تباينت آراء المحللين والخبراء بشأن الدوافع التي تقف وراء انقلاب الغابون الذي أزاح الرئيس علي بونغو؛ ففي حين رأى بعضهم أنه قد يكون استباقيا لحماية مصالح فرنسا ونفوذها في هذا البلد الأفريقي، طالب آخرون بالانتظار قبل إطلاق أحكام نهائية مع التأكيد أنه حالة مختلفة عن الانقلابات التي وقعت خلال السنوات الأخيرة في القارة السمراء.

من جهتها، أقرت مديرة معهد دراسات العلاقات الدولية والإستراتيجية في باريس ليزلي فارين بأن الانقلاب الذي وقع في الغابون وضع فرنسا في موقف حساس وصعب للغاية، شأنه في ذلك شأن كل الانقلابات التي تحدث في الدول الفرانكفونية.

وأشارت -في تصريحات لها لبرنامج "ما وراء الخبر" (2023/08/30)- إلى عدم يقينها بالطريقة التي سوف تتعامل بها باريس مع هذا الانقلاب، وإذا ما ستكون بالشدة نفسها التي تعاملت بها مع انقلاب النيجر؛ بأن تدعو إلى شن عملية عسكرية لإعادة الرئيس علي بونغو إلى السلطة، لافتة إلى أن باريس علقت على الانقلاب بإدانة متوقعة، ولكنها مخففة.

وأعلن عسكريون -صباح الأربعاء- استيلاءهم على السلطة في الغابون وإلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية وحل المؤسسات الحكومة، ولاحقا أعلن قادة الانقلاب اختيارهم قائد الحرس الجمهوري الجنرال بريس أوليغي نغيما قائدا للمرحلة الانتقالية.

وفي ما يتعلق بردود الفعل القارية والإقليمية المتوقعة بشأن الانقلاب، رجح الأكاديمي النيجري والخبير في الشؤون الأفريقية إدريس آيات أن هذه المواقف لا تتجاوز "التنديد"، موضحا أن "الغابون حالة خاصة، والرئيس المطاح به مريض، وقد ظهر في الفيديو كطفل صغير يستنجد بالمجتمع الدولي"، على حد قول آيات.

وحذر الأكاديمي النيجري فرنسا من التعامل بطريقة خاطئة مع الانقلابيين في الغابون، مؤكدا أنها إذا فعلت ذلك فستدفع قيادة البلد الحالية إلى الارتماء في أحضان روسيا، مرجحا أن تتعامل باريس ببراغماتية مثلما تتعاطى الولايات المتحدة مع انقلاب النيجر، على حد وصفه.

وأشار إلى أن الجنرال أوليغي نغيما كرر أكثر من مرة أنه لا يهدد مصالح الحلفاء الإقليميين والدوليين ولا يتشبث بالسلطة.

وفي السياق نفسه، أشار أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جنيف حسني عبيدي إلى -ما سماه- تردد الموقف الفرنسي إزاء ما حصل في الغابون، إذ لم تشهد باريس استنفارا داخليا بين مؤسسات الرئاسة ووزارة الخارجية ومجلس الأمن الوطني الفرنسي كما حدث بعد الانقلاب في النيجر، لذلك لم يستبعد عبيدي أن يكون انقلاب الغابون هو "انقلاب استباقي لمنع حدث آخر قد يضر بالمصالح الفرنسية".

وقال إن هناك جاهزية لدى فرنسا لتغيير سياستها في الدول الأفريقية، لأن النخب القريبة منها تتغير، مبرزا أن أوروبا بدأت تهتم بأفريقيا عندما ضاعفت الصين حجم تبادلها التجاري مع هذه الدول، وبسبب خوفها من تزايد النفوذ الروسي بعد توغل مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة في بعض دول القارة السمراء.

وكان المتحدث باسم الحكومة الفرنسية قد أعرب عن إدانة فرنسا للانقلاب في الغابون، وشدد على ضرورة احترام نتائج الانتخابات.

أسباب الانقلاب

وعن دوافع وأسباب الانقلاب العسكري في الغابون، تحدث عبيدي عن تراكمات عديدة، ومنها تشبث الرئيس المطاح به بالسلطة وحكمه الذي وصفه بالسيئ، بالإضافة إلى تحكم أصحاب النفود والمصالح في شؤون البلاد ومقدراتها، معتبرا أن توقيف نجل بونغو من قبل قادة الانقلاب يعكس رفضهم توريثه السلطة.

أما الأكاديمي النيجري والخبير في الشؤون الأفريقية، فيرى أن أبرز أسباب الانقلاب -من وجهة نظره- هو تحكم عائلة بونغو في السلطة منذ 5 عقود وقيامها بقمع واضطهاد الشعب، مشيرا إلى أن الرئيس -الذي وُضع قيد الإقامة الجبرية- قام بتعديل الدستور وتقييد الحريات، خاصة على أحزاب المعارضة، كما أنه منع دخول المراقبين وقطع الإنترنت خلال الانتخابات الأخيرة.

