النقد الدولي: الاقتصاد العالمي يُبدي صلابته على المدى القصير وسط التحديات المستمرة
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
تشديد السياسة النقدية في أنحاء العالم جعل أسعار الفائدة الأساسية في نطاق الانكماش
من المتوقع أن يظل المتوسط السنوي للتضخم الأساسي في الاقتصادات المتقدمة دون تغيير عند 5.1% هذا العام، قبل أن يتراجع إلى 3.1% في 2024.
«عمان»: أشار تقرير حديث لصندوق النقد الدولي إلى أن الاقتصاد العالمي لا يزال يتعافى بالتدريج من الجائحة والحرب الروسية في أوكرانيا.
فالأزمة الصحية التي سببتها جائحة كوفيد-19 قد انتهت رسميا، والانقطاعات في سلاسل الإمداد عادت إلى المستويات التي كانت عليها قبل الجائحة. وكان النشاط الاقتصادي في الربع الأول من السنة قد أثبت صلابته، برغم البيئة المحفوفة بالتحديات، والقوة المثيرة للدهشة التي تتسم بها أسواق العمل. وانخفضت أسعار الطاقة والغذاء انخفاضا حادا عن مستويات الذروة التي بلغتها نتيجة للحرب، وهو ما سمح بانحسار الضغوط التضخمية العالمية بوتيرة أسرع من المتوقعة. ولا يزال عدم الاستقرار المالي الذي أعقب اضطراب القطاع المصرفي في شهر مارس قيد الاحتواء بفضل الإجراءات القوية التي اتخذتها السلطات الأمريكية والسويسرية. غير أن هناك الكثير من التحديات التي لا تزال تخيم على الآفاق، ولا يزال الوقت مبكرا على الاحتفال بهذه التطورات.
ووفق تنبؤات الصندوق في السيناريو الأساسي، سوف يتباطأ النمو من مستواه العام الماضي حين بلغ 3.5% إلى 3% هذا العام والعام التالي، بارتفاع قدره 0.2 نقطة مئوية لعام 2023 مقارنة بتوقعاتنا في إبريل الماضي. ويُتوقع تراجع التضخم العالمي من 8.7% العام الماضي إلى 6.8% هذا العام، بانخفاض قدره 0.2 نقطة مئوية، وإلى 5.2% في 2024.
ويتركز التباطؤ في الاقتصادات المتقدمة، حيث سينخفض النمو من 2.7% في 2022 إلى 1.5% هذا العام ويظل ضعيفا فلا يتجاوز 1.4% العام القادم. ويُتوقع تباطؤ النمو بشدة في منطقة اليورو، التي لا تزال مفتقرة إلى التوازن بفعل الارتفاع الحاد في أسعار الغاز العام الماضي من جراء الحرب.
وعلى العكس من ذلك، لا تزال التوقعات تشير إلى ارتفاع النمو في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية مع تسارع وتيرة النمو على أساس سنوي مُقارَن من 3.1% في 2022 إلى 4.1% هذا العام والعام القادم. ومع ذلك، فإن هذا المتوسط يحجب اختلافات كبيرة بين البلدان، فنجد أن آسيا الصاعدة والنامية ستحقق نموا قويا يصل إلى 5.3% هذا العام، بينما سيعاني كثير من البلدان المصدرة للسلع الأولية من تراجع إيرادات التصدير.
مخاطر محتملة
وقال الصندوق: إن من الأنباء الجديرة بالترحيب هي زيادة قوة النمو وانخفاض التضخم عن المستويات المتوقعة، مما يشير إلى أن الاقتصاد العالمي يسير في الاتجاه الصحيح. ومع هذا، بينما تراجعت بعض المخاطر المعاكسة، لا يزال الميزان مائلا نحو التطورات السلبية.
أولا، هناك إشارات متزايدة على أن النشاط العالمي بدأ يفقد زخمه. فتشديد السياسة النقدية في أنحاء العالم جعل أسعار الفائدة الأساسية في نطاق الانكماش. وقد بدأ ذلك يؤثر سلبا على النشاط الاقتصادي، ويبطئ نمو الائتمان الممنوح للقطاع غير المالي، ويزيد مدفوعات الفائدة التي تسددها الأسر والشركات، ويفرض ضغوطا على أسواق العقارات. وفي الولايات المتحدة، نجد أن المدخرات الفائضة من التحويلات ذات الصلة بالجائحة، والتي ساعدت الأسر على تجاوز أزمة تكلفة المعيشة وتشديد الأوضاع الائتمانية، قد نضبت كلها تقريبا. وفي الصين، فإن التعافي الذي أعقب إعادة فتح الاقتصاد يُبدي بوادر تراجع الزخم وسط المخاوف المستمرة بشأن قطاع العقارات، مع ما لذلك من انعكاسات على الاقتصاد العالمي.
