بطابعه النوبي وأمامه جنينة وأشجار وعلى حوائطه من الخارج صورة للفنان الراحل دونت بجوارها كلمات أغنية «أنا إنسان وعنواني بلاد الذهب» وعلى جدرانه رسومات بالفن النوبي القديم أما أبوابه فتشبه منازل النوبة القديمة وفي أركان المنزل تنبض أغاني منيب ورائحته وذكرياته ومن هنا بدأ منير يردد أول أغانيه «فينك يا مشواري» وبدأ من هنا مشوارهما الثنائي. 

منزل منيب في توماس وعافية.. هنا ردد محمد منير أولى أغانيه 

صلاح همام، جار الحاج أحمد المنيب، يصف الحاج أحمد المنيب بأنه فنان بمعنى الكلمة ومحبوب بين جيرانه وأصدقائه وأقاربه لم ينس أهاليه وناسه، وأنه بدأ يشدو بصوته باللغة النوبية القديمة وأدمج معها أغاني عربية وهو ما تعلمه منه منير وكانت هذه الفكرة هي بداية هذا النوع من الفن الشامل الذي يعبر عن جنوب مصر بمداخله الموسيقية المختلفة، أما منزل الحاج أحمد المنيب في قرية توماس وعافية كان يعتبر مكانًا من الدفء والأمان بالنسبة لمنير وأن لقائهما الأول كان هنا في أحد أركان البيت عندما كان منير شابًا يافعًا يمسك الدف ويغني في أرجائه أول أغانيه صحبة أستاذه «فينك يا مشواري با أبو المشاوير «أباياسا.. أبا فيسكنا» وغيرها من الأغاني النوبية.

في سبعينيات القرن الماضي كان الجمهور يتجه نحو اكتشاف ثقافات متنوعة، مثل ثقافات النوبة والبدو وثقافات أخرى، من خلال فنانين أمثال عزت عوض الله وعلي حميدة الذي جاء بثقافة غنائية بدوية وامتد المشروع نفسه بدخول موسيقيين وشعراء مع هذه الثقافات المختلفة التي من ضمنها مشروع أحمد منيب وتلميذه محمد منير ومن خلفهم هاني شنودة ويحيى خليل وعبد الرحيم منصور ومجدي نجيب ورومان بونكا وطارق مدكور وآخرين.

يقول الناقد الفني محمد عطية إن مشروع منير ليس مشروعًا منفصلًا عن أخيه فاروق منير الكبير التلميذ الأول لـ أحمد منيب والذي كان يمتلك صوتًا قويًا ولكنه تحول إلى مشروع للفنان محمد منير الذي يحمل أيضًا موروثًا ثقافيًا نوبيًا، ويتمتع بخلفية ثقافية تجمع بين الألحان الشرقية والمقامات الشرقية والسلم الخماسي بجانب التأثيرات الثقافية التي ظهرت في صوت منير من حيث الطريقة التي استمدها من منيب وهاني شنودة في الموسيقى وأسلوب الأداء من خلال توظيف أشعار عبد الرحيم منصور في هذا المشروع الغنائي الضخم.

الجمهور على موعد مع تلميذ منيب البكر 

كان الجمهور على موعد مع ثقافة غنائية مغايرة بدأها أحمد منيب بحسب عطية الذي أشار في تصريحات لـ«الوطن» إلى أن نجاح تجربة منير ومنيب جاءت من باب دمج ثقافات مختلفة في المشهد الفني، على غرار تجارب أخرى لفنانين من الهوية النوبية مثل بحر أبو جريشة وغيره وتعلم من منيب أكثر من طريقة في الغناء من ضمنها دمج اللهجة الجنوبية مع القاهرية. 

ويؤكد الناقد الفني أن وجود منير وهو في بداية حياته في منزل الحاج أحمد منيب صورة معبرة عن اتصال الجذور الفنية وإعلان ثقافة موسيقية مغايرة لثقافة القاهرة، إذ جاء منير لمنيب في فترة تيار جديد يولد بعد حقبة أم كلثوم وحليم.

ونجحا في تجسيد هذا المشروع وامتداد لجيل آخر، وكان شريط منيب الأول من توزيع حميد الشاعري، وهو ما يوحي بتأثير منيب في الأغنية الجديدة بألحان لـ«إيهاب توفيق وعلاء عبد الخالق».

