كشفت دار الإفتاء عن سنة مهجورة، تجعل الدعاء في الصلاة مستجابا، وذلك في معرض حديثها عن حكم الجثو على الركبتين عند الدعاء. 

سنة مهجورة عند الدعاء في الصلاة

وحول سنة مهجورة عند الدعاء في الصلاة، أجابت سائلا يقول: ما حكم الجثو على الركبتين عند الدعاء تضرعًا لله؟، إن هيئة الجثو على الركبتين هي هيئة خشوعٍ وخضوع، ولذلك فهي مستحبة في الجلوس للدعاء والتضرع لله تعالى في الاستسقاء والاستغاثة وطلب تفريج الكرب خارج الصلاة.


وقالت الإفتاء إن الأصل في الجثوِّ على الركبتين أنه هيئة نبوية شريفة من هيئات الصلاة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُوني أُصَلِّي» أخرجه البخاري وغيره من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه، وقد تواترت هذه الهيئة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل جلوسٍ في الصلاة؛ فالجلوس بين السجدتين والجلوس للتشهد الأخير: من أركان الصلاة، وأكمل هيئاته: الجُثُوُّ على الركبتين؛ لمواظبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليها، ولِمَا فيها من معنى الخضوع والخشوع.

قال الإمام أبو عبد الله الحكيم الترمذي في "الصلاة ومقاصدها" (ص: 23، ط. دار الكتاب العربي): [ثُمَّ يجلس جاثيًا بين يديه كهيئة العبد الذي يتضرع إلى ربه سائلًا حوائجه راغبًا إلى الله مفتقرًا] اهـ.

ويقول أيضًا في (ص: 85): [فإذا انتهى العدد الذي أُمِرَ به قال: اقعد جاثيًا كما يقعد العبد بين يدي سيده فتكلم بجوامع الخير ووجيز الكلام واشهد بشهادة الحق] اهـ.

ويقول الشيخ ابن القيم الحنبلي في "الصلاة وأحكامها" (1/ 150، ط. مكتبة الثقافة): [شُرع له أن يجلس في آخر صلاته جِلسةَ المتخشع المتذلل المستكين، جاثيًا على ركبتيه، ويأتي في هذه الجلسة بأكمل التحيات وأفضلها؛ عوضًا عن تحية المخلوق للمخلوق] اهـ.

أسهل طريقة لإجابة الدعاء وتحقيق الأمنيات.. يغفل عنها الكثير هل الدعاء بعد قراءة سورة البقرة مستجاب ؟

وبينت أنه لأجل ما في هذه الجِلسة من إظهار الاستكانة والخضوع لله تعالى جاء في الشرع استحباب الذكر عَقِبَ الصلاة على هذه الهيئة قبل أن يغادر المسلمُ مصلَّاه: فعن أبي ذر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ قَالَ فِي دُبُرِ صَلَاةِ الفَجْرِ، وَهُوَ ثَانٍ رِجْلَيْهِ، قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) عَشْرَ مَرَّاتٍ، كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَمُحِيَ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ، وَكَانَ يَوْمَهُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي حِرْزٍ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ، وَحُرِسَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَلَمْ يَنْبَغِ لِذَنْبٍ أَنْ يُدْرِكَهُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ إِلَّا الشِّرْكَ بِاللهِ» أخرجه الترمذي في "الجامع" وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.

وعن عبد الله بن زِمْلٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلى الصبح قال وهو ثانٍ رجليه: «سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ، إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا» سبعين مرة، ثم يقول: «سَبْعِينَ بِسَبْعِمِائَةٍ» أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة"، والطبراني في "المعجم الكبير".

وعن ثوبان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَهُوَ ثَانٍ رِجْلَهُ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَ أَحَدًا: (رَضِيتُ بِاللهِ رِبًا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا) كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ تَعَالَى أَنْ يُرْضِيَهُ» أخرجه الخرائطي في "مكارم الأخلاق"، وابن جميع في "معجمه".