وثانيا، لا يزال التضخم الأساسي، الذي يستبعد أسعار الطاقة والغذاء، أعلى بكثير من أهداف البنوك المركزية، ومن المتوقع أن يتراجع بالتدريج من 6% هذا العام إلى 4.7% في 2024، بارتفاع قدره 0.4 نقطة مئوية. والأمر الأكثر مدعاة للقلق هو أن معدل المتوسط السنوي للتضخم الأساسي في الاقتصادات المتقدمة من المتوقع أن يظل دون تغيير عند 5.1% هذا العام، قبل أن يتراجع إلى 3.1% في 2024. ومن الواضح أن الحرب ضد التضخم لم تضع أوزارها بعد.
ومن العوامل التي لها دور رئيسي في استمرار التضخم وفقًا للتقرير، تطورات سوق العمل وديناميكيات الأجور والأرباح. ولا تزال أسواق العمل نقطة مضيئة بصفة خاصة مع انخفاض معدلات البطالة، وارتفاع مستويات توظيف العمالة، مقارنة بما كانت عليه قبل جائحة كوفيد في كثير من الاقتصادات. وقد ازداد تضخم الأجور عموما لكنه لا يزال أقل من تضخم الأسعار في معظم البلدان. والسبب بسيط كما أن ليست له علاقة تُذكر بما يُطلق عليه «تضخم الجشع»، أي رفع الأسعار بوتيرة أسرع من الأجور عندما يكون الطلب الاسمي أعلى بكثير مما يستطيع الاقتصاد أن ينتجه. وتراجعت الأجور الحقيقية، نتيجة لذلك، بنحو 3.8% بين الربع الأول من 2022 و2023 في الاقتصادات المتقدمة وكبرى اقتصادات الأسواق الصاعدة.
وانخفاض الأجور الحقيقية يُترجم إلى انخفاض في تكاليف القوى العاملة. وقد يفسر ذلك جزءا من قوة سوق العمل برغم تباطؤ النمو. ولكن الزيادة المُلاحظة في الوظائف في كثير من البلدان تتجاوز ما قد يشير إليه تراجع تكاليف القوى العاملة. ومن الإنصاف قول: إن الأسباب ليست مفهومة بشكل تام.
فإذا ظلت أسواق العمل قوية، ينبغي أن نتوقع استعادة الأجور الحقيقية ما فقدته، وأن نرحب بذلك. ويعني ذلك أن نمو الأجور الاسمية سيظل قويا لفترة حتى مع تراجع تضخم الأسعار. وبالفعل، فقد بدأت الفجوة بين الاثنين تتقلص. ولأن هوامش أرباح الشركات في المتوسط نمت بقوة في العامين الماضيين، فإنني لا أزال على ثقة من أن المجال متاح لاستيعاب ارتداد الأجور الحقيقية دون إثارة دوامة من الارتفاعات المتعاقبة في الأجور والأسعار. ومع ثبات التوقعات التضخمية في كبرى الاقتصادات، وتباطؤ النشاط الاقتصادي، من المتوقع أن تساعد ضغوط السوق على احتواء انتقال آثار تكاليف العمل إلى الأسعار.
ولتطورات سوق العمل أهمية بالغة. يقول خبراء الصندوق: إذا تدهورت الأوضاع الاقتصادية في الأجل القصير، تكمن المخاطر من احتمال قيام الشركات بتغيير مسارها وتقليص الوظائف بشكل حاد. وعلى نحو منفصل، تشير قوة تعافي الوظائف، وما اقترن بها من زيادة طفيفة وحسب في الناتج، إلى تراجع إنتاجية القوى العاملة– وهي مقدار الناتج لكل ساعة عمل. وإذا استمر هذا الاتجاه العام، فلن يبشر بتحقيق النمو على المدى المتوسط.
وبرغم تشديد السياسة النقدية وتباطؤ الإقراض المصرفي، تراجعت الأوضاع المالية منذ موجة الضغوط المصرفية التي شهدها شهر مارس. وحدثت طفرة في تقييمات أسواق الأسهم، ولا سيما في شريحة الذكاء الاصطناعي في قطاع التكنولوجيا. واستمر الانخفاض في سعر صرف الدولار، تدفعه توقعات السوق بانخفاض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وزيادة الإقبال على المخاطرة، وهو ما سمح ببعض الانفراج في البلدان الصاعدة والنامية. وهناك مخاطر في الفترة القادمة من إعادة التسعير على نحو حاد – إذ ارتفع التضخم على نحو مفاجئ أو تراجعت الرغبة في المخاطرة على المستوى العالمي – وهو ما يسبب الهروب نحو الأصول الآمنة بالدولار وارتفاع تكاليف الاقتراض وزيادة حالات المديونية الحرجة.
