في 26 مارس 2015م، شنت دول تحالف العدوان – بقيادة أمريكا والسعودية والإمارات – حربا عدوانية على اليمن، وفرضت حصارا جويا وبحريا وبريا شاملا على دخول السلع الأساسية والوقود والواردات والأدوية، وتعمدت دول العدوان تدمير المنشآت والمقومات الاقتصادية بالغارات، واتبعت استراتيجية الحصار والتجويع كأسلوب حرب عقابية بغيضة استهدفت جميع اليمنيين، وعمدت إلى إصدار حزمة من القرارات والإجراءات التي تؤدي إلى الجوع والموت الجماعي، وكان من أخطرها قرار نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن وقرصنة الحسابات الخاصة بالبنك في البنوك الأجنبية والاستيلاء على الودائع والتحكم بالإيرادات والمساعدات والتحويلات الأجنبية.


لقد أدت الحرب العدوانية على اليمن والحصار والتجويع والتدمير للمقومات الاقتصادية إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم – حسب وصف الأمم المتحدة – رغم حدة الحرب وضراوتها منذ البداية كان البنك المركزي في صنعاء يعمل بسياسة اقتصادية وطنية يدفع الرواتب والتمويلات ويحافظ على العملة والصرف وميزانية المدفوعات، ويصرف مرتبات الموظفين بانتظام، حتى عملت دول العدوان على قرصنة سويفت البنك المركزي في صنعاء ونقل عملياته إلى عدن واستولت على الكودات الخاصة بحسابات البنك في الخارج والودائع والقروض والتمويلات، ومنذ ذلك الحين توقفت مرتبات الموظفين وانقطعت وما زالت إلى اليوم.
لقد تركت خطوة نقل إدارة البنك المركزي إلى عدن وقرصنة حساباته في سبتمبر من العام 2016 م، اليمن بلا مؤسسة نقدية تقوم بأبسط مقومات الاستقرار الاقتصادي، وأدت الخطوة إلى شل قدرة البنك المركزي في توفير الأساسيات الاقتصادية، وقد مثلت تلك الخطوة العدائية تصعيدا إجراميا وخطيرا على الشعب اليمني، كان الهدف من ورائها تجويع الملايين من اليمنيين كتكتيك حربي نفذته دول العدوان بهدف إحداث انهيار اقتصادي ومعيشي يؤدي إلى انهيار عسكري يحقق لها أهدافها من احتلال صنعاء وإسقاط كافة المحافظات اليمنية تحت سيطرتها.
حتى ذلك التاريخ كان البنك المركزي يواصل تقديم خدماته المالية بالتنسيق مع اللجنة الثورية في صنعاء التي عمدت إلى تحييد البنك عن الصراع، فكان يقدم خدماته الأساسية ويقوم بصرف رواتب 1.2 مليون يمني موظفين في الخدمة العامة، إضافة إلى حماية قيمة العملة المحلية وضمان حصول المستوردين على العملات الأجنبية لشراء السلع الأساسية. كل ذلك تم مع استمرار البنك في دفع استحقاقات الديون الخارجية والحفاظ على ثقة المؤسسات المالية العالمية، وقد حال دون وقوع أسوأ الأزمات الإنسانية، لكن دول العدوان عمدت إلى قرصنة عملياته ونقلها إلى عدن تحت سيطرة المرتزقة، ورغم التزام العدوان ومرتزقته بصرف المرتبات غير أنها لم تصرف رواتب شهر واحد منذ ذلك الحين، وعملت فقط لتسيطر على الودائع والقروض والتمويلات والموارد، ولتقطع الرواتب عن الموظفين، وقد حدث كل ذلك، فحصل التدهور للوضع الإنساني وانتشر الجوع وانقطعت المرتبات وفقد الناس مصادر قوتهم وعيشهم، والأهم من ذلك أن الإيرادات التي كانت توردها المحافظات إلى البنك المركزي في صنعاء – بما فيها محافظة عدن التي كانت محتلة منذ ذلك الحين ويصرفها البنك المركزي في صنعاء مرتبات ونفقات تشغيلية للمستشفيات وغيرها – تذهب اليوم إلى جيوب المرتزقة وحساباتهم الخاصة بعد تقويض البنك في صنعاء ونقله إلى عدن.
ومثلما قتلت الحرب العسكرية عشرات الآلاف من اليمنيين بالقنابل والصواريخ، فقد ‏أنتجت الحرب الاقتصادية على البنك والمرتبات والحصار الذي أدارته الإدارة الأمريكية بشكل مباشر، موتا شاملا وجوعا وضيقا وفقرا طال كل الشعب اليمني وأضر بحياته ومعيشته، وخلال السنوات السابقة كانت قضية المرتبات أهم القضايا التي يطرحها الطرف الوطني في كل جولات التفاوض، وحتى مع سريان الهدنة الأممية التي أعلنت في أبريل من العام المنصرم حتى أكتوبر، كانت المرتبات هي الألوية التي تصر صنعاء على بدء معالجتها، في المقابل عملت دول العدوان على تنكيس كل الحلول وتصفير كل التفاهمات التي تقود إلى صرف المرتبات، بل واعتبرت طرح ملف المرتبات من الطرف الوطني على طاولة المفاوضات – وحلها قبل أي ملفات أخرى – اعتبرتها شروطا مستحيلة ومتطرفة، وتلاعبت وما زالت تتلاعب بذلك الحق الذي أصبح اليوم ملحا وعاجلا ولا يحتمل التسويف.
وما لم تعلنه دول تحالف العدوان صراحة من وراء مماطلتها في دفع رواتب الموظفين من حسابات عائدات النفط والغاز اليمني لدى البنك الأهلي السعودي، هو أنها تسعى من وراء التلاعب في تنفيذ صرف المرتبات، إلى التلاعب في الملف نفسه من خلال استثماره شعاراتيا لتحريك خلايا وأبواق تفكك بنية الجبهة الداخلية للشعب اليمني، وتضعف عراها وتقوض تماسكها، أي تنفيذ الخطة «ب»، وهو أمر عملت عليه خلال فترة خفض التصعيد بعد انقضاء فترة الهدنة نهاية العام المنصرم، وما زالت تعمل عليه كل يوم، حتى بتنا نشاهد اصطفافا واسعا لمتحزبين ومشبوهين وسياسيين وناشطين وغوغائيين، ينقضون على الحقائق الواضحة التي تؤكد مسؤولية العدوان عن انقطاع المرتبات ومسؤوليته في صرفها وتلاعبه بعدم صرفها، ويقفزون ليحملوا قيادة الشعب اليمني في صنعاء المسؤولية ويستثيرون المعاناة للناس ليدفعوا بسخطهم ضد السلطة الوطنية في الداخل، لا لأجل يدفعوا بها لصرف المرتبات بل لأجل إضعاف الموقف الوطني في مواجهة العدوان وإضعاف موقف اليمن وقيادتها في صنعاء في التصدي للعدوان وحتى لا يتحقق للشعب اليمني انتصار كامل وناجز.
صحيح أن المعاناة ستدفع البعض إلى مطالبة الدولة الوطنية في صنعاء بحل، وصحيح جدا أن من مسؤولية الدولة في صنعاء العمل على ما هو ممكن، حتى لو كان شن عمليات عسكرية لانتزاع هذا الحق، لكن والحقيقة أيضا أن دول العدوان – وعلى وجه أخص الإدارة الأمريكية – تستغل الحاجة والحراك المطلبي لتحقيق أهدافها ومساعيها بإرضاخ الشعب اليمني، وتحرك قيادات حزبية وأبواقاً وكتبة وناشطين وطابورا واسعا من المشبوهين للعمل وفق قاعدة المطالبة بالمرتبات، لكن بالتحريض على الصامدين في مواجهة العدوان وبسوق الاتهامات ضدهم أنهم ينهبون الموارد ويسرقون المعائش وأنهم يدخرون المرتبات في البداريم والخزانات الأرضية، وهذا ما نجده في حملاتهم اليومية.
وبالمختصر.. هذه هي الخطة «ب» التي أشار إليها الأخ الرئيس في كلمته يوم أمس، والتي ينشط فيها حشد واسع من المصطفين والمأزومين والمتربصين والأبواق الرخيصة في هذه المرحلة، وبدون أن يكلفوا تحالف العدوان عناء في تشويه من يتصدرون صفوف المواجهة دفاعا عن اليمن، ولا يريدون أن يكلفوه على الأقل دفع رواتب الموظفين التي يستبطنها في حسابات البنك الأهلي السعودي منذ سنوات.. وكل ذلك يقتضي منا التصدي لهم وكشفهم وفضحهم.. والله الموفق.