أحمد منيب.. صناعة البهجة 

شريف سليمان، صديق الحاج أحمد المنيب، يصفه بأنه رجل يعرف كيف يصنع البهجة، وأنه يحمل صفات الطيبة من النوبة القديمة حيث كانوا يجتمعون أقارب أو أصدقاء في سهرات داخل المنزل، وكان المنزل مقصدًا لمنير في سن العشرينات يشارك في حلقات بالعزف على الدف والعود، وكان الحاج أحمد المنيب يجلس بالعود ويجتمع بمنير أمام أو داخل المنزل نفسه وكان الشباب من أهل القرية ينضمون ويشاركون في الغناء جميعًا وكان منيب المعلم الكبير ومنير التلميذ النجيب ملمًا بفن أستاذه بالرغم من الاختلاف الكبير بينهما من حيث صناعة الأغنية إذ أن منيب كان يؤلف ويلحن ويغني، مما يظهر أنه يمتلك صناعة الأغنية بشكل كامل.

 

 

 

غناء على أطلال النوبة القديمة

بعد تهجيرهم من النوبة، استقرت عائلة أحمد منيب في الإسكندرية، ثم انتقلوا إلى القاهرة في منطقتي عابدين والسيدة زينب وفقًا لـ خليل إبراهيم نجل عم الفنان الراحل، مؤكدًا أن منيب لم ينس جذوره وهويته النوبية، طوال حياته فكان يعود بين الحين والآخر لزيارة منزله الأصلي في قرية توماس وعافية يلتقي بأهل القرية ويشارك في الأعراس النوبية، حيث كان يجامل الجميع بأغانيه التي تحمل طابعًا نوبيًا قديمًا يذكرهم بالنوبة القديمة.

المنزل ينبض بذكريات وألحان أحمد منيب

منزل أحمد منيب في قرية توماس يحمل ذكرياتٍ لا تنسى بحسب أحمد صبحي أحد أبناء القرية مشيرًا إلى إنه مكان التلاقي بين أجيال الفنانين وروح الفن النوبي الأصيل، ومحطةٌ للإلهام والتجديد المستمر في عالم الفن ويزوره بين الحين والأخر أبناء الحاج أحمد منيب وقد زاره عدد من الفنانين من ضمنهم الفنان حمزة نمرة الذي تأثر بفن الحاج أحمد منيب.

 

تحتفظ العائلة بأغراض الفنان الشخصية ومقتنياته في المنزل، مثل الملابس التقليدية والأدوات الموسيقية، بالإضافة إلى الصور والذكريات التي تعكس لحظات الفرح والحزن التي عاشها أحمد منيب و يرون فيها قصة حياة الفنان النوبي الراحل وإرثه الفني.

 

على مر السنين، أصبح منزل الفنان أحمد منيب مكانًا يحتوي الفن النوبي وروحه الخالدة بمشاركة الموهوبين ومن ضمنهم منير وما زال يحتفظ المنزل بأغراضه الشخصية ومقتنياته، مثل الجلباب والعباية والطاقية، فضلاً عن كاميرته الشخصية وأدواته الموسيقية وعلى جدران المنزل، يمكن رؤية صورًا لأحبائه ولحظات فرح وحزن عاشها وزاره بعض الأشخاص، بما في ذلك الفنان حمزة، الذي يعتبر أحمد منيب معلمًا روحيًا له وفقًا لـ أحمد صبحي.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: أحمد منيب محمد منير محافظة أسوان النوبة أحمد منیب محمد منیر منیب فی

إقرأ أيضاً:

قرية قرب الجنة يحصد جائزتين في مهرجان دياجنولي للفيلم النمساوي

فاز الفيلم الصومالي قرية قرب الجنة للمخرج مو هاراوي بجائزتين من مهرجان دياجنولي للفيلم النمساوي وهما جائزة أفضل فيلم روائي طويل وأفضل تصوير سينمائي للمصور السينمائي المصري مصطفى كاشف.

تعليقًا على فوزه، قالت لجنة التحكيم "يملك الفيلم سرد هادئ ومتوتر في آنٍ واحد. هذا التوازن يخلق جاذبية فريدة.".