ولفت إلى أن الغابون شهدت بوادر ومؤشرات توحي بحدوث انقلاب، وذلك بفعل الاستياء الشعبي من الحكم القائم، "لكن المجتمع الدولي لم يكترث بالأمر".

وبالإضافة إلى الدوافع الداخلية، تحدث الأكاديمي آيات عن أسباب خارجية أدت إلى وقوع الانقلاب، من أبرزها أن أفريقيا الفرانكفونية تحاول الخروج من النفوذ الفرنسي، مؤكدا أن عائلة بونغو عرفت بدعمها لسياسيين فرنسيين من اليمين والوسط، وهو ما دفع عناصر من المعارضة وضباطا صغارا إلى تنفيذ الانقلاب، حسب قوله.

ويذكر أن علي بونغو حكم الغابون لمدة 14 عاما، خلفا لوالده عمر بونغو الذي تولى السلطة لنحو 42 عاما. وعام 2016، أضرم متظاهرون النيران في مبنى البرلمان، عندما اندلعت احتجاجات عنيفة رفضا لفوز بونغو بولاية ثانية.

واستقلت الغابون عن فرنسا يوم 17 أغسطس/آب 1960، وتملك باريس قاعدة عسكرية دائمة في البلاد.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی الغابون إلى أن

إقرأ أيضاً:

من كان منكم بلا تجربة، فليرمهم بحجر

تجاوزت أعوام تجريب السودانيين حكم أنفسهم، السبعين عاماً، فمنذ العام 1953 حين بدأت تجربة الحكم الذاتي تمهيداً للاستقلال وحتى الآن، والسودانيون يحكمون أنفسهم.

وخلال هذه العقود السبعة، مرت على السودان جميع أشكال أنظمة الحكم، من نظام “ديمقراطي” تُشرف عليه السلطة الاستعمارية، إلى نظام حكم وطني متعدد الأحزاب، إلى نظام يُنشئه إنقلاب عسكري يبدأ قابضاً ثم يبسط قدراً من الحريات والتعدد، إلى نظام انتقالي ينشأ إثر حِراك شعبي نسميه ثورة، وتستجيب له القوات المسلحة فتطيح بالنظام القائم .. وهكذا دواليك !!

نشأ أول نظام حكم وطني عقب الحرب العالمية الأولى، في ضوء سياسات جلاء الاستعمار عن مستعمراته، وتأثرت أنظمتنا اللاحقة بما تلا ذلك من أجواء الثنائية القطبية، في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين حيث كانت تسود أجواء الحرب الباردة والاستقطاب بين المعسكرين الاشتراكي الشرقي والرأسمالي الغربي، وسادت في منطقتنا أنظمة يسارية وأخرى قومية، حيث وصلت أحزاب شيوعية وقومية عربية إلى سدة الحكم في كثير من دول المنطقة بما في ذلك السودان، وخلال السبعين عاماً هذه تأثرت أنظمة الحكم عندنا بتقلبات الوضع الدولي، فمن الحرب الباردة إلى انهيار الإتحاد السوفيتي إلى “السوبر بور” ونظام القطب الواحد، مروراً بموجات الربيع العربي فالثورة المضادة، فعلت كلها فعلها في دعم أنظمة الحكم عندنا أو دعم معارضيها !!

وعلى وجه الإجمال يمكننا القول أن حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي، حكما قبيل الإستقلال وبعده إلى أن سلما السلطة للجيش في نوفمبر 1958 ثم عادا إلى السلطة عقب ثورة أكتوبر 1964 إلى أن أطاح بهما إنقلاب الشيوعيين والقوميبن في مايو 1969 ثم عادا إلى السلطة عقب ثورة أبريل 1985 إلى أن أطاح بهما إنقلاب الإنقاذ الذي وقف وراءه الإسلاميون.

ووصل الشيوعيون والقوميون إلى سدة الحكم عقب تدبيرهما إنقلاب جعفر نميري لكن بقاءهما الصريح في السلطة لم يدم إلا لسنوات معدودة، ثم عادا إلى السلطة عقب الإطاحة بنظام الإنقاذ في 2019 وبقيا لنحو ثلاث سنوات.

وشارك الإسلاميون في الحكم عقب المصالحة الوطنية مع نظام الرئيس نميري لنحو ست سنوات، ثم شاركوا في الائتلاف القصير الذي شكله الصادق المهدي في أواخر سني حكمه الأخير ثم وصلوا إلى السلطة عبر إنقلاب 1989، فكانوا بذلك أطول القوى السياسية بقاء في السلطة.