ويقول الصندوق: نأمل، مع بدء تراجع التضخم، أن نكون قد دخلنا المرحلة الأخيرة من الدورة التضخمية التي بدأت في 2021. ولكن الأمل ليس سياسة، وقد تثبت صعوبة الوصول إلى مرحلة الهبوط. وقد أصبحت المخاطر المحيطة بالتضخم الآن أكثر توازنا كما أن هناك احتمالات أقل بأن يحتاج معظم الاقتصادات الكبرى إلى تطبيق زيادات كبيرة إضافية في أسعار الفائدة الأساسية. فقد بلغت أسعار الفائدة ذروتها بالفعل في بعض اقتصادات أمريكا اللاتينية. ومع هذا، فمن الأهمية بمكان تجنب خفض أسعار الفائدة قبل الأوان، أي إلى حين ظهور بوادر واضحة ومستمرة على تراجع التضخم الأساسي. وتلك نقطة لم نصل إليها بعد. وفي هذه الأثناء، ينبغي أن تواصل البنوك المركزية مراقبة النظام المالي وأن تظل على أهبة الاستعداد لاستخدام أدوات أخرى من أجل الحفاظ على الاستقرار المالي.
وأضاف: بعد مُضي سنوات من الدعم الكبير من المالية العامة في كثير من البلدان، حان الوقت لاستعادة هوامش الأمان المالي بالتدريج ووضع ديناميكية الدين على مسار أكثر استدامة. وسوف يساعد ذلك على حماية الاستقرار المالي وتعزيز المصداقية الكلية لاستراتيجية إبطاء معدل التضخم. وليست هذه دعوة للتقشف المعمم، فينبغي عند تحديد وتيرة هذا الضبط المالي وتكوينه أن يوضع في الاعتبار قوة الطلب الخاص، مع حماية أضعف الفئات. ومع هذا، تبدو بعض تدابير الضبط ملائمة تماما. وعلى سبيل المثال، مع عودة أسعار الطاقة إلى المستويات التي كانت عليها قبل الجائحة، ينبغي إلغاء كثير من تدابير المالية العامة، مثل دعم الطاقة، بالتدريج.
ويمثل الحيز المالي كذلك عاملا مهما في تنفيذ كثير من الإصلاحات الهيكلية اللازمة، ولا سيما في الاقتصادات الصاعدة والنامية. ويضيف الصندوق: يكتسب ذلك أهمية خاصة نظرا لتراجع آفاق نمو نصيب الفرد من الدخل على المدى المتوسط على مدار العقد الماضي. وتشهد الاقتصادات منخفضة ومتوسطة الدخل تباطؤا أشد حدة مقارنة بالاقتصادات مرتفعة الدخل. وبعبارة أخرى، فإن احتمالات اللحاق بالاقتصادات ذات مستويات المعيشة الأعلى قد تراجعت تراجعا ملحوظا. وفي الوقت نفسه، فإن ارتفاع مستويات الدين يمنع كثيرا من الاقتصادات منخفضة الدخل والاقتصادات الواعدة من تنفيذ الاستثمارات التي تحتاجها للنمو بوتيرة أسرع، مع زيادة مخاطر الوقوع في حالة المديونية الحرجة في أماكن كثيرة. والتقدم مؤخرا نحو تسوية ديون زامبيا يدعو إلى التفاؤل، لكن الحاجة ماسة إلى تعجيل التقدم فيما يتعلق بالبلدان الأخرى المثقلة بالديون.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاقتصاد العالمی أسعار الفائدة المتوقع أن هذا العام على المدى لا یزال لا تزال
إقرأ أيضاً:
استطلاع لرويترز: نمو الاقتصاد المصري 5% وانخفاض في أسعار الفائدة والتضخم
توقع اقتصاديون في استطلاع أجرته وكالة «رويترز» أن يتسارع نمو الاقتصاد المصري بنسبة 4% في العام المالي 2025/2024 والذي ينتهي في 30 يونيو المقبل.
