بركان الانقلابات يهزّ النفوذ الفرنسي في أفريقيا
تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT
الثورة /
تتواصل الانقلابات العسكرية في أفريقيا والتي يبدو أنها لن تهدأ في القريب العاجل، وتكشف عن غضب متصاعد لدى شعوب المنطقة ورغبة عميقة في التغيير بغض النظر عن الوسيلة المستخدمة. فبعد انقلاب النيجر، جاء الإعلان عن استيلاء عسكريين على الحكم في الغابون التي تقع في غرب وسط أفريقيا.
وكما حصل في النيجر، تتداخل معطيات داخلية وخارجية لتفرز هذا المشهد الجديد في القارة السمراء، في سياق ظاهرة عودة الحكم العسكري في عدد من الدول، وتحديدا في الحزام الخاضع للنفوذ الفرنسي والذي يمتد من النيجر ومالي وتشاد إلى بوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى.
وتتشابه أيضًا هذه الدول في وضعها غير المستقر رغم احتوائها على ثروات باطنية هامة مثل النفط واليورانيوم والذهب، مما جعلها عبر التاريخ عرضة لأطماع الاستعمار الغربي والفرنسي تحديدًا.
غضب واستياء من السطوة الفرنسية
وفي الحقيقة فإن تصاعد موجة الانقلابات في أفريقيا يعكس في عمقه أزمة حكم تشهدها أفريقيا بسبب سطوة الاستعمار الذي يحمل أشكالًا مختلفة سياسية واقتصادية وعسكرية وغيرها.
وتشترك الغابون مع جلّ الدول الأفريقية في احتوائها على ثروات طاقية هائلة، وهي تعد صاحبة أعلى معدل دخل للفرد في أفريقيا بفضل ثرواتها من النفط والذهب واليورانيوم. وترتبط بشراكات تجارية مع العديد من الدول أهمها فرنسا إضافة إلى الولايات المتحدة والصين وروسيا، كما أنها عضو في منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك».
وكانت فرنسا عنصراً حاسماً في رسم ملامح السلطة في هذا البلد منذ «الاستقلال» وحتى اليوم، وهي الداعمة الرئيسية للأسرة الحاكمة الحالية التي تحكم منذ 55 عاما. ومنذ أن استقلت عن باريس عام 1960، حكم الغابون ثلاثة رؤساء هم ليون مبا عام 1961 المتهم بتطبيق نظام حكم «ديكتاتوري سعى لضمان المصالح الفرنسية»، وبعد وفاته عام 1967 حل مكانه عمر بونغو حتى وفاته عام 2009 ثم نجله الرئيس الحالي علي.
ويرى البعض أن الوضع المتردي في ظل حكم الرئيس الحالي بونغو زاد من غضب معارضيه خاصةً لدى الشرائح الشبابية التي تبحث عن طريق جديد للتخلص من الطبقة السياسية الفاسدة والمرتبطة بولاءات خارجية وخاصة لفرنسا، فالغابون تخضع لحكم ديمقراطي «صوري» مع رئيس جاء بالوراثة إلى الحكم، وربما هذا الفارق بينه وبين انقلاب النيجر.
ويعتقد مراقبون أن ما شجع على الانقلاب في الغابون هو ما حصل في النيجر حيث لم يستطع الغرب إيقاف المجلس العسكري رغم تهديد «إيكواس» بالتدخل العسكري.
والمعلوم أن مردود فرنسا من الدول الأفريقية يقدّر بنحو 500 مليار دولار من خلال شركاتها العملاقة المتركزة في أفريقيا، وتعتمد باريس على المواد الخام والمعادن كاليورانيوم والغاز والذهب من القارة السمراء.
والمفارقة أن دول الساحل الأفريقي تحتوي على ثروات معدنية هامة كالذهب واليورانيوم والفوسفات، فضلا عن الثروات النفطية الهامة ولكنها تعد من أفقر دول العالم، وهو ما أشعل غضب شعوب المنطقة من الاحتكار الفرنسي لمقدراتها.
التداعيات
أما عن تأثيرات الانقلابات على مستقبل الأنظمة السياسية في أفريقيا، فيقول الباحث السوداني المتخصص في الشؤون الأفريقية معز حضرة لـ«العهد» الإخباري «بغض النظر عن المسببات لهذه الانقلابات سواء الداخلية أو الخارجية، إلا أنها ستؤدي حتمًا إلى رسم مشهد جديد يبدو أن فرنسا ستكون الخاسر الأكبر فيه في اطار خارطة جيوسياسية جديدة، في القارة السمراء».