نيكول سابا تكشف عن رأيها فى انتشار المنصات الرقميةمؤلف «سيكو سيكو» يحتفل بزفافه على فتاة من خارج الوسط الفني

يُعد فيلم قرية قرب الجنة أول فيلم صومالي يُعرض ضمن الاختيار الرسمي لمهرجان كان السينمائي الشهير، كما أنه أول فيلم طويل للمخرج مو هاراوي. منذ إصداره في مايو، حظي الفيلم برحلة مميزة، حصد خلالها خمس جوائز وعُرض في مختلف أنحاء العالم.

يأخذنا فيلم "قرية قرب الجنة" إلى أجواء قرية صومالية ساحرة، حيث يجب على عائلة أُعيد لم شملها حديثًا التنقل بين تطلعاتهم المختلفة والعالم المعقد المحيط بهم. الحب والثقة والمرونة ستدعمهم خلال مسارات حياتهم. يعرض الفيلم جوهر القرية الساحر، ويغمر المشاهدين في حياة سكانها وهم يسعون لتحقيق آمالهم وسط تحديات الزمن. في حديثه عن الفيلم، أوضح المخرج مو هاراوي أن هدفه كان "سرد قصص مجموعة متنوعة من الناس في الصومال".


تلقى الفيلم 15000 يورو من وزارة الثقافة في ولاية ستيريا الاتحادية، و1000 يورو منحتها منصة البث watchAUT، بالإضافة إلى قسيمة بقيمة 3000 يورو للإعلانات على watchAUT. كما منحته شركة "ذا غراند بوست" - دار ما بعد الإنتاج - 4000 يورو.

بدأ الفيلم رحلته بقوة عندما عُرض لأول مرة عالميًا ضمن الاختيار الرسمي لمهرجان كان السينمائي الدولي الـ77، ليصنع تاريخًا كأول فيلم مُصوًّر في الصومال يتم اختياره للمهرجان، حيث ترشح لجائزتي "الكاميرا الذهبية" و"نظرة ما" المرموقتين، كما تم اختياره ليكون جزءًا من برنامج "Centerpiece" بمهرجان تورنتو السينمائي الدولي، إلى جانب قائمة تضم أكثر من 40 فيلمًا من مخرجين يمثلون 41 دولة.

منذ ذلك الحين فاز الفيلم بخمس جوائز، من بينها جائزة هوغو الذهبية بمسابقة المخرجين الجدد بمهرجان شيكاغو السينمائي الدولي، وجائزة أفضل فيلم نمساوي ضمن جوائز فيينا السينمائية، وجائزة أفضل ممثلة لعناب أحمد إبراهيم في مهرجان سراييفو السينمائي، إضافة إلى تنويه خاص في مهرجان ميونيخ السينمائي، وجائزة أفضل فيلم بمهرجان كورك السينمائي الدولي.

الفيلم من تأليف وإخراج مو هاراوي كأول تجربة إخراجية له في الأفلام الطويلة، ويُعد عملاً مؤثرًا يتناول الحياة الصومالية، ويضم طاقمًا من الممثلين الواعدين منهم أحمد علي فرح، أحمد محمود صليبان، وعناب أحمد إبراهيم.

مقالات مشابهة

  • صعق كهربائي ينهي حياة طفل في دار السلام بسوهاج
  • صمت الغربة.. مغربي يودع الدنيا في وحدة تامة داخل شقة بالإيجار بسوهاج
  • صاحب المنزل يكشف التفاصيل.. وفاة مغربي داخل شقة مستأجرة في سوهاج
  • جائزتان لفيلم "قرية قرب الجنة" بمهرجان دياجنولي للفيلم النمساوي
  • قرية قرب الجنة يحصد جائزتين في مهرجان دياجنولي للفيلم النمساوي
  • مصرع شخص عقب انهيار بئر خلال التنقيب عن الآثار في سوهاج
  • محافظ جنوب سيناء: طرح تشغيل قرية التراث لشركة متخصصة لتحقيق الاستدامة
  • نشوب حريق أعلى سطح منزل بطهطا في سوهاج
  • نيران فرن بلدى .. مصرع طفلة حرقا داخل منزلها بقنا
  • أحمد مالك يكشف سر “ولاد الشمس” وحلمه الذي تحقق