سعـي في الخيــر ومسابقـة في الخيـــرات
تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT
إن الإسلام خير كله، وإن التدين التزاما بالإسلام واعتصاما بأحكامه واستقامة على مبادئه خير كله. هذا أمر بين يكفي المؤمن أن يتلو القرآن الكريم ليرى ذلك الاحتفال الكبير بالخير وأهله، وذلك الاهتمام الكبير بالترغيب في الخير وفعله.
وهذه آية واحدة ترسم للمسلم سبيله ومنهجه، يقول فيها الحق سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا، واعبدوا ربكم، وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} فالخير هو منهج الإسلام، وشيوع الخير وغلبته هو مقصد الإسلام، وفعل الخير هو واجب المسلم، والمقصود بقوله تعالى: {وافعلوا الخير} الأمر بكل خير، مع هذه العبادات، من الإحسان إلى الناس بالقول والعمل، ومن الحكم بين الناس بالعدل، ومن أداء الأمانات إلى أهلها.
وفعل الخير يؤدي به إلى استقامة سلوكه وخُلقه على قاعدة من الإيمان، وفي هذا الترتيب البديع إشارة مهمة تؤكد المعنى العظيم من معاني التدين الذي نحن بصدد الكلام عليه، وهو أن التدين يبدأ من العبادة صلاة وغيرها كعماد وأساس ويصل إلى فعل الخير، أي أن العبودية الحقة لله عز وجل لا أن تظهر آثارها على المتدين سعيا في الخير وتسابق في الخيرات.
وهذا ما يؤكده الحبيب المصطفى سيد المتدينين وإمامهم وقدوتهم صلّى الله عليه وسلم حيث يقول: «إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير؛ فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه» رواه ابن ماجه وغيره؛ فالمتدين الصادق هو من يكون مفتاحا للخير حيثما حل وحيثما ارتحل، يمشي في ركاب الخير ويمشي الخير في ركابه. بل إن الإسلام لا يرضى ممن رضيه دينا إلا المسارعة والمسابقة في الخير، يقول الله تبارك وتعالى: {ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير}، {يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين}، {..إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنَا خاشعين}.
ومن المعلوم بداهة أنه لا يسارع في الخيرات ولا يسابق فيها إلا من كان من أهل الخير متشبعا بمعانيه، والمراد من ترغيب المسلم في التسابق إلى الخير والمسارعة إليه هو أن يحرص على بلوغ أعلى رتبة ممكنة في الخير كما يبينه قول الإمام ابن باديس رحمه الله وأعلى مقامه: “طلب الرتب العليا، في الخير والكمال، والسبق إليها والتقدم فيها مما يدعونا إليه الله، ويرغبنا بمثل هذه الآية فيه كما قال تعالى: {فاستبقوا الخيرات} لأن طلب الكمال كمال؛ ولأن من كانت غايته الرتب العليا إن لم يصل إلى أعلاها لم ينحط عن أدناها، وإن لم يساو أهلها لم يبعد عنهم. ومن لم يطلب الكمال بقي في النقص، ومن لم تكن له غاية سامية قصر في السعي وتوانى في العمل، فالمؤمن يطلب أسمى الغايات حتى إذا لم يصل لم يبعد، وحتى يكون في مظنة الوصول بصحة القصد وصدق النية”.
وعليه؛ فالمتدين الأصل فيه أن يكون من أهل الخير، يشع الخير في أفعاله، ويشع الخير في أقواله، ويشع الخير في سلوكه، ويشع الخير في حياته كلها.
*إمام وأستاذ الشريعة بالمدرسة العليا للأساتذة
المصدر: الخبر
كلمات دلالية: فی الخیر الخیر فی
إقرأ أيضاً:
لا علاقة له بالذكورة والأنوثة .. تعرف على نظام توزيع الميراث في الإسلام
تتجدد حاليا الإثارة المتعلقة بتقسيم الميراث في الإسلام، وتجدد المزاعم التي تفيد بأن المرأة في الإسلام مظلومة وقت توزيع الميراث بعد وفاة الميت.
بدوره، أكد مركز الأزهر العالمي للفتوي الإلكترونية، إن القول بأن فقه المواريث في الإسلام يُعطي الذكر ضعف الأنثى هو قول عارٍ عن الحقيقة، منافٍ للواقع؛ فالمُستقرِئ لأحوال ميراث المرأة في الإسلام يجد أنها قد ترث -في بعض الحالات- أكثر من الرجل، أو تساوي الرجل، أو ترث ولا يرث الرجل، وذلك فيما يزيد على ثلاثين حالة، وترث نصف ما يرثه الرجل في أربع حالات فقط".
وأضاف أن تفاوت أنصبة الوارثين في نظامِ الميراثِ الإسلاميّ لا علاقة له بذكورة أو أنوثة؛ ولكنَّه متعلق بأمور ثلاثة:
(1) درجة القرابة من المُتوفَّى، فكلما كان الشخص أقرب للمتوفَّى كلما زاد نصيبه من الميراث.
(2) موقع الجيل الوارث، فكلما كان الجيل الوارث صغيرًا مستقبلًا للحياة كلما زاد نصيبه أيضًا؛ لهذا كان نصيب ابن المتوفَّى أكبر من نصيب أبِ المتوفَّى ولو كان الابن رضيعًا؛ لأن حاجته إلى المال أكثر.
(3) التكليف والعبء المالي؛ فإذا تساوت درجة القرابة، وموقع الجيل الوارث؛ كان التفاوت في الأنصبة المستَحَقَّة على قدر تفاوت الأعباء المالية المُلقاة على الوارثين.
وأكد أنَّ حرمان المرأة من إرثها، أو مَنْعَه عنها، أو إجبارها على التنازل عنه مقابل مبلغٍ من المال أو منفعةٍ عن غير طيبِ نفسٍ؛ مُحرمٌ في الشريعة الإسلامية، فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ الله تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ» أخرجه ابن ماجه، ولا شك أن حرمان المرأةِ من إرثها لَمِن قطيعةِ الرحمِ والظلمِ الذي توعَّد رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فاعِلَه بتعجيل العقوبة له في الدنيا قبل الآخرة.
وأوضح أن الإسلام لمَّا ألزم الرجل بالنفقة على أهل بيته قسَّم الأدوار، ووزع المهمات، وأسّسَ العِشرةَ على الرحمة والمعروف، وجعل قوامتَه مسئولية، وعلاقتَه بامرأته تكامُلية، وجعل له حقوقًا وعليه واجبات في بيته وبيت أبيه ولكنَّ مسئوليته أكبر، وجعل للمرأة حقوقًا وعليها واجبات في بيت زوجها وبيت أبيها ولكنَّ حقوقها أكثر.