أما في تجارب المعارضة، فيمكننا أن نجملها في معارضة الجبهة الوطنية التي ضمت أحزاب الأمة والاتحادي والإسلاميين لنظام الرئيس نميري لنحو عشر سنوات، ومعارضة الشيوعيين لذات النظام لنحو 12 عاماً، ثم معارضة الأمة والاتحادي وكل قوى اليسار لنظام الإنقاذ لخمسة عشر عاماً متصلة أعقبتها سبعة أعوام متفرقة، وهكذا شكلت أحزاب الأمة والاتحادي والشيوعيين أطول فترات السودان معارضة.

وفي تجارب المعارضات لم تبق قوي سياسية سودانية جربت ذلك ولم تحمل السلاح في وجه السلطة المركزية، أو تدعم القوى التي تحمل السلاح، بدءً بتجربة الجبهة الوطنية مروراً بتجربة الحركة الشعبية ثم التجمع الوطني الديمقراطي وانتهاءً بحركتي تحرير السودان والعدل والمساواة في دارفور.

وخلال هذه العقود السبعة، تضاعف عدد الأحزاب السياسية لأكثر من عشرة أضعاف، وعدد حركات التمرد لأكثر من ثلاثين ضعفاً، وظلت كل هذه القوى تتصارع حول السلطة، بين حاكم ومعارض، وتستخدم كافة الأساليب في ذلك، حتى أنه لم يعد في جسد السودان مكاناً إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح ، وحتى صرنا مضرب الأمثال في عدم الإستقرار السياسي، بدليل أن نخبتنا السياسية لم تتمكن حتى الآن من اعتماد دستور دائم للبلاد !!

مسؤولية الحال الذي وصلنا إليه لا تقع على عاتق الآباء المؤسسين للاستقلال وحدهم، ولا على عاتق الذين تعاقبوا على الحكم بعدهم إلى يوم الناس هذا، وإنما تقع أيضاً على عاتق الذين تناوبوا في معارضة الأنظمة التي حكمتنا، وإن كان قدر المسؤولية يتفاوت بين نظام وآخر وبين معارضة وأخرى، ولهذا فإن المطلوب – لكي نخرج من هذا النفق الذي نحن فيه – أن نُخضع جميع تجاربنا ، في الحكم كانت أو في المعارضة، إلى مراجعة دقيقة وتشريح ونقد، لنعرف جوانب الرشد في تلك التجارب، إن وجدت، وجوانب الطيش والاخفاق.

إن مطالبة الإسلاميين وحدهم بنقد تجربتهم والتطهر من أدرانها، وإهمال تجارب الآخرين ممن سبقوا أو لحقوا، لا يعني سوى كونه نوع من التنمر السياسي الذي لن يؤدي إلى جرد حساب حقيقي، وسيبعث للتشكيك في مقاصده، والأولى بنا جميعاً أن نقر بمسؤوليتنا المشتركة عمّا آلت إليه أوضاع بلادنا، ومسؤوليتنا كذلك عن التصدي لانتشالها من وهدتها، والمدخل السليم إلى ذلك هو الإعتراف بالتقصير، كلٌ بحسب تجربته، والتنادي إلى حوار حقيقي، لا يستثني أحداً، نخرج في ردهاته الهواء الساخن، ونعترف أمام بعضنا بأخطائنا وأوجه القصور في تجاربنا، ونرسم مجتمعين مستقبل بلادنا، ونترك لشعبنا أن يختار في أجواء معافاة، مَن الذي يرغب في أن يوليه أمره، أو يحجب عنه ثقته.

العبيد أحمد مروح

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • كيف يفكّر ترامب وإيلون ماسك في قيادة أمريكا؟
  • من كان منكم بلا تجربة، فليرمهم بحجر
  • الشروع في تكسية دونور الدارالبيضاء بالعشب لإستقبال مبارتي المغرب ضد النيجر وتنزانيا
  • وزير الخارجية السوري: لن ندع السلطة في يد شخص واحد
  • مؤتمر وطني في النيجر يناقش مستقبل البلاد
  • عميد جامع الجزائر يستقبل وفدا وزاريا من النيجر
  • قبائل غرب صنعاء تؤكد جاهزية رجالها لخوض معركة التحرير الفاصلة واسناد القوات المسلحة (صور)
  • تصاعد الغضب ضد "ترامب وماسك".. متظاهرون في بوسطن: أوقفوا الانقلاب
  • رد "فاتر".. كيف تعاملت روسيا مع دعوة ترامب بشأن "السبع"؟
  • الركراكي في جولة بأروبا قبل إغلاق قائمة مباراة منتخب المغرب مع النيجر وتنزانيا