ويبدو أن التغيير في أفريقيا آت وبات واقعًا في هذه القارة، ولئن راهن البعض على الانقلابات العسكرية إلا أن البعض الآخر يراهن على التغيير السياسي والاقتصادي من خلال التخلص من الهيمنة الغربية، عبر بناء شراكات جديدة مع الصين وروسيا في إطار تحالفات جديدة مبني على التعددية والمصالح المشتركة بدلا عن الأحادية والاحتكار السياسي للقوى الكبرى.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
كم قتل الاحتلال الفرنسي من الشعب الكاميروني أثناء الاستقلال.. مؤرخون يجيبون؟
كشف تقرير أعدّته لجنة مكونة من 14 مؤرخًا فرنسيًا وكاميرونيًا، بعد عمل دام عامين ونصف العام، أنّ فرنسا ربما قتلت عشرات الآلاف من الكاميرونيين خلال فترة استقلال بلادهم بين عامي 1945 و1971.
وبحسب ما نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية، قدّمت اللجنة تقريرها حول مسار استقلال الكاميرون إلى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون في 21 كانون الثاني/ يناير الجاري، وإلى الرئيس الكاميروني، بول بيا في 28 من الشهر ذاته.
أظهر التقرير أن فرنسا مارست قمعًا عسكريًا شديدًا ضد الحركات المؤيدة للاستقلال في الكاميرون، مستعمرتها السابقة، وخلال تلك الفترة استخدمت السلطات الفرنسية عنفًا مفرطًا، مما أدى إلى مقتل عشرات الآلاف من الكاميرونيين.
سلّط التقرير الضوء على المحاولات المستمرة لمنع صعود اتحاد شعوب الكاميرون، وهو حزب قومي مؤيد للاستقلال، وبعد حله في عام 1955، تعرض أعضاؤه للقمع الشديد، حيث قتل الجيش الفرنسي زعيم الحزب روبن أم نيوبي.
في عام 1956، شهدت الكاميرون مذبحة إيكيتي، حيث تم تنفيذ هجوم ضد مدنيين عزل، وتم ترحيل عدد من المدنيين الكاميرونيين قسرًا إلى معسكرات اعتقال. كما كشفت تقارير القوات الجوية الفرنسية عن استخدام ذخائر مسببة للحرائق في البلاد.
على الرغم من أن اللجنة لم تكن تمتلك الصلاحية القانونية لوصف هذه الممارسات بأنها إبادة جماعية، إلا أنها أكدت أن هذا العنف كان مفرطًا بالفعل، لأنه انتهك حقوق الإنسان وقوانين الحرب.
يأتي تقرير لجنة المؤرخين المشتركة في إطار "مبادرات مصالحة الذاكرة" التي اتخذها الرئيس الفرنسي، بشأن دور بلاده خلال الإبادة الجماعية للتوتسي في رواندا، أو أثناء الحرب الجزائرية، بهدف تهدئة العلاقات وتجديدها.
غير أن هذا الأمل يظل ضعيفًا في ظل تعرض نفوذ باريس في القارة الأفريقية لرياح معاكسة، خاصة في منطقة الساحل. فيما بدأ مشروع مصالحة الذاكرة مع الكاميرون في تموز/ يوليو 2022، خلال زيارة الرئيس الفرنسي، إلى ياوندي، رغم خطر إثارة التوترات مع دولة يقودها بول بيا منذ عام 1982، وهو وريث الحكومة التي تشكلت بعد الاستقلال بدعم من باريس، وسرعان ما أصبحت إحدى ركائز ما يعرف بـ"فرانس-أفريك".
بعد مرور عامين ونصف، ألقى أعضاء اللجنة المشتركة، المكونة من سبعة باحثين كاميرونيين وسبعة فرنسيين، الضوء على موقف فرنسا في قمع حركات الاستقلال الكاميرونية والمعارضة السياسية بين عامي 1945 و1971.
كانت الحرب تدور على بعد خمسة آلاف كيلومتر من فرنسا، بعيدًا عن أعين الرأي العام الذي كان يركز آنذاك على "الأحداث" في الجزائر. بينما تبقى ذكريات هذه الفترة حية في الكاميرون، إلا أنها مخفية إلى حد كبير في فرنسا.
تسمح التقديرات العسكرية الرسمية بتقييم عدد المقاتلين الذين قتلوا بين عامي 1956 و1962، وهي الفترة التي شهدت أكبر مشاركة للقوات الفرنسية، بنحو 7500 فرد، لكن إجمالي الضحايا من المرجح أن يصل إلى عشرات الآلاف من الكاميرونيين.
وفقًا لمقتطفات من التقرير، يمكن تتبع أصل المواجهة بين السلطات الاستعمارية والمعارضة المؤيدة للاستقلال من خلال منظور الوضع الاستعماري طويل الأمد (1945-1955)، ثمّ التحول من القمع السياسي والدبلوماسي والشرطي والقضائي إلى الحرب التي قادها الجيش الفرنسي (1955-1960)، والتي استمرت حتى بعد استقلال الكاميرون (1960-1965).