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: البنک المرکزی فی صنعاء الشعب الیمنی دول العدوان البنک فی إلى عدن

إقرأ أيضاً:

البنك المركزي الأمريكي يخفض سعر الفائدة

خفض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الأربعاء، أسعار الفائدة الرئيسية بنصف نقطة مئوية، ليبدأ سياسة تيسير نقدي بعد أكثر من ثلاث سنوات ونصف من السياسة المتشددة. حيث قررت لجنة السوق المفتوحة في الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة من نطاق 5.25-5.5 بالمئة إلى 4.75-5 بالمئة.

ويتوقع البنك المركزي خفض الفائدة مجدداً بنصف نقطة مئوية أخرى قبل نهاية العام الحالي، ونقطة مئوية كاملة في عام 2025، ليصل النطاق إلى 2.75-3 بالمئة.

تعد هذه المرة الأولى التي يخفض فيها الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بعد سلسلة من 11 زيادة، بدأت في آذار/ مارس 2022 عندما كانت الفائدة 0.25 بالمئة وارتفعت إلى 5.5 بالمئة في تموز/ يوليو 2023، حيث ثبتت عند هذا المستوى حتى الأمس.


وعزت لجنة السوق المفتوحة قرار خفض الفائدة إلى التحسن المستدام في معدل التضخم الذي يقترب من الهدف المحدد بنسبة 2 بالمئة، ولتوازن المخاطر المرتبطة بتحقيق أهداف التوظيف والتضخم.

وكانت الدورة السابقة لتشديد السياسات النقدية قد بدأت في آذار/ مارس 2022، بهدف مكافحة التضخم المرتفع الذي وصل إلى أعلى مستوى له منذ نحو 40 عاماً، عند 9.1 بالمئة في تموز/ يوليو 2022.

سجلت مبيعات التجزئة زيادة بنسبة 2.1 بالمئة على أساس سنوي في آب/ أغسطس الماضي، في حين انتعشت مبيعات المتاجر عبر الإنترنت بنسبة 1.4 بالمئة بعد انخفاض بنسبة 0.4 بالمئة في الشهر السابق.


كما نما الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بنسبة 3 بالمئة في الربع الثاني من العام على أساس سنوي، متجاوزًا التقديرات الأولية البالغة 2.8 بالمئة التي أُعلنت الشهر الماضي، في حين سجل الاقتصاد نمواً بنسبة 1.4 بالمئة في الربع الأول.

تزايدت المطالبات بخفض أسعار الفائدة بسبب الضغوط التي أثارتها بيانات سوق العمل التي صدرت الشهر الماضي، والتي أدت إلى توقعات بحدوث ركود اقتصادي. وقد نتج عن ذلك موجة من التراجعات العالمية في أسواق الأسهم، بقيادة وول ستريت.

مقالات مشابهة