ولأجل هذا المعنى جاءت السنة النبوية الشريفة باستحباب هذه الهيئة أيضًا في الدعاء والاستسقاء واللجوء إلى الله تعالى والاستغاثة به في قضاء الحوائج وتفريج الكُرَب: فعن عامر بن خارجة بن سعد، عن جده سعد رضي الله عنه: "أن قومًا شكَوْا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قحط المطر، فقال: «اجْثُوا عَلَى الرُّكَبِ، وَقُولُوا: يَا رَبِّ يَا رَبِّ» فَفَعَلُوا، فَسُقُوا حَتَّى أَحَبُّوا أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمْ" أخرجه الإمام البخاري في "التاريخ الكبير"، وابن أبي الدنيا في "المطر والرعد والبرق"، والبزار في "المسند"، وأبو عوانة في "المُستَخرج الصحيح"، والعقيلي في "الضعفاء"، والطبراني في "المعجم الأوسط"، وفي "الدعاء"، والبغوي في "معجم الصحابة". وصححه الحافظ السيوطي في "الجامع الصغير".

وفي لفظ البزار في "المسند": "فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْثُوا عَلَى الرُّكَبِ".

وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا عصفت الريح يجثو على ركبتيه وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَةً، وَلَا تَجْعَلْهَا عَذَابًا، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا، وَلَا تَجْعَلْهَا رِيحًا» أخرجه أبو يعلى في "المسند"، والطبراني في "المعجم الكبير"، وأبو الشيخ في "العظمة".

قال الحافظ ابن الجزري في "النشر في القراءات العشر" (2/ 459، ط. المطبعة التجارية الكبرى) في ذكر آداب الدعاء: [ومنها: الجُثُوُّ على الركب، والمبالغة في الخضوع لله عز وجل والخشوع بين يديه، ويحسن التأدب مع الله تعالى.. ثم ساق الحديث] اهـ.

بل عدَّها في كتابه "الحصن الحصين" من آكد آداب الدعاء؛ كما في "تحفة الذاكرين" (1/ 55، ط. دار القلم).

وقال العلامة الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغير" (1/ 371): [وفيه الحثُّ على قعدة الاستكانة وتكرير نداء الرب عند طلب الحاجات] اهـ.

وشددت بناءً على ذلك: فهيئة الجثو على الركبتين هيئة خشوع وخضوع، والجلوس للتشهد الأخير وبين السجدتين من أركان الصلاة، وأكمل هيئاته الجِثِيُّ على الركبتين؛ حيث يقوم المصلي بالتحيات لله تعالى، والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ودعاء الله تعالى واستغفاره والتضرع إليه، ولذلك فهي مستحبة أيضًا في الجلوس للدعاء والتضرع لله تعالى في الاستسقاء والاستغاثة وطلب تفريج الكرب خارج الصلاة؛ لما فيها من معاني التضرع والخضوع، وقد وردت بذلك الأحاديث النبوية الشريفة، ونص العلماء على استحباب هذه الهيئة في آداب التضرع والدعاء.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الدعاء دار الإفتاء سنة مهجورة النبی صلى الله علیه وآله وسلم رضی الله عنه هذه الهیئة عند الدعاء

إقرأ أيضاً:

الوقف.. «الصدقة الجارية»