ورجح 19 اقتصاديا شملهم الاستطلاع، أن ترتفع نسبة نمو الاقتصاد المصري في السنة المالية 2026/2025 إلى 4.7% وخلال العام 2027/2026 لنحو 5%
ربط الاقتصاديون نمو الناتج المحلي الإجمالي في مصر باستمرار إجراءات صندوق النقد الدولي في المساعدة على تحسين البيئة الاقتصادية.
كما انخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 2.4% في 2023/2024 من 3.8% في العام السابق، وفقًا لأرقام البنك المركزي المصري، وذلك بسبب أزمة العملة والحرب في غزة، والتي خفضت إيرادات قناة السويس وأبطأت نمو قطاع السياحة بالبلاد.
وقعت مصر في مارس الماضي حزمة إصلاحات مالية بقيمة 8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي، بعد تأمين 24 مليار دولار من صندوق الثروة السيادي لدولة الإمارات العربية المتحدة في فبراير 2024 للاستثمار العقاري على ساحل البحر المتوسط.
كابيتال إيكونوميكس ترجح نمو الاقتصاد المصري بنسبة 5% في العام المالي الحالي 2025/2024وقال جيمس سوانستون من كابيتال إيكونوميكس، والذي توقع نمو الاقتصاد المصري بنسبة 5% في العام 2025/2024: «نحن متفائلون بشأن آفاق الاقتصاد المصري على مدى السنوات القليلة المقبلة، وتشير بيانات المسح إلى أن ضعف الجنيه بدأ يعود بالنفع على الصناعات الموجهة نحو التصدير من خلال تحسين القدرة التنافسية الخارجية».
وتوقع صندوق النقد الدولي في تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمي الذي أصدره هذا الأسبوع، أن ينمو اقتصاد أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان «مصر» بنسبة 3.6% في السنة المالية الحالية وبنسبة 4.1% في 2025/2026، في حين توقع البنك الدولي نمو اقتصادي بنسبة 3.5% هذا العام و4.2% في العام المقبل.
وفي الوقت نفسه تتوقع وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي نمو الاقتصاد المصري بنسبة 4% في 2025/2024.
فيتش ترفع توقعات نمو اقتصاد مصر في السنة المالية الجارية إلى 3.9%
بنك أبوظبي التجاري يتوقع نمو اقتصاد مصر بنسبة 4.5%وقالت مونيكا مالك من بنك أبوظبي التجاري في أبوظبي، والذي يتوقع نمو الاقتصاد المصري 4.5% هذا العام، «إن تخفيف السياسة النقدية واستئناف تدفقات قناة السويس من شأنه أن يساعد النمو، لكن عوامل أخرى من شأنها أن تثقل كاهل مصر.»
وقال مالك «ما زلنا نرى عدداً من التحديات التي تواجه آفاق النمو في مصر، بما في ذلك خلفية السياسة المالية الصارمة ومستويات الاستثمار الضعيفة»".
التضخم في مصرأما على جانب التضخم في مصر، توقع استطلاع رويترز أن يتباطأ معدل التضخم السنوي العام حتى 20.4% في 2024/2025 وإلى 12.4% في 2025/2026.
كان معدل التضخم تراجع من أعلى مستوى قياسي له عند 38% في سبتمبر 2023، ليصل إلى 24.1% في ديسمبر 2024.
سعر الصرفوبحسب متوسط توقعات المحللين للعملة، من المتوقع أن يبلغ الجنيه المصري حوالي 52 جنيها للدولار بحلول نهاية يونيو 2025، و54.75 بحلول نهاية يونيو 2026.
وقبل السماح له بالهبوط كجزء من برنامج صندوق النقد الدولي في مارس 2024، أبقى البنك المركزي سعر الجنيه ثابتًا عند 30.85 جنيهًا للدولار. فيما يتداول الجنيه الآن عند حوالي 50.3 جنيهًا للدولار.
سعر الفائدة في البنك المركزيويرجح الاقتصاديون أن ينخفض سعر الإقراض لليلة واحدة في البنك المركزي المصري بأكثر من 4% ليصل إلى 24% بنهاية يونيو من 28.25% حالياً، وبنسبة 10.5% إلى 17.75% بنهاية يونيو 2026، وفقاً لتقديرات المحللين، وهو معدل انخفاض أبطأ مما توقعوه في أكتوبر الماضي.
عودة ترامب تدفع توقعات التضخم لدى الاقتصاديين إلى الارتفاع
وزير الاستثمار يشارك بفعاليات النسخة 55 من المنتدى الاقتصادي العالمي
البنك الدولي يتوقع تحسنا بمؤشرات النمو الاقتصادي بإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في 2025