حثّ الإسلام على الصدقة، والصدقة الجارية، ووعد بالمثوبة لفاعلها، واستمرار الأجر له بعد رحيله عن الدنيا، وإن الوقف يُعد من الصدقات الجارية، فأصله ثابت، وعطاؤه مستمر لا ينقطع، ويقصد به التقرب إلى الله تعالى، ذلك أن الوقف تبرع دائم بعقار أو مال، والتنازل عن ملكيته لله تعالى، فلا يجوز بيع العين الموقوفة ولا هبتها ولا التصرف بها، بل يحبس أصلها وينفق من ريعها وعائداتها في المصارف الشرعية التي حددها الواقف. 
يسهم الوقف في أعمال البر والخير والإحسان، وخدمة المجتمع وتنميته، كالوقف لبناء المساجد وصيانتها والعناية بها، ووقف الأيتام والفقراء، ورعاية المرضى، وطلبة العلم، وكبار السن، وأصحاب الهمم، والحفاظ على البيئة، والرفق بالحيوان، ونحو ذلك من وجوه الخير والإحسان.
ولبيان الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة، يقول الله - عز وجل- في محكم تنزيله: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْر وَأَعْظَمَ أَجْراً)، «سورة المزمل: الآية 20»، وقال الله سبحانه وتعالى: (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)، «سورة آل عمران: الآية 92». وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له»، (صحيح مسلم 1631).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله، إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، أينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟ قال: «نعم»، قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها، «صحيح البخاري 2756».
ويحظى الوقف داخل دولة الإمارات العربية المتحدة باهتمام بالغ من القيادة الرشيدة، وتحرص الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف دائماً على إحياء سنة الوقف والدعوة له وتنميته، والتبصير بأهدافه وفق أساليب معاصرة تتوافق مع مقاصد الشريعة الإسلامية، مما يؤدي إلى تقوية ينابيع الخير في النفوس، وتجسيد مبادئ التكافل الاجتماعي، ويفتح آفاقاً تنموية للعمل الخيري بما يعود بالنفع على الأفراد والمجتمع.
ونحن مدعوون للمساهمة في إحياء سنة الوقف لنحقق التعاون على البر الذي أمرنا الله تعالى به، فقال عز من قائل: (... وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ...)، «سورة المائدة: الآية 2»، ولنحرص أشد الحرص على المشاركة في تنمية الوقف الخيري لنحقق قول الله تعالى: (... وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، «سورة الحج: الآية 77». ومما سبق يتبين لنا أن الوقف من أعمال البر التي حثّ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من الصدقات الجارية أصلها ثابت، وثوابها دائم لا ينقطع، فهي تنفع الإنسان في حياته وبعد مماته، كما أن أعمال البر تتفاضل بحسب حاجة الناس وعموم النفع، حيث يتميز الوقف بأنه يحافظ على أصل المال وينميه، ويرسخ قيم الإسلام ومبادئه في التصدق والبر والإحسان.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى المبادرة بالإنفاق وعدم التسويف، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رَسولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قال: «أَنْ ‌تَصَدَّقَ ‌وَأَنْتَ ‌صَحِيحٌ ‌شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الغِنَى، وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ». 
وحثّ الإسلام على الإنفاق وجعل ثوابه عظيماً، ووعد الله من تصدق وأنفق بالخلف والعوض، قال تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ ‌يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَا ‌مِنْ ‌يَوْمٍ ‌يُصْبِحُ ‌العِبَادُ ‌فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا». 

أخبار ذات صلة حمدان بن محمد: قيمة الأصول الوقفية في دبي ترتفع إلى 11.1 مليار درهم حمدان بن محمد يلتقي عدداً من أصحاب المبادرات الخيرية في دبي

مقالات مشابهة

  • فضل الصلاة على النبي وكيفية محبة الرسول.. تعرف عليها
  • هل يصح صيام تارك الصلاة؟.. الأزهر للفتوى يجيب
  • شخصيات إسلامية.. أم المؤمنين جويرية بنت الحارث
  • شخصيات إسلامية: عبدالله بن عباس.. حبر الأمة
  • رابطة علماء اليمن تنظم فعالية بالجامع الكبير بصنعاء بمناسبة ذكرى غزوة بدر وفتح مكة
  • رابطة علماء اليمن تنظم فعالية خطابية في صنعاء بذكرى غزوة بدر وفتح مكة
  • بث مباشر.. صلاة التراويح من الجامع الأزهر في ليلة النصف من رمضان
  • الوقف.. «الصدقة الجارية»
  • صلاة تجعل الملائكة تسأل عنك في رمضان.. يغفلها الكثيرون
  • بث مباشر.. شعائر صلاتي العشاء والتراويح من الحرمين الشريفين ليلة 14 رمضان